شركات المساهمة


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نُضل، أو نزل أو نُزل، أو نظلم أو نُظلم، أو نجهل أو يجهل علينا.

وبعد:

في هذه الجلسة سوف نتحدث عن الشركات المساهمة ما لها وما عليها، والحديث عن الشركات المساهمة حديث طويل، لا يمكن أن نلخصه إلا على سبيل وضع النقاط على الحروف فحسب، وسوف نتحدث عما هي الشركة المساهمة، وما معنى السهم، وما خصائصه، وما تكييف الفقه والأحكام المنوطة في السهم بيعاً وشراءً.

تعريف الشركة المساهمة

فالشركة المساهمة. هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسماً إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً قابلاً للتداول، ولا يكون كل شريك مسئولاً إلا بمقدار حصته من رأس المال.

والشركة المساهمة بهذا الاعتبار هي من شركات الأموال التي لا تعتمد على العنصر الشخصي، وإنما تعتمد على ما يقدمه كل شريك من حصة في رأس مال الشركة، ومعنى أن شركة المساهمة من شركة الأموال: هو أن تكون ضد شركة الأشخاص، الذي ينظر فيها إلى العنصر الشخصي أي: إلى نفس المساهم، بحيث إذا كان شريكاً شركة أشخاص فإنه يعتبر متضامناً بجميع ماله الذي له في هذه الشركة وغيره من الأموال التي يملكها في أرصدته الأخرى.

فشركة الأشخاص إذا أفلست الشركة فسوف ينظر إلى أموال الشركاء غير الأموال التي قد وضعوها في الشركة، وسوف تتحمل أموالهم الأخرى ما وقع فيها من خسارة على هذه الشركة.

أما شركة الأموال فإنه ينظر فيها إلى ما قدمه كل شريك من حصة في رأس مال الشركة، وبالتالي يكون إفلاس الشركاء لا يدل على إفلاس الشركة، وإفلاس الشركة لا يدل على إفلاس الشركاء، هذا هو معنى شركة الأموال.

وشركة الأموال في الأنظمة تنقسم إلى أقسام: شركة مساهمة، وشركة مسئولية محدودة، وشركة توصية بالأسهم.

ومن حين وضع هذا النظام في هذه البلاد لم يتعامل في التوصية بالأسهم إلا قبل سنة، والظاهر أنه لن يتكرر، وهذه الشركة هي شركة دار الأركان، فلأول مرة في تاريخ النظام السعودي يوجد توصية بالأسهم، فيما أحسب وأعرف، والتوصية بالأسهم هي مرحلة لانتقالها إلى الشركة المساهمة.

ومعنى المسئولية المحدودة: أن مسئولية الشريك في شركة الأموال تتحدد بقدر القيمة الاسمية لما يملكه من أسهم في رأس مال الشركة، وبالتالي فلا يُسأل الشريك عن خسارة الشركة إلا بمقدار حصته، وعليه: فإفلاس الشركة لا يترتب عليه إفلاس الشريك، هذا معنى المسئولية المحدودة.

الشخصية الاعتبارية للشركة المساهمة

إن شركات الأموال كالشركة المساهمة لها شخصية اعتبارية، والشخصية الاعتبارية: هي شخصية يضعها النظام ويضفي عليه كثيراً من سمات وصفات الأشخاص الطبيعيين، والشخص الطبيعي هو الإنسان، فيجعل لها ذمة مالية صالحة لأن تكسب الحقوق والالتزامات والواجبات، ولها جنسية ولها اسم، ولها حياة قانونية، ولها موطن، فهي باختصار كأنها شخص من الأشخاص، فهي كيان مستقل لا علاقة للمساهمين بها إلا بقدر حصصهم، ويقوم أعضاء مجلس الإدارة بهذه الالتزامات وهذه الحقوق التي للشركة وعليها.

خصائص الشركة المساهمة

وبالتالي: فإن الشركة المساهمة لها خصائص:

أولاً: أن رأس مالها مقسم إلى أجزاء متساوية القيمة.

ثانياً: الشخصية الاعتبارية.

ثالثاً: المسئولية المحدودة.

فالشركة المساهمة كأنها شخص طبيعي اسمه سابك، فسابك هذه تستطيع أن تملك، وأن يكون عليها واجب والتزام، ولها حقوق، فيقال: لمن هذه الأرض؟ يقال: لسابك، ويقال: من تطلب؟ يقول: أنا أطلب سابك، فسابك أصبحت كأنها شخص طبيعي.

هذه الشركة بهذا الكيان والخصائص غير موجودة في كتب الفقهاء رحمهم الله، فهي وليدة التطورات العصرية والاقتصادية، فغالب المشاريع العملاقة لا تستطيع الدول ولا الحكومات ولا الأفراد إيجادها. فمثلاً: الدولة تريد أن تصنع سكة حديد قطار تحت الأرض أو فوقها، تقطع البلد كلها، ويكلف خمسة مليارات، فصعب على الدولة أن تبني هذا، يعني: هناك إرهاقات مالية، فماذا تصنع؟ تقسم هذا المبلغ إلى أجزاء يكون كل الأفراد يدخلون فيه.

مدى إلحاق الشركة المساهمة بالشركات المذكورة في كتب الفقه

لقد حاول بعض الفقهاء المعاصرين ممن كتب في الشركات المساهمة وكذا الباحثين تكييف الشركات المساهمة، وفي هذا التكييف حاولوا أن يربطوا هذه الشركة بما كتبه فقهاء الإسلام في الشركات المعروفة.

والشركة في الفقه الإسلامي تنقسم إلى قسمين: شركة عقد، وشركة ملك. وشركة الملك: هي اجتماع في استحقاق، وشركة العقد: هي اجتماع بتصرف، إذاً الشركة في الفقه الإسلامي: هي اجتماع باستحقاق أو تصرف.

شركة الملك مثل أن يموت شخص فيورث هذه الفلة أو هذه العمارة إلى أبنائه وأولاده، فالأولاد يملكون هذه الأرض أو هذه الفلة شركة ملك، أو استحقاق.

أو تصرف مثل شركات العقود، فشركات العقود في الفقه الإسلامي تنقسم إلى أقسام، بعضها كان موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضها لم يكن موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، إنما نشأ جراء كثرة التجارة والتعاملات.

وشركة العقود خمسة أنواع، هي: شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة المضاربة، وشركة الوجوه، وشركة المفاوضة. وشركة الأبدان أنكرها بعض الفقهاء كالإمام الشافعي رحمه الله وقال: إذا لم تكن شركة الأبدان باطلة فلا أعلم شيئاً باطلاً. وجمهور الفقهاء جوزوها.

فـالشافعي نظر إلى ملحظ، والفقهاء نظروا إلى ملحظ آخر، وأنا لن أتحدث عن هذه الشركات؛ لكني أريد أن أضع قاعدة؛ وهي أنه لا يلزم أن تكون هذه الشركة موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ما دام أن محمداً صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- قد وضع لنا ضوابط وقواعد وأسساً نسير عليها، ولذا صارت الشريعة صالحة لكل زمان ومكان.

فترى بعض الناس يبطل الشركة المساهمة بحجة أنها غير موجودة عند الفقهاء المتقدمين، وأنها وليدة المجتمع الغربي، ونحن نعرف أن ما تقدمه المجتمعات الغربية ليس ما تقدمه من إنتاج عقلي ليس حكراً عليها، ولا حكراً على دين.

وبعض الفقهاء رحمهم الله حاول أن ينظر إلى الشركة المساهمة وأن يكيفها على أنها من الشركات الخمس التي ذكرناها، فقال بعضهم: إن الشركة المساهمة فيها أناس يقدمون أموالاً -وهو ما يسمى بالسهم- وهناك أعضاء في مجلس الإدارة يديرون أموال الشركاء. فقالوا: إن شركة المساهمة لا تعدو أن تكون شركة مضاربة، من أعضاء مجلس الإدارة العمل، ومن المساهمين الأموال، فهم قدموا مالاً ليتجر به أعضاء مجلس الإدارة فهي شركة مضاربة، ويشكل على هذا أن النظام السعودي نص على أنه لا يجوز أن يكون أحد من أعضاء مجلس الإدارة إلا ويملك أسهماً في هذه الشركة، فلأجل هذا النظام قال بعضهم: إن شركة المساهمة هي شركة عنان ومضاربة، وشركة المضاربة: هي أن يشترك اثنان فأكثر على أن يكون لواحد أو أكثر العمل، ولواحد أو أكثر المال.

وشركة العنان هي: أن يقدم كل شريك مالاً ويتفرد أحدهم بالعمل؛ فلأجل هذا النظام قال بعضهم: بل هي شركة عنان، ولأجل وجود العمل واشتراط أن يملك أعضاء مجلس الإدارة فيها أسهماً قالوا: إنها شركة عنان ومضاربة؛ وذلك لأن كل واحد يقدم مالاً، وأعضاء مجلس الإدارة يقدمون مالاً وعملاً، فهم لما يعملون به من أموال المساهمين تسمى مضاربة، وبما يعملون به من أسهمهم التي قدموها وعملهم لأموال الناس سميت عناناً.

وأرى أنه لا داعي لهذا التكلف؛ لأن شركة المساهمة فيها أشياء لم تكن موجودة في شركة العنان ولا شركة المضاربة، خذ مثالاً على ذلك:

بعض الشركات تجعل أعضاء مجلس الإدارة لهم رواتب؛ مكافآت مالية، هذه المكافأة المالية لو جعلناها على أنها شركة عنان فحكمها لا تجوز؛ لأنه ضمن جزءاً من الربح.

فلو قدمت مالاً ومحمد قدم مالاً، ثم عملت أنا فالمفترض أن هذا العمل يعطى جزءاً من الربح مشاعاً، فيقال: ثلاثون بالمائة لك لأجل مالك، وثلاثون بالمائة لأجل مالي، وأربعون بالمائة لأجل عملي، أما أن أعطى بدل العمل مبلغاً مقطوعاً من رأس مال الشركة فربما يسلم راتبي وتهلك كل الأموال فأصير أنا ربحت وأنت خسرت، وكل أعضاء مجلس الإدارة يملكون رواتب، إما قليلة وهذا قليل، وإما كثيرة وهذا كثير؛ لأن أعضاء مجلس الإدارة أحياناً ربما يتلاعبون، لكن وجود هيئة سوق المال نظمت كثيراً من التلاعب الذي يوجد في بعض شركات المساهمة؛ لأنه إذا لم يكن ثمة مراقبة قوية فإنه ربما يكون هناك تلاعب من أعضاء مجلس الإدارة، كأن يتلاعبوا بالقوائم المالية، أو الحسابات، فتخسر الشركة وهم لا زالت رواتبهم تقدم إليهم من الربح ومن رأس المال، ويعطون مكافآت على أنها أجرة لأجل العمل، لكن النظام جعل مجلس الإدارة لا بد أن يقدموا جزءاً من الأسهم حتى لا ينفعوا شركات ويضروا أنفسهم، وأرى أن أعضاء مجلس الإدارة إنما يعملون على أنها أجرة، ولا بأس؛ لأن مثلهم مثل غيرهم؛ لأن المدير إذا لم يصلح سيأتون بمدير آخر، فإنه لم ينظر إلى الشخص على أنه شريك وإنما نظر إلى الشخص على أنه يجيد الإدارة؛ لأنهم يسمونه من باب التشجيع؛ أنه إذا ربحت الشركة خمسة بالمائة فيعطون واحداً بالمائة تشجيعاً لهم، فأرى ألا بأس به، وهو من باب الحوافز التي يسمونها الحوافز التجارية.

وعليه فما يأخذه أعضاء مجلس الإدارة من رواتب ومحفزات من الأرباح أرى أنه لا بأس بذلك؛ لأنهم لا يعتبرون شركاء إلا ضمناً، وإذا جعلناه عناناً أو مضاربة دخلت في مسألة رواتبهم هل تجوز أو لا تجوز؟

وعليه فإن الأولى أن نقول: إن شركة المساهمة من الشركات الجديدة في الفقه الإسلامي مثلها مثل شركة الوجوه، فشركة الوجوه لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك استحدثها الفقهاء للحاجة إلى ذلك.

وشركة الأبدان إن صح حديث ابن مسعود أو ضعف لم تكن موجودة في الفقه الإسلامي، والأقرب أنها موجودة أو قريب منها كما روى النسائي من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، قال: (اشتركت أنا و عمار و سعد بن مالك يعني سعد بن أبي وقاص يوم بدر فجئت بعبدين ولم يأتيا بشيء، فصار العبدان لهم جميعاً)، لأنهم عملوا جميعاً فحصل هو على العبدين ولم يحصلوا على شيء فتكون الشراكة بينهم جميعاً، وهذا الحديث يروى من طريق أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود و أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، ولذا حكم بعض المحدثين على أن الحديث ضعيف، والصحيح أن الحديث حسن أو صحيح؛ وذلك لأن أبا عبيدة لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه من أصحاب ابن مسعود الكبار الثقات، كـأبي وائل شقيق بن سلمة و علقمة وغيرهم كما أشار إلى ذلك الإمام الطحاوي و يعقوب بن سفيان و ابن رجب و ابن تيمية وغيرهم رحمة الله تعالى على الجميع.

شروط جواز الشركة المساهمة

على كل حال الشركة المساهمة شركة جديدة في الفقه الإسلامي، ونقول: إنه ما دام الشركاء يتساوون في الحقوق والالتزامات، الربح حصة مشاعة، ليس لأحد الشركاء فضل على الآخر، وليس في الشركة ربا ولا ضرر ولا جهالة وهي قائمة على الاتجار بالمباح فإن الشركة جائزة.

أما تقسيم الأسهم إلى أسهم ممتازة وأسهم عادية، بحيث يكون لأصحاب الأسهم الممتازة الحق في إرجاع رءوس أموالهم إن خسرت الشركة أو لم تخسر مع ربح إن وجد أو لم يوجد، فهذا يدل على أن الأسهم الممتازة لا تجوز بهذا الاعتبار.

الشرط الثاني: ألا يكون فيها ربا ولا جهالة ولا غرر، ربا مثل البنوك، وجهالة وغرر مثل شركات التأمين التجاري، أو التعامل بالربا قرضاً واقتراضاً.

الشرط الثالث: أن تكون مبنية على التراضي.

والشرط الرابع: العلم برأس المال.

وكون الشركاء لا يسألون إلا بمقدار حصصهم من رأس المال فهذا اتفاق جائز؛ لأن بعض الناس يبطل شركة المساهمة أصلاً كما ذكر ذلك تقي الدين النبهاني و الهلالي وغيرهم، فقد قالوا: إن الشركة المساهمة باطلة؛ لأن المعروف في الفقه الإسلامي أن الإنسان إذا كان شريكاً وخسرت الشركة فإن الدائنين يحق لهم أن يطالبوا الشركاء في هذه الشركة وفي غيرها من الأموال، أما الشركة المساهمة فإن النظام فيها أنه لا يحق للدائنين أن يطالبوا الشركاء إلا بقدر حصصهم، فنقول: هذا اتفاق جائز بينهم، وما دام أن الدائن قد تعامل مع هذه الشركة بهذا الاعتبار فهو قد أبطل جزءاً من حقه. هذا أولاً.

ثانياً: أن الدائن لا يغفل حقه أصلاً؛ لأنه يعتبر دائناً على أملاك وموجودات الشركة، بحيث لا يحق للشركاء أن ينهوا الشركة ويصفوها إلا بعد أن يعطوا الدائنين حقوقهم، وإذا كان الاتفاق مبنياً على التراضي من غير ربا ولا جهالة ولا غرر فالأصل الجواز، كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله بقوله: والأصل في هذا أنه لا يحرم على الناس من المعاملات التي يحتاجون إليها إلا ما دل الكتاب والسنة على تحريمه، كما أنه لا يشرع لهم من العبادات إلا ما دل الكتاب والسنة على شرعه.

وقال أيضاً رحمه الله: الأصل في الشروط اللزوم والصحة إلا ما دل الدليل على خلافه.

أدلة المبطلين لشركات المساهمة والرد عليها

وقد حاول أيضاً بعض الباحثين أن يبطل شركات المساهمة؛ بحجة أن المساهم يبيع حصته في أسواق المال مع العلم أن هذه الحصة جزء منها نقود وجزء منها موجودات، ولا يجرى فيها عملية الصرف، وبيع ربوي بجنسه أو معهما من غير جنسه يحرم عند جمهور الفقهاء.

والجواب على هذا: أن يقال: إن مسألة: من باع ربوياً بجنسه ومعه من غير جنسه تسمى مسألة مد عجوة، وليست محرمة على الإطلاق، كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية رحمه الله.

ثم إن هذه النقود الموجودة في السهم أو ما يمثله هذا السهم إذا عملت الشركة العمل الذي أنشئت من أجله فإن هذه النقود تعتبر غير مقصودة بل داخلة تبعاً، ويجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وهذا القاعدة معروفة في الفقه الإسلامي في الأمر الذي وضعت من أجله، وسوف نتحدث أن بعض الناس استدل بها في مواطن لا يمكن أن يسلم له، لكنها معتبرة فيما وضعت من أجله.

دليل هذه القاعدة: ما جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من باع عبداً وله مال، فماله لسيده إلا أن يشترطه المبتاع )، وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاز بيع العبد إذا كان معه مال، وهذا يدل على أن العبد إذا كان مقصوداً فيدخل المال تبعاً، ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: من باع عبداً وله مال فإنه يشترط فيه شرط الصرف أو نحواً من ذلك، فدل ذلك على أن الشيء إذا بيع مقصوداً لذاته، والشيء المقصود بذات معناه، أمران: أن الشيء إذا كان مقصوداً فإنه يجوز بيعه ولو كان بعضه داخلاً تبعاً غير مقصود، مثل مال العبد، فإنه دخل لأنه غير مقصود.

قال الإمام الخرقي في تفسير هذا الحديث: قال: ومعناه ألا يكون المال مقصوداً -يعني مال العبد- فإن كان غير مقصود فلا بأس أن يباع مع العبد سواء كان المال كثيراً أو قليلاً، عيناً أو ديناً، معلوماً أو مجهولاً.

وهذه مسألة بيع السهم، حيث أن السهم يمثل موجودات ويمثل نقوداً.

فالذي يشتري السهم يشتريه بما معه من نقود والأصل هي الموجودات، وسوف نتحدث عن أن معنى السهم المقصود إما أن تعمل الشركة العمل الذي أنشئت من أجله فيكون المال تبعاً، وإما أنها لم تعمل بعد فتكون النقود هي المقصودة.

فلنفترض أن الشركة الإماراتية النفطية تقدر رأس مالها تقريباً بأربعة مليارات أو بثلاثة مليارات، لم تعمل إلى الآن، والأصول لو جمعت، وجمع ما يسمونه الاسم التجاري، وجمعت السمعة أي ما صارت فيها سمعة لا تمثل ولا خمسمائة مليون، فإنه لا يقال: مجرد صدور تصريح للشركة المساهمة فإن الذين يتبايعون لا يتبايعون بالنقود، وإنما يتبايعون بأسهم الشركة بما فيها من موجودات وبما فيها من سمعة، وبما فيها من نقود، فالنقود دخلت تبعاً.

والصرافة غير البنك كما سوف نتحدث عنه قريباً إن شاء الله.

ومما يدل على جواز بيع الشيء وإن كان فيه نقود، مسألة التخارج بين الورثة، حيث أن الميت يموت وعنده نقود وعقارات، فيرغب بعض الورثة في أن يخرج من هذه الشراكة، ولا يرغب بالانتظار فيصالح على جزء من ماله ويخرج، وهذا له أصل كما روى البيهقي : أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه طلق امرأته تماضر بنت الأصبغ في مرضه الذي مات فيه، فلما مات ورثها عثمان رضي الله عنه، مع نسوة ثلاث، ثم إن الورثة صالحوا تماضر على أن يدفعوا لها ثلاثاً وثمانين ألفاً من الدنانير، مع العلم أن تركة عبد الرحمن رضي الله عنه كان فيها عقارات وفيها نقود.

وقد حاول بعضهم أن يشكك في الشركة المساهمة أيضاً؛ بحجة أن الإنسان يشتري السهم ولا يعرف عنه، فهو بيع مجهول؛ لأنه لا يعلم ما يمثله هذا السهم من موجودات، والأصل في البيوع العلم بالمعقود عليه.

والجواب على هذا: أن يقال: إن هذه الجهالة ليست جهالة مفضية للنزاع؛ لأنه يفترض أن الذي يقوم بشراء أسهم شركة معينة أن يكون عنده علم مجمل بعمل هذه الشركة، وقوله: إني لم أعلم خلل من عنده، -والقانون كما يقولون- لا يحمي المغفلين، إذ كيف تدخل السوق ومعك نقود وتشتري أسهم شركة ثم تقول: إني لم أعلم! ولو قيل بذلك فإن كل واحد سيخسر.

ثانياً: أن بيع المشاع لا يشترط فيه العلم في الجملة، كما أشار إلى ذلك الحنابلة والشافعية وهو اختيار ابن تيمية رحمه الله، حيث إن السهم مشاع؛ لأن السهم يمثل موجودات الشركة، فبالتالي حجة تقي الدين الهلالي في تحريمه للشركة المساهمة حجة داحضة، والواقع يدل على أن الشركة المساهمة فتح في استثمار أموال الناس في المشروع.

ونسأل الله أن يديم هذا الفتح، لئلا تكون أموال الناس مما يتاجر بها في الربا قرضاً أو اقتراضاً.

معنى السهم في الشركة المساهمة

النقطة الرابعة: ذكرنا أن الشركة المساهمة هي ذات رأس مال مقسم إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً. والسهم: هو حصة مشاعة من صافي مكونات الشركة، وقولنا: (مكونات الشركة) يشمل: الموجودات، والحقوق، والالتزامات، والتعهدات، والسمعة التجارية، والاسم التجاري، والترخيص وغير ذلك، وهذا تعريف محاسبي. إذا قلنا: ماذا تمثل الشركة؟ قالوا: تمثل موجودات الشركة، فإذا قلنا: ما هي موجودات الشركة أو أصول الشركة؟ قالوا: تساوي حقوق الملاك زائداً القروض، التي هي الخصومات، فإذا قلنا: ماذا تساوي حقوق الملاك؟ قالوا: تساوي الموجودات ناقصاً الخصومات، بمعنى: أن حقوق الملاك تساوي رأس المال زائداً الأرباح الاحتياطية وغيرها.

طيب، انظروا إلى كل هؤلاء الذين أمامي لنفترض أنها شركة، ثم نسميها شركة الطاولة، فنحن نملك كل هذه الأشياء ناقصاً الديون التي أخذناها من الناس، فإذا أخذنا من ديون الناس نصف هذه الطاولة نصير نملك النصف، هذا يسمى حقوق الملاك، وما أخرجناه يسمى الخصومات والقروض، والطاولة كلها تسمى موجودات الشركة.

وهذه سوف يكون لها شأن في مسألة القسمة، التي يقولون فيها: نسبة جائزة إذا كان خمسة بالمائة أو ثلاثة بالمائة.

إذاً فالسهم له معنيان: المعنى الأول: نصيب الشريك في موجودات الشركة.

المعنى الثاني: السهم ويمثل الورقة، أو الصك المكتوب فيه ما يملكه المساهم من أسهم. قد تسمعون إعلاناً في سوق المال مثلاً: يقولون فيه: تعلن شركة الغاز والتصنيع لمساهميها سرعة وضع أسهمهم في المحافظ الاستثمارية، من قبل كانت هناك أسهم القديمين الذين وضعوها قبل عام ألفين، وعندهم أسهم في الغاز لها أكثر من خمس عشرة سنة، وفي سابك من له أكثر من عشرين سهماً، يقولون له الآن: غير، مع أن القرار أول ما صدر قالوا: أكيد أن هذا دليل على تجزئة الأسهم.

ومعنى تجزئة الأسهم: إذا كنت تملك سهماً بخمسين ريالاً، بعد التجزئة ستملك خمسة أسهم، وإذا كنت تملك ألف سهم، وقيمتها خمسون ألفاً، فإذا قسم وجزئ إلى عشرة ستملك خمسة آلاف سهم، فالأسهم تزيد وستكون هناك طفرة كما يقولون.

ومع أن الجميع متفقون على أن الورقة المالية -التي هي السهم- حصة مشاعة من مكونات الشركة، إلا أن نظرة اقتصادية بحتة جعلت السهم عبارة عن صك يثبت حقاً مجرداً للمساهم، له الأرباح والتصويت في الجمعية العمومية العادية وغير العادية، ولا يملك موجودات الشركة، ففصلت بين أثر تملك السهم وبين موجودات الشركة، فكأنه يقول: أنت لا تملك الشركة، أنت إذا ملكت السهم تملك أرباحاً وحق التصويت، هكذا يقال، وكنت أظن أن هذه النظرة قد بحثها بعض الاقتصاديين وليس لها أثر، لكن ضغط الواقع ومحاولة تبرئة بعض الشركات التي تتعامل بالربا أو بعض الذين يتداولون الأسهم جعل لهذه النظرة رواجاً، وإلا كيف لا يملك صاحب السهم الشركة؟ الآن تجد في القوائم المالية ما يسمى حقوق الملاك، وهم المساهمون، قلنا لهم: إذا كنت أنا لا أملك أصول الشركة فهل هذا يعني أننا إذا أردنا تصفية الشركة أنه لن ترجع الأصول؟ قالوا: ترجع لكم أيها الملاك! قلنا: هذا دليل على أننا نملك، قالوا: لا فقط لأجل التصفية بعد تسع وتسعين سنة، الذين يملكون قبل نهاية الموعد بيوم هم الذين يملكون؛ لأنه لو أراد ثلثاً الشركاء تصفية الشركة قبل موعدها الذي حدد فلهم ذلك شريطة اجتماع الجمعية العمومية غير العادية. ولنفترض شركة للمواشي لها ثلاثون سنة، وبقي من عمرها تسع وستون سنة، وأراد الشركاء تصفيتها، فهل لهم ذلك؟

بعض الناس يقول: ليس لهم ذلك، والواقع أن لهم ذلك، بحيث يجتمع ثلثاً الشركاء فيصوتون في الجمعية العمومية غير العادية، ويطالبون بتصفية الشركة فيحق لهم ذلك، هذا في النظام، لكن إذا رأى ولي الأمر أن هذه التصفية سوف تضر بالثلث، وأن هذا ليس له معنى إلا الإضرار فله أن يتدخل.

التكييف الفقهي للسهم في الشركة المساهمة

ولأجل هذه النظرة وانتشارها جعل بعض الفقهاء يقول: ما حقيقة السهم؟ وما تكييفه الفقهي؟

فاختلف الفقهاء على قولين:

القول الأول: إن السهم عبارة عن عروض تجارة، ولا ينظر ما يمثله هذا السهم من حصص في أموال الشركة وقد اتخذت للاتجار بها، فإن صاحبها يتجر فيها كما يتجر صاحب السلعة في سلعته، ويكسب منها كما يكسب صاحب السلعة في سلعته، وهذا القول هو قول الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ جاد الحق مفتي مصر سابقاً و عبد الوهاب خلاف وبعض الاقتصاديين.

وقد استدلوا على ذلك: بأن الأسهم أصبحت سلعاً تباع وتشترى، وصاحبها يكسب منها كما يكسب كل تاجر من سلعته، قالوا: وقيمتها الحقيقية التي تقدر في الأسواق تختلف في البيع والشراء عن قيمتها الحقيقية.

وقالوا: إن المعروف في الشراكة أن الشركاء لو أرادوا تصفية الشركة وأراد أحد الشركاء أن يصفيه فإن له أن يصفي الشركة ويأخذ جزءاً من موجوداتها، وهذا لا يتأتى في الشركة المساهمة. أي أن الشركاء في الشركة إذا أرادوا إنهاء الشراكة فإنهم يأخذون أصولها.

ويلاحظون أن هذه النظرة مبنية على الجانب الشكلي، وليس إلى حقيقة السهم.

أما كون السهم أصبح سلعة يباع ويشترى فلا يلزم منه تغيير الحقائق الشرعية بسبب تغيير الأمور الشكلية، فكون السهم سريع التداول في اللحظة الواحدة يباع ويشترى ولا تعرف من اشتراه أو غير ذلك هذا ولده التطور والتكنولوجيا، وأنت بمجرد أن تشتري سهم البلاد أو أي سهم آخر مباشرة يظهر اسمك في الشركة الأساسية لتسجيل الأسهم، ثم تذهب إلى مركز الرسائل الذي يتداولونه في الإنترنت، وإذا طلب أمر بيع وشراء، يقال: هذا رقمك في مركز الرسائل، لتأكيد الطلب اضغط، فتضغط ثم تعطى رقم الأمر للتداول، وكأنك عرضت أسهمك عند مركز تسجيل الأسهم، ومركز تسجيل الأسهم عرض أسهمك بهذا الرقم، وتم الشراء بهذا الرقم من شخص آخر، هذه العملية المعقدة سهلت؛ بسبب هذا التطور التكنولوجي العظيم.

وبالتالي ما يشاع عند بعض طلاب العلم أن السهم لا يمثل أصول الشركة بدليل سرعة التداول، قلنا: يلزم من هذا -وهذا الرد عليهم- أن نقول: لا بأس بشراء أسهم سلعة الدولار واليورو والين والجنيه والليرة ونتعامل معها بالعقود الآجلة، ولا يشترط التقابض؛ لأن الدولار أصبح لا ينظر إلى أصله ومقصوده، وكون السهم قابلاً للتداول لا يمكن أن يخرج عن ماهيته وحقيقته، وهذه النظرة مهمة.

ثم يلزم من هذا الكلام -أن السهم شيء وأصول السهم شيء آخر- مشروعية تداول أسهم البنوك الربوية؛ لأن تعامل البنك في المصارفة والبيع والشراء ليس فيه إشكال، لكن كونه يتعامل بالربا إثمه على أعضاء مجلس الإدارة وأنت ليس لك علاقة، اشترِ السهم في البنك الربوي وليس عليك إثم، المهم أن تستغفر ربك وأن تتطهر، وهذا يسمونه التطهير، والتطهير لا يكون إلا في بني آدم، ويسن قبل بلوغ السابعة؛ لأن كلمة تطهير عند الفقهاء: أنك إذا أخرجت جزءاً من الربح الحرام يصير الباقي طاهراً. وهل هذا موجود في السهم؟ إن قلت: نعم، نقول لك: دلل. وإن قلت: لا، نقول لك: دلل.

إن قلت: نعم، أقول لك: لا؛ لأنك سوف تطهر جزءاً، بدليل أن كل سنة سوف تطهره، والعلماء الذين قالوا: حال اختلاط المال الحلال والحرام أخرج نسبة الحرام ويبقى الباقي طاهراً إلى يوم الدين، أما السهم إذا طهرته هذه السنة فسوف تطهره السنة الثانية، وسوف تطهره السنة الثالثة، وهكذا ما دام باقياً عندك، إذاً هذا دليل على أن البذرة لم تقطع، فالحرام ما زال باقياً، وقطعها هو بمنع أعضاء مجلس الإدارة أن يتصرفوا بأسهم الشركاء قرضاً أو اقتراضاً.

والقول الثاني في المسألة: أن السهم يمثل حصة مشاعة من صافي موجودات الشركة.

وهذا ما رجحه مجمع الفقه الإسلامي المنبثق من رابطة العالم الإسلامي والمنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي وأكثر الفقهاء المعاصرين.

وأدلتهم: أن صك السهم وهي الورقة المالية ما هي إلا مستند لإثبات حق المساهم، فلا قيمة لها في نفسها، وإنما بما تمثله من موجودات الشركة، مما يدل على أن قول بعض الإخوة: إن السهم أصبح يتداول ولا أثر له هو القرار الجديد الذي يطالب أصحاب الأسهم الموجودة -كما في السابق- بإعادتها في المحافظ، ومعنى إعادتها في المحافظ: أن تأتي إلى البنك، والبنك يرسل صورة إلى الشركة الأساسية لتسجيل الأسهم، ثم يوضع لك في مركز الرسائل رقم على أنك تملك عدداً من الأسهم في كذا، هذا التطور لا يدل على أنك لا تملك أسهماً، ولو أننا تعاملنا في بيعنا وشرائنا بأرقام، نقول لك: ما تملك؟ لا، تملكك في السلع الدولية، ربما ترى رقماً يسمى شهادة المخزون فيها مواصفات للسهم لما تملكه والكمية فقط وتبيعها بعد ذلك، إذاً كون الشيء يسهل تداوله لا يخرج عن حقيقته الفقهية.

وهناك فرق بين القيمة الاسمية وقت الاكتتاب وهي رأس المال، والقيمة العاجلة، والقيمة الدفترية، والقيمة السوقية، وكونه يكون السهم ألف ريال قيمة سوقية لأجل المضاربة لا يدل على أنه لا يمثل سهم، وأكثر الأسهم مكرر ربحه إلى ستين سنة، فلا تستطيع أن تأخذ رأس مالك إلا بعد ستين سنة، والقيمة العاجلة يعني كم يمثل السهم من حقيقتة النظر إلى الأسهم، من حيث عددها وأرباحها ومن القيمة الدفترية، القيمة العاجلة يعني لو صار مكرر ربح عشرة بالمائة عشر مرات، أو خمس عشرة مرة هذا يسمى مكرر ربح. والدول الأوروبية ترى أن مكرر الربح إذا صار خمساً وعشرين مرة فإن السهم مخيف، ومكررات الأرباح في السوق السعودي تصل إلى ستين مرة، لكن سبب التداول -مع أن المكرر ستين مرة- أن السوق السعودي سوق جديد وواعد، فإلى الآن فيه محفزات تجارية: ارتفاع النفط، الشركات تعمل، وجود شركات ثانية، هذا المقصود.

إذاً القول الراجح: هو أن السهم يمثل حصة من صافي موجودات الشركة، وأنه يلزم من القول بأن السهم عروض تجارة ولا علاقة له بأصول الشركة أن نبيع أسهم البنوك، وبعض الناس يقول: لا تجوز أسهم البنوك؛ مبنية على أن أصل منشئها حرام، نقول: كونك تخرج من معرة قولك بهذا التخريج لا ينفعك؛ لأنك أصلت تأصيلاً خاطئاً، وكونك تأصل تأصيلاً خاطئاً ويلزم من تأصيلك الخاطئ لوازم ثم تبطلها نقول: هذا دليل على أن تأصيلك خاطئ؛ لأن بعض الفضلاء يقول: اشترِ كل شيء إلا أسهم البنوك، حتى الشركات التي نسبة الربا فيها إلى أربعين بالمائة أو خمسين بالمائة يقول: لا بأس، لماذا؟ لا ندري.

والكلام في هذا الباب يطول.

تحرير محل النزاع في أسهم الشركات المساهمة

هنا مسألة مهمة، وهي حكم تداول أسهم الشركات المساهمة.

قبل البدء في بحث هذه المسألة لابد من وضع نقاط أرى أنها من الأهمية بمكان، ويسميها الفقهاء: تحرير محل النزاع:

الأمر الأول: أن الذي أعرفه من كلام الفقهاء المعاصرين ممن يعتد بخلافه وكل من كتب في هذه الشركات المساهمة على أن الشركة إذا نص عقدها التأسيسي على أنها تتاجر بالمحرمات كالقرض بالربا والخمور والتبغ وشركات الغرر أن الأصل في شراء أسهم هذه الشركة وتأسيسها أنه حرام.

ثانياً: إن الذين تكلموا في جواز دخول المسلم في الشركات التي تتعامل بالحرام كلهم جعلوا ضوابط في نسبة الحرام قلت أم كثرت، ولا أعلم أحداً جوز مطلقاً، هذا كنت أقوله، لكني وجدت أحداً في هذا الأيام يقول به مطلقاً؛ لأنه يفرق بين أن تكون مستثمراً وأن تكون مضارباً، لماذا جاء هذا التفريق؟ لأنه إذا كان مستثمراً قال: يا شيخ! أنا لست مستثمراً، أنا مضارب، يصعب عليه من عملية حسابية يدخل في سابك اليوم ويطلع إلى التصنيع، ومن التصنيع يذهب إلى المجموعة، وأنا في المجموعة يذهب إلى الغاز التي ليس فيها ربا، ثم من الغاز يذهب إلى سابكو، فيقول: يا شيخ! كيف أخرج نسبة الربا، سابك يومين، والتصنيع ثلاثة أيام، والمجموعة أسبوع، قال: أنت مضارب وإذا كنت مضارباً فلا تخرج شيئاً، هذه العملية، وأنا أستغرب الذي يفرق بين المضارب والمستثمر. وأذكر لكم مثالاً بسيطاً: الذين يضاربون أليس لو علموا أن قراراً يدار في مجلس الإدارة الغرض منه زيادة رأس المال، أليس يريد أن يشتري هذا السهم قبل أن يطلع القرار؟ أليست زيادة الربح لأجل هذا القرار الذي يؤثر على الشركاء؟ إذاً هو إذا ملك ثم باع فإن هذا الربح إنما جاء من هذا القرار، الذي أنت شريك فيه، وهذا يدل على أن التفريق بين المضاربة والاستثمار تفريق في غير محله.

أيضاً من الأشياء التي أشار إليها العلماء: أن المسلم القادر على منع مزاولة شركة ما من التعامل الحرام يجب عليه أن ينكر عليها، وأن يمنعها، ويا ليت المضاربين يتعاملون بهذا الشرط، فلو أننا قلنا لثلاث محافظ تدار في سوق المال: ادخلوا على سهم معين يتعامل بالربا قبل اجتماع الجمعية العمومية العادية فسوف تغيرون، فيأتون، فإذا قيل له: كم تملك؟ قال: أملك خمساً وعشرين بالمائة من أسهم الشركة، ثم يقول: ما نريد التعامل بالقرض، نريد التورق، ما نريد الاحتمال المحرم، نريد الاحتمال الإسلامي، وهكذا حتى يغيروا، ثم إذا تغيرت يخرجون من هذا السهم ويدخلون في سهم آخر، وهكذا.

وأنا أقول: إن الخلل ليس فقط في أعضاء مجلس الإدارة الخلل في التجار أنفسهم، وبعض التجار يملك ثلاثة مليار في محفظته، ويملك في أسهم شركة أكثر من خمسة عشر بالمائة، وإذا قلت له: يا أخي! حرام تملك، قال: أنا عندي فتوى، والله الذي لا إله غيره أحلف من هذا المكان أنه ليس عنده فتوى، الذي عنده فتوى هو الذي يملك ولا يستطيع أن يغير، أما الذي يملك خمسة عشر بالمائة من أسهم الشركة فيحرم عليه أن يسكت، يجلس في بيته إذا اجتمعت الجمعية العمومية العادية ويقول: أنا عندي فتوى، لا يريدهم يعرفون أنه يملك خمسة عشر بالمائة من أسهم سابك أو عشرة بالمائة؛ أي أنه يملك مليارات، يختبئ من الناس ولا يخاف من الله أنه يأخذ حراماً، فهو واجب عليه الإنكار، وهل هذا يطبق في واقعنا؟

الواقع أننا نتحدث عن أمرين: نتحدث عن أعضاء مجلس الإدارة، ونتحدث عن الصغار الذين يملكون السهم؛ أو عشرة آلاف سهم أو مائة سهم، لكن الذين يملكون أسهماً كثيرة قد وضعوها في مكاتبهم ولا يتحدثون، فهؤلاء لا يمكن أن نتحدث عنهم، وأرى أن من الأهمية بمكان أنه يجب على طلاب العلم والعلماء أن يخاطبوا هؤلاء وغالبهم كبار سن، فلو أنا أحيينا في أنفسهم هذا الهاجس وهذا الإنكار لنفع في ذلك نفعاً عظيماً.

أيضاً إن أعضاء مجلس الإدارة الذين يتعاملون بالربا هم آثمون وداخلون في الوعيد الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه وقال: هم سواء ).

أقسام الشركات المساهمة وحكم تداول أسهمها

تنقسم الشركات المساهمة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: الشركات التي نص عقدها التأسيسي على ألا تتعامل بالحرام؛ بالربا أو بالغرر أو بالمتاجرة بالمحرمات، كالتبغ والفنادق التي تستثمر في الدعارة، كما يوجد في بعض الشركات الخدمية في الأسهم الأوربية فإنها تتعامل في الدعارة، وغير ذلك، فيجب ألا نقول: أصل الشركة الخدمية جائزة لكن ينظر إلى طريقتها في الاستثمار؛ لأن غالب فنادقها تستثمر في الخمور وغير ذلك، هذه الشركة الدخول فيها محرم، ولا أعرف خلافاً في ذلك.

القسم الثاني: الشركات التي نص عقدها التأسيسي على أن تتعامل بالمباحات، ولا تقرض ولا تقترض بالربا، فهذه يجوز تداول أسهمها، وهي التي تسمى عند الناس بالشركات النقية، وأقول: إنها الشركات المباحة، وهي على هذا التصنيف: شركة الراجحي، وبنك البلاد، والجبس، والغاز، وفيبكو، واللجين، ومكة، وطيبة، والتعمير، وتبوك الزراعية، ونادك، وحائل الزراعية، والجوف الزراعية، والقصيم الزراعية، والنقل الجماعي، ومبرج، والغذائية، وإسمنت العربية، هذه الشركات التي أرى أنها مباحة.

أما اتحاد الاتصالات فهي تتاجر بنظام المتاجرة في الرسائل ولا أستطيع أن أقول: حرام، أما الصحراء فإنها اقترضت أربعمائة مليون من الصندوق الصناعي، والاقتراض من الصندوق الاصطناعي فيه شبهة، ولا أقول: حرام، أما الخزف فإن فيها نسبة من الربا، فكل ثلاثة مليون من الأرباح فيها من الربا: ستة آلاف ريال، كما علمت بذلك من نفس الموظفين في الشركة.

وفرق بين كونها ليس عندها موجودات وأنها تتعامل بالربا قرضاً واقتراضاً، فشركة الصحراء الآن لا إشكال عندي أنه يجوز تداولها، لكن هل يجوز شراؤها؟ أنا أقول: في نفسي منها شيء.

وإذا قلنا: هذا جائز، فهل يلزم منه عدمه؟ أو لا يلزم، وبنك البلاد كنت أقول: جائز الاكتتاب، لكن هل يجوز بيعه؟ لا يجوز، الآن نقول: يجوز بيعه؛ لأنه عمل العمل الذي أنشيء من أجله.

هذه هي الشركات التي تسمى الشركات المباحة، وعليها فشركة إسمنت ينبع اقترضت قبل شهر ونصف بالربا، وأرى أنها ليست نقية، ونسأل الله أن يبقي لنا إسمنت العربية؛ لأنهم الآن يمكن أن يقترضوا، ونسأل الله ألا يقترضوا.

لكن شركة صحراء واتحاد الاتصالات أنا ما أستطيع أقول: حرام لكني لا أحبذها.

وهل يوجد شركة نقية؟ لا أدري، كلمة نقية كلمة صعبة، أنت الآن ليست تعاملاتك نقية، فسيارة الواحد مؤمن عليها، فمن الصعب على الواحد من أن يتعامل معاملة نقية. بعض الناس يقول: أستثمر في العقار فإنه أنظف، والعقار مدخول عليه أيضاً، ففيه تغرير وخداع وتلبيس، وشخص سامه كذا، وهي ما سيمت ولا يحزنون، ودراسات الجدوى الاقتصادية كلها أو هام إلا ما رحم ربي وقليل ما هم.

القسم الثالث: الشركات التي نص عقدها التأسيسي على المتاجرة بالمباحات، ولكن لها تعاملات وأنشطة محرمة، وتتعامل بالربا قرضاً أو اقتراضاً، فهذه الشركات هي التي تسمى: الشركات المختلطة، وهي جميع الشركات ما عدا البنوك الربوية وما عدا الشركات النقية.

وقد اختلف الفقهاء في حكم تداول أسهمها.

القول الأول: هو القول بتحريم شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا قرضاً أو اقتراضاً، وهذا القول هو قول المجامع الفقهية التي لا علاقة لها بالبنوك، كمجمع الفقه الإسلامي المنبثق من رابطة العالم الإسلامي، ومجمع الفقه الإسلامي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية وتولي الإفتاء برئاسة شيخنا عبد العزبز بن باز ، وهو قول الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله، والشيخ عبد الله غديان ، والشيخ صالح الفوزان ، والشيخ بكر أبو زيد ، والشيخ عبد الله بن قعود وغيرهم.

وأدلة التحريم واضحة، حيث إن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري بنفسه في التعامل بالربا؛ لأن السهم يمثل جزءاً شائعاً من رأس مال الشركة، والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة، فكل ما تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه؛ لأن الذين يباشرون أعمال الشركة من أعضاء مجلس الإدارة يقومون بهذا العمل نيابة عن المساهمين، بمعنى: أن المساهم شريك في التصرف.

والدليل هو أن المساهم إما أن يكون راضياً في تعامل أعضاء مجلس الإدارة أو يكون غير راض، فإن كان راضياً بتعامل أعضاء مجلس الإدارة بالربا فلا شك في حرمة هذا التعامل، وإن كان غير راض فليس أمامه إلا أمران: إما أن يمنعهم من هذا التعامل، وإما أن يتخلص من الأسهم، وأما أن يقول: أنا غير راض وأبقى، فنقول: مالك يتعامل فيه بالربا، ولذا أرى أنه يجب عليه أن يتخلص من السهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبيه وشاهديه، وقال: هم سواء )، فالمساهم إن لم يكن آكلاً للربا فهو موكله، أي: معين على أكله، ولو أن الناس قيل لهم: لا تدخلوا في السهم الفلاني فسوف ينزل السهم سوف يضطر أعضاء مجلس الإدارة إلى أن يغيروا من سياساتهم.

بعض الفضلاء يقول: إننا لو قلنا للناس: اخرجوا من هذه الشركة فسوف نتضرر الشركة، هل هذا صحيح؟

نقول: لا؛ لأن الشركة إذا اكتتب رأس مالها فزيادة السهم في السوق أو قلته لا يضر الشركة ألبتة، فالشركة: تقول: أنا ملكت القيمة الاسمية وارتفاع السهم أو انخفاضه لا يؤثر في السوق، فسابك مثلاً لو خسرت وباعت السهم بريالين أو صار بألفين لا يؤثر على الشركة، نعم، يؤثر على أعضاء مجلس الإدارة؛ لأنهم يريدون أن يستثمروا أموالهم؛ لكن الشركة نفسها تعمل بربح، بل يتمنى الناس أن سابك تنزل حتى يأخذوها، ونحن نسمع في سوق المال بين الفينة والأخرى أنه يأتي الهوامير فينزلون الأسهم حتى يبيع صغار المساهمين أسهمهم فيملكونها، هذا هو الدليل الأول، وهناك أدلة لكني لا أستطيع أن أذكرها لضيق الوقت.

القول الثاني في المسألة: يرى جواز الدخول في هذه الشركات مع إخراج نسبة المحرم، وهذه هي فتوى غالب الهيئات الشرعية في البنوك، ولي وقفات على هذا القول، وأقول: ليس لهذا القول دليل صحيح صريح إلا قواعد عامة:

القاعدة الأولى: الذين يقولون بجواز تداول أسهم هذه الشركات المختلطة، يقولون: يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، وأن نسبة الربا دخلت تبعاً، فيجوز تداول هذا السهم، ونقول: هذه القاعدة صحيحة ومتداولة عند الفقهاء، ولها ما يثبتها من الأحاديث النبوية غير أن تنزيل هذه القاعدة على مسألتنا المراد بحثها -وهي: أسهم الشركات التي تتعامل بالربا- محل تأمل ونظر، حيث إن القاعدة جيء بها في حكم تعامل أو دخول هذا العقد ابتداء

فالشركة المساهمة. هي الشركة التي يكون رأس مالها مقسماً إلى أجزاء متساوية القيمة، كل جزء منها يسمى سهماً قابلاً للتداول، ولا يكون كل شريك مسئولاً إلا بمقدار حصته من رأس المال.

والشركة المساهمة بهذا الاعتبار هي من شركات الأموال التي لا تعتمد على العنصر الشخصي، وإنما تعتمد على ما يقدمه كل شريك من حصة في رأس مال الشركة، ومعنى أن شركة المساهمة من شركة الأموال: هو أن تكون ضد شركة الأشخاص، الذي ينظر فيها إلى العنصر الشخصي أي: إلى نفس المساهم، بحيث إذا كان شريكاً شركة أشخاص فإنه يعتبر متضامناً بجميع ماله الذي له في هذه الشركة وغيره من الأموال التي يملكها في أرصدته الأخرى.

فشركة الأشخاص إذا أفلست الشركة فسوف ينظر إلى أموال الشركاء غير الأموال التي قد وضعوها في الشركة، وسوف تتحمل أموالهم الأخرى ما وقع فيها من خسارة على هذه الشركة.

أما شركة الأموال فإنه ينظر فيها إلى ما قدمه كل شريك من حصة في رأس مال الشركة، وبالتالي يكون إفلاس الشركاء لا يدل على إفلاس الشركة، وإفلاس الشركة لا يدل على إفلاس الشركاء، هذا هو معنى شركة الأموال.

وشركة الأموال في الأنظمة تنقسم إلى أقسام: شركة مساهمة، وشركة مسئولية محدودة، وشركة توصية بالأسهم.

ومن حين وضع هذا النظام في هذه البلاد لم يتعامل في التوصية بالأسهم إلا قبل سنة، والظاهر أنه لن يتكرر، وهذه الشركة هي شركة دار الأركان، فلأول مرة في تاريخ النظام السعودي يوجد توصية بالأسهم، فيما أحسب وأعرف، والتوصية بالأسهم هي مرحلة لانتقالها إلى الشركة المساهمة.

ومعنى المسئولية المحدودة: أن مسئولية الشريك في شركة الأموال تتحدد بقدر القيمة الاسمية لما يملكه من أسهم في رأس مال الشركة، وبالتالي فلا يُسأل الشريك عن خسارة الشركة إلا بمقدار حصته، وعليه: فإفلاس الشركة لا يترتب عليه إفلاس الشريك، هذا معنى المسئولية المحدودة.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
عبادة القلوب 2464 استماع
مسائل فقهية في النوازل 2446 استماع
التأصيل العلمي 2089 استماع
عبادة القلب 2045 استماع
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء 1949 استماع
أعمال القلوب 1931 استماع
العبادة زمن الفتن 1928 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] 1865 استماع
الرزق الحلال وآثاره 1808 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [1] 1738 استماع