العقيدة والحركات الإسلامية [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

ففي المحاضرة الماضية سمعتم بإيجاز شيئاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة، وسنأخذ اليوم بإذن الله الشق الثاني من هذا الموضوع: وهو موقف الحركات الإسلامية منها.

ونقدم لهذا الموضوع بمسألتين مهمتين:

الأولى: حقيقة الانتساب إلى أهل السنة والجماعة.

والثانية: مستلزمات هذا الانتماء.

إن المتأمل لواقع الدعوات والحركات الإسلامية المعاصرة الآن يجد أن غالبها يدعي الانتماء إلى أهل السنة والجماعة، وهذه الدعوى قد تكون صادقة، وقد تكون دعوى ترويجية، ومسألة دعوى الانتساب إلى أهل السنة والجماعة تحتاج إلى شيء من التحقيق لدى الحركات الإسلامية المعاصرة في سائر بلاد المسلمين، بل في سائر العالم، فمسألة الانتماء لأهل السنة والجماعة مثلها مثل الانتماء إلى الإسلام نفسه، فهناك الكثير من الفرق تدعي الإسلام، فمنها ما هو مسلم بحق، ومنها ما في دعواه نظر، فمثلاً: نجد أن الرافضة اليوم تدعي الإسلام، بل إنها الآن رفعت شعار الوصاية على الإسلام والمسلمين، فهل هذه الدعوى حق؟ لا، وكذلك قديماً رفعت فرق كثيرة راية الإسلام، وكانت من معاول الهدم للإسلام نفسه، كالمعتزلة والجهمية والخوارج والحركات الباطنية والحركات الصوفية الغالية والحركات الفلسفية الغالية، ومثل: القاديانية مثلاً في عصرنا الحاضر، والبهائية والبهرة والنصيرية والإسماعيلية، كل هؤلاء وغيرهم كثير يدعون أنهم من المسلمين، وأحياناً يدعون أنهم هم المسلمون.

فكما تجد هذه الدعوى في مسألة الانتماء للإسلام أيضاً تجد في مسألة الانتماء لأهل السنة والجماعة، وإن كانت أخف في الحقيقة.

إذاً: لا شك أن من الحركات والدعوات الإسلامية المعاصرة ما هو جدير بالانتماء لأهل السنة حقاً، ومنها ما هو بعيد كل البعد، ومنها ما هو بين ذلك، فهناك من الدعوات من يرفع شعار أهل السنة والجماعة وهو كاذب وهو مروج، وهناك من يرفع شعار أهل السنة والجماعة وهو صادق، لكنه لا يعرف منهج أهل السنة والجماعة، خاصة تلك الدعوات التي تنتمي إلى الأشاعرة والماتريدية، فهذه الدعوات ترفع شعار أهل السنة والجماعة، وقد تكون في كثير من أصولها على حق في ذلك، لكن عند التحقيق في انتمائها إلى أهل السنة لابد من شيء من التفصيل. وهذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية: مستلزمات الانتماء لأهل السنة، وهذه لابد أن أقولها قبل أن أعرض لبعض مواقف الدعوات المعاصرة من مذهب أهل السنة والجماعة قولاً واعتقاداً وعلماً وعملاً.

فكما ذكرت سابقاً أن أغلب الدعوات والحركات الإسلامية المعاصرة، الآن يرفع شعار أهل السنة والجماعة، لكن منهم ما يعي ما يقول، ومنهم من ينتمي مجرد انتماء، لكنه يجهل أصول أهل السنة والجماعة وقد لا يعمل بها وقد يخالفها، ومنهم من لا يهمه إلى أي عقيدة ينتمي كما سيأتي بيانه، والآن سأعرض لأهم المستلزمات في نظري التي ينبغي أن يعمل بها ويعتقدها من ينتمي لأهل السنة والجماعة.

تعلم عقيدة أهل السنة والتشبع بها والإلمام بأصولها

أهم ما يلزم لمن ينتسب لأهل السنة والجماعة: تعلم عقيدتهم والتشبع بها، وأن يكون ملماً بأصولها في الجملة.

الدعوة إلى عقيدة أهل السنة ونشرها والذود عنها وإظهار أثرها في أقواله وأفعاله

الثاني: لابد لمن ادعى الانتساب لأهل السنة والجماعة أن يدعو إلى عقيدتهم علناً، ويبينها للناس ويذود عنها؛ لأنها هي الحق، كذلك أن يُظهر أثرها على أفكاره وتصوراته وأحكامه وأهدافه وعلى أقواله وكتاباته، بل وعلى سلوكه وأعماله، سواء كان فرداً أو جماعة، لاسيما الدعاة، فالدعاة مطالبون أكثر من غيرهم بأن تظهر عقيدة أهل السنة والجماعة على كل ما يصدر عنهم من أفكار وأحكام ومعتقدات وأعمال وسلوك، فلابد من الإيمان تفصيلياً بأصول العقيدة، كأصول الإيمان، وأصول التوحيد، وأصول الأسماء والصفات، والقدر، وحقوق الصحابة، ولابد أن يكون متمسكاً بالسنن والأخلاق الفاضلة التي هي من أصول أهل السنة والجماعة، ولابد أن يكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه السلف الصالح، في هديه الظاهر، وفي اعتقاده الباطن.

اقتفاء منهج أهل السنة في الدعوة إلى الله

الثالث: يجب على الداعية أن يقتفي منهج أهل السنة في الدعوة، وذلك من خلال إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خلال النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، ومن خلاف تربية الدعاة والمنتسبين للدعوة أياً كانت على هذه الأصول بكل دقة وحزم.

موالاة دعاة أهل السنة وأئمتهم

الرابع: من مستلزمات الانتساب لأهل السنة والجماعة: موالاة دعواتهم ودعاتهم وأئمتهم من الماضين والمعاصرين، مثل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي هي بمثابة الدعوة السلفية المعاصرة، والتي لا تزال حية بأصولها ومنهجها وأتباعها، فهذه الدعوة هي أظهر الدعوات المعاصرة في إظهار وإبراز مذهب أهل السنة والجماعة عقيدة وعملاً، لذلك أرى أنه من أوجب الواجبات على الدعوات المعاصرة أن تعلن ولاءها لهذه الدعوة بأي شكل وبأي صيغة وبأي أسلوب؛ لأنها هي الدعوة الحية التي يتمثل بها منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والقول والسلوك.

واقع الدعوات المعاصرة وموقعها من عقيدة أهل السنة والجماعة

الآن سأعرض لواقع الدعوات المعاصرة أو بعضها بدون تشخيص، من أجل أن نعرف مدى تمسك الدعاة والدعوات في العموم بمذهب أهل السنة والجماعة، وحيث أن هذه المستلزمات التي ذكرتها وغيرها تحتاج إلى تطبيق على الواقع ليتبين المراد منها، فإني الآن سأبين شيئاً من الأمثلة لما عليه بعض الدعوات والدعاة والحركات الإسلامية أفراداً وجماعات من مخالفات بينة لعقيدة أهل السنة والجماعة منهجاً وسلوكاً.

والمنهجية تقتضي مني أن أذكر أمثلة من الدعاة بأسمائهم والدعوات أيضاً بأسمائها، لكن ومع ذلك سأتخطى هذه المنهجية وتعذروني؛ وذلك خوفاً من مغبة التشهير ومظنة الشماتة بالآخرين، وهذا يجعلني أعرض شيئاً من الأخطاء التي وقع فيها الدعاة أو الدعوات المعاصرة دون ذكر للأسماء أو العناوين، انطلاقاً من قاعدة: (ما بال أقوام) التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أرى من المصلحة أن نذكر أسماء، فالطالب المحقق سيتعرف على ما أريده من خلال البحث.

والآن سأطرح بعض التساؤلات حول واقع الدعوات المعاصرة، وحول مواقفها حيال هذا الأمر العظيم، يعني: عقيدة أهل السنة والجماعة.

تأويل الصفات وتقديم العقل على النقل

فأقول: أولاً: كيف ينتمي إلى أهل السنة والجماعة من يؤول صفات الله سبحانه وتعالى، بل ويقول على الله بغير علم، ويقع فيما حذر منه السلف من تقديم المقررات العقلية الظنية الناقصة على النقل، على كلام الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، خاصة في صفات الله، وفي القدر، وفي سائر أمور الغيب، وأمور العقيدة؟

إن بعض الدعوات القائمة تقوم على أساس التأويل، وعلى أساس الخوض في العقيدة بمجرد العقل، وهذا مذهب كلامي للفرق التي جانبت أهل السنة والجماعة في هذه الناحية.

جعل الطرق الصوفية المبتدعة منهجاً سليماً للدعوة

ثانياً: كيف ينتمي إلى أهل السنة والجماعة من يرى أن الطرق الصوفية المبتدعة منهجاً سليماً للدعوة؟ والكتاب والسنة بحمد الله موجودان، وقد رسم الله فيهما المنهج والطريق المستقيم لكل مسلم يريد أن يسلك سبيل الخير وسبيل الهداية، وهذه دعوى عريضة بدأت الآن، وقد رفعها بعض المخلصين إن صدق التعبير، لكن دون تشرب لعقيدة السلف، ودون معرفة واضحة لمذهب أهل السنة والجماعة.

إن اعتماد الطرق الصوفية أو التصوف منهجاً للدعوة هذا أمر خطير جداً، وينسف قواعد أهل السنة والجماعة.

الدفاع عن البدع وأهلها والتهوين من أمرها

ثالثاً: كيف يدعي الانتساب لأهل السنة والجماعة من الدعاة من يدافع عن البدع وعن أصحابها، وربما يروج أيضاً بعض البدع أو يرضى بها على الأقل، ويرى أن أمر البدع والخرافات والطرق الصوفية أمر يسير، ويجب أن يتخطاه المسلمون في هذه المرحلة، بل منهم من يرى أن مسائل بدع القبور والصوفية.. ونحوها من مسائل الدين غير المهمة، كبدع الموالد، والاحتفالات الدينية البدعية؟ فأين هذا من عقيدة السلف؟ من الدعاة من يمارس هذه البدع، ومنهم من يستهين بأمرها ويهون من خطرها، ومنهم من يروجها، أرى أن هذا مسلك خطير يخالف أصول أهل السنة كل المخالفة، ولا ينبغي لمن يدعي الانتماء لأهل السنة والجماعة أن يسلك هذه المسالك، فإما أن يلتزم بمذهب أهل السنة والجماعة منهجاً وسلوكاً، أو يعفي أهل السنة من هذه الاتجاهات الخطيرة.

هناك من الدعاة الكبار الذين ينتمون إلى حركات إسلامية مشهورة وذات شعارات عالية من يتمسح بالقبور والأولياء، ومنهم من يتمسح بالأموات والأحياء، ويتبرك بهم التبرك غير الشرعي، ويطلب منهم كشف الضر وجلب النفع، ويلجأ إليهم في السراء والضراء، وهذا أمثلته كثيرة، وقد استعفيتكم في أول الحديث عن ذكر أسماء، لكن يكفي أن أنقل هذه القواعد كما قررها السلف.

فمن يفعل هذه الأمور لا ينبغي أن يرفع شعار أهل السنة والجماعة، وكيف يدعي الالتحاق بأهل السنة والجماعة ويتصدر دعوات ويقود أناساً من الدعاة والمسلمين وهو لا يعرف عقيدة السلف على التفصيل ولا على الإجمال أحياناً؟ وكثير ما يُسأل بعض الدعاة الكبار المشاهير عن قضية بدهية من قضايا عقيدة أهل السنة والجماعة فنجده لا يجيب، وإن أجاب خلط، وهذا أمر كثير، والأمثلة عليه متوافرة عندي، من أرادها بيني وبينه فلا مانع.

الطعن في بعض الصحابة وفي كثير من التابعين وأئمة الهدى

كيف ينتمي إلى أهل السنة والجماعة من الدعاة والحركات من لا يكف لسانه ولا قلمه عن التعرض للنقيصة أو اللمز أو السباب لبعض الصحابة؟ وهذا أمر مع الأسف كثير جداً، نتيجته في الغالب الجهل بمبدأ أهل السنة والجماعة في هذا الجانب، بل منهم من يلمز أيضاً كثيراً من التابعين وأئمة الهدى المعتبرين وسلف الأمة الماضين، خاصة علماء السنة وعلماء الحديث، إن من يفعل هذا لا شك أنه إما أن يكون جاهلا بعقيدة أهل السنة والجماعة وهو الغالب، وإما أن يكون صاحب هوى أو صاحب بدعة.

عدم الاهتمام بالسنن الظاهرة والجهل بأكثرها

كيف ينتسب لأهل السنة في السلوك والعمل من لا يطلب السنن الظاهرة، وربما يجهل أكثرها؟

التقصير في الواجبات وانتهاك المكروهات والمحرمات

كيف من ينتسب لأهل السنة والجماعة من يقصر في الواجبات، وينساق وراء الشهوات والمكروهات، وربما المحرمات دون ضرورة؟

وبعبارة أوضح: هناك من كبار الدعاة الذين يتصدرون جماعات لها شأنها، ويزعمون أنهم دعاة ثم يؤخرون صلاة الفرائض عن وقتها، وهذا أمر مشهود به ومتواتر، وليست قضية فردية ولا حوادث شاذة، بل يؤخرون صلاة الفرائض عن أوقاتها، كتأخير الفجر إلى بعد طلوع الشمس، وكتأخير الظهر إلى بعد العصر، أو تأخير العصر إلى بعد الغروب، هذا أمر يحدث كثيراً لاسيما في البلاد الأجنبية، تمشياً مع أوضاع تلك البلاد.

وهناك أيضاً من الدعاة الذين وصفتهم من لا يهتم بصلاة الجماعة، ومنهم من يستحل الربا والأغاني والموسيقى والصور المجسمة، أو يمارس محرماً من المحرمات المجمع عليها كالتدخين، أو حلق اللحية دون ضرورة، ومنهم من يتشبه بالكفار في لباسه ومظهره وسائر تصرفاته المعاشية، ومنهم من لا يهتم بالحجاب الشرعي للنساء، ومنهم من يقر الاختلاط المحرم، ومنهم من يفعل بعض هذه الأشياء، ومنهم من يفعل أكثرها.

إن هذه الأمور والمعاصي من الطبيعي أن توجد بين عامة المسلمين، لكن أن توجد هذه الأمور في دعاة يتصدرون الدعوة، ويرفعون لواء الإسلام، ويرفعون شعار أهل السنة والجماعة هذا غير مقبول أبداً؛ لأن من مستلزمات عقيدة أهل السنة والجماعة ألا يوجد شيء من هذا في سلوك الدعاة وعقائدهم.

هل يجدر ممن ينتسب لأهل السنة والجماعة بألا يجعل من أهدافه وأهداف دعوته تعلم وتعليم عقيدة أهل السنة والجماعة؟ وها هي مناهج الدعوة وكتبها موجودة، ومع ذلك لا نجد إلا القليل ممن يهتم بتعلم وتعليم عقيدة أهل السنة والجماعة، لكن الأكثر لا.

عدم إظهار عقيدة أهل السنة والرد على الفرق الضالة تفادياً لإثارة الخلافات

كيف يكون من أهل السنة والجماعة من يجعل من أهدافه في الدعوة تحاشي التظاهر أمام الآخرين باعتقاد أصول أهل السنة، باسم مصلحة الدعوة، أو تحاشي الرد على الفرق الضالة البدعية بدعوى تفادي إثارة الخلافات بين المسلمين؟ أي منطق حكيم بأن نغض الطرف أو نسكت عن نشر عقائد أهل السنة والجماعة وعن إعلانها بشبهة ألا نفرق المسلمين، فهذه مسألة لا تجوز شرعاً، فالله سبحانه وتعالى أمرنا بخلاف ذلك.

ومن الدعاة من يسعى إلى جمع المسلمين على اختلاف معتقداتهم وفرقهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، وإن وجدت بينهم الضلالات المكفرة والبدع، وهذا كحاطب ليل، وهذا أمر لا يوافق منهج أهل السنة والجماعة وإن حلا لآخرين، ولا شك أن جمع كلمة المسلمين هدف عظيم، بل هو من أعظم أصول الدين التي يعتقدها أهل السنة والجماعة، فهم يرون الجماعة واجبة والخروج عنها هلكة وشذوذ، فلا ينكر ذلك إلا ضال أو جاهل، لكن يجب أن يكون جمع كلمة المسلمين على الحق، على الصراط المستقيم، على منهج أهل السنة والجماعة، على الكتاب والسنة، والاعتصام بحبل الله جميعاً، أما مجرد الشعارات الفارغة من الاعتقاد الحق فلا تجمع أحداً، بل تفرق.

إذاً: التغاضي عن عقيدة أهل السنة والجماعة وعن إعلانها بدعوى جمع الكلمة وجمع الشمل هذا أمر غير وارد وليس له دليل، بل هو على خلاف عقيدة وأصول أهل السنة، وكما قلت: جمع كلمة المسلمين هدف أساسي من أهداف الدين، لكن على الحق لا على الباطل ولا على البدع ولا على الضلالات.

وأخيراً: هذه الأمور التي أشرت إلى شيء منها ليست في واقع الدعوات المعاصرة والدعاة اليوم مجرد مظاهر أو تصرفات جزئية أو فردية، بل هي سمات ومواقف ومناهج وأهداف وسلوك عام لدى كثير من الدعوات والدعاة.

أهم ما يلزم لمن ينتسب لأهل السنة والجماعة: تعلم عقيدتهم والتشبع بها، وأن يكون ملماً بأصولها في الجملة.

الثاني: لابد لمن ادعى الانتساب لأهل السنة والجماعة أن يدعو إلى عقيدتهم علناً، ويبينها للناس ويذود عنها؛ لأنها هي الحق، كذلك أن يُظهر أثرها على أفكاره وتصوراته وأحكامه وأهدافه وعلى أقواله وكتاباته، بل وعلى سلوكه وأعماله، سواء كان فرداً أو جماعة، لاسيما الدعاة، فالدعاة مطالبون أكثر من غيرهم بأن تظهر عقيدة أهل السنة والجماعة على كل ما يصدر عنهم من أفكار وأحكام ومعتقدات وأعمال وسلوك، فلابد من الإيمان تفصيلياً بأصول العقيدة، كأصول الإيمان، وأصول التوحيد، وأصول الأسماء والصفات، والقدر، وحقوق الصحابة، ولابد أن يكون متمسكاً بالسنن والأخلاق الفاضلة التي هي من أصول أهل السنة والجماعة، ولابد أن يكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه السلف الصالح، في هديه الظاهر، وفي اعتقاده الباطن.

الثالث: يجب على الداعية أن يقتفي منهج أهل السنة في الدعوة، وذلك من خلال إظهار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن خلال النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، ومن خلاف تربية الدعاة والمنتسبين للدعوة أياً كانت على هذه الأصول بكل دقة وحزم.

الرابع: من مستلزمات الانتساب لأهل السنة والجماعة: موالاة دعواتهم ودعاتهم وأئمتهم من الماضين والمعاصرين، مثل دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب التي هي بمثابة الدعوة السلفية المعاصرة، والتي لا تزال حية بأصولها ومنهجها وأتباعها، فهذه الدعوة هي أظهر الدعوات المعاصرة في إظهار وإبراز مذهب أهل السنة والجماعة عقيدة وعملاً، لذلك أرى أنه من أوجب الواجبات على الدعوات المعاصرة أن تعلن ولاءها لهذه الدعوة بأي شكل وبأي صيغة وبأي أسلوب؛ لأنها هي الدعوة الحية التي يتمثل بها منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والقول والسلوك.

الآن سأعرض لواقع الدعوات المعاصرة أو بعضها بدون تشخيص، من أجل أن نعرف مدى تمسك الدعاة والدعوات في العموم بمذهب أهل السنة والجماعة، وحيث أن هذه المستلزمات التي ذكرتها وغيرها تحتاج إلى تطبيق على الواقع ليتبين المراد منها، فإني الآن سأبين شيئاً من الأمثلة لما عليه بعض الدعوات والدعاة والحركات الإسلامية أفراداً وجماعات من مخالفات بينة لعقيدة أهل السنة والجماعة منهجاً وسلوكاً.

والمنهجية تقتضي مني أن أذكر أمثلة من الدعاة بأسمائهم والدعوات أيضاً بأسمائها، لكن ومع ذلك سأتخطى هذه المنهجية وتعذروني؛ وذلك خوفاً من مغبة التشهير ومظنة الشماتة بالآخرين، وهذا يجعلني أعرض شيئاً من الأخطاء التي وقع فيها الدعاة أو الدعوات المعاصرة دون ذكر للأسماء أو العناوين، انطلاقاً من قاعدة: (ما بال أقوام) التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أرى من المصلحة أن نذكر أسماء، فالطالب المحقق سيتعرف على ما أريده من خلال البحث.

والآن سأطرح بعض التساؤلات حول واقع الدعوات المعاصرة، وحول مواقفها حيال هذا الأمر العظيم، يعني: عقيدة أهل السنة والجماعة.