كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [1]


الحلقة مفرغة

كلما يمر الزمان وينهدم شيء من الدين إلا يهيئ الله من يجدد دينه وينصر شريعته وخاصة توحيده سبحانه، فقد أظهر الله دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في عصر يوصف بأنه عصر الجهالة والخرافة، فجدد الله به الدين والتوحيد بعد أن انتشر الشرك بين أوساط المسلمين، وقد ألف الكتب في التوحيد ومنها كتاب التوحيد الذي انتشر انتشاراً عجيباً ولقي قبولاً بين الناس.

وجه ذكر: (وبه نستعين) بعد البسملة

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب : [بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وعليه التكلان.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالمبتدعة والمشركين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه أجمعين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:]

قول المؤلف: (بسم الله الرحمن الرحيم).

بعض العلماء رحمهم الله يذكرون بعد البسملة قول: وبه نستعين، وهذا إما أن يكون بناءً على أن الباء جارة فقط، وليس لها معنىً إلا باسمك اللهم فقط، فيصح بعدها قول: وبه نستعين.

والقول الثاني: إن الباء بمعنى الاستعانة المتضمنة لها، وإن كانت بمعنى باسمك اللهم -فهي ثناء على الله في البداية- وهي متضمنة الاستعانة، وبالتالي فلا يقال بعدها: وبه نستعين، وإن كان المعنى الثاني أقرب: أن معناها باسمك اللهم متضمنة للاستعانة.

فإن ذكرت الاستعانة بعد ذلك فإنما هي من باب التأكيد، والله أعلم.

سبب انتشار كتاب التوحيد وشهرته

قال المؤلف رحمه الله: [فإن كتاب التوحيد الذي ألفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب أجزل الله له الأجر والثواب، وغفر له ولمن أجاب دعوته إلى يوم يقوم الحساب، قد جاء بديعاً في معناه: من بيان التوحيد ببراهينه، وجمع جملاً من أدلته لإيضاحه وتبيينه، فصار علماً للموحدين، وحجة على الملحدين، فانتفع به الخلق الكثير، والجم الغفير].

كتاب التوحيد للإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب كتاب بديع في تصنيفه، عجيب في تبويبه، فإنه رحمه الله لم يتكلم بكلام من عنده إلا في بعض المسائل، يضيف: (وفيه مسائل...)، ولهذا تجدون بعض كتب التوحيد ليس فيها مسائل، وبعض الكتب فيها، والظاهر -والله أعلم- أن الشيخ محمداً رحمه الله كتب كتاب التوحيد ابتداءً، ثم بعد ذلك أضاف عليه المسائل، وأكثر الكلام إنما هو قال الله قال رسوله.

ولعل سبب شهرة هذا الكتاب وانتشاره وكثرة شراحه أمران:

أولاً: صلاح النية، وحسن الطوية، فإن الشيخ -جزاه الله عنا وعن المسلمين كل خير- حرص حرصاً شديداً على محاربة البدع، فسافر ليتعلم، وهجر الأهل ليتفقه، ثم جاء بعد أخذ كبير من علم أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وعندما هاجر إلى البصرة حزن لما يراه في بعض المواقف التي تخل بجانب التوحيد فغار، وكانت غيرته موفقة جزاه الله عن الإسلام والمسلمين كل خير.

الثاني: وهذا هو الظاهر والله أعلم أن الإمام رحمة الله تعالى عليه كان كثير الاستدلال بالكتاب والسنة، وكل من أكثر من الاستدلال بالكتاب والسنة كان لكتابه شهرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ( نضر الله امرأً سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها )، وقال الله تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ [الزخرف:44]، ولهذا انتشر كتاب رياض الصالحين؛ لأنه جمع بين الآيات والأحاديث، ولعل في ذلك سراً والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقوف ابن سعود بجانب ابن عبد الوهاب وأثر ذلك على الدعوة

قال المؤلف رحمه الله: [فإن هذا الإمام رحمه الله في مبدأ منشئه قد شرح الله صدره للحق المبين، الذي بعث الله به المرسلين: من إخلاص العبادة بجميع أنواعها لله رب العالمين، وإنكار ما كان عليه الكثير من شرك المشركين، فأعلى الله همته، وقوى عزيمته، وتصدى لدعوة أهل نجد إلى التوحيد، الذي هو أساس الإسلام والإيمان، ونهاهم عن عبادة الأشجار والأحجار والقبور والطواغيت والأوثان، وعن الإيمان بالسحرة والمنجمين والكهان، فأبطل الله بدعوته كل بدعة وضلالة يدعو إليها كل شيطان، وأقام الله به علم الجهاد، وأدحض به شبه المعارضين من أهل الشرك والعناد، ودان بالإسلام أكثر أهل تلك البلاد، الحاضر منهم والباد، وانتشرت دعوته ومؤلفاته في الآفاق، حتى أقر له بالفضل من كان من أهل الشقاق، إلا من استحوذ عليه الشيطان، وكره إليه الإيمان، فأصر على العناد والطغيان.

وقد أصبح أهل جزيرة العرب بدعوته كما قال قتادة رحمه الله تعالى عن حال أول هذه الأمة: إن المسلمين لما قالوا: لا إله إلا الله أنكر ذلك المشركون، وكبرت عليهم، وضاق بها إبليس وجنوده، فأبى الله إلا أن يمضيها ويظهرها، ويفلجها وينصرها على من ناوأها، إنها كلمة من خاصم بها فلج، ومن قاتل بها نصر، إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة التي يقطعها الراكب في ليال قلائل، ويسير من الدهر، في فئام من الناس، لا يعرفونها ولا يقرون بها.

وقد شرح الله صدور كثير من العلماء لدعوته، وسروا واستبشروا بطلعته، وأثنوا عليه نثراً ونظماً].

هناك من العلماء في زمان الشيخ محمد بن عبد الوهاب وقبله وبعده من كان على هذه الدعوة، إلا أن خوف مخالفة العشيرة أو خوف الأذى صرفهم عن الكفاح والمجاهدة في بيان هذه الدعوة، فثمة علماء من علماء الحنابلة علموا هذه الدعوة وبينوها لطلابهم ومن حولهم، إلا أن إظهار ذلك ربما يكون فيه صعوبة عند بعض الناس، ولا يتولاها إلا أولو العزم، فأعان الله سبحانه الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ولم تنتشر هذه الدعوة إلا بعد أن اجتمع بالإمام محمد بن سعود؛ وذلك لأن الدعوة مع احتياجها إلى اللسان والبرهان فهي بحاجة إلى السيف الذي به ينصر الله دينه، وهذا روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال: (إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن)، ولأجل هذا انتشرت الدعوة، وبهذا نعلم أنه لا قيام لأي دعوة بعد عون الله وتوفيقه وإخلاصه وإخلاص العبادة له إلا بالقوة، وأما أن يذكر المثال الدائم أن بلاد أندونسيا فتحت بالدعوة فهذا جيد وتوفيق من الله سبحانه وتعالى، لكن أكثر أهل الشرك والطغيان يستنكفون من دعوة أهل الحق، ولهذا محمد صلى الله عليه وسلم عرف بالأمانة، وعرف بحسن الخلق والخدمة، وكان يحمل الكل، ويعين على نوائب الدهر، ومع ذلك خولف، وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، فمخالفة المألوف -خاصة إذا كانت من الآباء والأجداد ويتفاخرون بها، -فخلفتها من الصعوبة بمكان، فالإنسان ربما يقر بأنه على خطأ لكن لا يترك العادة؛ لأنه -والعياذ بالله- يكون شيء من داخله يؤزه أزاً إلى عدم المخالفة، ولهذا قالوا لـأبي طالب : أترغب عن ملة عبد المطلب، فما زال صلى الله عليه وسلم يكررها ويعرض تلك المقالة عليه، حتى قال آخر ما كلمهم: هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، وهو الذي يقول:

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة لرأيتني سمحاً بذاك مبينا

فهذا يدل على أن مخالفة المألوف تحتاج إلى أمرين:

أولاً: معرفة وعقل وفقه.

والثاني: قوة إرادة.

فكثيرون الذين يعلمون الحق لكن لا يتبعونه، ولهذا تجد بعض العصاة إذا بينت له حكماً يضيف إليك من أقوال أهل العلم، ويضيف إليك من الأدلة التي ربما تخفى عليك، ولكنه يضعف حال الإرادة، وحال مخالفة الهوى، فمخالفة الهوى ليست بالأمر السهل، ولهذا قال الله تعالى لنبي من أنبيائه: وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [ص:26]، فمتابعة الهوى ليست بالأمر السهل، فالانفكاك عنها من الصعوبة بمكان، والانفطام عنها من اللأواء على النفس التي لا يتحملها إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

ذكر ما يدل على تجديد محمد بن عبد الوهاب لمعالم التوحيد

قال المؤلف رحمه الله: [فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء: محمد بن إسماعيل الأمير في هذا الشيخ رحمه الله تعالى:

وقد جاءت الأخبار عنه بأنه يعيد لنا الشرع الشريف بما يبدي

وينشر جهراً ما طوى كل جاهل ومبتدع منه فوافق ما عندي].

قال محمد بن إسماعيل الصنعاني: (فوافق ما عندي)؛ ذلك لأنه ألف كتاباً في هذا، وهو (تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد)، وهو مطبوع، وقد أشار إلى كثير من هذه المسائل، وللشوكاني كثير من هذه المسائل، فهذا يدل على أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يأت بجديد، إنما أراد أن يحيي سنة قد أميتت: ( ومن أحيا سنة قد أميتت فله أجرها وأجر من عمل بها، بعده لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً )، والحديث رواه الترمذي وفي سنده غرابة؛ لأن زيادة: (قد أميتت)، فيها نكارة، ولكن المعنى صحيح.

فعلى كل نقول: إن هذا الكتاب ليس ببدع من القول، بل هو قول الأئمة، وقول السلف قاطبة.

أقسام التوحيد وذكر المؤلفات المسماة بكتاب التوحيد

ولفظة التوحيد قد سبق الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في هذا الاسم، إلا أن التوحيد يقصد به بالاستقراء ثلاثة أمور: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وللعلماء تقسيم آخر وهو توحيد المعرفة والإثبات، وتوحيد الطلب، ويقصدون بتوحيد الطلب: توحيد الألوهية، ويقصدون بتوحيد المعرفة والإثبات: توحيد الربوبية، والأسماء والصفات.

والإمام ابن مندة له كتاب اسمه: كتاب التوحيد، ولكن غالب ما فيه توحيد الأسماء والصفات.

وكذلك لإمام الأئمة -كما يقال- محمد بن خزيمة كتاب وهو كتاب عظيم إلا أن أكثر هذه مسائله في باب الأسماء والصفات، وكل ما يقع الناس فيه من الخلل يؤلف فيه كتاباً، وأكثر ما يقع الخلل في أمرين: في إفراد الله بالعبادة، وهذا هو توحيد الألوهية، وهذا لم يكن إلا بعد المائة الثالثة، أو في أواخر المائة الثالثة، فلم يكن معروفاً في عهد الأئمة الأربعة، وبهذا نعرف لماذا لم يذكر الأئمة عبادة الأصنام؟ فقد تكلموا فيمن جحد أسماء الله وصفاته، وتكلموا فيمن أثبت لله الممتنعات، وكفروا من قال: القرآن مخلوق، لكنهم لم يذكروا حكم من عبد غير الله؛ لأنه لم يقع هذا الأمر إلا في أواخر المائة الثالثة بسبب دخول الفلسفة للصوفية الذين بدءوا يؤولون بعض المعاني مخالفةً للغة فضلاً عن مخالفتها للكتاب، ولهذا عندما ألف البكري كتابه (الوسيلة والتوسل) ذكر أن الوسيلة هي طلب الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول ابن تيمية : ولما ألف كتابه هذا وأداره على علماء زمانه ممن يشاكلونه لم يجد أحداً وافقه عليه، فهذا يدل على أنه انحراف عن الكتاب والسنة، وانحراف عن علم اللغة، إذ كيف يقال: إن التوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم هو مثل التوسل بأسماء الله وصفاته، وأنه يدعى مع الله، فهذا خلل ظاهر، فوقع من وقع في ذلك، ولهذا لم يذكر الأئمة رحمهم الله الرد على عباد الأوثان لعدم وجود عبادة الأوثان، وهذا هو السبب والله أعلم.

وعلى هذا فبعضهم يقول: لماذا لم يذكر أحمد بن حنبل -وهو الذي يغار على دين الله- من عبد الأصنام أو عبد بعض الأولياء؟ الجواب: لأنه لم يكن موجوداً، والصوفية في وقت الإمام أحمد على منهاج النبوة كـالجنيد ومن قبله، وغير ذلك من علماء وأهل هذا الفن.

مظاهر انتشار الشرك في البلاد العربية

قال المؤلف رحمه الله:

[ويعمر أركان الشريعة هادماً مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد

أعادوا بها معنى سواع ومثله يغوث وود بئس ذلك من ود

وقد هتفوا عند الشدائد باسمها كما يهتف المضطر بالصمد الفرد

وكم عقروا في سوحها من عقيرة أهلت لغير الله جهراً على عمد

وكم طائف حول القبور مقبل ومستلم الأركان منهن بالأيدي].

وهذا واقع، وأنت حينما تتحدث عن عبادة غير الله والدعاء لغير الله يقول لك: هذا انتهى زمانه، هذا كان في القرن الثالث والرابع، وقد رأيت بأم عيني بعض المقاطع لمن يستجدي السيد البدوي أو لمن يستجدي الست زينب ، أو لمن يتضرع عند قبر، ويتذلل لمخلوق يحبو من أول دخوله مثلما يحبو الصبي حتى يتقدم إلى عرش وأرجل هذا الولي، فيقبله كما يقبل الطفل لعبته، ويتمسح بها والعياذ بالله، فهذا موجود، فلهذا يجب على أهل العلم وعلى الدعاة أن يبينوا للناس ما يدخلهم إلى الإسلام، وما ينفي عنهم الكفر وعبادة الأوثان.

وأما قول: إن هذا قليل. لا والله ليس بقليل، بل هذا كثير، ولهذا في بعض الدول العربية -لا أقول الغربية- قلَّ أن تجد مسجداً ليس فيه قبر، وكل هذا سببه الانحراف، ولهذا يجب أن يبين للناس حكم ذلك، وغالب من يصنع هذا -والله- ليس من الإسلام في شيء، وقد رأيت بأم عيني حينما هدمت بعض الأضرحة في بعض الدول العربية في ليبيا كم فيها من السحرة والكهنة والعرافين والعقد التي دفنت تحت هذا المبنى.

وكم فيها من شركيات القذافي! كل ذلك ما زال الناس يتعلقون به، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن عبادة الله سبحانه وتعالى وترك الأوثان من مهمات أهل العلم والدعوة.

والشرك موجود في كل زمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم )، وقال صلى الله عليه وسلم: ( والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس )، وهذا في جزيرة العرب بل في ثقيف، وعلى الخلاف في جزيرة العرب فقيل أنها: مكة والمدينة ومن حولها، وهذا محل إجماع، وقيل أزيد من ذلك وهو محل خلاف، فإذا كان ذلك فيما قرب من مكة والمدينة فهذا يدل على خطورة هذا الأمر، وأنه يجب على أهل العلم أن يبينوا هذا؛ لأنه يتعلق بالدخول إلى الإسلام والخروج منه، بخلاف المسائل الفقهية والفرعية؛ فإنه إن كان قد خالف إماماً فقد اتبع قول إمام آخر، وقد قال الله تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [الأنعام:90].

موضوع كتاب التوحيد

قال المؤلف رحمه الله: [وقال شيخنا عالم الأحساء أبو بكر حسين بن غنام رحمه الله تعالى فيه:

لقد رفع المولى به رتبة الهدى بوقت به يعلى الضلال ويرفع

سقاه نمير الفهم مولاه فارتوى وعام بتيار المعارف يقطع

فأحيا به التوحيد بعد اندراسه وأوهى به من مطلع الشرك مهيع

سما ذروة المجد التي ما ارتقى لها سواه ولا حاذى فناها سميذع

وشمر في منهاج سنة أحمد يشيد ويحيي ما تعفى ويرفع

يناظر بالآيات والسنة التي أمرنا إليها في التنازع نرجع

فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها وأمسى محياها يضيء ويلمع

وعاد به نهج الغواية طامساً وقد كان مسلوكاً به الناس ترتع

وجرت به نجد ذيول افتخارها وحق لها بالألمعي ترفع

فآثاره فيها سوام سوافر وأنواره فيها تضيء وتلمع

وأما كتابه المذكور فموضوعه في بيان ما بعث به الله رسله: من توحيد العبادة، وبيانه بالأدلة من الكتاب والسنة، وذكر ما ينافيه من الشرك الأكبر، أو ينافي كماله الواجب من الشرك الأصغر ونحوه، وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه].

هذا هو الأساس في هذا الكتاب: توحيد العبادة أو توحيد الألوهية، وقد أشار رحمه الله إلى بعض مسائل توحيد الربوبية، لأن توحيد الألوهية متضمن لتوحيد الربوبية، وأما توحيد الربوبية فلازم بتوحيد الألوهية، ودلالة التضمن أقوى من دلالة الالتزام، ولهذا فإن المشركين آمنوا بتوحيد الربوبية في الجملة -وينبغي التأكيد على قولنا: في الجملة- حيث أنهم كفروا بتوحيد الربوبية في بعض مسائله، ولهذا كانوا يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، وهذا نوع انحراف عن توحيد الربوبية.

إذاً: تأليف الإمام لكتاب التوحيد هو لبيان توحيد الألوهية في الجملة، وإلا فإنه ذكر بعض مسائل توحيد الربوبية، وبعض مسائل الأسماء والصفات، والله تبارك وتعالى أعلم.

سبب عدم إكمال كتاب تيسير العزيز الحميد، وأهمية كتاب فتح المجيد

قال المؤلف رحمه الله: [وقد تصدى لشرحه حفيد المصنف، وهو الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله تعالى، فوضع عليه شرحاً أجاد فيه وأفاد، وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد، وسماه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد).

وحيث أطلق شيخ الإسلام فالمراد به أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية ، والحافظ فالمراد به أحمد بن حجر العسقلاني .

ولما قرأت شرحه رأيته أطنب في مواضع، وفي بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن الكل، ولم يكمله، فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله ].

سبب عدم إكماله أنه قتل؛ وذلك لأنه قتل وعمره ثلاث وثلاثون سنة، وهو من علماء أئمة الدعوة، وكان عالماً بالحديث في وقت كان اهتمام أهل نجد بالحديث قليلاً، وكان يقول: أنا في علم رجال الحديث أعلم مني من رجال أهل الدرعية، وهذا يدل على عنايته التامة بعلم الرجال.

وكتاب (تيسير العزيز الحميد) جعله الشيخ سليمان رحمه الله كتاباً مطولاً، حيث أكثر فيه من النقولات عن الأئمة رحمهم الله، فجاء الشيخ عبد الرحمن فهذبه، ولم يضف إليه إلا القليل، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ولم يكمله فأخذت في تهذيبه وتقريبه وتكميله، وربما أدخلت فيه بعض النقول المستحسنة تتميماً للفائدة، وسميته (فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد).

والله أسأل أن ينفع به كل طالب للعلم ومستفيد، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، وموصلاً من سعى فيه إلى جنات النعيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم].

كتاب فتح المجيد مختصر، وهو من أفضل المختصرات، والغريب أن العناية به قليلة، وأرى أنه من الأهمية بمكان، وللشيخ إسماعيل بن عتيق مختصر لهذا الكتاب، وهو مختصر جيد في بابه.

حال حديث: (كل أمر ذي بال...)

قال المؤلف رحمه الله: [قال المصنف رحمه الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم، قال الشارح رحمه الله: ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز، وعملاً بحديث: (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أقطع )، أخرجه ابن حبان من طريقين، قال ابن الصلاح : والحديث حسن، ولـأبي داود و ابن ماجه : (كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله أو بالحمد فهو أقطع )، ولـأحمد: ( كل أمر ذي بال لا يفتتح بذكر الله، فهو أبتر أو أقطع )، و للدارقطني عن أبي هريرة مرفوعاً: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بذكر الله فهو أقطع )].

الحديث الأول: ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم )، أخرجه عبد القادر في كتابه الأربعين، ولم يخرجه ابن حبان ، وإنما أخرج ابن حبان لفظ (الحمد) والله أعلم.

والحديث سواء كان بلفظ: (بسم الله الرحمن الرحيم) أو بلفظ: (الحمد لله)، فالصواب أنه حديث ضعيف، أما الحديث الذي فيه: (بسم الله) فهو حديث ضعيف، وأما حديث أبي داود وابن ماجه :( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد لله )، فهذا الصواب أنه مرسل كما ذكر ذلك أبو داود ، ومعناه صحيح، والله أعلم.

سبب عدم ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب مقدمة لكتاب التوحيد

قال المؤلف رحمه الله: [والمصنف قد اقتصر في بعض نسخه على البسملة، لأنها من أبلغ الثناء والذكر للحديث المتقدم].

الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يذكر مقدمة، إنما قال: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب التوحيد، ثم ذكر بعض الأدلة، ولم يذكر تبويباً للباب الأول، وفي الباب الثاني ذكره وعرفه، والظاهر والله أعلم؛ لأنه ضمنه توحيد الألوهية، فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56])، فكأنه يقول: هذا هو كل الكتاب، وهذه فاتحة الكتاب، وقد ألفت كتاب التوحيد أريد به توحيد الألوهية، فلم يذكر له باباً بسبب أنه كله متضمن لهذا المعنى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56]، وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، فكان هذا توفيقاً وأي توفيق له، كتوفيقه في تأليفه لهذا الكتاب، والله أعلم.

قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب : [بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وعليه التكلان.

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين كالمبتدعة والمشركين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه أجمعين.

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:]

قول المؤلف: (بسم الله الرحمن الرحيم).

بعض العلماء رحمهم الله يذكرون بعد البسملة قول: وبه نستعين، وهذا إما أن يكون بناءً على أن الباء جارة فقط، وليس لها معنىً إلا باسمك اللهم فقط، فيصح بعدها قول: وبه نستعين.

والقول الثاني: إن الباء بمعنى الاستعانة المتضمنة لها، وإن كانت بمعنى باسمك اللهم -فهي ثناء على الله في البداية- وهي متضمنة الاستعانة، وبالتالي فلا يقال بعدها: وبه نستعين، وإن كان المعنى الثاني أقرب: أن معناها باسمك اللهم متضمنة للاستعانة.

فإن ذكرت الاستعانة بعد ذلك فإنما هي من باب التأكيد، والله أعلم.