شرح أخصر المختصرات [45]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل:

والوقف سنة، ويصح بقول وفعل دال عليه عرفاً، كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة، وأذن للناس أن يصلوا ‏فيه ويدفنوا فيها.

وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدت.

وشروطه خمسة: كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها، ‏وكونه على بر، ويصح من مسلم على ذمي وعكسه، وكونه في غير مسجد ونحوه على معين ‏يملك، وكون واقف نافذ التصرف، ووقفه ناجزاً.

‏ويجب العمل بشرط واقف إن وافق الشرع، ومع إطلاق يستوي غني وفقير، وذكر وأنثى.

والنظر عند عدم الشرط لموقوف عليه إن كان محصوراً، وإلا فلحاكم، كما لو كان على ‏مسجد ونحوه.

وإن وقف على ولده أو ولد غيره فهو لذكر وأنثى بالسوية، ثم لولد بنيه، وعلى بنيه أو بني فلان ‏فللذكور فقط، وإن كانوا قبيلة دخل النساء دون أولادهن من غيرهم، وعلى قرابته أو أهل بيته أو قومه ‏دخل ذكر وأنثى من أولاده وأولاد أبيه وجده وجد أبيه، لا مخالف دينه.‏

وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإلا جاز التفضيل ‏والاقتصار على واحد].

تعريف الوقف ودليله

يعرف الوقف كما في زاد المستقنع بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ولذلك قالوا: إنه عقد لازم، وقالوا: إنه لا يصح الرجوع فيه، ولا يصح بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، فيباع ويصرف ثمنه في مثله.

والواقف يقصد الأجر، هذا هو الأغلب على الواقف؛ وذلك لأن الأجر يستمر بعد موت الواقف.

ودليله من السنة حديث عمر رضي الله عنه: أنه أصاب أرضاً بخيبر -أي:ملكها- لم يصب مالاً هو أعجب عنده منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل بها؟ فقال: (إن شئت حبست أصلها وسبلتها، ففعل ذلك عمر رضي الله عنه، فجعلها مسبلة على الفقير والمسكين وابن السبيل والضيف وفي وجوه الخير، وجعل لمن يشتغل فيها أن يأكل منها غير متأثل مالاً) أي: بقدر عمله فيها.

يقول: هذا البستان وقف سبلته، لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ولا يُقسم على الورثة، بل يكون وقفاً، يبتغي به وجه الله، وثمرته وما يخرج منه تُنفق في وجوه الخير، أي: إذا كان يخرج منه تمر أو عنب أو ثمر مأكول أو ينتفع به، فإنه يتصدق بها على الفقراء وذوي الحاجات، فيأتيه أجر هذه الصدقة بعد موته.

ومن الأدلة على الوقف الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فإذا وقف داراً وقال: يسكنها ذوو الحاجة بدون أجرة، فإنه على خير، وله أجر، أو قال: تؤجر ويُتصدق بثمنها على المساكين وعلى الفقراء والمستضعفين؛ فإنه على خير، فهي صدقة جارية، أو وقف دكاناً وقال: أُجرته على فقراء آل فلان، أو فقراء البلد الفلانية، أو فقراء قبيلة كذا، فله أجر، ولا شك أنه يأتيه الأجر ما دامت الدار عامرة أو المزرعة يُنتفع بها، وكذلك بقية ما يُنتفع به.

انقسام صيغة الوقف إلى صريح وكناية

لابد في الوقف من صيغة، والصيغة: قول أو فعل، فيصح بقول، ويصح بفعل دال عليه، وقد مثل للفعل بقوله: (كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة وأذن للناس أن يصلوا فيه ويدفنوا فيها) أي: بنى أرضه مسجداً وأذن فيه، وفتح أبوابه، فلا يحتاج إلى أن يقول: أشهدكم أني أخرجته من ملكي، وأنه وقف لله، فإذا بناه مسجداً، وجعل محرابه إلى القبلة، وجعل له علامات المسجد كمنارة ونحوها، وأذّن فيه أو ركّب فيه مؤذناً، فقد أصبح هذا وقفاً يأتيه أجره ما دام المسجد عامراً بالمصلين، وكذلك لو كان عنده أرض، فسورها وفتح أبوابها، وأذِن للناس أن يدفنوا فيها أمواتهم، فقد أصبحت مقبرة مسبلة، وخرجت من ملكه، وأصبحت وقفاً على أموات المسلمين.

أما الصيغة القولية، فذكر المصنف أن منها ما هو صريح ومنها ما هو كناية، يقول: (وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدتّ)، فإذا قال: وقفت هذا الكتاب أو حبسته أو سبلته أصبح وقفاً ولزمه، ولم يجز له بعد ذلك بيعه، وجاز أن ينتفع به من احتاج إليه أو من وقف عليه، وكذلك لو قال: حبست هذا المُكبر وجعلته لله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أصبح بهذه الكلمة وقفاً لازماً، وخرج عن ملكه، ولم يحق له أن يرجع فيه، وكذا لو قال: سبلت هذا المكيف، خرج عن ملكه، فكلمة (سبلت) صريحة في أنه أراد بذلك إخراجه من ملكه وجعله وقفاً، وكذلك (وقفت، وحبست) فهذه عبارات صريحة.

وأما الكنايات فهي: (تصدقت، وحرمت، وأبدت)، والغالب أن كلمة (تصدقت) تكون لإخراجه من ملكه ولتمليكه للمتصدق عليه، فإنه إذا قال: تصدقت بهذا الثوب على فلان، فإن المتصدق عليه يملكه، ولكن إذا قال: تصدقت بهذا الثوب أو بهذه العباءة لمن يحتاج إليه من المسلمين، جاز ذلك، وخرج عن ملكه وأصبح وقفاً، ولابد في هذه الكنايات من النية، وذلك بأن ينوي أنه وقف.

وأما قوله: (حرمت) فالأصل أن التحريم هو المنع، ولكن قد يريد بقوله: حرمت، أي: حرمت بيعه، وحرمت أن يملكه شخص، وجعلته محرماً على ورثتي أو على شخص معين، فإذا نوى أنه وقف صار وقفاً.

وكذلك قوله: (أبدت)، كما إذا قال: أبدت هذه الفرش، أي: أخرجتها من ملكي، وجعلتها محرمة مؤبدة ليس لي فيها تصرف، فتصير وقفاً بهذه الكلمة.

والعلماء يشترطون النية مع هذه الكنايات: (تصدقت وحرمت وأبدت)، وذلك أن يكون القائل ناوياً بذلك كونه وقفاً، أو يكمل ذلك بعبارة أخرى كأن يقول: تصدقت به صدقة محرمة، أو مؤبدة، أو مسبلة، أو محبسة، أو موقوفة، أو يقول: تصدقت به صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، فيفهم من ذلك أنه جعله وقفاً، وأنه أخرجه من ملكه حتى ينتفع به.

يعرف الوقف كما في زاد المستقنع بأنه: تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، ولذلك قالوا: إنه عقد لازم، وقالوا: إنه لا يصح الرجوع فيه، ولا يصح بيعه إلا إذا تعطلت منافعه، فيباع ويصرف ثمنه في مثله.

والواقف يقصد الأجر، هذا هو الأغلب على الواقف؛ وذلك لأن الأجر يستمر بعد موت الواقف.

ودليله من السنة حديث عمر رضي الله عنه: أنه أصاب أرضاً بخيبر -أي:ملكها- لم يصب مالاً هو أعجب عنده منها، فاستشار النبي صلى الله عليه وسلم ماذا أفعل بها؟ فقال: (إن شئت حبست أصلها وسبلتها، ففعل ذلك عمر رضي الله عنه، فجعلها مسبلة على الفقير والمسكين وابن السبيل والضيف وفي وجوه الخير، وجعل لمن يشتغل فيها أن يأكل منها غير متأثل مالاً) أي: بقدر عمله فيها.

يقول: هذا البستان وقف سبلته، لا يُباع ولا يوهب ولا يورث ولا يُقسم على الورثة، بل يكون وقفاً، يبتغي به وجه الله، وثمرته وما يخرج منه تُنفق في وجوه الخير، أي: إذا كان يخرج منه تمر أو عنب أو ثمر مأكول أو ينتفع به، فإنه يتصدق بها على الفقراء وذوي الحاجات، فيأتيه أجر هذه الصدقة بعد موته.

ومن الأدلة على الوقف الحديث الصحيح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)، فالصدقة الجارية هي الوقف الذي هو تحبيس الأصل، وتسبيل المنفعة، فإذا وقف داراً وقال: يسكنها ذوو الحاجة بدون أجرة، فإنه على خير، وله أجر، أو قال: تؤجر ويُتصدق بثمنها على المساكين وعلى الفقراء والمستضعفين؛ فإنه على خير، فهي صدقة جارية، أو وقف دكاناً وقال: أُجرته على فقراء آل فلان، أو فقراء البلد الفلانية، أو فقراء قبيلة كذا، فله أجر، ولا شك أنه يأتيه الأجر ما دامت الدار عامرة أو المزرعة يُنتفع بها، وكذلك بقية ما يُنتفع به.

لابد في الوقف من صيغة، والصيغة: قول أو فعل، فيصح بقول، ويصح بفعل دال عليه، وقد مثل للفعل بقوله: (كمن بنى أرضه مسجداً أو مقبرة وأذن للناس أن يصلوا فيه ويدفنوا فيها) أي: بنى أرضه مسجداً وأذن فيه، وفتح أبوابه، فلا يحتاج إلى أن يقول: أشهدكم أني أخرجته من ملكي، وأنه وقف لله، فإذا بناه مسجداً، وجعل محرابه إلى القبلة، وجعل له علامات المسجد كمنارة ونحوها، وأذّن فيه أو ركّب فيه مؤذناً، فقد أصبح هذا وقفاً يأتيه أجره ما دام المسجد عامراً بالمصلين، وكذلك لو كان عنده أرض، فسورها وفتح أبوابها، وأذِن للناس أن يدفنوا فيها أمواتهم، فقد أصبحت مقبرة مسبلة، وخرجت من ملكه، وأصبحت وقفاً على أموات المسلمين.

أما الصيغة القولية، فذكر المصنف أن منها ما هو صريح ومنها ما هو كناية، يقول: (وصريحه: وقفت وحبست وسبلت، وكنايته: تصدقت وحرمت وأبدتّ)، فإذا قال: وقفت هذا الكتاب أو حبسته أو سبلته أصبح وقفاً ولزمه، ولم يجز له بعد ذلك بيعه، وجاز أن ينتفع به من احتاج إليه أو من وقف عليه، وكذلك لو قال: حبست هذا المُكبر وجعلته لله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، أصبح بهذه الكلمة وقفاً لازماً، وخرج عن ملكه، ولم يحق له أن يرجع فيه، وكذا لو قال: سبلت هذا المكيف، خرج عن ملكه، فكلمة (سبلت) صريحة في أنه أراد بذلك إخراجه من ملكه وجعله وقفاً، وكذلك (وقفت، وحبست) فهذه عبارات صريحة.

وأما الكنايات فهي: (تصدقت، وحرمت، وأبدت)، والغالب أن كلمة (تصدقت) تكون لإخراجه من ملكه ولتمليكه للمتصدق عليه، فإنه إذا قال: تصدقت بهذا الثوب على فلان، فإن المتصدق عليه يملكه، ولكن إذا قال: تصدقت بهذا الثوب أو بهذه العباءة لمن يحتاج إليه من المسلمين، جاز ذلك، وخرج عن ملكه وأصبح وقفاً، ولابد في هذه الكنايات من النية، وذلك بأن ينوي أنه وقف.

وأما قوله: (حرمت) فالأصل أن التحريم هو المنع، ولكن قد يريد بقوله: حرمت، أي: حرمت بيعه، وحرمت أن يملكه شخص، وجعلته محرماً على ورثتي أو على شخص معين، فإذا نوى أنه وقف صار وقفاً.

وكذلك قوله: (أبدت)، كما إذا قال: أبدت هذه الفرش، أي: أخرجتها من ملكي، وجعلتها محرمة مؤبدة ليس لي فيها تصرف، فتصير وقفاً بهذه الكلمة.

والعلماء يشترطون النية مع هذه الكنايات: (تصدقت وحرمت وأبدت)، وذلك أن يكون القائل ناوياً بذلك كونه وقفاً، أو يكمل ذلك بعبارة أخرى كأن يقول: تصدقت به صدقة محرمة، أو مؤبدة، أو مسبلة، أو محبسة، أو موقوفة، أو يقول: تصدقت به صدقة لا تباع ولا توهب ولا تورث، فيفهم من ذلك أنه جعله وقفاً، وأنه أخرجه من ملكه حتى ينتفع به.

كون الوقف في عين معلومة

ذكر المصنف رحمه الله أن شروط الوقف خمسة فقال: (كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها) أي: أن الوقف لابد أن يكون في عين معينة معلومة، أياً كانت تلك العين إذا كان فيها منفعة، حتى الحيوانات، فإذا وقف هذه الفرس على المجاهدين فإنها تكون معلومة، أما إذا قال: فرساً من خيلي فإنه لا يصح حتى يعينها بالفرس الفلانية، أو قال مثلاً: هذا الجمل وقفته على من يجاهد عليه أو من يحج عليه، أصبح معيناً، أما إذا قال: جملاً من جمالي أو بعيراً من إبلي، فلا يصح حتى يعينه، ومثله في هذه الأزمنة المراكب الجديدة، فإنه يجوز وقفها، فيجوز أن يقول: وقفت هذه السيارة على من يحج ويعتمر عليها، أو وقفتها على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتجولون عليها، أو وقفتها على الدعاة الذين يدعون إلى الله يسافرون عليها، فأخرجها من ملكه وجعلها وقفاً.

أما إذا قال: أوقفت سيارةً من سياراتي، وعنده سيارات، فلا يصح؛ لأنه لابد أن تكون معينة حتى تخرج من ملكه؛ لأن الأصل أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف حتى ولو تعطل الانتفاع به، فلو وقف فرشاً على المسجد ثم هُدم المسجد، فلا يجوز له أن يقول: ردوا عليّ فرشي، لأنا نقول: قد أخرجته من ملكك فينقل إلى مسجد آخر، ولا يحل لك أن تستعيدها، أو قال: ردوا عليّ مكيفاتي أو مراوحي التي سبلتها في هذا المسجد، لم يحل له أن يرجع فيها.

فالحاصل أنه لابد أن يكون الوقف بعين معينة معلومة حتى بالإشارة مثلاً، كأن يقول: وقفت هذا المشلح على كل من يتزوج ليلة زواجه حتى أُريحه من شرائه، أو يقف ثوب المرأة الجميل الذي تدخل به على زوجها ليلة الزفاف حتى لا يكلف وليها أن يشتري لها ثوباً، فيوجد في بعض الأماكن لمساعدة المتزوجين مشالح موقوفة على من يريد أن يتزوج، فيأخذه يوم زواجه ثم يرده بعد يوم أو يومين؛ لأنه ليس من أهل لباسه، وكذلك يوجد ثياب للعروس لتتجمل بها ليلة زفافها ثم تردها، فهذه موقوفة يقصد الذين وقفوها الأجر، كذلك الحلي يجوز وقفها، فيوقف ما يسمى بالبنادق والأسورة، وكذا الخواتيم تلبسها العروس يوم زفافها أو القلادة، ثم بعد ذلك يردها المستعير لها؛ لأنه قد يقول: إني لا أقدر على شراء هذا الحلي الثقيل، فهناك من يسبلها ويجعلها وقفاً حتى ينتفع بها في ليلة زفافه أو يوم الاحتفال ثم يردها، وتكون وقفاً على العاجزين عن اقتناء أمثالها.

وقوله: (يصح بيعها غير مصحف)، فالشيء الذي لا يصح بيعه لا يصح وقفه إلا المصحف، فإنه يصح وقفه مع أنه لا يصح بيعه عندهم، وإن كان الصحيح جواز بيعه، فأما الشيء الذي لا يصح بيعه فلا يصح وقفه، فلا يصح أن يوقف كلب صيد، فيقول: وقفت كلب صيد، أو كلب حراسة للحرث، أو الحراسة للغنم؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يصح بيعه.

ويمثلون أيضاً بجلد الميتة ولو بعد الدبغ، إذ ترجح عندهم أنه لا يباع ولا ينتفع به إلا في اليابسات، والقول الثاني: أنه يصح بيعه ويصح الانتفاع به في اليابس وفي الرطب وما أشبه ذلك، فإذا دبغ جلد الميتة وجعله سقاءً أو قربةً يُبرد فيها الماء صح وقفه؛ لأنه يطهر بالدباغ، فيصح وقف القرب التي يُبرد فيها الماء أو يُنقل فيها الماء، فينتفع بها من يحتاج إليها ولو كانت من جلود الميتة.

أما جلود ما لا يؤكل لحمه كجلد حمار أو جلد كلب فهذا لا يصح بيعه، ولا يطهر بالدباغ على الصحيح، فلا يصح وقف مثله فراشاً، لأنه قد ورد النهي عن افتراش جلود النمار؛ لأنها سباع، والسباع محرمة الأكل، فلا يصح بيع جلودها، ولا يصح وقفها.

وتقدم أنه لا يصح بيع الحشرات، فلا يصح وقفها إلا إذا كان لها قيمة مثل النحل، فإنه يصح بيعه ولو كان من الحشرات؛ وذلك لأنه يُنتفع به.

والشيء الذي لا ينتفع به أو كان نفعه محرماً لا يصح وقفه، وذلك مثل آلات الملاهي، فإن نفعها محرم، فلو قال: أسبل هذه الطبول، وأجعلها وقفاً على الذين يلعبون في أيام الأعياد أو في أيام الأفراح، فإنه لا يجوز؛ وذلك لأن الانتفاع بها محرم، وكذلك جميع آلات الملاهي كالعود والطنبور والرباب، وكذلك كتب الإلحاد وكتب الضلال والمجلات الخليعة، فلو احتسب إنسان وقال: أنا أشتري هذه المجلات وأسبلها في هذه المكتبة، مع أنها مليئة بالضلال وبالصور الهابطة ونحو ذلك فلا يصح وقفه، أو قال: أُسبل هذه الأفلام التي فيها هذه الصور، وأجعلها في هذا المكان وقفاً يتفرج عليها من يريدون أن يتفرجوا، أو هذه الأشرطة الغنائية أسبلها، هل له أجر أم عليه وزر؟

لاشك أن عليه وزراً، فكل شيء لا يصح بيعه لصفة فيه فإنه لا يجوز وقفه؛ لأن ذلك يعتبر إعانة على المحرم، وهكذا جميع ما يُستعان به على المحرم.

كون الوقف على برٍّ

الشرط الثاني: أن يكون الوقف على بر، ومثل له في الحاشية: إذا وقف على المساكين، والمساجد، والقناطر، والأقارب.

فالقناطر: جمع قنطرة، وهي الجسر الذي يجعل على النهر حتى يعبر الناس من جانب إلى جانب، فإصلاح هذه الجسور إذا خربت فيه نفع للمسلمين، فإذا قال: أُجرة هذا الدكان تُعمر بها المساجد، فهذا وقف بر، أو قال: أجرته لإصلاح فرش هذا المسجد، أو إصلاح مكيفاته، أو إصلاح أنواره، أو إصلاح مكبراته؛ فهذا عمل بر يثاب على ذلك، وكذلك إذا وقف هذه الدكاكين، وجعل أجرتها تُفرق على مساكين هذا البلد، أو مساكين القرية الفلانية، أو أقاربه ونحوهم؛ فهذه من أعمال البر.

عرفنا ما هو الوقف على بر، فما مثال الوقف الذي ليس على بر؟

نقول الأمثلة كثيرة؛ فإذا قال: غلته مثلاً يُسرج بها هذا القبر الذي يُعبد، أو يبنى بها على هذا القبر مشهد؛ حتى يكون هناك من يعبده ومن يصلون عنده أو يدعونه، فهذا عمل إثم، ولا عبرة بمن يفعله.

فيذكرون أن الرافضة في العراق وغيره أكثر أوقافهم على كربلاء، وعلى النجف، يدّعون أن كربلاء فيها قبر الحسين ، والنجف فيه قبر علي رضي الله عنهما، فيوقفون السرج والأنوار على قبريهما، وكذلك يوقفون على عمارة الطرق وسفلتتها حتى يصلوا إلى هذا المشهد وهذه المعابد، ويوقفون على تنوير الطرق، وكذلك على عمارة ما انهدم وترميمه إذا طالت مدته، بل يوقفون على من يخدم من يزور هذه المشاهد، ويقولون: أنت يا هذا خادم لهؤلاء الذين يزورون هذا المكان ويطوفون به، وأجرتك وراتبك من هذه الأوقاف، حتى يخدمهم بحلق رءوسهم، يتحللون كأنهم محرمون، أو يحلقون لحاهم، أو ما أشبه ذلك، فهل هذه الأوقاف يؤجرون عليها؟ لا.

وهكذا كثير من الذين يوقفون أوقافاً كثيرة على إسراج القبور، أو على صب الأدهان عليها، أو على ضيافة من يعتكف عندها، أو من يطوف بها، أو ما أشبه ذلك، فهذا وقف على إثم ليس وقفاً على بر، فإن الوقف هو الذي يقصد به الأجر الأخروي، وأما إذا كان هذا يقصد به الإثم فإنه يعتبر مساعدة على الإثم، فيصير الذين وقفوا متعاونين على الإثم والعدوان.

فأنواع البر كثيرة، وأنواع الموقوفات أيضاً كثيرة، كان كثير من المسلمين يحرصون على أن يكون هناك ما ينتفع به إخوانهم العاجزون، فيوقفون ما يساعدهم على قضاء حوائجهم، وقد أدركنا قبل خمسين سنة أو نحوها أنهم يوقفون أشياء تمس إليها الحاجة، حتى كان يوقف بعضهم السكين على من يذبح بها أضحية أو نحوها ولا يجد ما يذبح به، ويوقف المنجل (المحش) على من يقطع به النخيل أو السعف أو يحش به لدوابه، ويوقفون القدور على من يطبخ بها إذا احتاجوا أن يطبخوا فيها؛ لأنه ليس كل أحد كان يجد قِدراً كبيراً يطبخ به إذا نزل به ضيف، فيذهبون إلى من عنده قدر موقوف فيقولون: عند فلان ضيف، ويأتون به ليطبخ فيه.

كذلك مما كانوا يوقفونه الطاحونة التي هي الرحى، وهي عبارة عن حجرين مدورين أحدهما فوق الآخر يُطحن بها القمح، والبر، والذرة، ونحوه، يديرونها إلى أن يخرج الدقيق من حافاتها، فكانوا قديماً في القرى يقولون: يوجد في بيت فلان رحى مسبلة نذهب نطحن فيها، وهكذا، فهذه بلا شك من الأسبال التي يؤجر من يوقفها.

والأمثلة كثيرة، فكل من سبّل شيئاً فيه منفعة ولو ثوباً أو ثياباً تُلبس في أيام العيد أو في أيام الحفلات يكون له أجره على لباسه، وكانوا يسبلون الأسلحة التي يقاتل بها، فيسبل عدة سيوف أو رماح لمن يقاتل في سبيل الله، كذلك الأقواس التي يُرمى بها قديماً، وبعدما وجدت البنادق كان يُسبل كثير منهم الأسلحة الجديدة، ويجعلها وقفاً لمن يقاتل بها في سبيل الله، وكذلك الدروع التي يلبسونها ويتحصنون بها من مواقع السلاح، وكذلك المغفر الذي يجعل على الرأس، فكانوا يسبلون أمثال هذه، ويبتغون بذلك الأجر؛ لأن من جهز غازياً فقد غزا، فيبقى له أجره ما دام يُقاتل بهذا السيف، فيكون قد ساعد على قتال المشركين؛ ولأنه نفع المسلمين بها في الجهاد أو ما أشبه ذلك، فهذه كلها تُعتبر من الوقف على بر.

واستثنوا أن يقف مسلم على ذمي، أو ذمي على مسلم، فيجوز ذلك ولو لم يكن فيه بر إلا أن فيه بر القرابة، ذكروا أن صفية أم المؤمنين رضي الله عنها كان لها قريب يهودي فدعته ليُسلم، وقالت: أسلم حتى ترثني، ففكر ثم قال: لا أترك ديني حتى لا يُقال: ترك دينه لأجل هذه المصلحة، فأصر على بقائه على يهوديته، وأحبت أن تصله لأجل القرابة، فوقفت وقفاً كدار، وجعلت غلتها عليه من باب صلة الرحم، فاستدلوا بذلك على أنه يجوز الوقف على غير المسلم إذا كان لقرابة بينهما، وكذلك لو كان الواقف هو الذمي كيهودي له ذمة أو نصراني له ذمة وقف على المسلمين، فبنى لهم مسجداً، أو أصلح لهم طريقاً، أو سبل لهم مقبرة، أو سبل نعشاً يُحمل عليه الموتى، فيصح ولو كان الذي سبله يهودياً ذمياً، لكن لما كان ينتفع به قُبل الانتفاع به، ونفذ ذلك، وصار وقفاً على المسلمين.

ثم قولهم: يشترط أن ينتفع بها مع بقاء عينها، يخرج بذلك ما لا ينتفع به إلا بإتلافه، فإنه لا يصح وقفه فلو قال: وقفت كيس الأرز، لم يصح هذا وقفاً؛ لأنه يتلف بأكله، وإذا قال مثلاً: وقفت هذا الشمع على هذا المسجد،لم يصح؛ لأن الشمع أيضاً يحترق شيئاً فشيئاً؛ لأنه يوقد بالشحم أو الزيت المجمد فلا يُنتفع به إلا بإتلافه، ومثل هذا لا يُسمى وقفاً؛ لأنه يفنى باستعماله.

بخلاف ما إذا قال: وقفت هذا السراج أو هذه النجفات ونحوها، فهذه تسمى وقفاً؛ لأنه يُنتفع بها مع بقائها.

ولو كان الموقوف يتلف بالاستعمال الطويل، كالثوب يتلف بالاستعمال، فإنه يصح وقفه؛ لأنه ينتفع به مدة، وكذلك إذا وقف الأحذية على المساكين أو على المصلين أو ما أشبه ذلك، وكذلك إذا وقف بئراً فيها ماء فإنه ينتفع بمائها؛ لأن الماء ولو كان يستهلك لكنه يستخلف، حيث ينزح منها ثم يأتي ماء بدل الماء، فيصح وقف البئر ليشرب منها، ويصح وقف الأحواض التي يُصب فيها الماء، ويصح وقف الدلو الذي يُنتزع به من البئر، ويكون وقفه مساعدةً على استخراج الماء من البئر، وفي هذه الأزمنة يصح وقف الماكينة (المضخة) التي ينتزع بها الماء من البئر، ويصح الوقف على وقودها ونحوه، فإذا وقف داراً وقال: غلة هذه الدار -أجرة هذه الدار- تُصلح منها هذه الماكينة التي يجتذب بها الماء، فيُشترى لها محروقات مثلاً، وهي تسقي النخل الذي ثمرته وقف على الصائمين أو ما أشبه ذلك، فكل ذلك مما يُنتفع به مع بقاء عينه.

كون الوقف على معين

الشرط الثالث: أن يكون الوقف على معين يملك، إلا المسجد فإنه لا يملك، ولكن يصح الوقف عليه، ولكن لابد أن يوكل من يصلحه، فلو قال: وقفت هذا الدكان على هذا المسجد، فلابد من وكيل يؤجر الدكان، ويطلب الأجر، ويرمم المسجد، ويُصلح ما وهى منه، فيصلح أنواره، أو يدفع أجرة من يخدمه، أو ما أشبه ذلك.

فالمسجد جماد لا يملك، ولكن لابد من إنسان يتولى إصلاحه والإشراف عليه، هذا في المسجد، وكذلك في المقبرة لابد أن يكون هناك وكيل يحفر فيها أو يُصلحها ويفتح الأبواب أو ما أشبه ذلك، فيكون هذا وقفاً على شيء لا يملك، ولكنه يستأجر له من يتولى أمره، وكذلك القناطر -التي هي الجسور التي يعبر بها من مكان إلى مكان- يصح الوقف عليها.

أما غير المساجد فلا بد أن يكون على معين يملك، وذلك إما معين بالذات أو معين بالوصف، ولابد أن يكون ذلك المعين ممن يملك، فالمعين بالذات كأن يقول: هذا وقف على أولادي، فإن كثيراً من الناس يقول: هذا البيت وقف على أولادي أو على أولادي الإناث، تسكنه من هي محتاجة ولا يباع، فهذا معين ببناته، أو يقول: يسكنه من لا يملك سكناً من أولادي بدلاً من أن يستأجر، أو يقول: غلته وأجرته تُقسم على أولادي أو على ذوي الحاجة منهم، فمثل هذا أيضاً معين يملك.

وأما غير المعين فيصح إذا عُين بالوصف، كأن يقول: وقف على المساكين، أو على الفقراء، أو على المجاهدين، أو يقول: غلة هذا العقار أو ثمرة هذا النخل على الصوام أو نحوهم، فهذا غير معين بالذات ولكنه معين بالوصف، وكذلك إذا قال: على ذوي الحاجة من أسرتي أو من القبيلة الفلانية، فكل هذا معين بالوصف، ولابد أن يمكنه أن ينتفع بهذه العين، ويشاهد انتفاعه بها، وأما الذي لا يشاهد فلا يجوز، إلا إذا وقفه مثلاً على تجهيز الأموات بأن يقول: أجرة هذه الدار أو الدكان في تجهيز الأموات، يُشترى به أكفان وحنوط وأجرة حفارين، فمثل هذا أيضاً يملك، وإن لم يكن ملكاً صحيحاً.

فأما ما لا يملك فلا يجوز الوقف عليه، مثاله: هؤلاء القبوريون يوقفون على ذلك القبر، فصاحب القبر ميت لا يملك، فيقولون: وقف على السيد فلان، على سيدي فلان، على الرفاعي ، أو على سيدي عبد القادر ، أو على سيدي البدوي ، وهي أوقاف طائلة توقف على هؤلاء الأموات، ويتلاعب بها الذين يتولونها.

ثم يمثلون لمن لا يملك بما لو قال: وقف على المؤمنين من الجن؛ لأنهم لا يملكون كالبشر؛ ولو أنه خصص المؤمنين، أو قال: وقف على الملائكة، فالملائكة ليسوا من جنس البشر، ولا يملكون ملك المشاهدة، فلابد أن يكون الوقف على معين، وأن يكون ذلك المعين ممن يصح تملكه وانتفاعه.

كون الواقف جائز التصرف

الشرط الرابع: كون الواقف جائز التصرف، فلا يصح من محجور عليه، فلو كان الواقف سفيهاً أو محجوراً عليه، كالمفلس الفقير الذي كثرت الديون عليه، أو إذا كان صغيراً لم يبلُغ ولم يعرف الأمور، فمثل هذا لا يصح وقفه حتى يبلُغ ويعقل ويفك حجره وما أشبه ذلك.

كون الوقف ناجزاً

الشرط الخامس: أن يكون الوقف ناجزاً فلا يصح أن يكون وقفاً معلقاً ولا محدداً.

والناجز هو الذي يخرجه من ملكيته في الحال، يقول: وقفت هذا الكتاب، فيخرجه من ملكيته حالاً، وكذلك إذا قال: وقفت هذه الدار، خرجت من ملكيته وقفاً ناجزاً.

وغير الناجز هو المعلق، فلو قال مثلاً: إذا أغناني الله عن داري فهي وقف، فهذا وقف غير ناجز، فلا ينجز إلا إذا نجزه وقال: قد أخرجته من ملكي وأصبح وقفاً.

وكذلك إذا قال مثلاً: إذا قضيت ديني أوقفت دكاني أو أوقفت هذه الأرض مسجداً، فهذا أيضاً وقف معلق، فلا يصح إلا إذا كان منجزاً.

وكذلك أيضاً لو وقفه زمناً محدداً لم يصح، فلو قال مثلاً: وقفت هذا المكيف مدة الصيف، فلا يسمى وقفاً بل يسمى عارية؛ لأنه إذا انقضى الصيف أخذه، فلا يسمى وقفاً، فالوقف لابد أن يكون منجزاً تنقطع عنه علاقات الواقف، ويقصد بذلك الأجر عليه.

فهذه خمسة شروط:

الأول: كونه في عين معينة معلومة.

والثاني: كونه على بر.

والثالث: كونه على معين يملك.

والرابع: كون الواقف نافذ التصرف.

والخامس: كون الوقف ناجزاً.

ذكر المصنف رحمه الله أن شروط الوقف خمسة فقال: (كونه في عين معلومة يصح بيعها غير مصحف، وينتفع بها مع بقائها) أي: أن الوقف لابد أن يكون في عين معينة معلومة، أياً كانت تلك العين إذا كان فيها منفعة، حتى الحيوانات، فإذا وقف هذه الفرس على المجاهدين فإنها تكون معلومة، أما إذا قال: فرساً من خيلي فإنه لا يصح حتى يعينها بالفرس الفلانية، أو قال مثلاً: هذا الجمل وقفته على من يجاهد عليه أو من يحج عليه، أصبح معيناً، أما إذا قال: جملاً من جمالي أو بعيراً من إبلي، فلا يصح حتى يعينه، ومثله في هذه الأزمنة المراكب الجديدة، فإنه يجوز وقفها، فيجوز أن يقول: وقفت هذه السيارة على من يحج ويعتمر عليها، أو وقفتها على الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يتجولون عليها، أو وقفتها على الدعاة الذين يدعون إلى الله يسافرون عليها، فأخرجها من ملكه وجعلها وقفاً.

أما إذا قال: أوقفت سيارةً من سياراتي، وعنده سيارات، فلا يصح؛ لأنه لابد أن تكون معينة حتى تخرج من ملكه؛ لأن الأصل أن الموقوف يخرج عن ملك الواقف حتى ولو تعطل الانتفاع به، فلو وقف فرشاً على المسجد ثم هُدم المسجد، فلا يجوز له أن يقول: ردوا عليّ فرشي، لأنا نقول: قد أخرجته من ملكك فينقل إلى مسجد آخر، ولا يحل لك أن تستعيدها، أو قال: ردوا عليّ مكيفاتي أو مراوحي التي سبلتها في هذا المسجد، لم يحل له أن يرجع فيها.

فالحاصل أنه لابد أن يكون الوقف بعين معينة معلومة حتى بالإشارة مثلاً، كأن يقول: وقفت هذا المشلح على كل من يتزوج ليلة زواجه حتى أُريحه من شرائه، أو يقف ثوب المرأة الجميل الذي تدخل به على زوجها ليلة الزفاف حتى لا يكلف وليها أن يشتري لها ثوباً، فيوجد في بعض الأماكن لمساعدة المتزوجين مشالح موقوفة على من يريد أن يتزوج، فيأخذه يوم زواجه ثم يرده بعد يوم أو يومين؛ لأنه ليس من أهل لباسه، وكذلك يوجد ثياب للعروس لتتجمل بها ليلة زفافها ثم تردها، فهذه موقوفة يقصد الذين وقفوها الأجر، كذلك الحلي يجوز وقفها، فيوقف ما يسمى بالبنادق والأسورة، وكذا الخواتيم تلبسها العروس يوم زفافها أو القلادة، ثم بعد ذلك يردها المستعير لها؛ لأنه قد يقول: إني لا أقدر على شراء هذا الحلي الثقيل، فهناك من يسبلها ويجعلها وقفاً حتى ينتفع بها في ليلة زفافه أو يوم الاحتفال ثم يردها، وتكون وقفاً على العاجزين عن اقتناء أمثالها.

وقوله: (يصح بيعها غير مصحف)، فالشيء الذي لا يصح بيعه لا يصح وقفه إلا المصحف، فإنه يصح وقفه مع أنه لا يصح بيعه عندهم، وإن كان الصحيح جواز بيعه، فأما الشيء الذي لا يصح بيعه فلا يصح وقفه، فلا يصح أن يوقف كلب صيد، فيقول: وقفت كلب صيد، أو كلب حراسة للحرث، أو الحراسة للغنم؛ لأنه ليس له ثمن، فلا يصح بيعه.

ويمثلون أيضاً بجلد الميتة ولو بعد الدبغ، إذ ترجح عندهم أنه لا يباع ولا ينتفع به إلا في اليابسات، والقول الثاني: أنه يصح بيعه ويصح الانتفاع به في اليابس وفي الرطب وما أشبه ذلك، فإذا دبغ جلد الميتة وجعله سقاءً أو قربةً يُبرد فيها الماء صح وقفه؛ لأنه يطهر بالدباغ، فيصح وقف القرب التي يُبرد فيها الماء أو يُنقل فيها الماء، فينتفع بها من يحتاج إليها ولو كانت من جلود الميتة.

أما جلود ما لا يؤكل لحمه كجلد حمار أو جلد كلب فهذا لا يصح بيعه، ولا يطهر بالدباغ على الصحيح، فلا يصح وقف مثله فراشاً، لأنه قد ورد النهي عن افتراش جلود النمار؛ لأنها سباع، والسباع محرمة الأكل، فلا يصح بيع جلودها، ولا يصح وقفها.

وتقدم أنه لا يصح بيع الحشرات، فلا يصح وقفها إلا إذا كان لها قيمة مثل النحل، فإنه يصح بيعه ولو كان من الحشرات؛ وذلك لأنه يُنتفع به.

والشيء الذي لا ينتفع به أو كان نفعه محرماً لا يصح وقفه، وذلك مثل آلات الملاهي، فإن نفعها محرم، فلو قال: أسبل هذه الطبول، وأجعلها وقفاً على الذين يلعبون في أيام الأعياد أو في أيام الأفراح، فإنه لا يجوز؛ وذلك لأن الانتفاع بها محرم، وكذلك جميع آلات الملاهي كالعود والطنبور والرباب، وكذلك كتب الإلحاد وكتب الضلال والمجلات الخليعة، فلو احتسب إنسان وقال: أنا أشتري هذه المجلات وأسبلها في هذه المكتبة، مع أنها مليئة بالضلال وبالصور الهابطة ونحو ذلك فلا يصح وقفه، أو قال: أُسبل هذه الأفلام التي فيها هذه الصور، وأجعلها في هذا المكان وقفاً يتفرج عليها من يريدون أن يتفرجوا، أو هذه الأشرطة الغنائية أسبلها، هل له أجر أم عليه وزر؟

لاشك أن عليه وزراً، فكل شيء لا يصح بيعه لصفة فيه فإنه لا يجوز وقفه؛ لأن ذلك يعتبر إعانة على المحرم، وهكذا جميع ما يُستعان به على المحرم.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2736 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2712 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2603 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2567 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2479 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2345 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2337 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2327 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2315 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2263 استماع