مفتريات حول دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

مشاهدينا الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم في حلقة جديدة من برنامجكم حراسة العقيدة، وبادئ ذي بدء نقول: إن دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى تمثل منعطفاً حقيقياً في تاريخ الأمة الإسلامية، إلا أن المواقف قد تفاوتت تجاه هذه الدعوة، ما بين محب لها ومناصر لها، ويرى أنها امتداد طبيعي لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وبين مبغض يكيل لها التهم والشبهات والافتراءات، وحول هذا الموضوع في حلقة جديدة من برنامجكم: حراسة العقيدة نستضيف فضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور: ناصر بن عبد الكريم العقل أستاذ العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

فأهلاً بكم شيخ ناصر .

الشيخ: وبك وبالمستمعين المشاهدين.

المقدم: شيخ ناصر قد بدأنا في موضوع: حقيقة دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب في الحلقات السابقة.

الشيخ: نعم.

المقدم: كما أشرنا بداية إلى إشارات سريعة حول طبيعة هذه المفتريات، ونريد أن نتعرف بشكل عام على طبيعة هذه المفتريات التي تحيط بهذه الدعوة المباركة وتحاول أن تشوهها.

الشيخ: نعم، قد سبق الإشارة -كما تفضلت في نهاية الحلقة الماضية- إلى بعض المنطلقات لهذه المفتريات، فالمنطلق الأول وهو الغالب: الكذب والبهتان والمكائد من الخصوم، سواء من أعداء الإسلام أو من أهل البدع والأهواء والافتراق الذين لا يعجبهم مسلك الدعوة السلفية الحقيقية على منهاج النبوة؛ لأن ذلك يحرمهم من منافع معنوية ومادية كثيرة، وهذا المنطلق يمكن أن يعادل في تقديري ما يزيد عن (70%) من المفتريات أو ربما أكثر من هذا بكثير، بمعنى أن (70%) مما يدور حول الدعوة من الاتهامات والمفتريات والبهتان مبني على الكذب أصلاً.

المقدم: والجهل، كم يقدر من النسبة تقريباً؟

الشيخ: والثاني من هذه المنطلقات هو: الجهل، وفي الحقيقة بالنسبة للنسبة العددية فقد يكون الأكثر كأفراد، لكن أنا أقصد المنطلق المنهجي الذي مبناه على الكذب والبهتان.

ثم يأتي في الدرجة الثانية: الجهل بحقيقة الدعوة جعلت الكثيرين من المسلمين يتقبلون هذه المفتريات؛ لأن الحقيقة غائبة عنهم لعدة اعتبارات، منها: أن الجهل يحجب صاحبه كشف الحقائق ودائماً الجاهل تبع لغيره.

وعلى هذا يأتي المنطلق الثالث وهو: التعصب الذي ينبني عليه التقليد الأعمى والتبعية غير الراشدة، أعني: أن كثيراً ممن أخذوا هذه الاتهامات وقبلوها إنما قبلوها بالتبعية والتقليد للرءوس الذين يعرفون أن هذه كذب غالباً وأنها من المفتريات.

المنطلق الرابع: التقليد، فما الذي يحول بين المقلد وبين معرفته للحقيقة؟ غالباً أصحاب الأهواء والبدع والافتراق يحاصرون أذهان الأتباع، فيحاصرونها بوسائل قد تكون عاطفية أحياناً، وقد تكون دينية مخترعة، فتجعل الأتباع لا يفكرون ولا يتطلعون إلى التعرف على الحقيقة؛ لأنهم قد حجبوا بوسائل الرءوس، فالرءوس لهم من الحيل والوسائل ما يحجبون بها الأتباع، ومن هنا تكون مسألة التقليد في اتهام الدعوة ونشر المفتريات حولها، وتعتبر -مع الأسف- لها جانباً كبيراً، يعني: أن المنطلق الرابع في طبيعة المفتريات ينبني على إشكالية في الحقيقة ربما نكون -أعني: المتأخرين من أهل السنة والجماعة- من الذين يأخذون بخط السلفية الحقيقي قصرنا فيما نسميه بالحقيقة: تجاوزات الأتباع، هذه إشكالية..

المقصود بتجاوزات الأتباع وكيفية التعامل معها

المقدم: لو توضح ماذا تقصد بتجاوزات الأتباع؟

الشيخ: تجاوزات الأتباع هي: أنه كأي مبدأ في العالم، أو كأي دين، أو كأي مذهب، سواء كان حقاً أم باطلاً، لا بد أن يوجد من أتباعه من يخالفون المنهج الذي هو عليه أو يخالفون الأصول، كالإسلام مثلاً، فهو دين أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد من أتباعه من يتجاوزون الأصول أو الضوابط، فيخرجون إلى ما يخالف الدين أو يضاده، ولذا فمن الطبيعي أن يكون من أتباع هذه الدعوة، أعني: من أتباع السنة والجماعة -الدعوة بحقيقتها ليست إلا السنة والجماعة، بل هي أصل الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفت، وأتباع السلف سواء كانوا علماء قد يزل منهم فتحسب زلته على الدعوة وعلى السنة، أو طلاب علم فضلاً عن عامة الأتباع- من يظهر منه أخطاء، سواء في العقيدة، أو في السلوكيات، أو في منهج التعامل مع الآخرين، أو في الحوار والدفاع عن الإسلام.

المقدم: إذاً يا شيخ ما المنهج الصحيح في التعامل مع أخطاء هؤلاء الأتباع؟

الشيخ: أخطاء الأتباع توزن بالمنهج، والآن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ذات منهج واضح بين ومرسوم في كتب ومؤلفات، وفي مجتمع طبق مبدأ السنة والجماعة، منذ أن بدأت الدعوة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب وقبل أن يتوفى قام لها كيان ودولة -التي هي الدولة السعودية الأولى- مهيبة ذات كيان متكامل، فأقامت مجتمعاً إسلامياً متكاملاً بالنسبة لمقاييس عصره، هذا المجتمع بتطبيقاته وبعلمائه وبدولته هو المقياس والمنهج العام، ومن هنا نحاكم أي تجاوزات إلى هذا المنهج، وأعود فأقول: إن المشكلة التي أوجدت لنا كثيراً من اللبس والإشكالية الكبيرة: هي أنه فعلاً يوجد منا نحن أتباع هذه الدعوة أتباع السنة، بل أتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم من قد يتجاوز هذا المنهج وتحدث منه أخطاء، وعند ذلك نجد الخصوم بالطريقة الانتقائية الظالمة غير العادلة يلتقطون هذه الأخطاء أياً كان نوعها، فردية أو جماعية من بعض الفئات، وخاصة الذين ينتسبون إلى السلفية في خارج المملكة العربية السعودية، وفي خارج جزيرة العرب، فهؤلاء قد يكون بعدهم عن المنبع الصافي للإسلام وعن مهبط الوحي وعن التطبيقات النقية للسنة يجعلهم يقعون في تجاوزات منهجية أو عقدية، أو في مواقف فردية أو جماعية، هذه التجاوزات أو الأخطاء تحسب علينا على منهج غير موضوعي ولا علمي.

لذا أعود فأقول: أنادي أتباع هذه الدعوة والمنصفين من غيرهم بأن يبرزوا هذه الإشكالية، وينبهوا الناس، ويقيموا الحجة على الخصوم، وأن ما يحدث من تجاوزات من أتباع هذه الدعوة أياً كانوا، علماء كباراً أو عواماً -زلة العالم محتملة؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم- فإنها تحاكم إلى المنهج، ويرجع فيها إلى المنهج، وما وافق المنهج فهو الحق وما خالف المنهج فنحن منه براء.

المقدم: المشكلة يا شيخ أنه أحياناً تجد من أتباع هذه الدعوة من تفهم من خلال كلامه أن عنده نوعاً من الانهزامية في انتسابه للدعوة؛ بسبب ما يحدث من أخطاء من بعض الأتباع، فإذا قلت له مثلاً -كما سيأتينا في الإشكالات-: إن التكفير في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب هو التكفير في الإسلام بضوابطه وبشروطه وبأدلته، يقول لك: انظر في الكتاب الفلاني ستجد أنه قد كفر الفئة الفلانية أو البلدة الفلانية، وأحياناً قد تكون أخطاء علماء.

الشيخ: اجتهادات خاطئة، وعلى أي حال فكما قلت: إن في كلام المنصفين من غير أتباع هذه الدعوة ما يجلي هذه الحقيقة.

المقدم: نعم، فلو نظرنا الآن يا شيخ إلى هذه الدعوة وأتباع هذه الدعوة -أتباع النبي عليه الصلاة والسلام- بشكل عام سنجد أن الخصوم أو المخالفين ينظرون في سقطات أتباعهم على أنها منهج عام، والصحيح أن يقولوا: إن المنهج العام للمذهب الفلاني مثلاً هو كذا، إلا أن فلاناً وفلاناً قد خالفوا، وهذا من الإنصاف.

الشيخ: بل هذا هو الموضوعية والإنصاف والعدل، والذي يجب أن تحاكم به أخطاء المنتسبين لهذه الدعوة المباركة، لكن كما قلت: الأمر ينطلق من شهية البحث عن العثرات، والانتقائية في التقاط الزلات، وجعلها منهجاً عاماً، وهذا أمر يحتاج إلى تجلية وإن كان جلياً من قبل كثير من الباحثين وعلماء الدعوة، لكن المشكلة هي إعراض الناس عن البحث عن حقيقة هذه الدعوة من تراثها، الذي هو الوثائق كما سيأتي الإشارة إليه.

المقدم: لو توضح ماذا تقصد بتجاوزات الأتباع؟

الشيخ: تجاوزات الأتباع هي: أنه كأي مبدأ في العالم، أو كأي دين، أو كأي مذهب، سواء كان حقاً أم باطلاً، لا بد أن يوجد من أتباعه من يخالفون المنهج الذي هو عليه أو يخالفون الأصول، كالإسلام مثلاً، فهو دين أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد وجد من أتباعه من يتجاوزون الأصول أو الضوابط، فيخرجون إلى ما يخالف الدين أو يضاده، ولذا فمن الطبيعي أن يكون من أتباع هذه الدعوة، أعني: من أتباع السنة والجماعة -الدعوة بحقيقتها ليست إلا السنة والجماعة، بل هي أصل الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم كما أسلفت، وأتباع السلف سواء كانوا علماء قد يزل منهم فتحسب زلته على الدعوة وعلى السنة، أو طلاب علم فضلاً عن عامة الأتباع- من يظهر منه أخطاء، سواء في العقيدة، أو في السلوكيات، أو في منهج التعامل مع الآخرين، أو في الحوار والدفاع عن الإسلام.

المقدم: إذاً يا شيخ ما المنهج الصحيح في التعامل مع أخطاء هؤلاء الأتباع؟

الشيخ: أخطاء الأتباع توزن بالمنهج، والآن دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ذات منهج واضح بين ومرسوم في كتب ومؤلفات، وفي مجتمع طبق مبدأ السنة والجماعة، منذ أن بدأت الدعوة في عهد الإمام محمد بن عبد الوهاب وقبل أن يتوفى قام لها كيان ودولة -التي هي الدولة السعودية الأولى- مهيبة ذات كيان متكامل، فأقامت مجتمعاً إسلامياً متكاملاً بالنسبة لمقاييس عصره، هذا المجتمع بتطبيقاته وبعلمائه وبدولته هو المقياس والمنهج العام، ومن هنا نحاكم أي تجاوزات إلى هذا المنهج، وأعود فأقول: إن المشكلة التي أوجدت لنا كثيراً من اللبس والإشكالية الكبيرة: هي أنه فعلاً يوجد منا نحن أتباع هذه الدعوة أتباع السنة، بل أتباع نهج النبي صلى الله عليه وسلم من قد يتجاوز هذا المنهج وتحدث منه أخطاء، وعند ذلك نجد الخصوم بالطريقة الانتقائية الظالمة غير العادلة يلتقطون هذه الأخطاء أياً كان نوعها، فردية أو جماعية من بعض الفئات، وخاصة الذين ينتسبون إلى السلفية في خارج المملكة العربية السعودية، وفي خارج جزيرة العرب، فهؤلاء قد يكون بعدهم عن المنبع الصافي للإسلام وعن مهبط الوحي وعن التطبيقات النقية للسنة يجعلهم يقعون في تجاوزات منهجية أو عقدية، أو في مواقف فردية أو جماعية، هذه التجاوزات أو الأخطاء تحسب علينا على منهج غير موضوعي ولا علمي.

لذا أعود فأقول: أنادي أتباع هذه الدعوة والمنصفين من غيرهم بأن يبرزوا هذه الإشكالية، وينبهوا الناس، ويقيموا الحجة على الخصوم، وأن ما يحدث من تجاوزات من أتباع هذه الدعوة أياً كانوا، علماء كباراً أو عواماً -زلة العالم محتملة؛ لأنه لا معصوم إلا النبي صلى الله عليه وسلم- فإنها تحاكم إلى المنهج، ويرجع فيها إلى المنهج، وما وافق المنهج فهو الحق وما خالف المنهج فنحن منه براء.

المقدم: المشكلة يا شيخ أنه أحياناً تجد من أتباع هذه الدعوة من تفهم من خلال كلامه أن عنده نوعاً من الانهزامية في انتسابه للدعوة؛ بسبب ما يحدث من أخطاء من بعض الأتباع، فإذا قلت له مثلاً -كما سيأتينا في الإشكالات-: إن التكفير في دعوة الشيخ: محمد بن عبد الوهاب هو التكفير في الإسلام بضوابطه وبشروطه وبأدلته، يقول لك: انظر في الكتاب الفلاني ستجد أنه قد كفر الفئة الفلانية أو البلدة الفلانية، وأحياناً قد تكون أخطاء علماء.

الشيخ: اجتهادات خاطئة، وعلى أي حال فكما قلت: إن في كلام المنصفين من غير أتباع هذه الدعوة ما يجلي هذه الحقيقة.

المقدم: نعم، فلو نظرنا الآن يا شيخ إلى هذه الدعوة وأتباع هذه الدعوة -أتباع النبي عليه الصلاة والسلام- بشكل عام سنجد أن الخصوم أو المخالفين ينظرون في سقطات أتباعهم على أنها منهج عام، والصحيح أن يقولوا: إن المنهج العام للمذهب الفلاني مثلاً هو كذا، إلا أن فلاناً وفلاناً قد خالفوا، وهذا من الإنصاف.

الشيخ: بل هذا هو الموضوعية والإنصاف والعدل، والذي يجب أن تحاكم به أخطاء المنتسبين لهذه الدعوة المباركة، لكن كما قلت: الأمر ينطلق من شهية البحث عن العثرات، والانتقائية في التقاط الزلات، وجعلها منهجاً عاماً، وهذا أمر يحتاج إلى تجلية وإن كان جلياً من قبل كثير من الباحثين وعلماء الدعوة، لكن المشكلة هي إعراض الناس عن البحث عن حقيقة هذه الدعوة من تراثها، الذي هو الوثائق كما سيأتي الإشارة إليه.

المقدم: إذاً يا شيخ نود الآن أن نتعرف على الأصول العامة العلمية للرد على هذه المفتريات، عندما يسمع لا سيما المسلم بهذه الافتراءات التي تنسب إليه، خاصة أن هناك من الناس من ينظر لأهل هذه البلاد أو كل مسلم يقيم السنة ويحافظ على الواجبات بوصفه أنه وهابي، فما هي الأصول العلمية العامة التي يمكن من خلالها نرد على هذه المفتريات؟

الشيخ: في الحقيقة هذه المسألة هي منهجية مهمة جداً في تقويمنا لأخطاء بعضنا، وأيضاً هي مهمة لعموم الأمة المسلمة في نظرة بعضها لبعض في مذاهبها وفرقها، وهي أصول قد اتفق عليها المسلمون، ولا أحسب أن إنساناً يحترم نفسه وعنده شيئاً من العلم إلا ويقر بهذه الأصول؛ لأنها شعار جميع المسلمين، وبالتالي فيجب أن تحكم في أمر الدعوة وما يقال فيها خاصة من المفتريات والبهتان، حتى علماء المبتدعة يقرون بهذه الأصول، والكافر قد لا يقر ببعضها، لكن نستطيع أن نحاكمه إلى بقية الأصول التي نتفق عليها أيضاً، وهذه الأصول التي سأذكرها هي خمسة أصول عامة قد تندرج تحتها أصول كثيرة يتفق معي فيها جميع العقلاء من هذه الأمة.

الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال

أولاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال، أعني: الرجوع إلى النصوص الشرعية دعوة لا تتحقق إلا بمنهج سليم، لذا فأقول: ينبغي أن نحاكم دعوة الإمام: محمد بن عبد الوهاب وأهلها وأهل السنة جميعاً في كل زمان وخاصة في هذا الزمان، ونحاكم منهجهم وما يصدر عنهم من أقوال وأفعال تمثل المنهج إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف الصالح؛ لأن آثار السلف الصالح هي التطبيقات المنهجية للدين، والتي هي سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه، فهذا هو الجانب الأول، ولا أظن مسلماً يجادل فيه.

المقدم: وقد أشرنا لبعض المعالم في المنهجية الصحيحة في التعامل مع الكتاب والسنة والاستدلال في حلقات سابقة.

الشيخ: نعم، لكن الآن سنقف على هذه النقاط بإيجاز.

المنهج التطبيقي الذي سارت عليه دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

ثانياً: المنهج التطبيقي الذي سارت عليه هذه الدعوة في جميع الجوانب، يعني: هذه الدعوة أقامت كياناً متكاملاً، كياناً دينياً كما يعبرون عنه، وكياناً سياسياً، وكياناً اقتصادياً، وكياناً اجتماعياً، وكياناً علمياً، وكياناً حضارياً ومدنياً، وبالتالي أقامت دولة بكل مقوماتها، لكن بعض الناس يظنها دولة ساذجة، أو كياناً -كما يقولون- ريفياً أو كياناً بدوياً، أو أحياناً يعبرون بتعبيرات تدل على اللمز، وهذا في الحقيقة خلاف الموازين، ولو قيموها بالموازين العلمية الصحيحة لوجدناها في وقتها وفي بيئتها تعتبر دولة في منتهى المدنية والحضارة، فقد أحيت العلم، يعني: النهضة بجميع جوانبها، الحرفية والصناعية.. وغيرها، وأصبح مجتمع نجد وما حوله من البلاد والبقاع التي سيطرت عليها أو تمكنت منها الدعوة في الدولة السعودية الأولى -وكان الشيخ: محمد بن عبد الوهاب قد عاش جزءاً منها- دولة وكياناً متكامل العناصر، أي: دولة دينية ومدنية.

المقدم: ومما يدل على أهمية وقوة وحضارة هذه الدعوة أن نجداً لم يلتفت إليها إلا بعد قيام الدعوة، وأنها عنصر منافس لانتشار هذا المذهب وانتشار هذه العقيدة، لذلك نجد أن الدولة العثمانية قد حاولت أن تحاصر هذه الدعوة حتى لا تخرج عن هذا الإطار.

الشيخ: نعم، وأشاعوا أنها دولة بدائية، وأنه ليس عندها من مقومات الحضارة ولا من مقومات المدنية، وهذا كله خلاف الواقع إذا قارناها بالسابق، وقارناها ببيئتها الجغرافية والزمانية.

كون الواقع الذي نعيشه امتداداً لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب

ثالثاً: أن هذا الواقع أو المجتمع الذي نعيشه الآن يعتبر امتداداً لهذه الدعوة ودولتها؛ لأنه من المميزات الإيجابية لهذه الدعوة أنها أقامت كياناً يجمع بين الدعوة الإصلاحية والدولة، أعني: الدولة السعودية الثالثة -تسمى تاريخياً- التي أقامها الملك عبد العزيز رحمه الله ولا يزال أبناؤه وأحفاده على هذا العهد إن شاء الله، ونسأل الله أن يوفقهم للخير، وهذا المجتمع الذي نعيشه قد دخله الخلل، لكن ليس من جانب سلبيات هذه الدعوة نفسها، ولم يصل هذا الخلل إلى هز الثوابت، لكنه خلل قد يكون حجة علينا، لذا فأقول: إن الواقع الذي تعيشه الدعوة كمجتمع وككيان ممثلة بالدولة السعودية القائمة الآن، ثم أيضاً بالكيان المجاور من الدول المتأثرة المجاورة وغير المجاورة أيضاً، بل في جميع العالم متمثلة بفئات تعتمد منهج السنة والجماعة، وإن لم تكن كيانات دولية أو كيانات اجتماعية، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وهو حجة، بمعنى: أنه منظور، وأعود فأنبه على أنه قد توجد إشكاليات على هذه الدعوة ممن ينتسبون إليها، بل والآن يسيئون إليها، ومن هذه الإشكاليات: التكفير والغلو، أو الانفلات الذي يوجد من بعض أبناء جلدتنا، يعني: انفلات التميع، أو الغلو الذي نتج عنه الحركات المتشددة والتكفير والتفجير.. ونحوه، وهذا كله خارج نطاق المنهج الذي ندعو إليه، ونحن أول من أنكرها، ولا زلنا نعاني منها ونحاول علاجها أو نسهم في علاجها، ونتمنى أنه لو تبصر عقلاء العالم لوجدوا أن العلاج لهذه المظاهر ينبغي أن يكون من المنابع الموثوقة، التي هي مصادر هذه الدعوة المباركة؛ لأن الكثيرين مع الأسف ينتسبون إليها، وهذا يوجد إشكالية.

إذاً فأقول: إن الاعتدال والمنهج الوسط لعموم أتباع هذه الدعوة، من دولة ومجتمع ومشايخ وعلماء وطلاب علم ومراكز بحث وجامعات يعتبر كياناً موجوداً في هذه الدولة المباركة، لكن مع الأسف هناك نوع -كما قلت- من الانتقائية، والآن خصومنا سواء من الكفار أو من أهل الأهواء أو البدع يحسبون علينا هذه الشذوذات والتجاوزات، ومن هنا تأتي الإشكالية، فهم لا ينصفون ولا يأخذون بقواعد العدل والموضوعية، بل ولا بالديمقراطية التي ينادون بها.

شهادات المنصفين

رابعاً: شهادات المنصفين، وفي الحقيقة تحتاج هذه إلى سعة من الوقت لنقرأ نماذج من شهادات عقلاء العالم في كل الدنيا، سواء من المسلمين أو من غيرهم، كاليهود والنصارى والمشركين والملحدين، وهذه الشهادات لا تقدر بثمن أبداً، فهي شهادات دقيقة ومبنية على استقراء وتحليل وإنصاف وموضوعية، وهي مرتكز ينبغي أن يرجع إليها، وأصحابها هؤلاء ليس لهم انتماء حتى نقول: والله هذا من انتمائهم، وليس لهم مصالح وأغراض دنيوية، فالدعوة ميزتها أنها لا تملك رشوة الآخرين، ولا تملك ما نسميه بالإغراءات المادية، وهذا كله مما جعل المنصفين يتكلمون بتجرد، وخاصة في عهد الدولة السعودية الأولى والثانية، وأما الدولة السعودية الثالثة القائمة الآن، فهي بحمد الله قد حباها الله عز وجل، لكن قد توجد أحياناً مجاملات، لكن أغلب مقالات الإنصاف هي في الحقبة السابقة، أعني: في الدولة السعودية الأولى والثانية، وأول الدولة السعودية الأولى في ذلك الوقت لم تكن عندها مغريات.

المقدم: ممن صدرت؟

الشيخ: من يهود ونصارى وأدباء ومؤرخين ومستشرقين وفئام من الناس، وشهادتهم موجودة الآن كوثائق.

وقد جمع كثير منها، وأنا قد أشرت إلى كثير منها كما أشار غيري إلى ذلك.

معرفة الواقع لدعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب من خلال التاريخ

خامساً: التاريخ، فالتاريخ كنز، والبشرية الآن بعد التطور والبحث العلمي قد عرفت كثيراً من الحقائق عن الأمم السابقة، من خلال وقائع التاريخ، حتى التاريخ الذي هو عبارة عن كتابات وآثار فقد استطعنا أن نتعرف من خلاله على كثير من الحقائق أو النظريات العامة، فكيف بدعوة هي ملء السمع والبصر، ولها تراث كامل من جميع الجوانب العلمية، ووثائق تُقرأ وتشاهد، فالتاريخ شاهد لمن أراد أن ينصف هذه الدعوة، وماذا قد فعلت؟ فهي دعوة لها إيجابياتها التي لا تحصر لمن سبر التاريخ، وإحياؤها للأمة ولجميع غايات الإسلام الكبرى، وتطبيقها في الواقع لمجتمع مسلم متكامل بحسب إمكاناته وظروفه في هذا الزمن، أو في الزمن السابق القريب.

المقدم: إذاً شيخ ناصر هي دعوة لإنصاف هذه الدعوة من خلال هذه المنطلقات التي ذكرتها، سواء كانت من الكتاب أو واقعة في السابق أو في هذه اللحظات، أو من خلال التاريخ، أو من خلال شهادات المنصفين الذين أنصفوا فعلاً هذه الدعوة ممن لا ينتسبون إليها، أو أحياناً قد لا ينتسبون للإسلام في حقبة سابقة كما ذكرت.

أولاً: الرجوع إلى الكتاب والسنة بالمنهج السليم في التلقي والاستدلال، أعني: الرجوع إلى النصوص الشرعية دعوة لا تتحقق إلا بمنهج سليم، لذا فأقول: ينبغي أن نحاكم دعوة الإمام: محمد بن عبد الوهاب وأهلها وأهل السنة جميعاً في كل زمان وخاصة في هذا الزمان، ونحاكم منهجهم وما يصدر عنهم من أقوال وأفعال تمثل المنهج إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وآثار السلف الصالح؛ لأن آثار السلف الصالح هي التطبيقات المنهجية للدين، والتي هي سبيل المؤمنين الذي توعد الله من خالفه، فهذا هو الجانب الأول، ولا أظن مسلماً يجادل فيه.

المقدم: وقد أشرنا لبعض المعالم في المنهجية الصحيحة في التعامل مع الكتاب والسنة والاستدلال في حلقات سابقة.

الشيخ: نعم، لكن الآن سنقف على هذه النقاط بإيجاز.

ثانياً: المنهج التطبيقي الذي سارت عليه هذه الدعوة في جميع الجوانب، يعني: هذه الدعوة أقامت كياناً متكاملاً، كياناً دينياً كما يعبرون عنه، وكياناً سياسياً، وكياناً اقتصادياً، وكياناً اجتماعياً، وكياناً علمياً، وكياناً حضارياً ومدنياً، وبالتالي أقامت دولة بكل مقوماتها، لكن بعض الناس يظنها دولة ساذجة، أو كياناً -كما يقولون- ريفياً أو كياناً بدوياً، أو أحياناً يعبرون بتعبيرات تدل على اللمز، وهذا في الحقيقة خلاف الموازين، ولو قيموها بالموازين العلمية الصحيحة لوجدناها في وقتها وفي بيئتها تعتبر دولة في منتهى المدنية والحضارة، فقد أحيت العلم، يعني: النهضة بجميع جوانبها، الحرفية والصناعية.. وغيرها، وأصبح مجتمع نجد وما حوله من البلاد والبقاع التي سيطرت عليها أو تمكنت منها الدعوة في الدولة السعودية الأولى -وكان الشيخ: محمد بن عبد الوهاب قد عاش جزءاً منها- دولة وكياناً متكامل العناصر، أي: دولة دينية ومدنية.

المقدم: ومما يدل على أهمية وقوة وحضارة هذه الدعوة أن نجداً لم يلتفت إليها إلا بعد قيام الدعوة، وأنها عنصر منافس لانتشار هذا المذهب وانتشار هذه العقيدة، لذلك نجد أن الدولة العثمانية قد حاولت أن تحاصر هذه الدعوة حتى لا تخرج عن هذا الإطار.

الشيخ: نعم، وأشاعوا أنها دولة بدائية، وأنه ليس عندها من مقومات الحضارة ولا من مقومات المدنية، وهذا كله خلاف الواقع إذا قارناها بالسابق، وقارناها ببيئتها الجغرافية والزمانية.

ثالثاً: أن هذا الواقع أو المجتمع الذي نعيشه الآن يعتبر امتداداً لهذه الدعوة ودولتها؛ لأنه من المميزات الإيجابية لهذه الدعوة أنها أقامت كياناً يجمع بين الدعوة الإصلاحية والدولة، أعني: الدولة السعودية الثالثة -تسمى تاريخياً- التي أقامها الملك عبد العزيز رحمه الله ولا يزال أبناؤه وأحفاده على هذا العهد إن شاء الله، ونسأل الله أن يوفقهم للخير، وهذا المجتمع الذي نعيشه قد دخله الخلل، لكن ليس من جانب سلبيات هذه الدعوة نفسها، ولم يصل هذا الخلل إلى هز الثوابت، لكنه خلل قد يكون حجة علينا، لذا فأقول: إن الواقع الذي تعيشه الدعوة كمجتمع وككيان ممثلة بالدولة السعودية القائمة الآن، ثم أيضاً بالكيان المجاور من الدول المتأثرة المجاورة وغير المجاورة أيضاً، بل في جميع العالم متمثلة بفئات تعتمد منهج السنة والجماعة، وإن لم تكن كيانات دولية أو كيانات اجتماعية، فهذا هو الواقع الذي نعيشه، وهو حجة، بمعنى: أنه منظور، وأعود فأنبه على أنه قد توجد إشكاليات على هذه الدعوة ممن ينتسبون إليها، بل والآن يسيئون إليها، ومن هذه الإشكاليات: التكفير والغلو، أو الانفلات الذي يوجد من بعض أبناء جلدتنا، يعني: انفلات التميع، أو الغلو الذي نتج عنه الحركات المتشددة والتكفير والتفجير.. ونحوه، وهذا كله خارج نطاق المنهج الذي ندعو إليه، ونحن أول من أنكرها، ولا زلنا نعاني منها ونحاول علاجها أو نسهم في علاجها، ونتمنى أنه لو تبصر عقلاء العالم لوجدوا أن العلاج لهذه المظاهر ينبغي أن يكون من المنابع الموثوقة، التي هي مصادر هذه الدعوة المباركة؛ لأن الكثيرين مع الأسف ينتسبون إليها، وهذا يوجد إشكالية.

إذاً فأقول: إن الاعتدال والمنهج الوسط لعموم أتباع هذه الدعوة، من دولة ومجتمع ومشايخ وعلماء وطلاب علم ومراكز بحث وجامعات يعتبر كياناً موجوداً في هذه الدولة المباركة، لكن مع الأسف هناك نوع -كما قلت- من الانتقائية، والآن خصومنا سواء من الكفار أو من أهل الأهواء أو البدع يحسبون علينا هذه الشذوذات والتجاوزات، ومن هنا تأتي الإشكالية، فهم لا ينصفون ولا يأخذون بقواعد العدل والموضوعية، بل ولا بالديمقراطية التي ينادون بها.


استمع المزيد من الشيخ ناصر العقل - عنوان الحلقة اسٌتمع
المعيار في معرفة المتشبهين بالكفار 3329 استماع
أحكام الأعياد 3184 استماع
توجيهات في طريق الصحوة 3031 استماع
مسلمات في العقيدة 3019 استماع
حقيقة التدين 2994 استماع
علامات الساعة وقيامها 2908 استماع
الوسواس أسبابه وعلاجه 2787 استماع
منهج السلف في تقرير العقيدة ونشرها والرد على المخالفين 2720 استماع
مصير الانسان 2495 استماع
العلماء هم الدعاة 2402 استماع