شرح أخصر المختصرات [9]


الحلقة مفرغة

ذكرنا أن آكد صلاة التطوع الكسوف ثم الاستسقاء ثم التراويح ثم الوتر، ثم السنن الرواتب، ثم التهجد بالليل، ثم صلاة الضحى، وذكرنا سجود التلاوة، وأوقات النهي، وما يفعل فيها.

هكذا ذكروا ترتيب هذه النوافل بناء على آكدية الأدلة، وإن كانت الوتر لها أهميتها حيث إن بعض العلماء كالأحناف قالوا بوجوبها، ولا يلتفت إلى خلاف من ينكر شيئاً منها كالرافضة الذين يطعنون في عمر أنه ابتدع صلاة التراويح مع أنها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً.

ومر أيضاً استحباب القنوت، وذكرنا أنه لا يستحب أن يقنت دائماً بل يقنت أحياناً؛ لأن لم ينقل أنه عليه السلام كان يقنت في الوتر دائماً، ولكن علمه الحسن وعلمه علياً رضي الله عنهما.

كذلك أيضاً مر بنا مشروعية رفع اليدين في الدعاء في القنوت، ويسن مسح الداعي وجهه بيديه بعد كل دعاء، وذكرنا ما ورد فيه من الأدلة، وذكرنا أيضاً التراويح، وأنها عشرون ركعة على ما كان عليه في عهد عمر بن الخطاب ، وكذلك في عهد الخلفاء.

وقد روت عائشة رضي الله عنها أنه عليه السلام كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، وكذلك روي عن ابن عباس ، وهذا يدل على أن صلاة الليل لا تنحصر في عدد معين، واقتصاره عليه الصلاة والسلام على إحدى عشرة ركعة لأنه كان يطيلها، كان يصلي في نصف الليل نحو ست ساعات أو على الأقل أربع ساعات ونصف، أي: نصف الليل أو ثلثه.

ثم ذكرنا أيضاً آكدية سنة الفجر، وآكدية صلاة التهجد، وما ورد فيها من الأثر، وآكدية سجود التلاوة للقارئ والمستمع، والخلاف هل هو صلاة أم ليس بصلاة، وذكرنا أن الأرجح كونه ليس بصلاة، وكذلك أيضاً سجود الشكر وأسبابه، والأوقات التي يحرم فيها النوافل، وجواز قضاء الفرائض وركعتي الطواف فيها، وهذا من باب التذكير، وقد شرحت والحمد لله، وشروحها موسعة في كتب العلماء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل: تجب الجماعة للخمس المؤداة على الرجال الأحرار القادرين، وحرم أن يؤم قبل راتب إلا بإذنه، أو عذره، أو عدم كراهته.

ومن كبر قبل تسليمة الإمام الأولى أدرك الجماعة، ومن أدركه راكعاً أدرك ركعة، بشرط إدراكه راكعاً، وعدم شكه فيه، وتحريمته قائماً، وتسن ثانية للركوع، وما أدرك معه آخرها، وما يقضيه أولها.

ويتحمل عن مأموم قراءة، وسجود سهو، وتلاوة، وسترة، ودعاء قنوت، وتشهد أول إذا سبق بركعة، لكن يسن أن يقرأ في سكتاته وسرية، وإذا لم يسمعه لبعد لا طرش.

وسن له التخفيف مع الإتمام، وتطويل الأولى على الثانية، وانتظار داخل ما لم يشق.

فصل: الأقرأ العالم فقه صلاته أولى من الأفقه، ولا تصح خلف فاسق إلا في جمعة وعيد تعذرا خلف غيره، ولا إمامة من حدثه دائم، وأمي وهو من لا يحسن الفاتحة، أو يدغم فيها حرفاً لا يدغم أو يلحن فيها لحناً يحيل المعنى إلا بمثله.

وكذا من به سلس بول، وعاجز عن ركوع وسجود، أو قعود ونحوها، أو اجتناب نجاسة أو استقبال، ولا عاجز عن قيام بقادر إلا راتباً رجي زوال علته، ولا مميز لبالغ في فرض، ولا امرأة لرجال وخناث، ولا خلف محدث أو نجس، فإن جهلا حتى انقضت صحت لمأموم، وتكره إمامة لحان وفأفاء ونحوه.

وسن وقوف المأمومين خلف الإمام، والواحد عن يمينه وجوباً، والمرأة خلفه، ومن صلى عن يسار الإمام مع خلو يمينه أو فذاً ركعة لم تصح صلاته، فإذا جمعهما مسجد صحت القدوة مطلقاً، بشرط العلم بانتقالات الإمام، وإلا شرط رؤية الإمام أو من وراءه أيضاً، ولو في بعضها.

وكره علو إمام على مأموم ذراعاً فأكثر، وصلاته في محراب يمنع مشاهدته، وتطوعه موضع المكتوبة، وإطالته الاستقبال بعد السلام، ووقوف مأموم بين سوار تقطع الصفوف عرفاً إلا لحاجة في الكل، وحضور مسجد وجماعة لمن رائحته كريهة من بصل أو غيره.

ويعذر بترك جمعة وجماعة مريض، ومدافع أحد الأخبثين، ومن بحضرة طعام يحتاج إليه، وخائف ضياع ماله أو موت قريبه أو ضرراً من سلطان أو مطر ونحوه، أو ملازمة غريم ولا وفاء له، أو فوت رفقته ونحوهم.

فصل: يصلي المريض قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنب، والأيمن أفضل، وكره مستلقياً مع قدرته على جنب وإلا تعين، ويومئ بركوع وسجود ويجعله أخفض، فإن عجز أومأ بطرفه، ونوى بقلبه كأسير خائف، فإن عجز فبقلبه مستحضر القول والفعل، ولا يسقط فعلها ما دام العقل ثابتاً، فإن طرأ عجز أو قدرة في أثنائها انتقل وبنى.

فصل: ويسن قصر الرباعية في سفر طويل مباح، ويقضي صلاة سفر في حضر وعكسه تامة.

ومن نوى إقامة مطلقة بموضع، أو أكثر من أربعة أيام، أو ائتم بمقيم أتم، وإن حبس ظلماً، أو لم ينو إقامة قصر أبداً، ويباح له الجمع بين الظهرين والعشاءين بوقت إحداهما، ولمريض ونحوه يلحقه بتركه مشقة، وبين العشاءين فقط لمطر ونحوه يبل الثوب، وتوجد معه مشقة، ولوحل وريح شديدة باردة لا باردة فقط، إلا بليلة مظلمة.

والأفضل فعل الأرفق من تقديم أو تأخير، وكره فعله في بيته ونحوه بلا ضرورة، ويبطل جمع تقديم براتبة بينهما، وتفريق بأكثر من وضوء خفيف وإقامة.

وتجوز صلاة الخوف بأي صفة صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحت من ستة أوجه، وسن فيها حمل سلاح غير مثقل].

وجوب صلاة الجماعة على الرجال

ذكر المؤلف في الفصل الأول صلاة الجماعة، وأنها تجب، والواجب هو ما يعاقب تاركه تهاوناً، ويثاب فاعله.

والجماعة يراد بها الاجتماع على أدائها، والأصل أن أداءها جماعة يكون في المساجد، ولا يكفي أداؤها جماعة في البيوت، ولو اجتمع في البيت عشرة أو أكثر أو أقل فلا يكفي أن يصلوها جماعة في بيوتهم ويعتذرون بأنه حصل اجتماع؛ لأن هذا فيه تعطيل للمساجد، فإن المساجد بنيت لأجل عمارتها بالمصلين، فلا يجوز تعطيل المساجد لهذا العذر.

والأصل في وجوبها الأدلة، فمن ذلك قول الله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]أي: مع المصلين الذين يجتمعون للصلاة، والأحاديث كثيرة صريحة في وجوبها، بل يستدل عليها أيضاً بالوعيد في قوله تعالى: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:43]، فإن هذا الدعاء دعاء لهم إلى فعلها جماعة فامتنعوا فعوقبوا في الآخرة بعجزهم عن السجود.

وثبت أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، وهو لا يهم إلا بحق، وإنما تركه لما بها من النساء والذرية، ولا شك أن ذلك دليل على أن ما قاموا به من السيئات، وترك العمل الواجب.

وكذلك أيضاً في الحديث المذكور في بلوغ المرام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) ، والأدلة على وجوبها كثيرة، والمفاسد التي تترتب على تركها كثيرة، والمحاسن والحكم التي تترتب على أدائها جماعة لا تحصى.

عدم وجوب صلاة الجماعة على النساء

يقول: (لا تلزم إلا الرجال).

أما النساء فتجوز صلاتهن في المساجد من غير وجوب، ثبت أن النساء كنّ يشهدن صلاة الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ، قال: (وبيوتهن خير لهن) ، وقال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) ، ومع ذلك فإن بيتها خير لها؛ لأنها قد يتعرض لها الفساق ونحوهم.

الجماعة للصلوات الخمس

لا تلزم الجماعة إلا للصلوات الخمس، أما غيرها من النوافل فتصح في البيت، ولا تلزم أيضاً إلا المؤداة أما المقضية التي قد فات وقتها فيصليها بمفرده متى تيسر له أداؤها، وتسقط عن المملوك إذا كان المسجد بعيداً، فإذا كان قريباً يلزم سيده أن يمكنه من أداء الصلاة جماعة في المساجد، وتسقط عن العاجزين لمرض أو كبر يشق معه الحضور إلى المسجد، وإنما تلزم القادر وهو الصحيح سالم الأعضاء.

كل مسجد له إمام راتب، وهو أولى بمسجده، فيحرم أن يؤم أحد في مسجد قبل إمامه الراتب الذي عين فيه والتزم به، فلا يجوز لأحد ولو كان أفضل منه أن يتقدم ليصلي بالناس إلا بإذنه، فله أن يقدم غيره لحاجة مثل أن يتأخر لعذر، وإذا تأخر ندب أن يرسل إلى من يصلي مكانه، فإذا عرف المأمومون عذره وعدم حضوره قدموا غيره، وكذلك لو عرف المأمومون عدم كراهته أن يتقدم فلان.

ما تدرك به الجماعة

بأي شيء تدرك الجماعة؟

فيه قولان:

القول الأول: أنها تدرك بإدراك تحريمة قبل السلام، فإذا أتيت وهم في آخر التشهد وقلت: الله أكبر قبل أن يسلموا أدركت فضل الجماعة، وإن كنت قد فاتك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وفاتك فضيلة متابعة الإمام، ولكن تعد مدركاً للجماعة إذا أدركت هذه التحريمة قبل السلام. هذا قول.

والقول الثاني ولعله الأرجح: أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، فمن أتى وهم قد صلوا أربع ركعات في الرباعية، وما بقي عليهم إلا آخر الركعة فقد فاتته الجماعة.

نتيجة الخلاف: إذا أتيت مثلاً وهم في التشهد الأخير أو أتيت وقد رفع من الركوع الأخير من الركعة الأخيرة، وما بقيت إلا السجدتان والتشهد، فهل تدخل معهم أو تنتظر جماعة أخرى؟

إذا قلنا: إنها تدرك بالتحريمة تدخل معهم؛ لأنك تدرك الجماعة وفضلها، وإذا قلنا: إنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة فإنك تنتظر جماعة أخرى إن كان معتاداً أن يأتي بعض المتخلفين ويقيموا جماعة أخرى، وإن لم يعتد ذلك بل الأصل أنهم يصلون في بيوتهم، ولا يأتي أحد بعد السلام فادخل مع الجماعة، ولو لم تدرك إلا آخر التشهد.

ما تدرك به الركعة

بأي شيء تدرك الركعة؟ يعني: متى يكون الإنسان مدركاً الركعة التي يعتد بها من صلاته؟

في ذلك خلاف:

القول الأول: أنه يدركها بإدراك الركوع، فإذا أدرك الإمام راكعاً، وأدرك معه قول: سبحان ربي العظيم قبل أن يتحرك للرفع من الركوع؛ أدرك الركعة واعتد بها؛ وذلك لأنه أدرك معظمها، والشيء يدرك بإدراك معظمه، فإذا أدرك الركوع ثم أدرك القيام بعده ثم أدرك السجدتين وأدرك الجلسة بينهما؛ فقد أدرك أكثر الأركان، ولم يفته إلا ركن القيام الأول، وقراءة الفاتحة، فيكون مدركاً للركعة لإدراكه أكثرها.

القول الثاني: أنه لا يدرك الركعة إلا إذا أدرك الإمام قائماً وتمكن من قراءة الفاتحة، ويختار هذا القول البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وينقله أيضاً عن بعض العلماء المتقدمين.

ولكن المشهور أنها تدرك بإدراك الركوع، فإذا أدركه راكعاً ولم يشك في أنه ركع وكبر للتحريمة وهو قائم، فقد أدركها، بأن انحنى وتمكن من قول (سبحان ربي العظيم) قبل حركة الإمام للرفع، وأما إذا شك هل رفع الإمام قبل أن أركع؟ وهل أنا سبحت قبل أن يتحرك؟ ففي هذه الحال يقضيها احتياطاً للعبادة.

يلاحظ أن كثيراً يأتون مسرعين إذا جاءوا والإمام راكع، ويكبر أحدهم وهو منحي للتحريمة، وهذا لا يصح، ولا بد أن يقف ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم ينحني راكعاً، وأما قصة أبي بكرة أنه ركع قبل الصف فلم يذكر أنه كبر وهو منحنِ، جاء وهم ركوع، ولما حاذى الصف كبر وركع ومشى على حالة الركوع حتى اتصل بالصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)أي: لا تعد أن تكبر قبل أن تصل إلى الصف، ولم يأمره بالإعادة؛ لأن الحركة يسيرة خطوة أو خطوتين.

إذا جاء والإمام راكع وكبر ناوياً تكبيرة الإحرام أجزأته وسقطت عنه تكبيرة الركوع، ولكن يسن أن يأتي بتكبيرتين: تكبيرة الإحرام وهو قائم، وتكبيرة للركوع وهو منحنٍ، هذا هو الأفضل.

هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها

هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها؟

في ذلك خلاف، وأكثر الفقهاء على أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه هو أولها، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا)قالوا: والقضاء يحكي الأداء، وهو دليل على أن ما فاته هو أول صلاته، فيقضيها على صفتها، يقضي ما فاته على أنه أول صلاته.

وسبب الخلاف في هذه المسألة اختلاف رواية الحديث، ففي رواية: (وما فاتكم فأتموا)، وفي رواية: (وما فاتكم فاقضوا)، أخذ أكثر الفقهاء برواية: (فاقضوا)، والذين قالوا: إن ما يدركه هو أول صلاته استدلوا برواية: (وما فاتكم فأتموا)، وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) من حيث السند، ويمكن أن تحمل رواية: (فاقضوا) على الإتمام لقوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10]يعني: أكملت وأتمت، فيترجح أن المسبوق إذا أدرك الإمام في ركعة عد هذه الركعة أول صلاته، وإذا قام ليقضي جاء بالركعة التي بقيت عليه.

الذين قالوا: إن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته تناقضوا، فقالوا: إذا أدرك ركعة من الظهر أو من العشاء ثم قام ليأتي بما فاته فإنه يصلي معها ركعة ثم يتشهد، مما يدل على أنه قد كمل ركعتين، وبعد الركعتين يتشهد ثم يأتي بركعتين بدون قعود بينهما، فنقول لهم: هذا تناقض، لو كان ما يقضيه هو أول صلاته، لقلنا له: فاتك ثلاث ركعات، هذه الثلاث اثنتان سرداً وواحدة فرداً، فإذا قمت تقضي الثلاث فائت بثنتين سرداً لا تجلس بينهما، ثم ائت بالثالثة وتشهد بعدها وسلم، فتكون مثل المغرب، فأما إذا ألزمتموه إذا أدرك ركعة أن يتشهد بعد الأخرى، وأن يسرد الركعتين الباقيتين بدون جلوس بينهما، فهذا يدل على أن الركعة التي أدركها هي أول صلاته.

فالراجح أن ما يدركه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها؛ وذلك لأن الأول حساً لا يمكن أن نجعله الآخر، فأول شيء أدركه هو هذه الركعة التي مع الإمام، وإن لم يتمكن من أن يقرأ فيها بعد الفاتحة فإنها سقطت القراءة بعد الفاتحة كما تسقط قراءة الفاتحة إذا أدركه راكعاً.

وتوسط بعضهم وقال: نأمره إذا قام ليقضي أن يقرأ مع الفاتحة سورة حتى يدرك ما فاته حقاً؛ لأنه إذا فاته الركعتان اللتان فيهما قراءة الفاتحة وسورة، والركعتان اللتان أدركهما ليس فيهما إلا قراءة الفاتحة، فإذا قام ليقضي قلنا له من باب التدارك أن يقرأ في المقضيتين الفاتحة وسورة حتى يتدارك ما فاتك.

ما يتحمله الإمام عن المأمومين

ذكر المؤلف ما يتحمله الإمام عن المأمومين، ذكروا أنه يتحمل ثمانية أشياء، ونظمها بعضهم في أبيات مذكورة في حاشية الروض المربع للشيخ العنقري أولها قوله:

ويحمل الإمام عن مأموم ثمانيه تعد في المنظوم

وذكر هاهنا منها ستة، والشارح ذكرها كاملة، وهي:

الأول: القراءة، قراءة الفاتحة وقراءة سورة، إذا كانت الصلاة جهرية فإن المأموم ينصت ويستحب أن يقرأ في السكتات كما سيأتي، وأما إذا كانت سرية فيتأكد عليه أن يقرأ، وبعض العلماء لم يسقطها عن المصلي لا في الجهرية ولا في السرية.

الثاني: سجود التلاوة.

الثالث: سجود السهو.

إذا سجد الإمام للتلاوة أو السهو سجد المأموم، ويتأكد عليه أن يتابع إمامه، ولو سها المأموم ولم يسجد إمامه فلا يسجد المأموم.

وإذا سها الإمام، والمأمومون ما سهوا، كأن ترك التسبيح في الركوع والسجود أو التحميد أو ما أشبه ذلك ثم سجد للسهو، فيلزمهم أن يتابعوا الإمام في هذا السجود، فإن لم يتابعوا الإمام فصلاتهم صحيحة، كذلك لو قرأ الإمام آية فيها سجدة وسجد ولم يكبر فقد يشوش على المأمومين، فإذا سجد ولم يتابعوه فإنه يتحملها الإمام.

الرابع: السترة، وهي التي تكون أمامه، يقولون: سترة المأمومين إمامهم، وسترة الإمام سترة لمن خلفه، والصفوف بعضهم سترة لبعض، فالصف الأول سترة للثاني، والصف الثاني سترة للثالث، وهكذا.. ولا يجوز المرور بين الصفوف كما يفعله بعض المتساهلين، ويقولون: سترة الإمام سترة لكم، فإن هذا مرور بين يدي المصلي، وصاحبه متعرض للوعيد.

الخامس: دعاء القنوت، فالمأمومون يؤمنون إذا دعا الإمام للقنوت، فلا يقنتون بأنفسهم، ولا يدعون بمثل دعائه، بل يكفيهم التأمين.

السادس: التشهد الأول إذا سبق المأموم بركعة، إذا أتيت والإمام قد صلى ركعة، وأدركت معه الركعة الثانية، فإنك تتشهد بعدها، وإذا تشهدت بعدها فإنك تكون قد تشهدت وأنت ما صليت إلا ركعة، قمت بعدها لتصلي الثلاث، كأنهم يقولون: يجوز أن تأتي بها كصلاة المغرب، ركعتين فتشهد ثم ركعة، ولكن الصحيح أنك تأتي مع الركعة التي أدركت وتشهدت معهم بركعة أخرى، ثم تتشهد، ويكون تشهدك هذا هو التشهد الأول.

السابع: التسميع، وهو قول: (سمع الله لمن حمده)، لا يقوله إلا الإمام.

الثامن: قول: (ملء السموات وملء الأرض)، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وقول: (ملء السموات...) يحملها الإمام عنهم.

ذكر المؤلف في الفصل الأول صلاة الجماعة، وأنها تجب، والواجب هو ما يعاقب تاركه تهاوناً، ويثاب فاعله.

والجماعة يراد بها الاجتماع على أدائها، والأصل أن أداءها جماعة يكون في المساجد، ولا يكفي أداؤها جماعة في البيوت، ولو اجتمع في البيت عشرة أو أكثر أو أقل فلا يكفي أن يصلوها جماعة في بيوتهم ويعتذرون بأنه حصل اجتماع؛ لأن هذا فيه تعطيل للمساجد، فإن المساجد بنيت لأجل عمارتها بالمصلين، فلا يجوز تعطيل المساجد لهذا العذر.

والأصل في وجوبها الأدلة، فمن ذلك قول الله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43]أي: مع المصلين الذين يجتمعون للصلاة، والأحاديث كثيرة صريحة في وجوبها، بل يستدل عليها أيضاً بالوعيد في قوله تعالى: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ [القلم:43]، فإن هذا الدعاء دعاء لهم إلى فعلها جماعة فامتنعوا فعوقبوا في الآخرة بعجزهم عن السجود.

وثبت أنه صلى الله عليه وسلم هم أن يحرق على المتخلفين بيوتهم، وهو لا يهم إلا بحق، وإنما تركه لما بها من النساء والذرية، ولا شك أن ذلك دليل على أن ما قاموا به من السيئات، وترك العمل الواجب.

وكذلك أيضاً في الحديث المذكور في بلوغ المرام، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر) ، والأدلة على وجوبها كثيرة، والمفاسد التي تترتب على تركها كثيرة، والمحاسن والحكم التي تترتب على أدائها جماعة لا تحصى.

يقول: (لا تلزم إلا الرجال).

أما النساء فتجوز صلاتهن في المساجد من غير وجوب، ثبت أن النساء كنّ يشهدن صلاة الجماعة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها) ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) ، قال: (وبيوتهن خير لهن) ، وقال: (إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها) ، ومع ذلك فإن بيتها خير لها؛ لأنها قد يتعرض لها الفساق ونحوهم.

لا تلزم الجماعة إلا للصلوات الخمس، أما غيرها من النوافل فتصح في البيت، ولا تلزم أيضاً إلا المؤداة أما المقضية التي قد فات وقتها فيصليها بمفرده متى تيسر له أداؤها، وتسقط عن المملوك إذا كان المسجد بعيداً، فإذا كان قريباً يلزم سيده أن يمكنه من أداء الصلاة جماعة في المساجد، وتسقط عن العاجزين لمرض أو كبر يشق معه الحضور إلى المسجد، وإنما تلزم القادر وهو الصحيح سالم الأعضاء.

كل مسجد له إمام راتب، وهو أولى بمسجده، فيحرم أن يؤم أحد في مسجد قبل إمامه الراتب الذي عين فيه والتزم به، فلا يجوز لأحد ولو كان أفضل منه أن يتقدم ليصلي بالناس إلا بإذنه، فله أن يقدم غيره لحاجة مثل أن يتأخر لعذر، وإذا تأخر ندب أن يرسل إلى من يصلي مكانه، فإذا عرف المأمومون عذره وعدم حضوره قدموا غيره، وكذلك لو عرف المأمومون عدم كراهته أن يتقدم فلان.

بأي شيء تدرك الجماعة؟

فيه قولان:

القول الأول: أنها تدرك بإدراك تحريمة قبل السلام، فإذا أتيت وهم في آخر التشهد وقلت: الله أكبر قبل أن يسلموا أدركت فضل الجماعة، وإن كنت قد فاتك تكبيرة الإحرام مع الإمام، وفاتك فضيلة متابعة الإمام، ولكن تعد مدركاً للجماعة إذا أدركت هذه التحريمة قبل السلام. هذا قول.

والقول الثاني ولعله الأرجح: أنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة كاملة، فمن أتى وهم قد صلوا أربع ركعات في الرباعية، وما بقي عليهم إلا آخر الركعة فقد فاتته الجماعة.

نتيجة الخلاف: إذا أتيت مثلاً وهم في التشهد الأخير أو أتيت وقد رفع من الركوع الأخير من الركعة الأخيرة، وما بقيت إلا السجدتان والتشهد، فهل تدخل معهم أو تنتظر جماعة أخرى؟

إذا قلنا: إنها تدرك بالتحريمة تدخل معهم؛ لأنك تدرك الجماعة وفضلها، وإذا قلنا: إنها لا تدرك إلا بإدراك ركعة فإنك تنتظر جماعة أخرى إن كان معتاداً أن يأتي بعض المتخلفين ويقيموا جماعة أخرى، وإن لم يعتد ذلك بل الأصل أنهم يصلون في بيوتهم، ولا يأتي أحد بعد السلام فادخل مع الجماعة، ولو لم تدرك إلا آخر التشهد.

بأي شيء تدرك الركعة؟ يعني: متى يكون الإنسان مدركاً الركعة التي يعتد بها من صلاته؟

في ذلك خلاف:

القول الأول: أنه يدركها بإدراك الركوع، فإذا أدرك الإمام راكعاً، وأدرك معه قول: سبحان ربي العظيم قبل أن يتحرك للرفع من الركوع؛ أدرك الركعة واعتد بها؛ وذلك لأنه أدرك معظمها، والشيء يدرك بإدراك معظمه، فإذا أدرك الركوع ثم أدرك القيام بعده ثم أدرك السجدتين وأدرك الجلسة بينهما؛ فقد أدرك أكثر الأركان، ولم يفته إلا ركن القيام الأول، وقراءة الفاتحة، فيكون مدركاً للركعة لإدراكه أكثرها.

القول الثاني: أنه لا يدرك الركعة إلا إذا أدرك الإمام قائماً وتمكن من قراءة الفاتحة، ويختار هذا القول البخاري في جزء القراءة خلف الإمام، وينقله أيضاً عن بعض العلماء المتقدمين.

ولكن المشهور أنها تدرك بإدراك الركوع، فإذا أدركه راكعاً ولم يشك في أنه ركع وكبر للتحريمة وهو قائم، فقد أدركها، بأن انحنى وتمكن من قول (سبحان ربي العظيم) قبل حركة الإمام للرفع، وأما إذا شك هل رفع الإمام قبل أن أركع؟ وهل أنا سبحت قبل أن يتحرك؟ ففي هذه الحال يقضيها احتياطاً للعبادة.

يلاحظ أن كثيراً يأتون مسرعين إذا جاءوا والإمام راكع، ويكبر أحدهم وهو منحي للتحريمة، وهذا لا يصح، ولا بد أن يقف ثم يكبر تكبيرة الإحرام ثم ينحني راكعاً، وأما قصة أبي بكرة أنه ركع قبل الصف فلم يذكر أنه كبر وهو منحنِ، جاء وهم ركوع، ولما حاذى الصف كبر وركع ومشى على حالة الركوع حتى اتصل بالصف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (زادك الله حرصاً ولا تعد)أي: لا تعد أن تكبر قبل أن تصل إلى الصف، ولم يأمره بالإعادة؛ لأن الحركة يسيرة خطوة أو خطوتين.

إذا جاء والإمام راكع وكبر ناوياً تكبيرة الإحرام أجزأته وسقطت عنه تكبيرة الركوع، ولكن يسن أن يأتي بتكبيرتين: تكبيرة الإحرام وهو قائم، وتكبيرة للركوع وهو منحنٍ، هذا هو الأفضل.

هل ما يدركه المسبوق أول صلاته أو آخرها؟

في ذلك خلاف، وأكثر الفقهاء على أن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته، وما يقضيه هو أولها، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا)قالوا: والقضاء يحكي الأداء، وهو دليل على أن ما فاته هو أول صلاته، فيقضيها على صفتها، يقضي ما فاته على أنه أول صلاته.

وسبب الخلاف في هذه المسألة اختلاف رواية الحديث، ففي رواية: (وما فاتكم فأتموا)، وفي رواية: (وما فاتكم فاقضوا)، أخذ أكثر الفقهاء برواية: (فاقضوا)، والذين قالوا: إن ما يدركه هو أول صلاته استدلوا برواية: (وما فاتكم فأتموا)، وهي أرجح من رواية: (فاقضوا) من حيث السند، ويمكن أن تحمل رواية: (فاقضوا) على الإتمام لقوله تعالى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ [الجمعة:10]يعني: أكملت وأتمت، فيترجح أن المسبوق إذا أدرك الإمام في ركعة عد هذه الركعة أول صلاته، وإذا قام ليقضي جاء بالركعة التي بقيت عليه.

الذين قالوا: إن ما يدركه المسبوق هو آخر صلاته تناقضوا، فقالوا: إذا أدرك ركعة من الظهر أو من العشاء ثم قام ليأتي بما فاته فإنه يصلي معها ركعة ثم يتشهد، مما يدل على أنه قد كمل ركعتين، وبعد الركعتين يتشهد ثم يأتي بركعتين بدون قعود بينهما، فنقول لهم: هذا تناقض، لو كان ما يقضيه هو أول صلاته، لقلنا له: فاتك ثلاث ركعات، هذه الثلاث اثنتان سرداً وواحدة فرداً، فإذا قمت تقضي الثلاث فائت بثنتين سرداً لا تجلس بينهما، ثم ائت بالثالثة وتشهد بعدها وسلم، فتكون مثل المغرب، فأما إذا ألزمتموه إذا أدرك ركعة أن يتشهد بعد الأخرى، وأن يسرد الركعتين الباقيتين بدون جلوس بينهما، فهذا يدل على أن الركعة التي أدركها هي أول صلاته.

فالراجح أن ما يدركه هو أول صلاته، وما يقضيه هو آخرها؛ وذلك لأن الأول حساً لا يمكن أن نجعله الآخر، فأول شيء أدركه هو هذه الركعة التي مع الإمام، وإن لم يتمكن من أن يقرأ فيها بعد الفاتحة فإنها سقطت القراءة بعد الفاتحة كما تسقط قراءة الفاتحة إذا أدركه راكعاً.

وتوسط بعضهم وقال: نأمره إذا قام ليقضي أن يقرأ مع الفاتحة سورة حتى يدرك ما فاته حقاً؛ لأنه إذا فاته الركعتان اللتان فيهما قراءة الفاتحة وسورة، والركعتان اللتان أدركهما ليس فيهما إلا قراءة الفاتحة، فإذا قام ليقضي قلنا له من باب التدارك أن يقرأ في المقضيتين الفاتحة وسورة حتى يتدارك ما فاتك.

ذكر المؤلف ما يتحمله الإمام عن المأمومين، ذكروا أنه يتحمل ثمانية أشياء، ونظمها بعضهم في أبيات مذكورة في حاشية الروض المربع للشيخ العنقري أولها قوله:

ويحمل الإمام عن مأموم ثمانيه تعد في المنظوم

وذكر هاهنا منها ستة، والشارح ذكرها كاملة، وهي:

الأول: القراءة، قراءة الفاتحة وقراءة سورة، إذا كانت الصلاة جهرية فإن المأموم ينصت ويستحب أن يقرأ في السكتات كما سيأتي، وأما إذا كانت سرية فيتأكد عليه أن يقرأ، وبعض العلماء لم يسقطها عن المصلي لا في الجهرية ولا في السرية.

الثاني: سجود التلاوة.

الثالث: سجود السهو.

إذا سجد الإمام للتلاوة أو السهو سجد المأموم، ويتأكد عليه أن يتابع إمامه، ولو سها المأموم ولم يسجد إمامه فلا يسجد المأموم.

وإذا سها الإمام، والمأمومون ما سهوا، كأن ترك التسبيح في الركوع والسجود أو التحميد أو ما أشبه ذلك ثم سجد للسهو، فيلزمهم أن يتابعوا الإمام في هذا السجود، فإن لم يتابعوا الإمام فصلاتهم صحيحة، كذلك لو قرأ الإمام آية فيها سجدة وسجد ولم يكبر فقد يشوش على المأمومين، فإذا سجد ولم يتابعوه فإنه يتحملها الإمام.

الرابع: السترة، وهي التي تكون أمامه، يقولون: سترة المأمومين إمامهم، وسترة الإمام سترة لمن خلفه، والصفوف بعضهم سترة لبعض، فالصف الأول سترة للثاني، والصف الثاني سترة للثالث، وهكذا.. ولا يجوز المرور بين الصفوف كما يفعله بعض المتساهلين، ويقولون: سترة الإمام سترة لكم، فإن هذا مرور بين يدي المصلي، وصاحبه متعرض للوعيد.

الخامس: دعاء القنوت، فالمأمومون يؤمنون إذا دعا الإمام للقنوت، فلا يقنتون بأنفسهم، ولا يدعون بمثل دعائه، بل يكفيهم التأمين.

السادس: التشهد الأول إذا سبق المأموم بركعة، إذا أتيت والإمام قد صلى ركعة، وأدركت معه الركعة الثانية، فإنك تتشهد بعدها، وإذا تشهدت بعدها فإنك تكون قد تشهدت وأنت ما صليت إلا ركعة، قمت بعدها لتصلي الثلاث، كأنهم يقولون: يجوز أن تأتي بها كصلاة المغرب، ركعتين فتشهد ثم ركعة، ولكن الصحيح أنك تأتي مع الركعة التي أدركت وتشهدت معهم بركعة أخرى، ثم تتشهد، ويكون تشهدك هذا هو التشهد الأول.

السابع: التسميع، وهو قول: (سمع الله لمن حمده)، لا يقوله إلا الإمام.

الثامن: قول: (ملء السموات وملء الأرض)، فالمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، وقول: (ملء السموات...) يحملها الإمام عنهم.

لما ذكر المؤلف القراءة قال: (يسن أن يقرأ في سكتات الإمام وفي السرية) يعني: إذا كانت الصلاة سرية يتأكد أن يقرأ المأموم فيها كالظهر والعصر والأخيرة من المغرب والأخيرتين من العشاء، فهذه كلها سرية، ويتأكد أن يقرأ المأموم فيها؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت، فإذا كنت لست منصتاً لقراءة الإمام فكيف تسكت ولا تقرأ؟!

وقد ذكرنا أن البخاري وغيره يلزمون أن يقرأ المأموم الفاتحة في الجهرية.

هل للإمام سكتات في الجهرية؟

قد ورد في حديث سمرة قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين: سكتة إذا استفتح الصلاة، وسكتة إذا فرغ من القراءة كلها)، وفي رواية: (وإذا قال: وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:7])هكذا في سنن الترمذي .

وعلى هذا يكون عدها ثلاث سكتات: سكتة قبل الفاتحة، وسكتة بعد وَلا الضَّالِّينَ ، وسكتة بعد القراءة كلها وقبل الركوع، لكنه قال: (حفظت من النبي صلى الله عليه وسلم سكتتين)، وسئل عن ذلك عمران بن حصين فأقره، وشهد أنه صادق في هذه السكتتين.

والسكتة التي بعد الفاتحة قد استحبها بعضهم وقالوا: يتأكد على الإمام أن يسكت سكتة بعدها يمكن المأمومين من قراءة الفاتحة؛ وذلك لأن هناك من يوجب قراءتها، وقد يستدلون على ذلك بقول أبي هريرة: (اقرأ بها في نفسك يا فارسي)، فيدل على أنه يقرأ في نفسه ولو جهر الإمام، ولكن قد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا كبر الإمام فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا)وفسر الإمام أحمد قول الله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا [الأعراف:204] قال: أجمعوا على أنها في الصلاة، يعني: أن الوجوب إنما يكون في الصلاة، أي: فإذا قرئ القرآن في الصلاة فأنصتوا، ولا يجتمع قراءة مع إنصات، وقد يقال: يستثنى من ذلك قراءة الفاتحة، فيقرأها بسرعة خروجاً من خلاف وجوبها، وقد يقال أيضاً: إذا قرأ نصفها في سكتة الإمام، ثم ابتدأ الإمام السورة كمّلها بسرعة، وهذا هو الأقرب.

من لم يسمع الإمام إما أن يكون بعيداً، وإما أن يكون أطرش وهو الأصم، فإذا كان لا يسمع الإمام لبعد جاز له أن يقرأ، وإذا كان لا يسمعه لطرش فلا يقرأ؛ وذلك لأنه يشوش على من حوله إذا قرأ، فيسمعه من بجنبه من هنا ومن هنا فيشوش عليهم.