العبادة زمن الفتن


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

فإن أمة الإسلام إنما أصابها ما أصابها من الهزائم والذل بسبب تخليها عن أسباب النصر، وقد تأخذ الأمة بأسباب النصر لكن النصر يتأخر عنها لأسباب يريدها الله تعالى، فإن المحق الذي لا يقصر في علمه يؤمر بالصبر فإذا لم يصبر، فقد ترك المأمور، وقد يتأخر النصر؛ لأن الأمة لم تأخذ بعد بأسباب النصر كاملة، فللنصر أسباب للهزيمة أسباب، فإذا أراد المسلمون جماعات وفرادى أن ينتصروا على عدوهم، وأن يمكن لهم في الأرض، فإنه يجب عليهم أن يأخذوا بأسباب النصر، كما أخذ بها الصحابة رضي الله عنهم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وأعظم أسباب النصر هو إقامة الصلاة في المساجد، وإيتاء الزكاة، وأداء الواجبات، وترك المحرمات، والرجوع كلياً إلى رب الأرض والسماوات، فحينها ينزل النصر ويولون الدبر، ولقد بين أسباب النصر أحد جواسيس الروم الذين أرسلهم القبقلار القائد الرومي عند قدومه لفتح بلاد الشام، فقد قال هذا الجاسوس عند عودته للقبقلار واصفاً له حال جيش المسلمين بالليل رهباناً، وبالنهار فرساناً، لو سرق ابن ملكهم قطعوا يده، ولو زنى رجم لإقامة الحق فيهم، فقال له القبقلار : لئن كنت صدقتني لبطن الأرض خير من لقاء هؤلاء على ظهرها.

ولقد بين أسباب النصر أيضاً أحد جواسيس الروم الذين أرسلهم بطريق دمشق، وذلك عند قدوم جيش المسلمين ناحية الأردن، فقال الجاسوس للبطريق: جئتك من عند رجال دقاق، يركبون خيولاً عتاقاً، أما الليل فرهبان، وأما النهار ففرسان، لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر، فالتفت بطريق دمشق إلى أصحابه فقال: أتاكم منهم -يعني: من المسلمين- ما لا طاقة لكم به.

ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم في العهد المكي إبان ظهور الدين وإعلانه على صناديد قريش يعيشون ألوان التعذيب والإهانة، والضرب والإبادة، ويعدهم صلى الله عليه وسلم بالفرج، فلما ضجروا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة، فقالوا: ( ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا يا رسول الله! فنظر إليهم عليه الصلاة والسلام وقال: قد كان فيمن كان قبلكم يؤخذ الرجل، فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).

قال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب الفوائد: يا مخنث العزم أين أنت، والطريق تعب فيه آدم، وناح لأجله نوح، ورمي في النار الخليل، وأضجع للذبح إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس دراهم معدودة، ولبث في السجن بضع سنين، ونشر بالمنشار زكريا، وذبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على المقدار بكاء داود، وعالج الفقر وأنواع الأذى محمد صلى الله عليه وسلم، بينما تزهو أنت باللهو واللعب.

نبذ الاختلاف عند اشتداد الفتن

إن الواجب على أهل الإسلام كلما اشتدت بهم البلايا والرزايا، وكلما اشتد أذى أهل النفاق ومن يريد من الأمة أن تتبع الشهوات، أن يقوى تظافرهم، ويشتد تناصرهم وتماسكهم، وألا يختلفوا ويتراشقوا بالتهم، كل ذلك لنصرة دينهم وحماية بلادهم من كل مكروه، وأن يكونوا صفاً واحداً متعاضدين متساعدين، يقيل الواحد منهم هفوة صاحبه، متعاونين، متناصحين على البر والتقوى، نابذين العداء والبغضاء حتى يفوِّتوا على العدو المتربص بالأمة فرصته وبغيته في زرع بذور التمزق، وجذور التفرق، وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، وفي هذا الزمان كثرت الانحرافات الفكرية التي تنسب أحياناً للدين، والمغالطات والتوجهات المخالفة للأنبياء والمرسلين وأئمة المسلمين، فكل يوم لها مسار، وكل مصيبة عندهم لها تخريج وتأويل، سفهاء من غير عقل، وآراء من غير حكمة، وكتابات وتوجهات ربما جرَّت الأمة إلى مسارات لم يقدر قدرها، ولم يراع ويلاتها.

إن عدم فهم طبيعة هذا الدين قد يؤدي بالناس إلى الاستعجال، وإصدار بعض الأحكام والأفعال غير المدروسة، والتي لم يحسب حسابها.

الابتعاد عن التصرفات الفردية والأساليب الخاطئة

إن التصرفات الفردية، والأفعال المرتجلة، والأساليب الخاطئة لا تغير من واقع المسلمين شيئاً، بل ربما تزيد في الهوة، وتبعد في الشقة مع ما يصاحب ذلك من فتن وبلاء، ومصائب وعناء، فالحذر الحذر من تصرفات لا يقدر قدرها، ولا يحسب حسابها.

وإن واجب المسلم في كل الأوقات وفي جميع الأزمات هو البلاغ وإرشاد المسلمين مع الصبر، أما هداية الناس وإلزامهم بقبول الحق فهذا أمر موكول إلى رب الأرض والسماء، ليس للبشر فيه حول ولا قوة، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]، فيجب أن يفهم أهل الإسلام طبيعة هذا الدين، وأن يلتزم المسلم بخلق المرسلين، وبسنة سيد الأنام أجمعين، ومنهج سلف الأمة المهتدين، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35].

إن الالتزام بأركان الدين وواجباته سبب أكيد من أسباب النصر، وصمام أمان من الانحراف والتخبط مع ما فيه من التثبيت والهداية، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68].

الحلم والأناة والرفق زمن الفتن

إن من أخطر الأمور على المسلم أيام الفتن عجلته وتسرعه وتركه الرفق والأناة، واستعجاله النتائج والثمرات، وإذا كان الحلم والأناة صفات محمودة في كل آن فهي في زمن الاختلاف وتنوع الآراء والتوجهات أهم وأولى.

فقد جاء في صحيح مسلم عن المستورد القرشي رضي الله عنه، وكان عنده عمرو بن العاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس. فقال عمرو بن العاص للمستورد : أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو بن العاص : لئن قلت ذاك إن فيهم -يعني: الروم- لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف -وخامسة حسنة جميلة- وأمنعهم من ظلم الملوك ).

فهذا الكلام من عمرو رضي الله عنه لا يريد منه أن يثني على الروم الكفرة، ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة؛ لأنهم عند حدوث الفتن أحلم الناس، ففيهم من الحلم والأناة ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها لأجل ألا تذهب أنفسهم وحياتهم، وفي هذا دلالة على أن الرفق والأناة وترك العجلة أيام الفتن والبلايا والمحن والرزايا يجنب الناس الشرور وهلاك الأنفس والأموال.

إن الواجب على أهل الإسلام كلما اشتدت بهم البلايا والرزايا، وكلما اشتد أذى أهل النفاق ومن يريد من الأمة أن تتبع الشهوات، أن يقوى تظافرهم، ويشتد تناصرهم وتماسكهم، وألا يختلفوا ويتراشقوا بالتهم، كل ذلك لنصرة دينهم وحماية بلادهم من كل مكروه، وأن يكونوا صفاً واحداً متعاضدين متساعدين، يقيل الواحد منهم هفوة صاحبه، متعاونين، متناصحين على البر والتقوى، نابذين العداء والبغضاء حتى يفوِّتوا على العدو المتربص بالأمة فرصته وبغيته في زرع بذور التمزق، وجذور التفرق، وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال:46].

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ( إن الله يرضى لكم ثلاثاً، ويكره لكم ثلاثاً، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال )، وفي هذا الزمان كثرت الانحرافات الفكرية التي تنسب أحياناً للدين، والمغالطات والتوجهات المخالفة للأنبياء والمرسلين وأئمة المسلمين، فكل يوم لها مسار، وكل مصيبة عندهم لها تخريج وتأويل، سفهاء من غير عقل، وآراء من غير حكمة، وكتابات وتوجهات ربما جرَّت الأمة إلى مسارات لم يقدر قدرها، ولم يراع ويلاتها.

إن عدم فهم طبيعة هذا الدين قد يؤدي بالناس إلى الاستعجال، وإصدار بعض الأحكام والأفعال غير المدروسة، والتي لم يحسب حسابها.

إن التصرفات الفردية، والأفعال المرتجلة، والأساليب الخاطئة لا تغير من واقع المسلمين شيئاً، بل ربما تزيد في الهوة، وتبعد في الشقة مع ما يصاحب ذلك من فتن وبلاء، ومصائب وعناء، فالحذر الحذر من تصرفات لا يقدر قدرها، ولا يحسب حسابها.

وإن واجب المسلم في كل الأوقات وفي جميع الأزمات هو البلاغ وإرشاد المسلمين مع الصبر، أما هداية الناس وإلزامهم بقبول الحق فهذا أمر موكول إلى رب الأرض والسماء، ليس للبشر فيه حول ولا قوة، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]، فيجب أن يفهم أهل الإسلام طبيعة هذا الدين، وأن يلتزم المسلم بخلق المرسلين، وبسنة سيد الأنام أجمعين، ومنهج سلف الأمة المهتدين، فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ [الأحقاف:35].

إن الالتزام بأركان الدين وواجباته سبب أكيد من أسباب النصر، وصمام أمان من الانحراف والتخبط مع ما فيه من التثبيت والهداية، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا [النساء:66-68].

إن من أخطر الأمور على المسلم أيام الفتن عجلته وتسرعه وتركه الرفق والأناة، واستعجاله النتائج والثمرات، وإذا كان الحلم والأناة صفات محمودة في كل آن فهي في زمن الاختلاف وتنوع الآراء والتوجهات أهم وأولى.

فقد جاء في صحيح مسلم عن المستورد القرشي رضي الله عنه، وكان عنده عمرو بن العاص أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( تقوم الساعة والروم أكثر الناس. فقال عمرو بن العاص للمستورد : أبصر ما تقول، قال: أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عمرو بن العاص : لئن قلت ذاك إن فيهم -يعني: الروم- لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف -وخامسة حسنة جميلة- وأمنعهم من ظلم الملوك ).

فهذا الكلام من عمرو رضي الله عنه لا يريد منه أن يثني على الروم الكفرة، ولكن ليبين للمسلمين أن بقاء الروم وكونهم أكثر الناس إلى أن تقوم الساعة؛ لأنهم عند حدوث الفتن أحلم الناس، ففيهم من الحلم والأناة ما يجعلهم ينظرون إلى الأمور ويعالجونها لأجل ألا تذهب أنفسهم وحياتهم، وفي هذا دلالة على أن الرفق والأناة وترك العجلة أيام الفتن والبلايا والمحن والرزايا يجنب الناس الشرور وهلاك الأنفس والأموال.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شركات المساهمة 2615 استماع
عبادة القلوب 2462 استماع
مسائل فقهية في النوازل 2445 استماع
التأصيل العلمي 2088 استماع
عبادة القلب 2044 استماع
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء 1948 استماع
أعمال القلوب 1930 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] 1863 استماع
الرزق الحلال وآثاره 1807 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [1] 1736 استماع