شرح أخصر المختصرات [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

ذكر المؤلف فيما سبق أن المياه ثلاثة أقسام، واختار شيخ الإسلام أن الماء قسمان: طاهر، ونجس، وأن الحد الفاصل بينهما هو التغير.

وذكرنا أن ما سموه طاهراً في نفسه لا يرفع الحدث، هو في الغالب لا يسمى ماءً، حيث إنه يكتسب اسماً آخر كأن يسمى لبناً أو مرقاً أو قهوة أو شاهياً أو نحو ذلك.

وذكرنا في باب الآنية أن الراجح: أن جلد الميتة يطهر بعد الدبغ، لقوة الأدلة في ذلك، وهي واضحة الدلالة، والحديث الذي تمسك به من قال: إنها لا تطهر فيه اضطراب.

وذكرنا في الاستنجاء أن مسح الذكر باليد اليسرى بعد البول ونتره لا دليل عليه، والحديث الذي فيه ضعيف، وأنه يسبب السلس، كما وقع ذلك كثيراً.

وذكرنا في استقبال القبلة واستدبارها في البنيان أنه رجح شيخ الإسلام عدم جوازه كما لا يجوز في الصحراء، أخذاً بعموم الأحاديث التي فيها النهي.

كذلك ذكرنا أن السواك يصح للصائم قبل الزوال وبعده، والحديث الذي فيه: (إذا صمتم فاستاكوا أول النهار ولا تستاكوا آخره) لا يصح، والتعليل أيضاً غير صحيح.

هذه الأمور التي نبه عليها العلماء في المخالفات، سواء كانت مأمورات أو منهيات، والآن نبدأ فيما يتعلق بالوضوء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فصل:

فروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضة واستنشاق، وغسل اليدين، والرجلين، ومسح جميع الرأس مع الأذنين، وترتيب، وموالاة، والنية شرط لكل طهارة شرعية غير إزالة الخبث، وغسل كتابية لحل وطء، ومسلمة ممتنعة.

والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم، وغسل يدي قائم من نوم ليل ناقض لوضوء، وتسقط سهواً وجهلاً.

ومن سننه: استقبال قبلة، وسواك، وبداءة بغسل يدي غير قائم من نوم ليل، ويجب له ثلاثاً تعبداً، وبمضمضة فاستنشاق، ومبالغة فيهما لغير صائم، وتخليل شعر كثيف، والأصابع، وغسلة ثانية وثالثة، وكره أكثر، وسن بعد فراغه رفع بصره إلى السماء، وقول ما ورد.

فصل:

يجوز المسح على خف ونحوه، وعمامة ذكر محنكة أو ذات ذؤابة، وخُمُر نساء مدارة تحت حلوقهن، وعلى جبيرة لم تجاوز قدر الحاجة إلى حلها، وإن جاوزته أو وضعها على غير طهارة لزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم، مع مسح موضوعة على طهارة.

ويمسح مقيم، وعاصٍ بسفره من حدث بعد لبس يوماً وليلة، ومسافر سفر قصر ثلاثة بلياليها، فإن مسح في سفر ثم أقام أو عكس فكمقيم.

وشرط تقدم كمال طهارة، وستر ممسوح محل فرض، وثبوته بنفسه، وإمكان مشي به عرفاً، وطهارته، وإباحته ويجب مسح أكثر دوائر عمامة، وأكثر ظاهر قدم خف، وجميع جبيرة.

وإن ظهر بعض محل فرض أو تمت المدة استأنف الطهارة.

فصل:

نواقض الوضوء ثمانية: خارج من سبيل مطلقاً، وخارج من بقية البدن من بول وغائط وكثير نجس غيرهما، وزوال عقل، إلا يسير نوم من قائم أو قاعد، وغسل ميت، وأكل لحم إبل، والردة، وكل ما أوجب غسلاً غير موت، ومس فرج آدمي متصل، أو حلقة دبره بيد، ولمس ذكر أو أنثى الآخر لشهوة بلا حائل فيهما، لا لشعر وسِن، ولا بها، ولا من دون سبع، ولا ينقض وضوء ملموس مطلقاً.

ومن شك في طهارة أو حدث بنى على يقينه.

وحرم على محدث مس مصحف وصلاة وطواف، وعلى جنب ونحوه ذلك، وقراءة آية قرآن، ولبث في مسجد بغير وضوء.

فصل:

موجبات الغسل سبعة: خروج المني من مخرجه بلذة، وانتقاله، وتغييب حشفة في فرج أو دبر، ولو لبهيمة أو ميت بلا حائل، وإسلام كافر، وموت، وحيض ونفاس.

وسُن: لجمعة، وعيد، وكسوف، واستسقاء، وجنون وإغماء لا احتلام فيهما، واستحاضة لكل صلاة، وإحرام، ودخول مكة، وحرمها، ووقوف بعرفة، وطواف زيارة، ووداع، ومبيت بمزدلفة، ورمي جمار.

وتنقض المرأة شعرها لحيض ونفاس لا جنابة إذا روت أصوله.

وسُن توضؤ بمد، واغتسال بصاع، وكره الإسراف، وإن نوى بالغسل رفع الحدثين أو الحدث وأطلق ارتفع.

وسن لجنب غسل فرجه، والوضوء لأكل وشرب ونوم ومعاودة وطء، والغسل لها أفضل، وكره نوم جنب بلا وضوء].

المؤلف كما رأينا يختصر كثيراً، فإنه اقتصر على فروض الوضوء ولم يذكر صفته؛ وذلك لأنه إذا أتى بهذه الفروض فقد أتى بالوضوء المطلوب، وكذلك إذا حافظ على سننه وشروطه وواجباته، وهذه الأشياء التي هي السنن والواجبات والشروط وما أشبهها، مأخوذة من عمومات الأدلة.

تعريف الوضوء

الوضوء: مسمى شرعي، لا تعرف العرب هذا الاسم إلا من حيث العموم، يعني: مشتق من الضوء الذي هو النور، قيل: لأنه ينير للمتوضئ الطريق إلى العبادة، وقيل: لأنه ينور هذه الأعضاء، أي: ينظفها، أو لأنه ينورها في الآخرة تنويراً حسياً، حيث ورد أن هذه الأمة يعرفون بالغرة والتحجيل كما هو مشهور.

شروط الوضوء وفروضه

شروط الوضوء تسعة:

من شرطه الإسلام، فلا يصح الوضوء من كافر، والعقل فلا يصح من فاقده، والتمييز فلا يصح من الصغير الذي لا يميز.. إلى آخرها.

وفروضه ستة: يعني: بالتتبع وجد أنها لا تخرج عن ستة، والمراد: اللازمات والواجبات فيه، وكأنهم بهذا فرقوا بين الفرض والواجب، والجمهور على أنه لا فرق بينهما.

فهاهنا جعلوا هذه هي الفروض وجعلوا الواجب هو التسمية، والفرق بينهما: أن الواجبات تسقط سهواً وجهلاً، وأما الفروض فلا تسقط سهواً ولا جهلا.

والذين فرقوا بينهما كالحنفية قالوا: الفرض آكد، وهو: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني، ولعل هذا اصطلاح خاص بالأحناف، وإلا فالفرض والواجب تعريف كل منهما واحد، فالواجب هو: ما يثاب فاعله احتساباً ويعاقب تاركه تهاوناً، فيدخل في ذلك الفروض، فإنه يثاب من فعلها تقرباً إلى الله تعالى، ويعاقب من تركها عصياناً وتهاوناً بها، فيعم الفروض والواجبات.

قوله: (وفروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضمة واستنشاق) الوجه: ما تحصل به المواجهة، يعني: المقابلة فلا يدخل فيه الرأس الذي هو منبت الشعر؛ لأنه غالباً يستر بالعمامة والقلنسوة، ولا تدخل فيه الأذنان، فالغالب أنها تستر بالعمامة ونحوها، وتدخل فيه اللحية والعارضان؛ لأنها تحصل بهما المقابلة والمواجهة، فعلى هذا يلزم غسل الشعر كما سيأتي.

والمضمضة والاستنشاق ألحقا بالوجه، والجمهور على أنه واجب أن يتمضمض ويستنشق.

والمضمضة: تحريك الماء في الفم، والاستنشاق: اجتذاب الماء إلى الأنف بقوة النفس، والحكمة تنظيف الفم؛ لأنه قد يكون فيه شيء من الوسخ بعد الأكل وطول الصمت ونحو ذلك؛ ولذلك شرع تنظيفه بالسواك، وكذلك تنظيف الأنف -يعني: المنخرين- لأنهما قد يتحلل منهما شيء من الرأس من المخاط ونحوه، فشرع تنظيفه معه، حتى يأتي الإنسان إلى الصلاة نظيفاً بقدر ما يستطيع.

واستدل على الوجوب بقوله في الحديث: (إذا توضأت فمضمض) وفي حديث آخر: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، واستدل بأن الوجه يدخل فيه ما يلحق به كالعينين، فالمنخران تابعان له، ويلزم غسل داخلهما بقدر الاستطاعة، والفم أيضاً داخل، فيجعلونه في حكم الظاهر؛ لأنه إذا وضع في فمه ماءً وهو صائم ثم مجه لم يفطر، فدل على أن حكمه حكم الظاهر، ولو وضع في فمه جرعة خمر ثم مجها ما حُد لذلك، ولو أن الصبي الذي في سن الرضاع صب في فمه لبن المرأة ثم مجه لم يعد ابناً لها، فدل على أنه في حكم الظاهر، فيلزم تنظيفه.

وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: إنه في حكم الباطن؛ لأنه لا تحصل به المواجهة، فداخل الفم وداخل الأنف لا تحصل بهما المواجهة، فالأنف يستره المنخران، والفم تستره الشفتان، وبكل حال ثبت الفعل الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه أنه كان لا يترك المضمضة والاستنشاق، وكان هذا مبيناً للآية الكريمة: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].

وغسل اليدين وغسل الرجلين فرضان بلا خلاف، وحد اليدين إلى المرفقين، والصحيح: دخول المرفقين في اليدين، وتكون إلى في قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] أي: مع المرافق، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ يدير الماء إلى أعلى مرفقيه من جوانبه، مما يدل على أنه يدخل المرفق في الغسل، وكذا الكعبين يغسلهما مع القدمين، والكعب هو: العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وفي كل قدم كعبان من الجانبين، وينتهي الكعب بمستدق الساق، فنهاية الكعب وعروقه وما يغسل منه هو مستدق الساق، فيكون الغسل إلى ذلك المكان.

ومن الواجبات مسح الرأس مع الأذنين، والرأس هو: ما ينبت فيه الشعر غالباً، يعني: منابت الشعر المعتاد من نهاية الجبين إلى القفا، ورد مسحه مبتدئاً بالناصية لحديث عبد الله بن زيد : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، فأقبل بهما وأدبر) والواو هاهنا ليست للترتيب، ولكنها لمطلق الجمع، ثم فسر ذلك بقوله: (بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) هذه هي صفة المسح.

فيمررهما على الشعر إذا كان الشعر مسدولاً، أو معقوصاً، أو جعداً؛ لأن المرور يعم جميع الرأس.

واختلف في مسح الأذنين، هل يجوز مسحهما ببقية بلل الرأس أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟

ورد في الحديث أنه: (أخذ لأذنيه ماءً جديداً)، والصحيح: أنه أخذ الماء الجديد لرأسه، (فمسح رأسه بماء غير فضل يديه)، هكذا ذكر في (بلوغ المرام).

وصفة مسح الأذنين: إدخال السبابتين في صماخ الأذن، يعني: في خرقها، ومسح ظهور الأذنين بالإبهامين، يعني: يمرر الإبهامين عليها، وأما غضاريف الأذن فلا تمسح، لما في ذلك من مشقة.

وقد ورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأذنان من الرأس) وهو صريح بأنهما يمسحان، وفي ذلك أحاديث مشهورة مروية عن عدة من الصحابة.

والسنة دلت على تعميم جميع رأسه بالمسح من أدناه إلى أقصاه، وخالف في ذلك الشافعية، فقالوا: يجزئ أن يمسح ولو بعض شعره، وهذا خلاف النصوص، فإن الوارد أنه عليه الصلاة والسلام كان يعمم رأسه بالمسح، ولم ينقل أنه كان يقتصر على بعضه.

وذهبت الحنفية إلى أنه يكفي ربع الرأس، واستدلوا بحديث المغيرة : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح ناصيته) وأجاب عن ذلك ابن كثير في التفسير بأنه مسح ناصيته؛ لأنها ظاهرة، وكمل المسح على العمامة، فإن في الحديث: (مسح ناصيته وعلى العمامة والخفين) ولم يقل: إنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فمسح جميع الرأس هو فرض، ولا يجزئ بعضه، وهذا هو الأصل.

ومن الفروض أيضاً الترتيب، فالترتيب يكون على ما في الآية، فيبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بالرأس، ثم يختم بالرجلين، والرجلان مغسولتان، كما أن اليدين مغسولتان، وعليه أن يتأكد من غسل رجليه؛ فقد ورد في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) والأعقاب هي: مؤخر الأقدام، وذلك لأن الذي يتوضأ سريعاً قد يكون من سرعته أنه لا يتعهد مؤخر القدم، فيبقى فيه بقعة أو بياض، فأمر بأن يتعهد ذلك ويدلكه.

ومذهب الرافضة مسح الرجلين، وهو خلاف السنة، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم مسحهما، بل كان يغسلهما، والسنة مبينة للقرآن.

فالترتيب يبدأه بوجهه، ثم بيده، ثم برأسه، ثم برجليه، فلو غسل يديه قبل وجهه لزمه إعادة غسلهما بعد الوجه، ولو غسل رجليه قبل أن يمسح رأسه لزمه غسلهما آخر وضوئه، ولو مسح رأسه قبل غسل يديه، لزمه أن يمسح رأسه بعد اليدين، حتى يكون وضوءه على ما ورد في الآية: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] فيتوضأ على هذا الترتيب، ويبدأ بما بدأ الله به، كما في الحديث.

والموالاة أيضاً فرض، والموالاة هي: أن يواليها ويسرع فيها، بأن يغسل كل عضو عقب الآخر ولا يتوقف، فإذا انتهى من غسل الوجه بدأ في غسل اليدين، ثم بعد اليدين يبدأ بمسح الرأس، وبعد الرأس يبدأ مباشرة في غسل الرجلين، فلو غسل وجهه ويديه ثم توقف ساعة أو نصف ساعة أو ربع ساعة ثم كمل لم يصح وضوءه؛ لأن الوضوء طهارة وعبادة، ولابد أن تكون متوالية في وقت واحد، ولا يصح أن يفرقها.

وحددوا ذلك: بألا ييبس عضو قبل غسل ما بعده، فلو يبس الوجه قبل غسل يديه أعاد غسل الوجه، إلا إذا كان هناك -مثلاً- ريح شديدة، أو حر وسموم، فإنه قد ييبس الوجه بسرعة، ولكن المراد الوضوء المعتاد.

وهناك بعض الموسوسين يبقى أحدهم في الوضوء ساعة أو ساعتين، ولا شك أن هذا من الشيطان، بحيث إنه يبقى يدلك يديه نصف ساعة، ويخيل إليه أنهما لم يبتلا، ويرجع يغسل رجليه ويدلكهما ساعة أو نصف ساعة على هذه الحال، ويعتبر أنه لم يتوضأ وضوءاً متوالياً، فعليه في هذه الحال إذا كان يشق عليه أن يتوضأ بسرعة في نحو دقيقة أن يعيد الوضوء متوالياً.

ومن فروض الوضوء: النية، وهي شرط لكل طهارة شرعية، والنية هي: عزم القلب على الفعل، بأن ينوي بقلبه أن يعمل فعلاً من العبادات الشرعية، فالطهارة، والوضوء، والغسل، والتيمم، تسمى كل هذه طهارات شرعية، فلابد لها من النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه لإزالة نعاس أو نحو ذلك، ثم غسل يديه لنظافتهما ولم ينو الوضوء في ذلك ثم قال: سأكمل الوضوء، فمسح برأسه وغسل رجليه فنقول: يلزمه أن يعيد غسل وجهه ويديه؛ لأنه غسلهما بدون نية رفع الحدث، وإنما بنية رفع النعاس أو بنية النظافة أو ما أشبه ذلك.

وكذلك إذا اغتسل للتنظيف ولم يغتسل لرفع الجنابة، فإنه لا يرتفع حدثه.

والحاصل: أن النية شرط للطهارة كالوضوء والغسل والتيمم.

أما إزالة النجاسة فلا يشترط لها النية، فلو كان لك ثوب نجس ثم أصابه المطر وغمره طهر، أو وقع في سيل فغمره طهر، أو كان في نعله نجاسة فخاض بها في سيل أو في نهر بدون نية طهر.

وكذلك مما لا يشترط له النية غسل الكتابية، وكذا المسلمة الممتنعة لحل وطء، فإذا طهرت الحائض لا يحل وطؤها إلا بعد الغسل، فإذا امتنعت المسلمة أجبرها زوجها على الاغتسال، فغسلها مجبرة بدون نية يبيح الوطء، ولكنه لا يرفع حدثها، ولا يباح لها الصلاة بذلك، وكذلك إجبار الكتابية.

قوله: (والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم وغسل يدي قائم من نوم بليل) فالتسمية هي: قول: (باسم الله)، وقد ورد فيها حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وهذا الحديث روي من عدة طرق عن عدة من الصحابة، ولكن طرقه ضعيفة لا تبلغ درجة الصحة، وروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح في هذا الباب شيء، ولكن يقولون: بمجموع تلك الطرق يتقوى، ويكون دليلاً على الوجوب، فيسمى قبل غسل اليدين، فإذا أراد أن يغسل يديه فإنه يقول: باسم الله، ثم يغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يكمل الوضوء.

وكذلك عند الاغتسال إذا أراد أن يغتسل قبل الوضوء يبدأ بالبسملة ثم يكمل.

وكذلك التيمم، فعندما يتيمم بالتراب يقول: باسم الله.

وهكذا من قام من نوم ليل نوماً مستغرقاً ناقضاً لوضوء فإنه يجب عليه غسل يديه قبل أن يدخلهما في الماء، ويذكر اسم الله فيقول: باسم الله.

ويسأل الكثير من الناس عما إذا كان الإنسان في داخل الحمام فإنه يمنع فيه من ذكر الله؛ لأنه مستقذر، وتنزه أسماء الله تعالى عن المكان المستقذر فكيف يسمي؟

بعض المشايخ يقول: يكفيه التسمية عند الدخول، وقد تقدم أنه إذا أراد أن يدخل قال: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) فيقول: تكفيه هذه البسملة، ولكن يفضلون أنه إذا دخل واستنجى خرج بعد ذلك وتوضأ خارجاً بمسافة حتى يسمي، وبعض المشايخ يقول: يسمي ولو كان في داخل الحمام؛ وذلك لأن هذه التسمية من مكملات الوضوء فيأتي بها، والاحتياط أنه يتوضأ خارجاً حتى يأتي بالتسمية.

وتسقط سهواً وجهلاً، كما قال تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ولكن الجاهل عليه أن يتعلم.

سنن الوضوء

من سنن الوضوء: استقبال القبلة، يعني: أن يكون مستقبل القبلة حال الوضوء، ولكن لم يرد دليل في ذلك.

ومن سننه: السواك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).

ومن سننه: أن يبدأ بغسل يديه من غير قيام من نوم ليل؛ لأن غسل يدي القائم من نوم الليل واجب، ولكن غيره يغسل كفيه ثلاثاً؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما، فيغترف الماء باليد ويغسل بهما وجهه، ويغترفه باليد ويغسل يديه، وهكذا يغسل رجليه بيده، فلابد أن ينظف اليدين، وتنظيفهما سنة.

أما من نوم الليل فإنه يجب أن يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، واختلف في العلة في ذلك، واختار المؤلف أنه أمر تعبدي، لا تعرف فيه الحكمة؛ لأنه -مثلاً- لو جعل يديه في كيس حتى أصبح لوجب عليه أن يغسلهما.

ومن السنن: أن يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، فيبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن أخرهما جاز.

ومن السنن: المبالغة فيهما لغير صائم.

والمبالغة بالمضمضة هو: أن يحرك الماء بقوة في فمه، والمبالغة في الاستنشاق هو: أن يجتذب الماء بقوة النفس إلى أقصى خياشيمه حتى ينظفه، وأما الصائم فلا يبالغ مخافة أن يدخل إلى حلقه.

ومن السنن: تخليل شعر الوجه الكثيف، فإذا كان شعر اللحية كثيفاً فإنه يخلله، بأن يدخل فيها أصابعه حتى يصل إلى أصوله، وإذا اقتصر على غسل ظاهره إذا كان كثيفاً كفى، وضابط الكثيف: أنه الشعر الذي يستر البشرة، والخفيف هو: الذي تُرى البشرة من ورائه، فالخفيف يجب غسل داخله وظاهره.

ومن السنن: تخليل الأصابع، ويتأكد التخليل في أصابع القدمين؛ لأنها غالباً ملتصقة، فيدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه حتى يتأكد من وصول الماء، وتخليل أصابع اليدين مستحب لأنها متفرقة يستطيع أن يدخل بعضها في بعض، والعادة والمعروف أن أصابع اليدين متفرقة، وأن الماء يصل إليها.

ومن السنن التثليث، بأن يغسل كل عضو ثلاث مرات: الوجه ثلاث غسلات، وكل يد يغسلها ثلاثاً، وكل رجل ثلاثاً؛ لأن الثلاث هي أكمل، والغسلتان دونهما، ومن اقتصر على غسلة واحدة فقد ارتفع حدثه، ومن غسل كل عضو مرتين فهو أفضل، والثلاث أفضل من الاثنتين، وما زاد على الثلاث لا يجوز، مكروه كراهة التحريم، وقد ورد النهي عن الإسراف، فروي في الحديث: (لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ) .

ومن السن: أن يرفع بصره إلى السماء ويقول ما ورد، فرفع بصره إلى السماء هو لذكر الله تعالى، وكأنه لما أراد أن يدعو الله ويذكره رفع بصره، والذي ورد أنه يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله) وورد أيضاً أنه يقول: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) وإن قال بعد ذلك شيئاً من الأدعية، كأن يقول: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وهو من الدعاء الذي قاله إبراهيم عليه السلام؛ جاز ذلك.

الوضوء: مسمى شرعي، لا تعرف العرب هذا الاسم إلا من حيث العموم، يعني: مشتق من الضوء الذي هو النور، قيل: لأنه ينير للمتوضئ الطريق إلى العبادة، وقيل: لأنه ينور هذه الأعضاء، أي: ينظفها، أو لأنه ينورها في الآخرة تنويراً حسياً، حيث ورد أن هذه الأمة يعرفون بالغرة والتحجيل كما هو مشهور.

شروط الوضوء تسعة:

من شرطه الإسلام، فلا يصح الوضوء من كافر، والعقل فلا يصح من فاقده، والتمييز فلا يصح من الصغير الذي لا يميز.. إلى آخرها.

وفروضه ستة: يعني: بالتتبع وجد أنها لا تخرج عن ستة، والمراد: اللازمات والواجبات فيه، وكأنهم بهذا فرقوا بين الفرض والواجب، والجمهور على أنه لا فرق بينهما.

فهاهنا جعلوا هذه هي الفروض وجعلوا الواجب هو التسمية، والفرق بينهما: أن الواجبات تسقط سهواً وجهلاً، وأما الفروض فلا تسقط سهواً ولا جهلا.

والذين فرقوا بينهما كالحنفية قالوا: الفرض آكد، وهو: ما ثبت بدليل قطعي، والواجب: ما ثبت بدليل ظني، ولعل هذا اصطلاح خاص بالأحناف، وإلا فالفرض والواجب تعريف كل منهما واحد، فالواجب هو: ما يثاب فاعله احتساباً ويعاقب تاركه تهاوناً، فيدخل في ذلك الفروض، فإنه يثاب من فعلها تقرباً إلى الله تعالى، ويعاقب من تركها عصياناً وتهاوناً بها، فيعم الفروض والواجبات.

قوله: (وفروض الوضوء ستة: غسل الوجه مع مضمضمة واستنشاق) الوجه: ما تحصل به المواجهة، يعني: المقابلة فلا يدخل فيه الرأس الذي هو منبت الشعر؛ لأنه غالباً يستر بالعمامة والقلنسوة، ولا تدخل فيه الأذنان، فالغالب أنها تستر بالعمامة ونحوها، وتدخل فيه اللحية والعارضان؛ لأنها تحصل بهما المقابلة والمواجهة، فعلى هذا يلزم غسل الشعر كما سيأتي.

والمضمضة والاستنشاق ألحقا بالوجه، والجمهور على أنه واجب أن يتمضمض ويستنشق.

والمضمضة: تحريك الماء في الفم، والاستنشاق: اجتذاب الماء إلى الأنف بقوة النفس، والحكمة تنظيف الفم؛ لأنه قد يكون فيه شيء من الوسخ بعد الأكل وطول الصمت ونحو ذلك؛ ولذلك شرع تنظيفه بالسواك، وكذلك تنظيف الأنف -يعني: المنخرين- لأنهما قد يتحلل منهما شيء من الرأس من المخاط ونحوه، فشرع تنظيفه معه، حتى يأتي الإنسان إلى الصلاة نظيفاً بقدر ما يستطيع.

واستدل على الوجوب بقوله في الحديث: (إذا توضأت فمضمض) وفي حديث آخر: (وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)، واستدل بأن الوجه يدخل فيه ما يلحق به كالعينين، فالمنخران تابعان له، ويلزم غسل داخلهما بقدر الاستطاعة، والفم أيضاً داخل، فيجعلونه في حكم الظاهر؛ لأنه إذا وضع في فمه ماءً وهو صائم ثم مجه لم يفطر، فدل على أن حكمه حكم الظاهر، ولو وضع في فمه جرعة خمر ثم مجها ما حُد لذلك، ولو أن الصبي الذي في سن الرضاع صب في فمه لبن المرأة ثم مجه لم يعد ابناً لها، فدل على أنه في حكم الظاهر، فيلزم تنظيفه.

وخالف في ذلك الشافعية وقالوا: إنه في حكم الباطن؛ لأنه لا تحصل به المواجهة، فداخل الفم وداخل الأنف لا تحصل بهما المواجهة، فالأنف يستره المنخران، والفم تستره الشفتان، وبكل حال ثبت الفعل الصريح من النبي صلى الله عليه وسلم في وضوئه أنه كان لا يترك المضمضة والاستنشاق، وكان هذا مبيناً للآية الكريمة: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].

وغسل اليدين وغسل الرجلين فرضان بلا خلاف، وحد اليدين إلى المرفقين، والصحيح: دخول المرفقين في اليدين، وتكون إلى في قوله: وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] أي: مع المرافق، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ يدير الماء إلى أعلى مرفقيه من جوانبه، مما يدل على أنه يدخل المرفق في الغسل، وكذا الكعبين يغسلهما مع القدمين، والكعب هو: العظم الناشز عند ملتقى الساق والقدم، وفي كل قدم كعبان من الجانبين، وينتهي الكعب بمستدق الساق، فنهاية الكعب وعروقه وما يغسل منه هو مستدق الساق، فيكون الغسل إلى ذلك المكان.

ومن الواجبات مسح الرأس مع الأذنين، والرأس هو: ما ينبت فيه الشعر غالباً، يعني: منابت الشعر المعتاد من نهاية الجبين إلى القفا، ورد مسحه مبتدئاً بالناصية لحديث عبد الله بن زيد : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح برأسه، فأقبل بهما وأدبر) والواو هاهنا ليست للترتيب، ولكنها لمطلق الجمع، ثم فسر ذلك بقوله: (بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه) هذه هي صفة المسح.

فيمررهما على الشعر إذا كان الشعر مسدولاً، أو معقوصاً، أو جعداً؛ لأن المرور يعم جميع الرأس.

واختلف في مسح الأذنين، هل يجوز مسحهما ببقية بلل الرأس أو يأخذ لهما ماءً جديداً؟

ورد في الحديث أنه: (أخذ لأذنيه ماءً جديداً)، والصحيح: أنه أخذ الماء الجديد لرأسه، (فمسح رأسه بماء غير فضل يديه)، هكذا ذكر في (بلوغ المرام).

وصفة مسح الأذنين: إدخال السبابتين في صماخ الأذن، يعني: في خرقها، ومسح ظهور الأذنين بالإبهامين، يعني: يمرر الإبهامين عليها، وأما غضاريف الأذن فلا تمسح، لما في ذلك من مشقة.

وقد ورد أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الأذنان من الرأس) وهو صريح بأنهما يمسحان، وفي ذلك أحاديث مشهورة مروية عن عدة من الصحابة.

والسنة دلت على تعميم جميع رأسه بالمسح من أدناه إلى أقصاه، وخالف في ذلك الشافعية، فقالوا: يجزئ أن يمسح ولو بعض شعره، وهذا خلاف النصوص، فإن الوارد أنه عليه الصلاة والسلام كان يعمم رأسه بالمسح، ولم ينقل أنه كان يقتصر على بعضه.

وذهبت الحنفية إلى أنه يكفي ربع الرأس، واستدلوا بحديث المغيرة : (أنه صلى الله عليه وسلم مسح ناصيته) وأجاب عن ذلك ابن كثير في التفسير بأنه مسح ناصيته؛ لأنها ظاهرة، وكمل المسح على العمامة، فإن في الحديث: (مسح ناصيته وعلى العمامة والخفين) ولم يقل: إنه اقتصر على مسح بعض الرأس، فمسح جميع الرأس هو فرض، ولا يجزئ بعضه، وهذا هو الأصل.

ومن الفروض أيضاً الترتيب، فالترتيب يكون على ما في الآية، فيبدأ بالوجه، ثم باليدين، ثم بالرأس، ثم يختم بالرجلين، والرجلان مغسولتان، كما أن اليدين مغسولتان، وعليه أن يتأكد من غسل رجليه؛ فقد ورد في الحديث: (ويل للأعقاب من النار) والأعقاب هي: مؤخر الأقدام، وذلك لأن الذي يتوضأ سريعاً قد يكون من سرعته أنه لا يتعهد مؤخر القدم، فيبقى فيه بقعة أو بياض، فأمر بأن يتعهد ذلك ويدلكه.

ومذهب الرافضة مسح الرجلين، وهو خلاف السنة، ولم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم مسحهما، بل كان يغسلهما، والسنة مبينة للقرآن.

فالترتيب يبدأه بوجهه، ثم بيده، ثم برأسه، ثم برجليه، فلو غسل يديه قبل وجهه لزمه إعادة غسلهما بعد الوجه، ولو غسل رجليه قبل أن يمسح رأسه لزمه غسلهما آخر وضوئه، ولو مسح رأسه قبل غسل يديه، لزمه أن يمسح رأسه بعد اليدين، حتى يكون وضوءه على ما ورد في الآية: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ [المائدة:6] فيتوضأ على هذا الترتيب، ويبدأ بما بدأ الله به، كما في الحديث.

والموالاة أيضاً فرض، والموالاة هي: أن يواليها ويسرع فيها، بأن يغسل كل عضو عقب الآخر ولا يتوقف، فإذا انتهى من غسل الوجه بدأ في غسل اليدين، ثم بعد اليدين يبدأ بمسح الرأس، وبعد الرأس يبدأ مباشرة في غسل الرجلين، فلو غسل وجهه ويديه ثم توقف ساعة أو نصف ساعة أو ربع ساعة ثم كمل لم يصح وضوءه؛ لأن الوضوء طهارة وعبادة، ولابد أن تكون متوالية في وقت واحد، ولا يصح أن يفرقها.

وحددوا ذلك: بألا ييبس عضو قبل غسل ما بعده، فلو يبس الوجه قبل غسل يديه أعاد غسل الوجه، إلا إذا كان هناك -مثلاً- ريح شديدة، أو حر وسموم، فإنه قد ييبس الوجه بسرعة، ولكن المراد الوضوء المعتاد.

وهناك بعض الموسوسين يبقى أحدهم في الوضوء ساعة أو ساعتين، ولا شك أن هذا من الشيطان، بحيث إنه يبقى يدلك يديه نصف ساعة، ويخيل إليه أنهما لم يبتلا، ويرجع يغسل رجليه ويدلكهما ساعة أو نصف ساعة على هذه الحال، ويعتبر أنه لم يتوضأ وضوءاً متوالياً، فعليه في هذه الحال إذا كان يشق عليه أن يتوضأ بسرعة في نحو دقيقة أن يعيد الوضوء متوالياً.

ومن فروض الوضوء: النية، وهي شرط لكل طهارة شرعية، والنية هي: عزم القلب على الفعل، بأن ينوي بقلبه أن يعمل فعلاً من العبادات الشرعية، فالطهارة، والوضوء، والغسل، والتيمم، تسمى كل هذه طهارات شرعية، فلابد لها من النية، فلو أن إنساناً غسل وجهه لإزالة نعاس أو نحو ذلك، ثم غسل يديه لنظافتهما ولم ينو الوضوء في ذلك ثم قال: سأكمل الوضوء، فمسح برأسه وغسل رجليه فنقول: يلزمه أن يعيد غسل وجهه ويديه؛ لأنه غسلهما بدون نية رفع الحدث، وإنما بنية رفع النعاس أو بنية النظافة أو ما أشبه ذلك.

وكذلك إذا اغتسل للتنظيف ولم يغتسل لرفع الجنابة، فإنه لا يرتفع حدثه.

والحاصل: أن النية شرط للطهارة كالوضوء والغسل والتيمم.

أما إزالة النجاسة فلا يشترط لها النية، فلو كان لك ثوب نجس ثم أصابه المطر وغمره طهر، أو وقع في سيل فغمره طهر، أو كان في نعله نجاسة فخاض بها في سيل أو في نهر بدون نية طهر.

وكذلك مما لا يشترط له النية غسل الكتابية، وكذا المسلمة الممتنعة لحل وطء، فإذا طهرت الحائض لا يحل وطؤها إلا بعد الغسل، فإذا امتنعت المسلمة أجبرها زوجها على الاغتسال، فغسلها مجبرة بدون نية يبيح الوطء، ولكنه لا يرفع حدثها، ولا يباح لها الصلاة بذلك، وكذلك إجبار الكتابية.

قوله: (والتسمية واجبة في وضوء وغسل وتيمم وغسل يدي قائم من نوم بليل) فالتسمية هي: قول: (باسم الله)، وقد ورد فيها حديث: (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وهذا الحديث روي من عدة طرق عن عدة من الصحابة، ولكن طرقه ضعيفة لا تبلغ درجة الصحة، وروي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يصح في هذا الباب شيء، ولكن يقولون: بمجموع تلك الطرق يتقوى، ويكون دليلاً على الوجوب، فيسمى قبل غسل اليدين، فإذا أراد أن يغسل يديه فإنه يقول: باسم الله، ثم يغسل يديه، ثم يتمضمض، ثم يكمل الوضوء.

وكذلك عند الاغتسال إذا أراد أن يغتسل قبل الوضوء يبدأ بالبسملة ثم يكمل.

وكذلك التيمم، فعندما يتيمم بالتراب يقول: باسم الله.

وهكذا من قام من نوم ليل نوماً مستغرقاً ناقضاً لوضوء فإنه يجب عليه غسل يديه قبل أن يدخلهما في الماء، ويذكر اسم الله فيقول: باسم الله.

ويسأل الكثير من الناس عما إذا كان الإنسان في داخل الحمام فإنه يمنع فيه من ذكر الله؛ لأنه مستقذر، وتنزه أسماء الله تعالى عن المكان المستقذر فكيف يسمي؟

بعض المشايخ يقول: يكفيه التسمية عند الدخول، وقد تقدم أنه إذا أراد أن يدخل قال: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) فيقول: تكفيه هذه البسملة، ولكن يفضلون أنه إذا دخل واستنجى خرج بعد ذلك وتوضأ خارجاً بمسافة حتى يسمي، وبعض المشايخ يقول: يسمي ولو كان في داخل الحمام؛ وذلك لأن هذه التسمية من مكملات الوضوء فيأتي بها، والاحتياط أنه يتوضأ خارجاً حتى يأتي بالتسمية.

وتسقط سهواً وجهلاً، كما قال تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286] ولكن الجاهل عليه أن يتعلم.

من سنن الوضوء: استقبال القبلة، يعني: أن يكون مستقبل القبلة حال الوضوء، ولكن لم يرد دليل في ذلك.

ومن سننه: السواك، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء).

ومن سننه: أن يبدأ بغسل يديه من غير قيام من نوم ليل؛ لأن غسل يدي القائم من نوم الليل واجب، ولكن غيره يغسل كفيه ثلاثاً؛ لأنهما الآلة التي يغترف بهما، فيغترف الماء باليد ويغسل بهما وجهه، ويغترفه باليد ويغسل يديه، وهكذا يغسل رجليه بيده، فلابد أن ينظف اليدين، وتنظيفهما سنة.

أما من نوم الليل فإنه يجب أن يغسلهما قبل الوضوء ثلاثاً، واختلف في العلة في ذلك، واختار المؤلف أنه أمر تعبدي، لا تعرف فيه الحكمة؛ لأنه -مثلاً- لو جعل يديه في كيس حتى أصبح لوجب عليه أن يغسلهما.

ومن السنن: أن يقدم المضمضة والاستنشاق على غسل الوجه، فيبدأ بالمضمضة والاستنشاق قبل غسل الوجه، فإن أخرهما جاز.

ومن السنن: المبالغة فيهما لغير صائم.

والمبالغة بالمضمضة هو: أن يحرك الماء بقوة في فمه، والمبالغة في الاستنشاق هو: أن يجتذب الماء بقوة النفس إلى أقصى خياشيمه حتى ينظفه، وأما الصائم فلا يبالغ مخافة أن يدخل إلى حلقه.

ومن السنن: تخليل شعر الوجه الكثيف، فإذا كان شعر اللحية كثيفاً فإنه يخلله، بأن يدخل فيها أصابعه حتى يصل إلى أصوله، وإذا اقتصر على غسل ظاهره إذا كان كثيفاً كفى، وضابط الكثيف: أنه الشعر الذي يستر البشرة، والخفيف هو: الذي تُرى البشرة من ورائه، فالخفيف يجب غسل داخله وظاهره.

ومن السنن: تخليل الأصابع، ويتأكد التخليل في أصابع القدمين؛ لأنها غالباً ملتصقة، فيدخل أصابع يديه بين أصابع رجليه حتى يتأكد من وصول الماء، وتخليل أصابع اليدين مستحب لأنها متفرقة يستطيع أن يدخل بعضها في بعض، والعادة والمعروف أن أصابع اليدين متفرقة، وأن الماء يصل إليها.

ومن السنن التثليث، بأن يغسل كل عضو ثلاث مرات: الوجه ثلاث غسلات، وكل يد يغسلها ثلاثاً، وكل رجل ثلاثاً؛ لأن الثلاث هي أكمل، والغسلتان دونهما، ومن اقتصر على غسلة واحدة فقد ارتفع حدثه، ومن غسل كل عضو مرتين فهو أفضل، والثلاث أفضل من الاثنتين، وما زاد على الثلاث لا يجوز، مكروه كراهة التحريم، وقد ورد النهي عن الإسراف، فروي في الحديث: (لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ) .

ومن السن: أن يرفع بصره إلى السماء ويقول ما ورد، فرفع بصره إلى السماء هو لذكر الله تعالى، وكأنه لما أراد أن يدعو الله ويذكره رفع بصره، والذي ورد أنه يقول: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله) وورد أيضاً أنه يقول: (اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين) وإن قال بعد ذلك شيئاً من الأدعية، كأن يقول: (واجعلني من ورثة جنة النعيم) وهو من الدعاء الذي قاله إبراهيم عليه السلام؛ جاز ذلك.

انتقل المؤلف بعد ذلك إلى المسح على الخفين، والمسح على الخفين رخصة لهذه الأمة، وهي من الرخص التي فيها تيسير للعبادة، والخف هو: ما يصنع من جلود الإبل أو البقر ونحوها، ويجعل على قدر القدم، ويجعل له موطئ كالنعل، ويجعل له غطاء تربط فيه وتخرج في أصل النعل، ثم بعد ذلك يجعل له مدخل تدخل معه القدم، ثم يعقد على الساق، ويلبس للتدفئة، وللوقاية من البرد، فالمسح عليه من الرخص، والله تعالى يحب أن تؤتى رخصه.

وأنكر ذلك الرافضة ونحوهم من المبتدعة، ولأجل ذلك يذكر العلماء مسائل الخفين في كتب العقيدة؛ وذلك لأن المخالفين فيه هم مخالفون في العقائد.

قوله: (ونحوه) كما يوجد في هذه الأزمنة ألبسة على الأقدام منها ما يكون تحت الكعبين، ومنها ما يكون فوق الكعبين، فالذي يكون فوق الكعبين كالذي يسمى (البسطار) أو نحوه، وينظم على الساق يلحق بذلك، ويمسح عليه، والذي دون الكعبين لا يُمسح عليه؛ وذلك لأنه لا يستر القدم.

ومما ورد المسح عليه الجورب، وهي: عبارة عن منسوج من صوف أو نحوه يستر القدم، وينظم على الساق، فيمسح عليها إن كانت تكفي عن الأحذية، يعني: تنسج من الصوف أو من الشعر، وتكون غليظة تلبس على القدم، ويجعل تحتها رقعة من الجلد تمكن مواصلة المشي فيها، هذه هي الجوارب التي يجوز المسح عليها، ولابد أن تكون قوية النسج بحيث إنه لا يخرقها الماء.

وجاءت في هذه الأزمنة ما يسمى بالشراب، وسميت جوارب، وترخص الناس بالمسح عليها، وتوسعوا في ذلك، ونحن نقول: إذا كانت قوية بحيث إنه لا يخرقها الماء أو لا يخرقها إلا بعد صب كثير فإنه يمسح عليها، فأما إذا كانت شفافة أو رقيقة فلا يمسح عليها؛ وذلك لأنها لا تحصل بها التدفئة المطلوبة، ولأن الجوارب التي كانت في عهد الصحابة كانوا يجعلون تحتها رقعة من جلد ثم يمشون بها وحدها، وكانت تستر القدم كله، إلى مستدق الساق.

جواز المسح على العمامة والجبيرة

يجوز أن يمسح الرجل على العمامة إذا كانت محنكة، وهي التي تشد على الرأس، ثم يجعل طرفها تحت الحنك، ثم تربط، ويشق نزعها.

أو ذات ذؤابة: وهي التي تدار على الرأس كله، وتربط ويجعل لها طرف بين الكتفين يتدلى خلف الظهر يُسمى الذؤابة؛ لأن في رفعها مشقة، فإذا لم يكن في رفعها مشقة كالغترة والقلنسوة التي هي الطاقية فإنه لا حرج ولا مشقة في رفعها، فيلزم رفعها ومسح ما تحتها.

وخمار المرأة إذا كان قد أدارته تحت حلقها يمسح، يعني: أن هناك نوعاً من الخمر تديره المرأة على رأسها، ثم تديره تحت حلقها، ويشق عليها رفعه؛ فيجوز أن تمسح عليه.

والجبيرة هي: ما يجبر به الكسر في اليد أو في الرجل أو نحو ذلك، فإذا جبرت الجبيرة على الكسر فإنه يمسح عليها إذا لم تتجاوز قدر الحاجة، ولا تحديد لها، بل يمسح عليها إلى حلها.

أما إذا جاوزت قدر الحاجة كما يعمل الآن في الجبس، فقد يكون الكسر قدر أربع أصابع، ثم يجعل الجبس على اليد كلها إلى نصف العضد، ففي هذه الحال يلزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم بعد المسح.

وهل يشترط أن توضع على طهارة؟

الصحيح: أنه لا يشترط؛ وذلك لأن الكسر يقع بغتة، فيفزع أهله إلى جبره بسرعة، ويشق عليهم أن يأمروه أن يتوضأ، سيما في ذلك العضو الذي قد انكسر، فيجوز المسح عليها ولو لبسها على غير طهارة، فإذا وضعها على غير طهارة فالصحيح: أنه لا يلزم نزعها، وإذا جاوزت محل الحاجة مسح عليها وتيمم عن الزائد إذا خاف الضرر بنزعها.

المدة التي يمسح فيها على الخفين

مدة المسح للمقيم يوم وليلة، تبدأ المدة على الصحيح من أول حدث، هذا الذي عليه جمهور الفقهاء، وقيل: من أول مسح، والجمهور يرون أنه من أول حدث.

مثال ذلك: إذا توضأ لصلاة الفجر وغسل قدميه، ولبس الخفين، وانتقض وضوءه في الضحى في الساعة العاشرة، ولم يمسح إلا في الساعة الثانية عشر عند صلاة الظهر، فيمسح لصلاة العصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم توضأ في الساعة الحادية عشراً من اليوم الثاني فلا يمسح؛ لأن المدة قد انتهت، فإن توضأ في الساعة التاسعة مسح؛ لأن المدة لم تنته.

واختلف فيمن سافر سفر معصية، هل يمسح يوماً وليلة أو ثلاثة أيام، الفقهاء قالوا: يمسح يوماً وليلة؛ لأن العاصي لا يرخص له، والأقرب أنه مثل غيره كسائر المسافرين يمسح ثلاثة أيام بلياليها، ونحن نقول: يأثم بعصيانه، وأما الأحكام الشرعية فلا يختلف فيها العاصي وغيره.

والمسافر سفر قصر يمسح ثلاثة أيام بلياليها من باب التسهيل عليه؛ لأن السفر -كما ورد في الحديث-: (قطعة من العذاب).

قوله: (ومن مسح في سفره ثم أقام أو عكس) مثلاً مسح لصلاة الظهر، ثم سافر بعد صلاة الظهر، فيمسح مسح مقيم يوماً وليلة، أو مسح وهو في السفر لصلاة الظهر ثم وصل البلد بعد الظهر أو قبل العصر فيمسح مسح مقيم، تغليباً لجانب الإقامة، واحتياطاً للعبادة، أما إذا أحدث -مثلاً- في الساعة العاشرة قبل أن يمسح، ثم سافر في الساعة الحادية عشرة ومسح وهو في السفر، فإنه يمسح مسح مسافر.

شروط المسح على الخفين وصفته

المسح يشترط له شروط:

الشرط الأول: أن يلبس الخفين بعد تمام الطهارة، فلا يلبس الخف الأيمن إلا بعد غسل رجله اليسرى، يعني: بعدما ينتهي من الطهارة، واستدلوا بقوله: (أدخلتهما وهما طاهرتان) يعني: ابتدأت بإدخالهما حال كونهما طاهرتين. هذا قول.

القول الثاني: أنه يجوز أن يلبس الخف الأيمن قبل أن يغسل الرجل اليسرى إذا غسل الرجل اليمنى وطهرها، وهذا أقرب؛ وذلك لأنه أدخلها وهي طاهرة، ثم يغسل اليسرى ويدخلها وهي طاهرة، واستدل الشوكاني في النيل بحديث: (أدخلتهما وهما طاهرتان) فكلمة (وهما) يعني: وكل منهما.

الشرط الثاني: أن يكون الممسوح ساتراً لمحل الفرض، فإذا كان ساتراً لبعضه فلا يمسح عليها ولو كانت تنظم على القدم؛ لأنها ما سترت القدم كله، فلابد للخف أن يستر محل الفرض كله إلى منتهى الكعبين.

الشرط الثالث: أن يثبت بنفسه، فإذا كان لا يثبت إلا بإمساكه باليد فإنه لا يسمى خفاً، ولابد أن ينظم ويستمسك بنفسه، ولو شده بخيط أو نحوه.

الشرط الرابع: أن يمكن المشي فيه عرفاً، فإذا كان لا يمشي فيه أو إذا مشى فيه سقط، وإنما يثبت إذا جلس أو ركب فلا يمسح عليه؛ لأنه عرضة للسقوط.

الشرط الخامس: طهارته، فإذا كان نجساً نجاسة طارئة، أو نجاسة أصلية كالمنسوج من جلد شاة قبل الدبغ أو جلد حمار أو كلب ونحو ذلك فلا يمسح عليه؛ وذلك لأنه سيصلي حينئذ بنجاسة.

الشرط السادس: الإباحة، فإذا كان مغصوباً فلا يمسح عليه، هذا على القول المشهور عند الفقهاء.

والقول الثاني ولعله الأقرب: أنه يمسح عليه، ونقول له: أنت آثم بلبسه، سواء في الصلاة أو في غيرها.

وأما صفة المسح: فالعمامة يمسح أكثر دوائرها، يعني: أطرافها التي تدور على الرأس، فيمسح دوائرها، ويمسح وسطها؛ وذلك لأن العمامة بدلاً عن الرأس، والرأس يمسح كله، وأما الخف فيمسح ظاهره، من أصابعه إلى ساقه، وأما الجبيرة فيمسحها كلها.

قوله: (متى ظهر بعض محل الفرض استأنف الطهارة) فلو انحسر الخف، وظهر الكعب؛ بطلت الطهارة بعد المسح، فيلزم أن يستأنفها. وكذلك متى تمت المدة بطلت الطهارة، فلو تمت المدة في الساعة الثانية ظهراً، وجاء وتوضأ للظهر اليوم الثاني، وبقي على طهارته إلى العصر، فنقول: انتقض وضوءك في الساعة الثانية التي هي تمام يوم وليلة، فيلزمه أن يخلع ويجدد الوضوء.

يجوز أن يمسح الرجل على العمامة إذا كانت محنكة، وهي التي تشد على الرأس، ثم يجعل طرفها تحت الحنك، ثم تربط، ويشق نزعها.

أو ذات ذؤابة: وهي التي تدار على الرأس كله، وتربط ويجعل لها طرف بين الكتفين يتدلى خلف الظهر يُسمى الذؤابة؛ لأن في رفعها مشقة، فإذا لم يكن في رفعها مشقة كالغترة والقلنسوة التي هي الطاقية فإنه لا حرج ولا مشقة في رفعها، فيلزم رفعها ومسح ما تحتها.

وخمار المرأة إذا كان قد أدارته تحت حلقها يمسح، يعني: أن هناك نوعاً من الخمر تديره المرأة على رأسها، ثم تديره تحت حلقها، ويشق عليها رفعه؛ فيجوز أن تمسح عليه.

والجبيرة هي: ما يجبر به الكسر في اليد أو في الرجل أو نحو ذلك، فإذا جبرت الجبيرة على الكسر فإنه يمسح عليها إذا لم تتجاوز قدر الحاجة، ولا تحديد لها، بل يمسح عليها إلى حلها.

أما إذا جاوزت قدر الحاجة كما يعمل الآن في الجبس، فقد يكون الكسر قدر أربع أصابع، ثم يجعل الجبس على اليد كلها إلى نصف العضد، ففي هذه الحال يلزم نزعها، فإن خاف الضرر تيمم بعد المسح.

وهل يشترط أن توضع على طهارة؟

الصحيح: أنه لا يشترط؛ وذلك لأن الكسر يقع بغتة، فيفزع أهله إلى جبره بسرعة، ويشق عليهم أن يأمروه أن يتوضأ، سيما في ذلك العضو الذي قد انكسر، فيجوز المسح عليها ولو لبسها على غير طهارة، فإذا وضعها على غير طهارة فالصحيح: أنه لا يلزم نزعها، وإذا جاوزت محل الحاجة مسح عليها وتيمم عن الزائد إذا خاف الضرر بنزعها.




استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح أخصر المختصرات [21] 2740 استماع
شرح أخصر المختصرات [28] 2716 استماع
شرح أخصر المختصرات [72] 2611 استماع
شرح أخصر المختصرات [87] 2570 استماع
شرح أخصر المختصرات [37] 2483 استماع
شرح أخصر المختصرات [68] 2350 استماع
شرح أخصر المختصرات [81] 2340 استماع
شرح أخصر المختصرات [58] 2333 استماع
شرح أخصر المختصرات [9] 2318 استماع
شرح أخصر المختصرات [22] 2270 استماع