عبادة القلب


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم إنا نعوذ بك أن نضل أو نضل، أو نزل أو نُزل، أو أن نظلم أو نُظلم، أو أن نجهل أو يُجهل علينا.

أحبتي الكرام!

كثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم علهم يصومون النهار ويقومون الليل، كثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم في مثل هذه الأيام علهم أن يزيدوا في الصدقة وينفقوا ابتغاء مرضاة الله.

كثيرون هم الذين يجاهدون أنفسهم علهم أن يزيدوا في صلاتهم ويكثروا من تلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى، وكثيرون هم الذين ربما أنبوا أنفسهم وضمائرهم على ترك نافلة من النوافل، أو على ترك صدقة من الصدقات غير أن هؤلاء ربما لا نراهم يوماً من الأيام جاهدوا أنفسهم عن إزالة الإحن والبغضاء والحسد الذي في قلوبهم.

صلاح القلوب صلاح للأبدان

وهذه دعوة -أيها الأحبة- إلى الالتفات إلى أعمال القلوب، فأعظم عبادة يتقرب العبد بها إلى الله سبحانه وتعالى هي صلاح نفسه، فصلاح القلوب كما يقول ابن مفلح رحمه الله: رأس كل خير، وفسادها رأس كل شر، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).

وأعمال القلوب هي المحك وهي الإكسير كما يقول ابن القيم رحمه الله، وهي التي لأجلها يثيب الله سبحانه وتعالى من يثيب ويفضل فيها من يفضل، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ) وفي رواية: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم )، فأعمال القلوب كما يقول أبو العباس ابن تيمية : هي من أصول الإيمان وقواعد الدين.

وقال سلمان الفارسي رحمه الله: لكل امرئ جواني وبراني فإذا أصلح جوانيه أصلح الله برانيه، وإذا أفسد جوانيه أفسد الله برانيه.

الغفلة عن عبادة السر تورد صاحبها الموارد

وأنت ترى -يا رعاك الله- هذا الرجل الذي يكثر من قراءة القرآن، ويكثر من تلاوته، ويكثر من الصلاة، ويكثر من العبادة الظاهرة، ولكنها ربما تكون وبالاً عليه يوم القيامة، وراع معي واستمع إلى هذا الحديث العظيم الذي رواه ابن ماجه و أحمد من حديث ثوبان رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ( إن أناساً يأتون يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء، فيقول الله لها: كوني هباء منثوراً، وقرأ: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، فقام ثوبان فزعاً، فقال: يا رسول الله! صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نشعر، قال: أما إنهم منكم، ومن جلدتكم، ويصلون كما تصلون، ويصومون كما تصومون، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ) والعياذ بالله.

ولهذا يقول ابن القيم رحمه الله: فإن عبادة السر هي السبب في ثبات المرء في دنياه، وإن ترك عبادة السر هو السبب في أن يحور المرء بعد الكور، والعياذ بالله.

ولهذا قال الحسن البصري رحمه الله: يا عبد الله! داو قلبك؛ فإن حاجة الله إلى عباده صلاح قلوبهم.

وربما تجد من يكثر في دعوة الناس، وفي العلم، وفي التعليم، غير أنه -ربما قبل أن يتكلم وقبل أن يعمل- لم يجاهد نفسه، فلربما أراد حظوة الناس والإقبال عليهم؛ فلهذا فتش عن قلبك.

هذا أحمد بن حنبل كان جالساً وكانوا يتحدثون عن أمر الزهد، وأعمال القلب، فذُكر يوماً عنده معروف الكرخي ، وكان معروف الكرخي قد أقبل على قلبه، وتكلم في الورع، وفي محاسبة النفس، ربما لم يرتح لأحد قبله، فقال أحد الطلاب عند الإمام أحمد : حسبك بـمعروف أنه قصير العلم، يعني: أنه ليس بفقيه، وليس بكثير الحديث، وليس بكثير الرواية، حسبك بـمعروف أنه قصير العلم، قال الإمام أحمد : يا هذا! أمسك، وهل يراد من العلم إلا ما وصل إليه معروف ؟

وقال بكر بن خنيس : قلت لـسعيد بن المسيب -وقد رأيت أقواماً يتعبدون ويقومون في المسجد- يا أبا محمد ! ألا تتعبد مثل ما يتعبد هؤلاء؟ فقال أبو محمد سيد التابعين: إنها ليست بعبادة، قال: فقلت: وما هي العبادة يا أبا محمد ؟ قال: التفكر في أمر الله، والورع عن محارم الله، وأداء فرائض الله، والتفقه في الدين.

التفقه في الدين عند السلف هو: الإقبال على الله سبحانه وتعالى وإزالة الجهل عن نفسه وعن إخوانه المسلمين.

ويقول الغزالي رحمه الله: وما أكثر من يعمل للدين، وما أقل من يعمل لله، وإذا أردت أن تعرف هذين فناظره، إذا قام أحدهم يدعو إلى الله وأقبل الناس عليه ماذا يقول في قلبه؟ فإن انشرح صدره وقال: قد قام بما لم أقم به, فإن ذلك دليل على صحة عمل القلب، وإن حسده وفتش عن أخطائه, علمت أنه صاحب هوى في ثوب صاحب دين، والعياذ بالله.

وهذه دعوة -أيها الأحبة- إلى الالتفات إلى أعمال القلوب، فأعظم عبادة يتقرب العبد بها إلى الله سبحانه وتعالى هي صلاح نفسه، فصلاح القلوب كما يقول ابن مفلح رحمه الله: رأس كل خير، وفسادها رأس كل شر، وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب ).

وأعمال القلوب هي المحك وهي الإكسير كما يقول ابن القيم رحمه الله، وهي التي لأجلها يثيب الله سبحانه وتعالى من يثيب ويفضل فيها من يفضل، قال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ) وفي رواية: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم )، فأعمال القلوب كما يقول أبو العباس ابن تيمية : هي من أصول الإيمان وقواعد الدين.

وقال سلمان الفارسي رحمه الله: لكل امرئ جواني وبراني فإذا أصلح جوانيه أصلح الله برانيه، وإذا أفسد جوانيه أفسد الله برانيه.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
شركات المساهمة 2611 استماع
عبادة القلوب 2460 استماع
مسائل فقهية في النوازل 2442 استماع
التأصيل العلمي 2085 استماع
البطاقات الائتمانية - بيع المرابحة للآمر بالشراء 1946 استماع
أعمال القلوب 1928 استماع
العبادة زمن الفتن 1925 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [2] 1861 استماع
الرزق الحلال وآثاره 1805 استماع
كتاب التوحيد - شرح مقدمة فتح المجيد [1] 1732 استماع