خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
شرح أخصر المختصرات [81]
الحلقة مفرغة
قال رحمه الله تعالى:
[فصل: والمرتد من كفر طوعاً ولو مميزاً بعد إسلامه، فمتى ادعى النبوة، أو سب الله أو رسوله، أو جحده، أو صفة من صفاته، أو كتاباً أو رسولاً أو ملكاً، أو إحدى العبادات الخمس، أو حكماً ظاهراً مجمعاً عليه كفر، فيستتاب ثلاثة أيام، فإن لم يتب قتل، ولا تقبل ظاهراً ممن سب الله أو رسوله، أو تكررت ردته، ولا منافق، وساحر، وتجب التوبة من كل ذنب، وهي إقلاع وندم وعزم أن لا يعود، مع رد مظلمة لاستحلال من نحو غيبة وقذف.
فصل:
وكل طعام طاهر لا مضرة فيه حلال وأصله الحل، وحرم نجس كدم وميتة، ومضر كسم، ومن حيوان بر ما يفترس بنابه كأسد ونمر وفهد وثعلب وابن آوى لا ضبع، ومن طير ما يصيد بمخلب كعقاب وصقر، وما يأكل الجيف كنسر ورخم، وما تستخبثه العرب ذوو اليسار كوطواط وقنفذ ونيص، وما تولد من مأكول وغيره كبغل، ويباح حيوان البحر كله سوى ضفدع وتمساح وحية، ومن اضطر أكل وجوباً من محرم غير سم ما يسد رمقه، ويلزم مسلماً ضيافة مسلم مسافر في قرية لا مصر يوماً وليلة قدر كفايته، وتسن ثلاثة أيام.
فصل:
لا يباح حيوان يعيش في البر -غير جراد- إلا بذكاة، وشروطها أربعة:
كون ذابحٍ عاقلاً مميزاً ولو كتابياً، والآلة، وهي كل محدد غير سن وظفر، وقطع حلقوم ومري.
وسن قطع الودجين، وما عجز عنه كواقع في بئر ومتوحش ومترد يكفي جرحه حيث كان، فإن أعانه غيره ككون رأسه في الماء ونحوه لم يحل.
وقول: (باسم الله) عند تحريك يده، وتسقط سهواً لا جهلاً، وذكاة جنين خرج ميتاً ونحوه بذكاة أمه، وكرهت بآلة كالة، وحدها بحضرة مذكىً، وسلخ وكسر عنق قبل زهوق، ونفخ لحم ببيع، وسن توجيهه إلى القبلة على شقه الأيسر، ورفق به، وتكبير].
الأدلة الواردة في تحريم الارتداد
نقول: المرتد: هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه إذا كفر طوعاً واختياراً بشرط أن يكون مميزاً وأن يكون سليماً عاقلاً، فإذا أكره على الردة فإنه لا يحكم بردته، قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
ذكر أن عمار بن ياسر رضي الله عنه عذبه الكفار عذاباً شديداً، وحملوه، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا إذا كفرت بمحمد وسببت دينه فاضطر إلى أن يسبه حتى يتخلص من شرهم وأذاهم، فجاء بعد ما خلوا سبيله باكياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ، فعذر الله تعالى المكره ورفع عنه الإثم، ثم قال بعد ذلك: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ [النحل:106] يعني: إذا تكلم بالكفر طوعاً واختياراً فعليه الغضب الشديد من الله تعالى، أما إذا كان مجنوناً فإنه مرفوع عنه القلم، فلو تكلم بالكفر فلا يؤاخذ، وكذلك إذا كان طفلاً لا يميز كابن أربع أو خمس أو نحو ذلك، فلو تكلم بكلمة كفر فإنه لا يعاتب لعدم تكليفه، فيكون بهذا الكلام مرتداً، قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217] يعني: إذا ارتد طائعاً مختاراً ومات على كفره حبط عمله وذكر الله أن الشرك يحبط الأعمال في قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وفي قول الله تعالى في سورة الأنعام: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ، فالشرك والكفر والردة تحبط الأعمال، وتوجب لصاحبها الخلود في النار.
حد المرتد
بقي من كتاب الحدود باب حكم المرتد الذي في الفصل الأول، أما الفصل الثاني فيتعلق بالأطعمة وما يباح منها وما لا يباح، والفصل الثالث يتعلق بكيفية ذكاة الحيوان الذي يذكى وشروطها.
نقول: المرتد: هو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه إذا كفر طوعاً واختياراً بشرط أن يكون مميزاً وأن يكون سليماً عاقلاً، فإذا أكره على الردة فإنه لا يحكم بردته، قال الله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ [النحل:106].
ذكر أن عمار بن ياسر رضي الله عنه عذبه الكفار عذاباً شديداً، وحملوه، وقالوا: لا نخلي سبيلك إلا إذا كفرت بمحمد وسببت دينه فاضطر إلى أن يسبه حتى يتخلص من شرهم وأذاهم، فجاء بعد ما خلوا سبيله باكياً إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعذره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ ، فعذر الله تعالى المكره ورفع عنه الإثم، ثم قال بعد ذلك: وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ [النحل:106] يعني: إذا تكلم بالكفر طوعاً واختياراً فعليه الغضب الشديد من الله تعالى، أما إذا كان مجنوناً فإنه مرفوع عنه القلم، فلو تكلم بالكفر فلا يؤاخذ، وكذلك إذا كان طفلاً لا يميز كابن أربع أو خمس أو نحو ذلك، فلو تكلم بكلمة كفر فإنه لا يعاتب لعدم تكليفه، فيكون بهذا الكلام مرتداً، قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ [البقرة:217] يعني: إذا ارتد طائعاً مختاراً ومات على كفره حبط عمله وذكر الله أن الشرك يحبط الأعمال في قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر:65]، وفي قول الله تعالى في سورة الأنعام: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:88] ، فالشرك والكفر والردة تحبط الأعمال، وتوجب لصاحبها الخلود في النار.
قد ورد حد المرتد في الحديث، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وحده القتل، وذكر أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ظهر في زمنه أناس غلوا فيه وقالوا له: أنت الرب، أنت الإله. ولما خرج سجدوا له، فاستتابهم فأصروا، ثم إنه حفر أخاديد وألقاهم فيها وأحرقهم، ولما ذكر ذلك لـابن عباس قال: لو كنت أنا لم أحرقهم، ولقتلتهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) ، فبلغ ذلك علياً فقال: ويح ابن عباس ! بمعنى أن ابن عباس رضي الله عنه كان عنده علم، ولكن علياً حملته شدة الغضب على إحراقهم؛ لأنهم اعتقدوا فيه وقالوا: أنت إلهنا وذلك كفر، وقد ذكر العلماء الكلمات التي يكون بها مرتداً، والأسباب التي تخرج من الإسلام، ولو راجعت كتب الفقهاء لوجدت فيها الكثير، حتى ذكر بعضهم أكثر من مائة خصلة إذا فعلها كفر.
ادعاء النبوة وسب الله والرسول
[أو سب الله أو سب رسوله] صلى الله عليه وسلم فإنه يعتبر مرتداً، أو جحد وأنكر وجود الله كالدهريين كفر أيضاً، أو جحد صفة من الصفات الثابتة كفر أيضاً، فإذا جحد -مثلاً- صفة السمع التي أثبتها الله، وصفة الوجه، وصفة العلم، وصفة القدرة أنكرها إنكاراً كلياً صدق عليه أنه ارتد، أو جحد كتاباً من كتبه فقال: هذا القرآن مفترى ليس هو كلام الله، وليس هو منزل، وإنما افتراه محمد، كقول المشركين الذين قالوا: إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ [الفرقان:4] ، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] أساطير الأولين أي: ما سطروه وما كتبوه وكقولهم: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103]، وكقولهم: فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] ، أو جحد رسالة محمد، أو جحد رسالة موسى، أو إبراهيم، أو عيسى، أو أحد الأنبياء وقال: إنه كذاب، حتى الذين قالوا: إن سليمان كافر ليس بنبي يكفرون بذلك، أو جحد ملكاً من الملائكة الذين سموا في القرآن كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار ونحوهم من الملائكة الذين ذكرهم وارد في القرآن.
إذا جحد شيئاً من أحكام الدين والعبادات
إذا أنكر الشهادة وقال: لا فائدة فيها، أو لا أقر بـ(لا إله إلا الله)، أو جعل مع الله آلهة أخرى، أو استباح الشرك -أي نوع من الشرك- كالسجود للأصنام، أو دعاء الأموات مع الله تعالى، أو تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق، وكذلك إذا جحد وجوب الصلاة وقال: إن هذه الصلاة فكرة من محمد ما أمر بها، أو قال: لا فائدة، فيها أنها شاغلة عن الأعمال الدنيوية فلا فائدة فيها حتى ولو كان يصلي اعتبر كافراً.
أو جحد وجوب الزكاة المفروضة وادعى أنها تفليس وأنها ظلم، وأن الذي يأخذها من أهل الأموال إنما هي ضرائب لهم.
أو جحد وجوب الصوم وقال: إنه تكليف شاق، فماذا يفيد كونهم يظمئون أنفسهم ويجيعون أنفسهم؟! يكون بذلك كافراً مرتداً.
أو جحد وجوب الحج، حتى ولو حج اعتبر بذلك مرتداًً.
أو شرعية الجهاد وقال: إن هذا خطأ، حيث يكلف الإنسان أن يتعرض لقتل نفسه ويتعرض لأن يقتل، أو جحد أيضاً إباحة النكاح، أو حرم النكاح الحلال، أو حرم الطلاق وقال: لا يباح أنه يطلق، وكذلك الذين حرموا تعدد الزوجات وقالوا: إن هذا ظلم للمرأة أن يتزوج عليها. أو أباحوا للمرأة أن تتزوج اثنين يجتمعان في وطئها، أو كذلك من أباح نكاح ذوات المحارم كالبنات والأخوات.
وكذلك لو جحد حكماً ظاهراً مجمعاً عليه، كما إذا أباح الزنا وقال: إن الشرع أخطأ حيث حرمه إذا بذلت المرأة نفسها باختيارها، فتحريمه غلط، فهو لا بأس به، أو أباح الخمر وقال: إنها شراب طيب، كيف يحرمها الشرع؟! لقد أخطأ في تحريمها حتى ولو كان لا يشربها، أو أباح الربا وقال: إنما البيع مثل الربا لا فرق بينهما، فلماذا حرم هذا وأحل هذا؟! أو أباح أو حرم شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة تحليله أو تحريمه، فلو حرم مثلاً أكل الخبز التي هي إنتاج طيب، أو أباح أكل الرشوة، أو أباح قتل المسلم بغير حق، أو ما أشبه ذلك كفر، وذكرنا أن بعضهم أوصلها إلى مائة من الخصال التي يكفر بها.
الاستهزاء بشيء من أحكام الدين
وحدث قبل أربعين سنة أو ثلاث وأربعين أن اليهود نشروا صورة كاريكاتير في صحفهم، ثم التقطها أيضاً أتباع لهم من أهل مصر ونشروها، حيث صوروا صورة ديك وكتبوا تحته بخط عريض بالعامية معناه: (هذا محمد أفندي المتزوج تسعاً) هكذا تجرءوا هذه الجرأة! صوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ديك، وادعوا أنه ليس له هم إلا فرجه، وأنه من أجل شهوته تزوج تسعاً، والتقطها بعض المصريين ونشروها كأنهم مقرون لها، ثم رد عليهم أحد علماء مصر واستبشع قولهم، وكتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة رداً عليهم على هذه المقالة، ورداً على جمال في قوله بالاشتراكية في تلك السنوات، حيث أمم كثيراً من الأموال وانتزعها وقال: إن الناس شركاء، وعنوان رسالة الشيخ رحمه الله: (ردة عن الإسلام واشتراكية الحرام!)، فتكلم على تلك الصورة والذين أقروها من المصريين، واستبشع مقالتهم، وجعل هذا ردة عن الإسلام، ثم تكلم أيضاً عن الاشتراكية، فمثل هذه الكلمة تعتبر ردة.
ونقول: إن كثيراً من الناس يتهاونون في مثل هذه الكلمات، وقد عدت من أسباب الارتداد والعياذ بالله! قال الله تعالى في سورة البقرة: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] فالسخرية من الذين آمنوا تعتبر كفراً؛ لأنهم إذا سخروا منهم فكأنهم يسخرون من دينهم الذي يفتخرون به، وقال تعالى في قصة الذين قالوا مقولتهم في غزوة تبوك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا [التوبة:65-66]، فكفرهم بهذا الأمر لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] أي: دل على أنهم كانوا آمنوا، وأن هذه الكلمة ارتدوا بها وأصبحوا كافرين.
وقال تعالى أيضاً في سورة التوبة: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79]، هكذا عادة الكفار أنهم يسخرون من المؤمنين، كما قال الله تعالى في قصة نوح لهود: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] يعن: أنهم يسخرون من نوح وصناعته للسفينة، ولكن هكذا قال لهم، فأنت -مثلاً- إذا جاءك من يسخر بك فقل: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ ، فالذين مثلاً يسخرون من اللحية ويقومون بمعاداة اللحى وصاروا يسخرون من الذين يربونها فيلمزونهم بأنها كأنها ذنب تيس وكأنها مكنسة بلدية، هذا سخرية من السنة، فقل لهم: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ؛ لأن هذا استهزاء بالسنة، والسنة النبوية هي التي جاءت بهذا الأمر، ولا شك أن هذا سخرية بالشرع والشريعة، فيلحق بالمرتدين والعياذ بالله، وقد سماهم الله تعالى المجرمين، كما في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] إلى آخر السورة.
يعني أنهم يتنقصونهم ويقولون: هؤلاء مساكين، أضاعوا حياتهم في تعلم هذه الأبواب، تعلم صلاة، وتعلم طهارة، وتعلم صيام، وفاتهم السبق والتقدم، فالناس وصلوا إلى الأفلاك العليا، ووصلوا إلى القمر، وصنعوا الذرة ونحو ذلك، وأما هؤلاء فإنهم أضاعوا أعمارهم يتعلمون باب التيمم، وباب الحيض وباب إزالة النجاسة وباب كذا وكذا، فلا يستفيدون إلا هذه العلوم التي نقصت أعمارهم وضيعت عليهم تقدمهم، أليس هذا سخرية؟ نعم إنه سخرية بعلوم الشريعة، وإنهم وإن تعلموا ما يقولون فإنه قد فاتهم الخير الكثير.
تنقص أهل الأعمال الصالحة والدين
خفافيش هذا الوقت كان لها ضرر وأوباشها بين الورى شرها ظهر
يعيبون أهل الدين من جهلهم بهم كما عابت الكفار من جاء من مضر
يقولون رجعيون لما تمسكوا بنص من الوحيين كان له أثر
وإعفاؤهم تلك اللحى لجمالها وترك سواد حين كان به غرر
وحملهم تلك العصي لأنها لديهم حماقات ومسواك مطهر
يعيبونهم حتى بالسواك، مع أنهم جعلوا بدل السواك السني السجائر والعياذ بالله، فيفخرون بالسجائر، فلو أشعل أحدهم سجارته أخذ يتمايل ويفتخر، وإذا رأى من أمسك سواكاً وأخذ يدلك به جعل يتنقصه ويعيبه، فمثل هؤلاء يعتبرون مرتدين إذا كانوا يستبيحون مثل هذا.
وبذلك تعرف أن أمر الردة أمر خطير، وأنه يدخل فيه كل من يستهزئ بشيء من الشريعة، وأنهم سوف يعذبون في الآخرة، اقرأ قول الله تعالى في سورة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قال الله تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:108-110] اتخذتموهم سخرياً لما كانوا يدعون ويتعبدون وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ، إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا [المؤمنون:111] ، فيحذر المسلم أن يقع في الردة وهو لا يشعر، فيستعمل مثل هذه الكلمات التي خطرها كبير، فيقع في تنقص الدين، أو تنقص المؤمنين لأجل إيمانهم ولأجل عقيدتهم ولأجل علومهم الشرعية، فيهلك ويحبط عمله وهو لا يشعر، يتساهل بكلمة يقولها وقد يقولها مازحاً، وقد يقولها ضاحكاً ولا يعلم أنها تتلفه، وأنها تهلك عليه أمر دينه ودنياه، وأنه أهل لذلك أن يقام عليه حد الردة.
يقول: إذا فعل ذلك الكفر [فيستتاب ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل].
لا شك أنه إذا عرض عليه القتل وقيل له: إنا سنقتلك فسيظهر التوبة والندم خوفاً من القتل، ولكن إذا عرف بأن توبته توبة الكذابين فلا يقبل منه.
وذكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: عسى الغوير أبؤساً. وهذا مثل قديم مضروب، يعني: ماذا عندك من الأخبار؟ فقال: رجل ارتد بعد إيمانه فقتلناه، فقال عمر رضي الله عنه: (هلا استتبتموه ثلاثة أيام ومنعتم عنه الطعام والشراب لعله أن يتوب؟! اللهم! إني أبرأ إليك مما فعلوا)، فأخذوا من هذا أنه لا بد أن يستتاب، فيحبس ويجوع ويضيق عليه ويقال: إن لم تتب قتلناك، فإذا أصر ثلاثة أيام وهو يهدد وقال: لا أتوب ولا أتغير ولا أتبدل فإنه -والحال هذه- يقتل، وإذا قتل فإنه يقتل كافراً، وحينئذ لا يرثه أقاربه المسلمون، ولا يورث، وماله يكون فيئاً لبيت المال، ولا يصلى عليه إذا قتل على ذلك، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن بعيداً، ويوارى إذا لم يجد من يواريه.
يقول: [فمتى ادعى النبوة]، فمن ادعى النبوة فإنه كافر مرتد.
[أو سب الله أو سب رسوله] صلى الله عليه وسلم فإنه يعتبر مرتداً، أو جحد وأنكر وجود الله كالدهريين كفر أيضاً، أو جحد صفة من الصفات الثابتة كفر أيضاً، فإذا جحد -مثلاً- صفة السمع التي أثبتها الله، وصفة الوجه، وصفة العلم، وصفة القدرة أنكرها إنكاراً كلياً صدق عليه أنه ارتد، أو جحد كتاباً من كتبه فقال: هذا القرآن مفترى ليس هو كلام الله، وليس هو منزل، وإنما افتراه محمد، كقول المشركين الذين قالوا: إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ [الفرقان:4] ، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] أساطير الأولين أي: ما سطروه وما كتبوه وكقولهم: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ [النحل:103]، وكقولهم: فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً [الفرقان:5] ، أو جحد رسالة محمد، أو جحد رسالة موسى، أو إبراهيم، أو عيسى، أو أحد الأنبياء وقال: إنه كذاب، حتى الذين قالوا: إن سليمان كافر ليس بنبي يكفرون بذلك، أو جحد ملكاً من الملائكة الذين سموا في القرآن كجبريل وميكائيل ومالك خازن النار ونحوهم من الملائكة الذين ذكرهم وارد في القرآن.
قال: [أو جحد إحدى العبادات الخمس]:
إذا أنكر الشهادة وقال: لا فائدة فيها، أو لا أقر بـ(لا إله إلا الله)، أو جعل مع الله آلهة أخرى، أو استباح الشرك -أي نوع من الشرك- كالسجود للأصنام، أو دعاء الأموات مع الله تعالى، أو تعظيم المخلوق كتعظيم الخالق، وكذلك إذا جحد وجوب الصلاة وقال: إن هذه الصلاة فكرة من محمد ما أمر بها، أو قال: لا فائدة، فيها أنها شاغلة عن الأعمال الدنيوية فلا فائدة فيها حتى ولو كان يصلي اعتبر كافراً.
أو جحد وجوب الزكاة المفروضة وادعى أنها تفليس وأنها ظلم، وأن الذي يأخذها من أهل الأموال إنما هي ضرائب لهم.
أو جحد وجوب الصوم وقال: إنه تكليف شاق، فماذا يفيد كونهم يظمئون أنفسهم ويجيعون أنفسهم؟! يكون بذلك كافراً مرتداً.
أو جحد وجوب الحج، حتى ولو حج اعتبر بذلك مرتداًً.
أو شرعية الجهاد وقال: إن هذا خطأ، حيث يكلف الإنسان أن يتعرض لقتل نفسه ويتعرض لأن يقتل، أو جحد أيضاً إباحة النكاح، أو حرم النكاح الحلال، أو حرم الطلاق وقال: لا يباح أنه يطلق، وكذلك الذين حرموا تعدد الزوجات وقالوا: إن هذا ظلم للمرأة أن يتزوج عليها. أو أباحوا للمرأة أن تتزوج اثنين يجتمعان في وطئها، أو كذلك من أباح نكاح ذوات المحارم كالبنات والأخوات.
وكذلك لو جحد حكماً ظاهراً مجمعاً عليه، كما إذا أباح الزنا وقال: إن الشرع أخطأ حيث حرمه إذا بذلت المرأة نفسها باختيارها، فتحريمه غلط، فهو لا بأس به، أو أباح الخمر وقال: إنها شراب طيب، كيف يحرمها الشرع؟! لقد أخطأ في تحريمها حتى ولو كان لا يشربها، أو أباح الربا وقال: إنما البيع مثل الربا لا فرق بينهما، فلماذا حرم هذا وأحل هذا؟! أو أباح أو حرم شيئاً معلوماً من الدين بالضرورة تحليله أو تحريمه، فلو حرم مثلاً أكل الخبز التي هي إنتاج طيب، أو أباح أكل الرشوة، أو أباح قتل المسلم بغير حق، أو ما أشبه ذلك كفر، وذكرنا أن بعضهم أوصلها إلى مائة من الخصال التي يكفر بها.
يكثر الاستهتار بأحكام الإسلام، وذلك أن كثيراً من ضعاف الإيمان يضحكون من المؤمنين ويسخرون منهم، وهذه السخرية لا شك أنها ذنب كبير قد يوقع في الكفر والردة، وفي القرآن قصة الساخرين الذين حكم الله تعالى بردتهم في غزوة تبوك يوم قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء -يعنون النبي صلى الله عليه وسلم والقراء الذين معه- أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء. وكذبوا، فليسوا أرغب بطوناً، ليس همهم بطونهم ولا همهم فروجهم.
وحدث قبل أربعين سنة أو ثلاث وأربعين أن اليهود نشروا صورة كاريكاتير في صحفهم، ثم التقطها أيضاً أتباع لهم من أهل مصر ونشروها، حيث صوروا صورة ديك وكتبوا تحته بخط عريض بالعامية معناه: (هذا محمد أفندي المتزوج تسعاً) هكذا تجرءوا هذه الجرأة! صوروا النبي صلى الله عليه وسلم في صورة ديك، وادعوا أنه ليس له هم إلا فرجه، وأنه من أجل شهوته تزوج تسعاً، والتقطها بعض المصريين ونشروها كأنهم مقرون لها، ثم رد عليهم أحد علماء مصر واستبشع قولهم، وكتب الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله رسالة رداً عليهم على هذه المقالة، ورداً على جمال في قوله بالاشتراكية في تلك السنوات، حيث أمم كثيراً من الأموال وانتزعها وقال: إن الناس شركاء، وعنوان رسالة الشيخ رحمه الله: (ردة عن الإسلام واشتراكية الحرام!)، فتكلم على تلك الصورة والذين أقروها من المصريين، واستبشع مقالتهم، وجعل هذا ردة عن الإسلام، ثم تكلم أيضاً عن الاشتراكية، فمثل هذه الكلمة تعتبر ردة.
ونقول: إن كثيراً من الناس يتهاونون في مثل هذه الكلمات، وقد عدت من أسباب الارتداد والعياذ بالله! قال الله تعالى في سورة البقرة: زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:212] فالسخرية من الذين آمنوا تعتبر كفراً؛ لأنهم إذا سخروا منهم فكأنهم يسخرون من دينهم الذي يفتخرون به، وقال تعالى في قصة الذين قالوا مقولتهم في غزوة تبوك: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا [التوبة:65-66]، فكفرهم بهذا الأمر لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:66] أي: دل على أنهم كانوا آمنوا، وأن هذه الكلمة ارتدوا بها وأصبحوا كافرين.
وقال تعالى أيضاً في سورة التوبة: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79]، هكذا عادة الكفار أنهم يسخرون من المؤمنين، كما قال الله تعالى في قصة نوح لهود: وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] يعن: أنهم يسخرون من نوح وصناعته للسفينة، ولكن هكذا قال لهم، فأنت -مثلاً- إذا جاءك من يسخر بك فقل: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ ، فالذين مثلاً يسخرون من اللحية ويقومون بمعاداة اللحى وصاروا يسخرون من الذين يربونها فيلمزونهم بأنها كأنها ذنب تيس وكأنها مكنسة بلدية، هذا سخرية من السنة، فقل لهم: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ؛ لأن هذا استهزاء بالسنة، والسنة النبوية هي التي جاءت بهذا الأمر، ولا شك أن هذا سخرية بالشرع والشريعة، فيلحق بالمرتدين والعياذ بالله، وقد سماهم الله تعالى المجرمين، كما في قول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ [المطففين:29] إلى آخر السورة.
يعني أنهم يتنقصونهم ويقولون: هؤلاء مساكين، أضاعوا حياتهم في تعلم هذه الأبواب، تعلم صلاة، وتعلم طهارة، وتعلم صيام، وفاتهم السبق والتقدم، فالناس وصلوا إلى الأفلاك العليا، ووصلوا إلى القمر، وصنعوا الذرة ونحو ذلك، وأما هؤلاء فإنهم أضاعوا أعمارهم يتعلمون باب التيمم، وباب الحيض وباب إزالة النجاسة وباب كذا وكذا، فلا يستفيدون إلا هذه العلوم التي نقصت أعمارهم وضيعت عليهم تقدمهم، أليس هذا سخرية؟ نعم إنه سخرية بعلوم الشريعة، وإنهم وإن تعلموا ما يقولون فإنه قد فاتهم الخير الكثير.
وكذلك أيضاً الذين يتنقصون أهل الأعمال الصالحة أهل الذكر والتسبيح وقراءة القرآن وعمارة المساجد والاعتكاف فيها، فيقولون: هؤلاء رجعيون! هؤلاء متأخرون! هؤلاء متخلفون! لا شك أن هذا أيضاً يعتبر كفراً ابتلي به كثير من الناس، يقول فيهم بعض المعاصرين:
خفافيش هذا الوقت كان لها ضرر وأوباشها بين الورى شرها ظهر
يعيبون أهل الدين من جهلهم بهم كما عابت الكفار من جاء من مضر
يقولون رجعيون لما تمسكوا بنص من الوحيين كان له أثر
وإعفاؤهم تلك اللحى لجمالها وترك سواد حين كان به غرر
وحملهم تلك العصي لأنها لديهم حماقات ومسواك مطهر
يعيبونهم حتى بالسواك، مع أنهم جعلوا بدل السواك السني السجائر والعياذ بالله، فيفخرون بالسجائر، فلو أشعل أحدهم سجارته أخذ يتمايل ويفتخر، وإذا رأى من أمسك سواكاً وأخذ يدلك به جعل يتنقصه ويعيبه، فمثل هؤلاء يعتبرون مرتدين إذا كانوا يستبيحون مثل هذا.
وبذلك تعرف أن أمر الردة أمر خطير، وأنه يدخل فيه كل من يستهزئ بشيء من الشريعة، وأنهم سوف يعذبون في الآخرة، اقرأ قول الله تعالى في سورة: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) قال الله تعالى: قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ [المؤمنون:108-110] اتخذتموهم سخرياً لما كانوا يدعون ويتعبدون وَكُنتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ، إِنِّي جَزَيْتُهُمْ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا [المؤمنون:111] ، فيحذر المسلم أن يقع في الردة وهو لا يشعر، فيستعمل مثل هذه الكلمات التي خطرها كبير، فيقع في تنقص الدين، أو تنقص المؤمنين لأجل إيمانهم ولأجل عقيدتهم ولأجل علومهم الشرعية، فيهلك ويحبط عمله وهو لا يشعر، يتساهل بكلمة يقولها وقد يقولها مازحاً، وقد يقولها ضاحكاً ولا يعلم أنها تتلفه، وأنها تهلك عليه أمر دينه ودنياه، وأنه أهل لذلك أن يقام عليه حد الردة.
يقول: إذا فعل ذلك الكفر [فيستتاب ثلاثة أيام فإن لم يتب قتل].
لا شك أنه إذا عرض عليه القتل وقيل له: إنا سنقتلك فسيظهر التوبة والندم خوفاً من القتل، ولكن إذا عرف بأن توبته توبة الكذابين فلا يقبل منه.
وذكر أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: عسى الغوير أبؤساً. وهذا مثل قديم مضروب، يعني: ماذا عندك من الأخبار؟ فقال: رجل ارتد بعد إيمانه فقتلناه، فقال عمر رضي الله عنه: (هلا استتبتموه ثلاثة أيام ومنعتم عنه الطعام والشراب لعله أن يتوب؟! اللهم! إني أبرأ إليك مما فعلوا)، فأخذوا من هذا أنه لا بد أن يستتاب، فيحبس ويجوع ويضيق عليه ويقال: إن لم تتب قتلناك، فإذا أصر ثلاثة أيام وهو يهدد وقال: لا أتوب ولا أتغير ولا أتبدل فإنه -والحال هذه- يقتل، وإذا قتل فإنه يقتل كافراً، وحينئذ لا يرثه أقاربه المسلمون، ولا يورث، وماله يكون فيئاً لبيت المال، ولا يصلى عليه إذا قتل على ذلك، ولا يدفن في مقابر المسلمين، بل يدفن بعيداً، ويوارى إذا لم يجد من يواريه.
من سب الله ورسوله
ذكر أن يهودياً في الشام في حدود سنة عشرين وسبعمائة أخذ يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه كذاب، وإنه مفترٍ، وإنه.. وإنه.. فلما ظهر من أمره هذا السب المعلن غضب عليه العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب كتابه المشهور: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) وأورد فيه الأدلة فأطال وبسط فيه الكلام، وخلاصة كلامه أنه لا تقبل توبة مثل هذا ولو ادعى توبة، وإن كان من المعاهدين، ومن أهل الجزية الذميين فإنه ينتقض بذلك عهده، وإنه لتظاهره بهذا السب يجب قتله، وأورد أدلة كثيرة في أول الكتاب، فذكر قصة رجل كان عنده جارية مملوكة، ولكنها كانت كافرة، وكان قد تسراها فولدت له ولدين، فكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك قتلها، فلما قتلها ذكر ذلك لـعمر بن الخطاب فمدحه على قتلها لأنها تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك كثير.
من تكررت ردته
أي: لا تقبل توبة من تكررت ردته، وذلك لأن تكررها يدل على امتلاء قلبه بالكفر، فإذا تكلم -مثلاً بالكفر- ثم بعد ذلك استتيب فتاب، ثم ذكر عنه وثبت عنه أنه تكلم بكلمة كفر أو سخرية، ثم استتيب فتاب، ثم عاد مرة ثالثة عرف بذلك أنه مرتد، وأن قلبه مليء بالنفاق والكفر، فلا يقبل منه الرجوع، ولا تقبل منه التوبة.
المنافق لا تقبل توبته
ذكر أن أحد الزنادقة أحضر عند المهدي وقرره، فثبت عنده أنه زنديق فأمر بقتله، فقال ذلك المنافق والزنديق: هب أنك قتلتني، كيف تصنع بأربعة آلاف حديث كذبتها على نبيكم؟! فقال: تعيش لها نقادها يعني أن الله تعالى حفظ دينه، وهناك من ينتقدها، ويبينها، ومن يحذر منها.
وأحضر إليه رجل أديب ولكنه متهم أيضاً بالزندقة، فاستتابه فأظهر التوبة، ولما عفا عنه تذكر أبياتاً له فرده وقتله بسببها، وهي قوله:
وإن من أدبته في الصبى كالزرع يسقى الماء في غرسه
والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يوارى في ثرى رمسه
إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا عاد إلى نكسه
فقال: أنت شيخ -يعني: كبير- فلا تترك أخلاقك، وقد اعترفت على نفسك. فقوله: (والشيخ لا يترك أخلاقه) يعني: كبير السن (حتى يوارى في ثرى رمسه) يعني: حتى يدفن، (إذا ارعوى عاد إلى جهله كذي الضنا): يعني: المرض (عاد إلى نكسه)، فقتله على زندقتة في هذه الأبيات.
الساحر لا تقبل توبته
يقول: [ولا تقبل ظاهراً -يعني: التوبة- ممن سب الله أو رسوله]؛ لأن السب هذا فيه دليل على أنها عقيدة في قلبه، فحينئذ لا تقبل توبته ولو قال: إني أتوب، وذلك لأن هذا دليل على أن قلبه مطمئن بالكفر؛ لأنه هكذا شأنه، كالمنافقين الذين قال الله تعالى عنهم: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ [الفتح:11] .
ذكر أن يهودياً في الشام في حدود سنة عشرين وسبعمائة أخذ يسب النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: إنه كذاب، وإنه مفترٍ، وإنه.. وإنه.. فلما ظهر من أمره هذا السب المعلن غضب عليه العلماء، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، وكتب كتابه المشهور: (الصارم المسلول على شاتم الرسول) وأورد فيه الأدلة فأطال وبسط فيه الكلام، وخلاصة كلامه أنه لا تقبل توبة مثل هذا ولو ادعى توبة، وإن كان من المعاهدين، ومن أهل الجزية الذميين فإنه ينتقض بذلك عهده، وإنه لتظاهره بهذا السب يجب قتله، وأورد أدلة كثيرة في أول الكتاب، فذكر قصة رجل كان عنده جارية مملوكة، ولكنها كانت كافرة، وكان قد تسراها فولدت له ولدين، فكانت تسب النبي صلى الله عليه وسلم، فعند ذلك قتلها، فلما قتلها ذكر ذلك لـعمر بن الخطاب فمدحه على قتلها لأنها تسب النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك كثير.