خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/57"> الشيخ ناصر العقل . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/57?sub=34159"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
أحكام الأعياد
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن من أعظم المصائب التي ابتلي بها المسلمون في عصورهم المتأخرة تقليد الكفار، واتباع سبيلهم في كثير من الشئون، فقد اتبعت طوائف من هذه الأمة سبيل الكافرين في أمور عظيمة، بل فيما يتعلق بالعقائد والأحكام والشرائع والشعائر والأعياد والأخلاق والآداب التي تتنافى مع الإسلام.
وكان من أبرز مظاهر هذا التقليد تقليد الكفار في أعيادهم، أو مشاركتهم في شيء منها بأي نوع من أنواع المشاركة التي حذر الله منها، وحذر منها رسوله صلى الله عليه وسلم، وأجمع أئمة الدين على التحذير منها.
فكان على طلاب العلم البيان والنصح للأمة فيما يتعلق بهذه الأمور الخطيرة، وبآثارها السيئة على المسلمين في دينهم ودنياهم.
وفي هذه الأيام تكثر أعياد طائفة من أهل الكتاب: اليهود والنصارى، فيقع كثير من المسلمين في المحظور؛ إما بالمشاركة في هذه الأعياد مشاركة كاملة، وإما ببعض المشاركة الجزئية، كالتهنئة، أو إتاحة الفرصة للكفار لإظهار أعيادهم بين المسلمين.. أو نحو ذلك مما هو معلوم، لذا كان لا بد من الحديث عن الأعياد وأحكامها.
وسأبدأ هذا الحديث بالتعريف بمفهوم العيد؛ ليتبين ما هو العيد؟ ومتى يكون العيد عيداً؟ وليتبين أيضاً ما يخفى على كثير من الناس من وقوعهم في بعض الاحتفالات والمناسبات التي هي بمثابة الأعياد دون أن يشعروا بذلك.
فالعيد في اللغة: مأخوذ من عاد يعود، إذا تكرر ورجع بعد انصراف، وهو أيضاً في اللغة: اسم لما يعود ويتكرر من زمان أو مكان أو هما معاً، ويدخل في ذلك المناسبات والآثار.. ونحوها كما سيأتي تفصيله.
ويطلق على العيد في اصطلاح غالب الأمم: كل ما يعود ويتكرر زمانه أو مناسبته، أو يحتفل به أو يحتفى به، أو يجتمع عليه من الأيام أو المناسبات أو الأمكنة التي تهتم بها الأمم على أي نوع من أنواع الاهتمام.
ومن ذلك على سبيل الإجمال:
أولاً: الاحتفال بالذكريات السارة، فأيّ نوع من أنواع الاحتفال الذي لم يرد في الشرع إذا تكرر وأخذ صبغة التقليد أو العادة أو الاعتياد عليه فإنه يعد عيداً، كأعياد الميلاد، وأعياد الاستقلال، وأعياد الوطن، وقد تسمى أحياناً بأيام الوطن، أو الاستقلال.. أو نحو ذلك من المسميات.
ثانياً: الذكريات غير السارة، فبعض الأمم قد تهتم بالذكريات المؤلمة، فتعيد الذكرى بها كنوع من المأتم وإظهار الحزن، أو ليكون ذلك من المظاهر القومية التي تعتز بها.
ثالثاً: الأماكن التي تتخذ مزاراً، كالمشاهد والآثار والبقاع، وكذلك الأماكن التي تهتم بها الأمم أو الشعوب ولم تشرع زيارتها؛ فإن الزيارة لها على وجه متكرر يعتبر عيداً، والمكان الذي يزار ويتخذ مزاراً يعتبر من الأعياد، كما ورد ذلك في صحيح السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعاً: إحياء الآثار والأسواق القديمة على شكل عوائد أو آثار جاهلية.. أو نحو ذلك، فإن إتيان هذه الأماكن والاحتفاء بها، أو حتى الاهتمام بها بأي نوع من أنواع الاهتمام على وجه غير مشروع يعتبر من العيد الممنوع، كالاهتمام مثلاً بأسواق الجاهلية: كسوق عكاظ، وذي المجاز، ومجنة.. وغيرها.
لذلك نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً، أي: اتخاذها أماكن للتجمع، أو زيارتها زيارة على وجه التعبد غير الزيارة المشروعة؛ لذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا قبري عيداً).
خامساً: ما أخذ طابع الاهتمام المتكرر الثابت، سواء من مكان أو زمان أو أي شيء من الأشياء، فإن هذا عيد، وذلك كالأيام التي تهتم بها بعض الأمم أو كل الأمم في العصر الحاضر كيوم الأم، ويوم الطفل، ويوم الصحة، ويوم الشجرة والنظافة.. ونحو ذلك من المهرجانات والاحتفالات، أو الأمور السنوية أو الدورية، فإن هذه من الأعياد الممنوعة.
والأصل في الأعياد أنها تعتبر من أبرز مظاهر حياة الأمم التي تعتز بها؛ لأنها من الخصائص والسمات والشعائر والشرائع التي تخص كل أمة، وقد تجتمع بعض الأمم في عيد واحد أو أكثر لسبب أو لآخر؛ ولذلك أمر الله المسلمين بالتميز في الأعياد، وأن تكون لهم أعياد لا يتعدونها ولا يزيدون عليها، بل ولا يقلدون غيرهم فيها ولا يلغون شيئاً منها، وكل أمة لها أعيادها التي تتميز بها وتعتز بها.
إذاً: فالأعياد من الشرائع والشعائر التعبدية التوقيفية، فهي تدخل في العقيدة من جانب، وفي الشريعة من جانب آخر، وعلى هذا فهي توقيفية، بمعنى: أنها موقوفة على ما جاء عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز لأحد بحال أن يشرع عيداً جديداً، أو ينشئ نوعاً من أنواع الأعياد بأي وجه من الوجوه، كما أنه لا يملك أحد من الناس أن يلغي عيداً من الأعياد التي شرعها الله تعالى.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم -كما سيأتي في النصوص- أن العيد من شعائر الدين، وهو من شرع الله الذي لا يجوز فيه الزيادة ولا النقص، وبيَّن ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله وفعله وتقريره وأمره ونهيه، بأمره بالأعياد وبنهيه عن أعياد جديدة، أو إحياء أعياد قديمة، أو اتباع أعياد الكافرين.
والله تعالى قد شرع للمسلمين عيدين في السنة وهما: عيد الأضحى، وعيد الفطر، وعيد في الأسبوع وهو الجمعة، ونهى عن الزيادة عليها، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى، ويوم الفطر).
فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث وفي غيره استنكر ما رآه عند أصحابه في المدينة من نوع عيد لم يكن مشروعاً في الشرع، مع أنهم حديثو عهد بالكفر لم يتسامح معهم عليه الصلاة والسلام، بل نهاهم أشد النهي، وحينما استأذنوه بأن يسمح لهم بإحياء تلك الأعياد منع من ذلك، وبين أن الله تعالى بدل ونسخ أعياد الجاهلية وأعياد الأديان الأخرى بالعيدين المعروفين.
وعيد الأضحى كما هو معلوم يشمل العاشر من ذي الحجة وأيام التشريق، أي: الثلاثة الأيام التي تلي العاشر، وكلها أيام عيد وأيام أكل وشرب، وقد يدخل يوم عرفة أيضاً في مفهوم العيد؛ نظراً لأن الحجاج يجتمعون فيه بمظهر يشبه مظهر العيد؛ لذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب)، رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
فيوم عرفة يوم عيد مكاني للحجاج ولا يشرع فيه التعييد، إنما يشرع فيه الصوم لغير الحاج، أما الحاج فلا يصوم، لكن نظراً لعظم هذا اليوم وعظم قدره واجتماع الحجاج فيه في ذلك الصعيد العظيم يوم عرفة، كان عيداً مكانياً وزمانياً للمسلمين على وجه آخر.
أما عيد الأسبوع وهو يوم الجمعة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا؛ فقد كان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد)، رواه مسلم .
إذاً: فما عدا هذه الأعياد فهو محرم قطعاً، وذلك بموجب النصوص القاطعة في القرآن والسنة، وبموجب إجماع الصحابة والتابعين وأئمة السلف، وعلماء الأمة إلى يومنا هذا.
الأعياد المحرمة على نوعين:
النوع الأول: أعياد الكفار التي تخصهم، كالسبت لليهود، وكالأحد للنصارى، فلا يجوز لأهل بلد من بلاد المسلمين أو لطائفة أو لفرد من المسلمين أن يشاركهم في هذا اليوم على وجه التعبد، بل لا يجوز لبلد من بلاد المسلمين أن يعطل هذا اليوم على أنه يوم عيد، ولا حتى مجاملة لليهود والنصارى؛ لأنه كتب عليهم أن تكون لهم الذلة والصغار في بلاد المسلمين، وأن يكونوا أهل ذمة، وغاية ما كان أن الإسلام أذن لهم بإقامة أعيادهم في بيوتهم، ويغلقون عليهم أبوابهم، ولا يسمحون لأحد من المسلمين بأن يشاركهم، هذا إذا كانوا أهل ذمة.
أما إذا كانوا كفاراً من الذين لا يقيدون بأحكام أهل الذمة، فالأصل فيهم ألا يقيموا أعيادهم ولا سراً بين المسلمين.
وهناك أعياد أخرى للكفار أيضاً؛ كعيد رأس السنة، وعيد الميلاد، وعيد الفصح.. وغيرها من الأعياد المعروفة.
وهناك أعياد أيضاً قد تكون مشتركة بين بعض الأمم كالفرس والمجوس، ويوجد شيء منها عند طوائف من النصارى، وطوائف من مبتدعة المسلمين.. وغيرهم، كعيد النيروز والمهرجان.
والعجيب أن عيد المهرجان يوافق أول الميزان، وهو يوافق ما يسمى هنا باليوم الوطني، فلذلك ينبغي مناصحة المسئولين في هذا البلد والتحذير من هذا اليوم؛ فإن الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين وعامتهم، وهذه الأعياد -أي: أعياد الكفار- اجتنابها واجب شرعاً، على أي شكل من الأشكال، وكما بيَّن ذلك أئمة المسلمين على وجه التفصيل.
النوع الثاني: الأعياد التي أحدثها أهل البدع وأهل الافتراق من طوائف المسلمين الذين ينتسبون للإسلام، كعيد مولد النبي صلى الله عليه وسلم، أو الموالد الأخرى، وعيد المولد -كما تعرفون- لم يكن معروفاً في عهد الصحابة ولا التابعين ولا القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما ابتدعته طوائف من الروافض الباطنية، الذين هم في الحقيقة على دين الفرس والمجوس، والتي حكم عليها المسلمون بأنهم من الخارجين أصلاً عن الإسلام، وحدث هذا أول ما حدث على يد الدولة الفاطمية التي قامت في مصر، وهي دولة رافضية باطنية قامت أصلاً على البدع والانحرافات، فهي أول من ابتدع للمسلمين أعياد الميلاد، وكذلك الطوائف الأخرى والفرق الباطنية الأخرى التي ظهرت في بلاد المسلمين قد أسهمت في إظهار هذه الموالد والأعياد المبتدعة.
كذلك مما ابتدعه بعض المسلمين من أهل الافتراق وأهل الأهواء: الاحتفال ببعض الأيام والليالي، كليلة الإسراء، والنصف من شعبان، ويوم عاشوراء، وأيام المعارك، وأيام المناسبات، وكليلة بدر وكغيرها، وكل هذه الاحتفالات هي من الأعياد المحرمة قطعاً.
ويدخل في هذا النوع أيضاً: الأعياد البدعية المحدثة أخيراً، كالأيام الوطنية، وأيام الجلوس، وأيام الثورة، وأيام الاستقلال، والأيام العالمية، كيوم الأم ويوم الطفل والشجرة والصحة.. ونحو ذلك، ومنها الأسابيع التي تتكرر كل سنة أو بشكل دوري، فقد أخذت شكل الاحتفاء والاهتمام المعين، ونحن نعرف أن الإسلام جعل الاهتمام بهذه الأمور دائماً، ولم يخص بوقت من الأوقات، فليس للمساجد أسبوع، وليس للشجرة أسبوع، وليس للنظافة أسبوع، وإنما كل الأيام وكل الدهور وكل الشهور أيام للمساجد وللشجرة وللنظافة؛ لأن هذه من متطلبات الإسلام وعز المسلمين في دينهم ودنياهم، فلا يجوز أن يخصص لها وقت معين على أي شكل من أشكال التخصيص.
إذاً: الاحتفاء بالأعياد المشروعة -وهي الأضحى والفطر والجمعة- والتعبد بالتعييد بها، واعتبارها أعياداً من أعياد المسلمين واجب شرعاً، ولا يجوز لبلد أو لطائفة أو لفرد من المسلمين أن يحدث عطلة من الأسبوع غير يوم الجمعة، أو عيداً من الأسبوع غير يوم الجمعة، مع أن العيد لا يعني العطلة، فهذا مفهوم خطأ؛ لأن العيد يعني نوع من الاحتفاء والاهتمام، وأخذ الزينة والاجتماع للصلاة كيوم الجمعة.. ونحو ذلك من المعاني والمظاهر التي تظهر العزة والقوة والاجتماع والتماسك، والتعاطف والتكافل في الأمة، وأما التعطيل فشيء محدث، لكن مع ذلك كون الأمة تعطل بعض أعمالها يوم الجمعة تهيؤاً للصلاة، وللسعي للرزق، وللسلام وللاجتماع على الأمور التي فيها عز للإسلام والمسلمين فهذا مشروع.
لكن لو حلا لأحد أن يضع للمسلمين عطلة أو يوماً غير الجمعة، فإن هذا من الشرع الذي لم يشرعه الله، بل هو من الباطل، وهو كفر كما هو معلوم.
كذلك الأعياد المشروعة السنوية كالأضحى والفطر التعييد فيها واجب شرعاً، بمعنى: أنه ينبغي للمسلمين أن يعيدوا فيها بما ورد في الشرع من إقامة صلاة العيد، والاجتماع في هذا اليوم العظيم، ولبس الزينة لمن يملك ذلك، والتوسيع على العيال وعلى الجيران، وإطعام الطعام، وإظهار الترابط بين الأمة، والاجتماع، وإفشاء السلام.. وغير ذلك من المعاني التي لا بد من إظهارها في هذا اليوم.
كما أنه لا يجوز في هذا اليوم لأحد أن يصوم، أو ينشئ عبادة أخرى، أو حتى عادة أخرى تتنافى مع عظمة هذا اليوم العظيم.
أما الأعياد غير المشروعة فكلها حرام، وما يحدث فيها على وجه الاهتمام والقصد فهو حرام قطعاً بالكتاب والسنة والإجماع كما أسلفت.
أما القرآن فقد قال الله تعالى في صفات المؤمنين: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]، قال المفسرون: إن المقصود بالزور هنا: الشعانون وأعياد الكفار، والشعانون: هي أعياد المشركين والكفار.
والمقصود بـ(يشهدون)، أي: يحضرون، فهذا دليل على أن مجرد حضور الكفار حتى للتفرج والاستطلاع حرام قطعاً؛ لأنه تعزيز لهم ومشاركة، ويدخل السرور على قلوبهم، ويشعرهم بموادة المسلمين وبولائهم لهم، وكل ذلك حرام قطعاً.
وقال الله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة:48]، فالمسلمون لهم شرعتهم ومنهاجهم، وأهل الكتاب لهم شرعتهم ومناهجهم، والكفار وغيرهم لهم شرعتهم ومناهجهم، وكل أمة تختص بشريعة ومنهاج، ومما شرعه لهم الأعياد، فلا يجوز لمسلم أن يزيد أو ينقص في هذه الأعياد، ولا أن يشارك غيره مما هو من خصائص الأمم الأخرى في أعيادهم.
وأما السنة فللحديث السابق وقد ذكرته، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في السبت والأحد: (إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا)، ويشير إلى عيد الأضحى، وهذا وارد في الصحيحين، وكذلك الحديث السابق هو صحيح الإسناد عند الحاكم.. وغيره.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)، ومن أعظم مظاهر التشبه وأبرزها الأعياد؛ لأنها من سمات وخصائص الأمم، والمشاركة لهم في أي عيد من أعيادهم، أو التهنئة لهم، أو إعطاؤهم الفرصة ليعيدوا هو من باب التشبه بهم، وإعطاؤهم الفرصة فيما لا يجوز لهم.
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة: (خالفوا اليهود)، (خالفوا المجوس)، (خالفوا المشركين)، وكان من أبرز الأمور التي تجب فيها المخالفة الأعياد.
إذاً: فالأعياد من جملة الشرائع والمناسك التوقيفية، والله تعالى يقول: لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ [الحج:67]، فالعيد كالصلاة وكالقبلة وكالصيام، كما أن العيد من أبرز ما تتميز به الأمم، فيجب على المسلمين أن يتميزوا بأعيادهم، وأن يتميزوا بمخالفة أعياد الآخرين من الكفار والمشركين واليهود والنصارى.
من المفيد أن نقف وقفة في مشاركة غير المسلمين في أعيادهم، خاصة حينما ظهرت بعض مظاهر هذه المشاركة في الآونة الأخيرة من بعض جهلة المسلمين، أو الفساق والفجار منهم، فكان لا بد من البيان والتفصيل في هذا الأمر على وجه تقوم به الحجة وتؤدى به النصيحة.
وأبدأ هذا البيان بفتوى للشيخ محمد بن عثيمين ، وربما قد قرأها أكثركم، ومن المعلوم -قبل أن أقرأ الفتوى- أن النهي عن مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من أنواع المشاركة أمر مجمع عليه قديماً وحديثاً، وهو رأي المشايخ الآن جميعاً، وللشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كتاب صغير جيد في هذا الموضوع أنصح بقراءته.
يقول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسمس.. أو غيره من أعيادهم؛ لأن ذلك ينبئ عن رضا بهذا العيد وإقرارهم، ولا يجوز رضا المسلم بشعائر الكفر ولا الإقرار بها؛ لأن ذلك لا يرضي الله عز وجل، قال الله تعالى: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر:7]، وقال جل وعلا: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران:85]، فهذا فيه إشارة إلى أن العيد دين.
ونقل ابن القيم رحمه الله تعالى في (أحكام أهل الذمة) الاتفاق بين أئمة الدين على أنه لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم، وهذا مجرد التهنئة فكيف بالمشاركة؟
وأما كونهم يهنئوننا بأعيادنا فإنما يهنئوننا بأمور رضيها الله لعباده، وشرعها لهم، بخلاف تهنئتنا إياهم بأعيادهم؛ لأن جميع الأديان منسوخة بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم، وإذا هنئونا بأعيادهم فإنا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا.
وإذا كان لا يجوز تهنئتهم بأعيادهم، فإنه لا يجوز مشاركتهم فيها والذهاب إلى أماكن احتفالاتهم بها، ولو بدعوة منهم، ولا تجوز مجاملتهم في هذه الأمور؛ لأن هذا من المداهنة في الدين، والله أسأل أن يهديهم لدين الإسلام، وأن يثبتنا عليه، ويرزقنا الاعتزاز به. كتبه: محمد الصالح العثيمين رحمه الله.
أيضاً هناك كلام جيد أشبه بمقالة للشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى، يقول فيه:
أما بعد:
فإن تخصيص يوم من السنة بخصيصة دون غيره من الأيام يكون به ذلك اليوم عيداً، علاوة على أنه بدعة في نفسه ومحرم، وشرع دين لم يأذن به الله، والواقع أصدق شاهد، وشهادة الشرع المطهر فوق ذلك وأصدق، إذ العيد اسم لما يعود مجيئه ويتكرر، سواء كان عائداً بعود السنة أو الشهر أو الأسبوع، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
ثم يقول: وقد منّ الله على المسلمين بما شرعه لهم على لسان نبيه الأمين صلى الله عليه وسلم من العيدين الإسلاميين العظيمين الشريفين اللذين يفوقان أي عيد كان، وهما: عيد الفطر وعيد الأضحى، ولا عيد للمسلمين سنوياً سواهما، وكل واحد من هذين العيدين شرع شكراً لله تعالى على أداء ركن عظيم من أركان الإسلام. فهذه مقتطفات من قوله.
ثم قال: وتعيين يوم ثالث من السنة للمسلمين فيه عدة محاذير شرعية:
أحدها: المضاهاة بذلك الأعياد بالأعياد الشرعية.
الثاني: أنه مشابهة للكفار من أهل الكتاب وغيرهم في إحداث أعياد لم تكن مشروعة أصلاً، وتحريم ذلك معلوم بالبراهين والأدلة القاطعة من الكتاب والسنة، وليس تحريم ذلك من باب التحريم المجرد، بل هو من باب تحريم البدع في الدين، وتحريم شرع دين لم يأذن به الله، كما يأتي إن شاء الله بأوضح من هذا -هذا كلام الشيخ- وهو -أي: التعييد- أغلظ وأفظع من المحرمات الشهوانية ونحوها.
الثالث: أن ذلك اليوم الذي عيِّن للوطن -يشير إلى اليوم الوطني- الذي هو أول يوم من الميزان هو يوم المهرجان الذي هو عيد الفرس والمجوس، فيكون تعيين هذا اليوم وتعظيمه تشبهاً خاصاً، وهو أبلغ من التحريم من التشبه العام.
الرابع: أن في ذلك من التعريج على السنة الشمسية وإيثارها على السنة القمرية التي أولها المحرم، ما لا يخفى، ولو ساغ ذلك -وليس بسائغ ألبتة- لكان أول يوم من السنة القمرية أولى بذلك.
وأختم كلام الشيخ محمد بن إبراهيم برسالة برقية كان أرسلها لولي الأمر في وقته فقال: صاحب الجلالة الملك المعظم أيده الله! بلغني أن هناك يوماً في السنة عند الموظفين والمدارس يسمى يوم النظافة، وقد احتفل به في جدة، وأبدي لجلالتكم حفظكم الله! أن تخصيص هذا اليوم والاحتفال به أمر لا يجيزه الشرع، حيث يكون بصفة العيد، ولا عيد لأهل الإسلام غير أعيادهم التي سنها الشرع، وما سواها فحدث باطل ينهى عنه الإسلام ويمنعه، أما النظافة فأمرها معروف، وهي مطلوبة في كل وقت، ولا تخصص بوقت دون وقت، بلغني هذا الخبر وعسى ألا يكون صحيحاً، وغيرتكم للشرع وحمايتكم له تأبى إقرار هذا الشيء وأمثاله، تولَّاكم الله بتوفيقه. عام (1379هـ).
وفي هذا الكلام للمشايخ أحب أن أشير إلى أمر كثيراً ما يتحدث عنه بعض الناس على وجه الخطأ، أو الفهم الخطأ، وهو أن هناك من يظن أن المشايخ كانوا يداهنون ولا يبينون، وأنهم كانوا لا يقولون الحق ولا يظهرونه، ولا يحتجون على البدع والمنكرات والمحدثات، فمثل هذه الرسائل تثبت قطعاً أن المشايخ أدوا النصيحة، وعملوا بالواجب، وناصحوا وبذلوا ما يسعهم وما يعذرون به أمام الله سبحانه وتعالى، لكن العهدة تكون على غيرهم ممن بلغ من ناحية، وعلى من يأتي بعدهم من طلاب العلم والمشايخ من ناحية أخرى.
أيضاً: أن السبب في عدم ظهور مثل هذه الفتاوى والأحكام التي برَّأ بها المشايخ ذممهم: هو تقصير الإعلام عندنا في إظهار مثل هذه الفتاوى وبيانها، وتكرارها للناس في مناسباتها، فهذا هو وجه الخطأ، وليس الخطأ خطأ المشايخ ولا تقصيرهم من ذلك الوقت إلى يومنا هذا.
فلتعلموا بارك الله فيكم، وليعلم أن من يقدح في المشايخ بهذا الأمر أنه مخطئ ويخشى عليه من الفتنة.
إذاً: اتفق جمهور علماء الأمة قديماً وحديثاً على عدم جواز مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من أنواع المشاركة، وقد جاء هذا النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن الخلفاء الراشدين بإجماع، وعن سائر الصحابة بإجماع، ولا يعرف أن أحداً من هؤلاء أجاز المشاركة للكفار في أعيادهم، وكذلك عن التابعين والأئمة الأربعة، وسائر أهل الحديث والفقه، وأئمة الدين إلى يومنا هذا.
والنهي عن المشاركة للكفار لم يكن فقط مشاركتهم في عمل العيد، بل حتى في أي نوع من أنواع المشاركة، كالحضور، والتهنئة، وإظهار الفرح والسرور لهم، وأمامهم أو معهم، أو التعطيل في يوم عيدهم، أو أخذ الإجازات، أو إتاحة الإجازات لهم، أو الاحتفال معهم، أو السماح لهم بذلك، أو إظهار أعيادهم بين المسلمين، كل ذلك يعتبر من المشاركة المحظورة؛ لأن ذلك من شهود أعيادهم كما هو معلوم، والله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين بأنهم لا يشهدون الزور، أي: لا يحضرون مناسبات الزور التي هي الأعياد الباطلة.
أمر آخر مهم في مسألة المشاركة: وهو أنه ثبت بالاستقراء التاريخي، وباستقراء أحوال المسلمين اليوم الذين يقلدون الكفار، أن الأمم القوية العزيزة هي التي تنفرد بأعيادها وعاداتها وتقاليدها، وأن الأمة الضعيفة هي التي تقلد غيرها في أعيادها، وهذه قاعدة مطردة على مدار التاريخ، فمن أبرز علامات الضعف والهوان والذل في أمة من الأمم: تقليدها ومشاركتها لغيرها في أعيادها بأي نوع من أنواع المشاركة.
إذاً: تقليد الأمم لبعضها البعض من أبرز علامات الضعف والانهزامية والذوبان والتبعية والذلة في الأمة المقلدة، ولذلك نجد أن الذين يقلدون الكافرين اليوم في أعيادهم على ثلاثة أصناف:
الصنف الأول: المبتدعة، وهؤلاء أمرهم ظاهر؛ لأنهم هم الذين أدخلوا الأعياد المحرمة قديماً على المسلمين.
الصنف الثاني: الفساق، وهم على صنفين:
الأول: فساق جهلة.
الثاني: فساق تمردوا، أي: أنهم عرفوا أن هذا فسق، لكنهم أخذوا بأعياد الكفار وشاركوهم فيها عمداً؛ لأن من طبيعتهم الفسق والإجرام.
الصنف الثالث: أهل النفاق الذين يظهرون للمسلمين الإسلام، لكنهم يوالون الكفار بأي نوع من أنواع الموالاة في الباطن، فهؤلاء من أحرص الناس على مشاركة الكفار في أعيادهم، بل يتهافتون عليها، ويتقربون إلى الكفار ويتوددون إليهم بإهدائهم بطاقات التهنئة بالعيد والمشاركة، ومسارقة ذلك بين المسلمين في البلاد التي الإسلام فيها عزيز، نجد أن هؤلاء المنافقين يسارقون الوقت، ويسارقون الظروف ليشاركوا الكفار بأي نوع من المشاركة، حتى إن بعضهم ممن يقوم على إدارات المؤسسات أو الشركات.. أو غيرها يتقرب للعاملين لديه من الكافرين بإتاحة الفرصة لهم للتعييد، وإظهار أعيادهم والإعلان عنها في اللافتات واللوحات والبطاقات.
بل ربما يدعو غير الكفار -أي: من المسلمين- ليشاركوهم عيدهم!
وبعض المسئولين قد يشارك الكفار في أعيادهم كنوع من المجاملة، وهذا هو والله بعينه الذل والصغار والهوان والانحراف والتبعية والانهزام الذي ليس بعده انهزام.
إن التقليد للكفار في أعيادهم نتجت عنه أضرار وآثار واضحة في المسلمين اليوم، من أبرزها: الإخلال بالعقيدة؛ لأن العيد هو من شرع الله، وهو داخل في الشعائر والشرائع والعقائد، فمشاركة الكافرين في أعيادهم هو اهتزاز في عقيدة الذي يشاركهم، بل هو خلل في العقيدة.
كذلك من الأضرار: إظهار الولاء للكفار بأي نوع من أنواع المشاركة لهم في عيدهم، وإظهار الولاء والإعلان له لا يمكن أن يظهر في السلوك وفي العمل إلا وقد وقر ولاء الكفار في القلب، نسأل الله العافية.
لذا فأقول: لا شك أن الذي يجامل الكفار في أعيادهم ويشاركهم بالتهنئة أو بأي نوع من أنواع المشاركة أنه قد وقر في قلبه ولاء الكفار وحبهم، سواء شعر أو لم يشعر.
أيضاً: أنه تشريع لما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، بل هو معاداة واعتراض على أمر الله وعلى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله نهانا عن ذلك، ونهانا عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، فمشاركة الكفار في أعيادهم هي محادة لله ولرسوله ولدين الله، ومحاربة لسبيل المؤمنين.
ثم إن المشاركة لهؤلاء الكفار في أعيادهم دليل على الانهزامية والضعف والذلة والتبعية لغير المسلمين.
كما إن المشاركة للكافرين في أعيادهم تجرِّئ -وهذا ما حصل- الكفار على المسلمين، فقد جرَّأت بعضهم لأن يظهروا كثيراً من عاداتهم وتقاليدهم ومظاهر الفسق، لا سيما وأن الأعياد يصحبها عند الكفار إظهار الفسق والإجرام والشرب والفواحش والمحرمات، وكان هذا مما جرَّأهم على أن يظهروا بين المسلمين ببلاياهم وبمصائبهم، وحصل من هذا ضرر عظيم وكبير كما تعلمون.
ثم إن هذا فيه مخالفة لإجماع المسلمين ولجماعتهم، وهو سلوك لسبيل غير المؤمنين، وتنكب لغير الصراط المستقيم، واتباع لطريق المغضوب عليهم والضالين.
قد يقول قائل: ما العمل؟ مع أن المسألة سهلة في الحقيقة وفي نظري؛ لأن الأمر واضح، فحكم الله في هذا الأمر واضح، والنصوص والآيات والأحاديث وأحكام الشرع التي بينها العلماء واضحة، والمسلم بحمد الله لم يصل إلى درجة أن يغصب أو يكره لأن يعمل هذه الأعمال التي فيها مشاركة للكفار، فما بقي إلا العزم الصادق لكل مسلم بأن يتجنب الكفار في أعيادهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم.
فالمسألة مسألة عزم وصدق نية، وتوبة إلى الله سبحانه وتعالى لمن يمارس ذلك، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: لا بد من المناصحة عموماً، وأذكر شيئاً من ذلك -أي: من باب المناصحة في هذا الأمر- لإزالة مظاهر تقليد الكفار في أعيادهم بقدر الجهد والاستطاعة.
أولاً: بيان أن مقتضى النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم واجبة شرعاً، سواء بالمحاضرات أو الندوات أو الكتب، أو كل ما يملك المسلم من الوسائل المشروعة المتاحة، فيجب البيان، وبالبيان تقوم الحجة وتبرأ الذمة؛ لأن هناك ممن يقع في هذه المحظورات بسبب جهله، وهناك من يستضعف المؤمنين ويستضعف أهل الحق، وهناك من الفساق والفجار من يستغفل الناس ويستغفل أهل العلم ويستغفل المسلمين، فإذا وجد الإنكار ووجد البيان وأقيمت الحجة، فإنه بهذا سيرتدع من في قلبه مرض بإذن الله.
إذاً: لا بد من قطع دابر هذه البدعة والضلالة بين المسلمين، وتحذير المسلمين من فعلها، وبيان الحكم الشرعي منها على وجه التفصيل بكل وسيلة، وبيان أحكام الولاء والبراء التي تميز المسلم بسلوكه وبعقيدته وبشريعته وبعيده وبنهجه، وباستقلاليته وشخصيته، وهذه بحمد الله -أي: نصوص الولاء والبراء- واضحة في الكتاب والسنة، وما علينا إلا أن نبينها ونشرحها، وأن نربي عليها المسلمين خاصة الأجيال الناشئة.
ثم أيضاً النصح لمن يقع في مشاركة الكفار في أعيادهم جهلاً منه؛ لأنه ربما -وهذا أمر واقع- يكون بعض من يشارك الكفار يشاركهم عن جهل، وربما لم تبلغه الأحكام الشرعية، أو ظن أن هذه من المسائل العادية التي لا تتنافى مع الشرع، فلا بد من نصح هذا الصنف بأفرادهم وبأعيانهم، سواء من الجيران أو زملاء العمل، أو من نراه من المسلمين من يقع في هذا المحظور، فعلينا أن ننصحه ونبين له أن هذا لا يجوز، وأنه محظور يتنافى مع العقيدة ومع الشريعة، ومع ما أمر الله به.
وقد تكون هناك طائفة من الفساق والفجرة يصرون على هذا المنكر رغم البيان وإقامة الحجة، فهؤلاء لا بد أن يرفع أمرهم لولاة الأمر؛ لأن فعلهم هذا ممنوع شرعاً، وبالتبع فهو ممنوع نظاماً في هذا البلد.
فإذاً: من يمارس هذا العمل علناً ويتبجح به من الفساق أو الفجرة فعلينا أن نبين أمره للمسئولين.
وعلى هذا فأرى ضرورة تتبع ما يظهر من بعض المؤسسات وبعض الجهات، وبعض الشركات التي تعمل هذا العمل، من إتاحة الفرصة للكافر بإعلان أعيادهم والاحتفال بها، ثم أيضاً مشاركتهم وإتاحة الفرصة للمسلمين في مشاركتهم، أو التغاضي عن هذا مع ظهوره، إما في مقر العمل أو في الإسكانات، ولا يلزم أن تكون المسئولية فقط في مقر العمل، بل نقول: إن لصاحب المؤسسة أو الشركة أن يمنع الكفار من إظهار أعيادهم، ويمنع المسلمين من مشاركتهم، ويبين للكفار أن هذا لا يجوز، وأنه يتنافى مع دين البلد وتقاليدها ونظامها، والذي أعرفه أن من أنظمة العقود مع غير المسلمين بيان هذا الأمر لهم، وأن النظام عندنا في هذا البلد -بحكم عملها بالكتاب والسنة في كثير من الأمور- أنها تشترط على المتعاقد غير المسلم أن يراعي دين البلاد وتقاليدها وظروفها، وهذا شرط مسبق، إلا إذا كانت بعض الدوائر تتساهل.
فإذاً علينا أن نقيم هذا النظام، وأن نتتبع من يخالفه، ونبلغ المسئولين والجهات المعنية بأي مخالفة أو تجاوز؛ لأن هذه المسألة مع الأسف استفحلت وظهرت، حتى رؤي في بعض المؤسسات وبعض الشركات إعلانات بالخط العريض عن بعض أعياد الميلاد، وتوزع البطاقات والكروت بالتهنئة للكافر بأعيادهم، وهذا أمر عظيم وشر مستطير لا بد من القضاء عليه قبل أن يستفحل.
ثم لا بد أيضاً من استئناف الطلب من الجهات الرسمية بالتأكيد على الكفار بألا يعملوا على إظهار أعيادهم، وأن يراعوا دين الأمة وتقاليدها وعاداتها الطيبة، والذي أعرفه أنه حتى في الأنظمة الدولية مع أننا لسنا بحاجة إلى أن نشير إليها، لكن أقول -مع الأسف-: حتى في الأنظمة الدولية ما يشير إلى مراعاة أوضاع كل بلد من قبل الوافدين عليه، فكيف ونحن المسلمون الذين نحن أحق من غيرنا بأن نظهر الحق الذي عندنا، وأن نكبت الباطل، وألا يتجاوز أحد هذا الحد؛ لأن فيه صغاراً وذلاً على المسلمين، وفيه حرباً على الإسلام وأهله.
فإذاً: لا بد من إعادة استئناف الطلب من الجهات الرسمية بالتأكيد على الكفار بألا يعلنوا أعيادهم، وألا يسمحوا للمسلمين بمشاركتهم، وألا يكون هناك شيء من التجاوزات التي تتنافى مع دين البلد وعاداتها الطيبة.
وأخيراً: فإنه على كل مسلم أن يبذل جهده في محاربة مثل هذه البدع والمنكرات؛ لأنها من أعظم المفاسد التي تؤدي إلى هلاك الأمة، وإهمالها والتغاضي عنها إنما هو تقصير وخيانة للأمانة من كل مسلم يعلمها، فعلى الجميع أن يؤدي النصيحة كما أمر الله تعالى، النصيحة لهذا الدين، والنصيحة لولاة الأمور، والنصيحة لعامة المسلمين بالطرق المشروعة والمتاحة، وبالأساليب التي تتوخى فيها الحكمة.
ثم إن المنكر إذا ظهر فلا حرمة لصاحبه، وكلٌّ معافى إلا المجاهر كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فإذا جاهر الناس أو بعضهم أو بعض ضعفاء النفوس في مثل هذه المنكرات فلا بد من الأخذ على أيديهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في الحديث: (لتأخذن على يد السفيه، ولتأطُرنَّه على الحق أطراً، أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض، فيلعنكم كما لعنهم)، والمقصود بالذين لعنوا هم بنو إسرائيل؛ لأن الله لعنهم وفرقهم، وكتب عليهم الذلة والصغار، لأنهم لم يتآمروا بالمعروف ولم يتناهوا عن المنكر، ولم يأخذوا على يد السفيه.
في الختام أحب أن أشير إلى بعض الأمور العامة التي يجب علينا جميعاً أن نبدي النصح فيها بهذا الموضوع، أعني: أحكام الأعياد.
أولاً: نحن نعرف أن أكثر المسلمين الذين يقعون -خاصة في هذا البلد- في مشاركة الكفار في أعيادهم بأي نوع من المشاركة أكثرهم من الجهلة السذج، الذين تستهويهم هذه المظاهر، فيجب على الجميع البيان بكل وسيلة متاحة ومشروعة.
ثانياً: أنا أرى أن الكلام على الأعياد يجب أن ينطلق من منطلق شرعي، يبين للناس أن الحكم في الأعياد متعلق بالعقيدة، وأن تجاوز هذا الحكم إخلال بالعقيدة، والإخلال بها إخلال بشرع الله، وتشريع لما لم يشرعه الله، ثم إن الإخلال بها أيضاً محادة لشرع الله تعالى.
وأن يكون البيان عند المناسبة، بمعنى: قبل وقت الأعياد العادية التي تكثر عن الكفار، فينبغي أن يتناصح المسلمون فيما بينهم، وأن يستذكروا التحذير عن هذه البدعة بكل جهد وبكل وسيلة.
ثالثاً: أنه لا بد من الزيارة والاتصال بالمسئولين عن الشركات والمؤسسات والدوائر التي يلحظ أنها تتساهل في هذا الأمر، وإبداء النصح لهم وإقامة الحجة عليهم، والمسألة بحمد الله ليست محل خلاف فنقول: والله قد تنازع فيها الناس، ولا داعي أن ندخل في النزاع، والمسألة أيضاً ليست خفية، بمعنى: أننا نقول: لا نذهب للتفتيش عن عورات الناس، بل هي ظاهرة وواضحة، والمنكر إذا ظهر لا بد من السعي لتغييره، وأحسن وجوه السعي لتغييره أن نذهب إلى المسئولين في مكاتبهم وفي بيوتهم، ونعظهم ونناصحهم، وأن نذكرهم بالله سبحانه وتعالى، ونذكرهم بمغبة الانجراف وراء هذه الظواهر المزعجة التي تخل بدين الأمة وعقيدتها وشرعها.
ثم أيضاً هناك وجوه أخرى من المناصحة؛ لأنه قد لا يستطيع بعض الناس أن يذهب أو يزور، كالمناصحة بالكتابة والمراسلة للمسئولين لبيان هذا الأمر.
والتوصية بكل وجوه النصيحة المشروعة التي لا بد من سلوكها لإقامة الحجة والبيان، وإن لم نفعل ذلك فالأمر خطير؛ لأنه قد تعاقب الأمة بجملتها الصالح منها والطالح؛ لتفريط الصالحين في عدم إنكار ما يظهر من منكرات، ومن أعظم المنكرات وأخطرها منكرات الأعياد البدعية؛ لأنها من الشعائر التعبدية، ومن الشعارات التي تتميز بها الأمم، والتساهل فيها إنما هو حكم بالذلة، وحكم بالمجاهرة بالمعاصي وبالمبتدعات، وهذا مغبته ليست فقط على الذين يعملونه، وإنما مغبته على الجميع، بل على حساب الأمة في دينها ودنياها، ولأنه ينافي القوة والعزة والمهابة التي عليها الأمم.
فإذاً: على الجميع أن يعملوا جهدهم في النصح لله تعالى ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم في هذا الأمر.. وغيره.
ووجوه النصح بحمد الله مفتوحة ومتاحة، فعلى كل مسلم أن يتقي الله في هذا الأمر، وأن يبين وأن يناصح ويعمل جهده.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
حكم المشاركة في الاحتفالات المحرمة بأمر من الجهات المسئولة في الدولة
الجواب: مثل هذا الأمر الذي يأتي من طريق جهات رسمية أرى أن يعالج على مستوى الجهات المسئولة، ولا بد من رفع هذا الأمر إلى المسئولين، وإلى المشايخ الذين يملكون البت في هذه القضية، ولا يمكن لمثلي أو لأي فرد من الإخوان أن يقوم هو بمفرده ويبت في هذه الأمور، أو يصل فيها إلى نتيجة عملية، وإنما لابد من رفع الأمر إلى المسئولين وإلى المشايخ، والأخذ إن شاء الله بالوجهة الشرعية التي تبرأ بها الذمة وتقتضيها المصلحة.
واجب المسلم تجاه أعياد الكفار والمشاركين فيها
الجواب: في رأيي أن هذا الأمر لابد فيه من أشياء:
أولاً: البيان للحكم الشرعي في مسألة المشاركة في أعياد الكفار، أو في إظهارها بين المسلمين، سواء كان ذلك بالكتاب، أو بوسائل الإعلام، أو بنشر الفتاوى، أو بالمحاضرات، أو بالندوات.. وغيرها.
ثانياً: لا بد من إشعار غير المسلمين -بطريقة مناسبة- بأن ما يعملونه في أعيادهم يتنافى مع دين البلد ومع عقيدتها، وأنه يصادم ويسيء إلى هذا المجتمع، ويصادم ما هو عليه هذا البلد من الدين والعقيدة والشرع القويم، وكثير من الكفار الذين في البلد ربما لو قيل لهم هذا لاحترموا هذا المبدأ، بناءً على أنهم في الأصل لابد أن يحترموا البلاد وأهلها ودينها، وهذا أمر ضروري، أعني: البيان للكفار، لكن بطريقة مشروعة وبأسلوب مناسب ليس فيه استفزاز، ويتحرى فيه المصلحة أيضاً، وإذا ظن أن هذا العمل قد تكون له أضرار أكبر؛ فيمكن أن تسلك أساليب أخرى.
ثالثاً: أرى أنه من الضروري تتبع الجهات التي تظهر فيها أعياد الكفار، وإبلاغ المسئولين بها في الأمن والشرطة والإمارة والهيئات أولاً بأول، وإبلاغ المشايخ كذلك، لعل المشايخ أو الجهات المسئولة تملك -بل أكيد أنها تملك- من القدرة أكثر مما يملك الأفراد.
وهناك من الأساليب أرى أنها لا تجوز، كاستعمال القوة أو العنف تجاه أي عمل من هذا النوع؛ لأن القوة لا يملكها إلا من بأيديهم التغيير لذلك المنكر.
وأقصد بهذا أنه لا ينبغي للفرد المسلم أن يسلك مسلك العنف في تغيير هذه المنكرات؛ لأنه لا يملك ذلك، وعلى هذا فأقول: إن سبيلنا الذي نستطيعه هو المناصحة والبيان، وإبلاغ الجهات المسئولة بذلك.
وأيضاً إشعار الذين يعملون هذه الأعياد بأن هذا لا يجوز، وأنه يتنافى مع أوضاع البلد.. إلى آخره.
والناصح لن يعدم من أساليب النصيحة، والذي ليس عنده فقه كامل في النصيحة، بمقتضياتها وآدابها وشروطها وقواعدها ينبغي عليه أن يسترشد بطلاب العلم والدعاة والمشايخ.
حكم من أقام حفلاً مرة واحدة في حياته بمناسبة ما
الجواب: ما دام أنه أخذ صفة التعييد فهو عيد حتى لو لم يتكرر؛ لأنه ليس من شروط العيد أن يتكرر، وما دام أنه سمي عيداً واحتفل به على نحو الاحتفال بمولد الشخص فهو عيد؛ لأنه عبارة عن إحياء ذكرى قد تكررت، وهي ما بين الميلاد والعيد، فهنا يكون ممنوعاً، أما لو كان يوماً مفرداً من الأيام يعمل فيه عملاً من الأعمال التي تنفع المسلمين في دينهم ودنياهم فهذه مسألة أخرى، أما ما دام أنه تعلق بمولد الشخص ووفاته، وكان بمناسبة مصادفة المولد ليوم معين، فهذا لا يجوز؛ لأنه أخذ صفة العيد.
حكم الاحتفال بمناسبات مادية دنيوية كعيد الشجر وغيره
الجواب: ليس من شروط العيد أن يكون تعبدياً فقط، بل متى ما توافرت صفات التعييد في أي مناسبة فلها حكم العيد، والاحتفال بيوم معين أياً كان اسمه يتكرر في السنة، أو يتكرر بشكل دوري كل سنتين، أو كل عشر سنوات مثلاً فإنه عيد، لكن ما حكمه على جهة التفصيل؟ بمعنى: ما مدى حرمته؟ هل هي كحرمة العيد الشرعي، أي: العيد المتعبد به أو أقل من ذلك؟ هذه مسألة لا بد من تفصيلها عند أهل العلم، وآمل أن تعرض هذه المشكلة على هيئة كبار العلماء، أو على لجنة الفتوى؛ لبيان التفصيل فيها.
أما كون التعييد بهذه الأيام مثل يوم النظافة وغيرها فمحرم؛ لأنها تأخذ صفة العيد، وقد سمعتم فتوى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله، وفيها القول الفصل، لكن مع ذلك فهناك تفصيل في هذا الحكم، ما درجة الكراهية؟ أو ما درجة التحريم؟ وما الذي يحرم فيه؟
هذه مسألة في نظري لا أستطيع أن أفتي فيها، وهي أكبر من أن أقدر على الحكم فيها على جهة التفصيل؛ فلتعرض على المشايخ.
حكم رد التهنئة على الكفار عند تهنئتهم لنا بأعيادهم
الجواب: بمقتضى ما عرفناه من النصوص وأقوال علماء هذه الأمة من المحدثين والفقهاء وأئمة الدين ومشايخنا في هذا العصر أنه لا يجوز مبادلتهم بالتهنئة، ومن هنأنا منهم بعيده كما قال الشيخ محمد بن عثيمين فلا يرد عليه بالتهنئة، والفتوى واضحة في هذه المسألة بالذات.
وأعيد قراءة الجزء المختص بجواب هذا السؤال:
يقول الشيخ: وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك؛ لأنها ليست بأعياد لنا. فهذا كلام الشيخ محمد بن عثيمين ، بل هو أيضاً كلام سائر أهل العلم.
حكم استخدام التاريخ الميلادي وإغفال التاريخ الهجري
الجواب: إن استخدام التاريخ الميلادي هو نوع من التبعية للكفار، لكن حكمه لابد فيه من التفصيل؛ لأنه قد يجوز أحياناً استخدامه لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين في مصالحهم الدنيوية، أو علاقاتهم مع الأمم الأخرى، أو لضبط أوقات تقتضي الأحوال والمصلحة ذلك.
فلذا من وجوه التفصيل: أنه إذا وضع التاريخ الميلادي مرادفاً للتاريخ الهجري فأرى أنه لا مانع من ذلك، كأن تؤرخ الصحف والمجلات، أو الأمور التي تقتضي أن نتعامل فيها مع الدول الأخرى، كالخطابات التي تذهب إلى الخارج، والمواعيد التي ترتبط فيها الدول -المواعيد الدولية- فيبدأ فيها بالتاريخ الهجري ثم بالتاريخ الميلادي، وهذا هو الأصل، فيقال: يوم كذا من الهجرة، الموافق ليوم كذا من الميلادي، فهذا لا مانع منه إذا كان لمصلحة.
كذلك: استعمال التاريخ الهجري لأمور تخصنا في هذا البلد، كتواريخ الأغذية المصنعة في البلد، كالألبان.. وغيرها، والمنتجات المحلية، فأرى أنه من الذل والصغار والانهزامية أن نؤرخ بالتاريخ الميلادي، حتى وإن كان بيننا كفار قد ابتلينا بوجودهم لضرورة معينة، فينبغي أن يعرفوا تاريخنا ولا نخضع لتاريخهم.
ولذا فينبغي أن تكون التواريخ المتعلقة بأحوالنا الداخلية كلها بالهجري دون استثناء، سواء ما يتعلق بقرارات، أو ما يتعلق بمنتجات، أو ما يتعلق بمواعيد، أو مناسبات علمية.. إلى غير ذلك.
لكن الملاحظ الآن أنهم يبدءون بالتاريخ الميلادي في كثير من المؤسسات، كالطيران.. وغيرها، ويبدو لي أنهم يبدءون بالتاريخ الميلادي لسببين:
الأول: أن هناك من يتعمد إثارة هذه المسألة، وإرغام المسلمين على تواريخ غيرهم، وهناك طائفة من المسلمين فيهم غفلة واستغفال، ويظنون أن هذا نوع من إظهار التطور، وإظهار التقرب إلى الكافرين بأي نوع من أنواع التقرب، وهذا ربما قد يكون عن جهل أو عن غفلة، لكن هناك من يتعمد ذلك.
الثاني: أن بعض العمال في هذه المؤسسات التي تؤرخ بالميلادي هم أصلاً من غير المسلمين، أو من المسلمين الذين لا يعرفون التاريخ الهجري؛ بسبب تأثير الاستعمار ومسخ الاحتلال لكثير من مظاهر الإسلام في البلاد الإسلامية الأخرى، فهم لا يعرفون من التاريخ إلا الميلادي، ومن هنا قد يصعب على بعضهم أن يتعرف على التاريخ الهجري، لكن هذا لأن هناك تفريطاً من الإدارات والجهات المسئولة، والذي أعرفه أن التعاليم الصادرة من قبل الدولة توجب الاهتمام بالتاريخ الهجري واستعماله قبل التاريخ الميلادي، أو استعماله مفرداً، وبناء عليه كل من يعمل بالتاريخ الميلادي أو يتجاهل الهجري تجاوز الأنظمة.
وعلى المسئولين على الأنظمة أن يتقوا الله في هذا، وأن يلاحظوا هذا التجاوز الذي يضر بدين الأمة وعزتها وهيبتها وكرامتها.
وأما استخدام التاريخ الميلادي المجرد فلا شك أنه لا يجوز؛ لأنه -كما تعرفون- تبعية للغير.
حكم من يخصص للعمرة يوماً محدداً من السنة
الجواب: إذا كان تحديد اليوم من السنة للعمرة يقصد به التعبد لله تعالى، بمعنى: أنه يرى أنه يجب عليه أو ينبغي له أن يوقع العمرة في هذا اليوم على جهة التعبد والتشريع فهذا لا يجوز.
أما إذا كان من باب التحري ليوم من الأيام الفاضلة، كليلة سبع وعشرين، أي: ليلة القدر، أو ليلة عرفة، أو يوم عرفة لمن لم يكن حاجاً، أو كان حاجاً وأراد أن يغتنم فضل ذلك اليوم، فيؤدي فيه عمرة.. أو نحو ذلك، دون تعبد أو إصرار متعمد بألا يستجيز العمرة في غير هذا اليوم.. ونحو ذلك، فهذا لا يجوز.
أما مجرد تحري اليوم الفاضل والزمان الفاضل فأرجو ألا يكون به بأس.
لكن هناك أيضاً نوع آخر من تحري العمرة في بعض الأيام التي فيها مناسبات غير مشروع الاحتفال بها، فيتعبد بأداء العمرة فيها، كبعض أيام رجب، أو بعض أيام شعبان، أو ليلة الإسراء والمعراج؛ وهناك ما يسمى بالعمرة الرجبية، فيعمل ذلك المبتدعة، ويظنون أن ذلك من باب السنن، وهي في الحقيقة بدعة لا تجوز.
وكتحري أيضاً العمرة ليلة المولد، فهذا أيضاً بدعة؛ لأن وضع العمرة في يوم مناسبة لأهل البدع لا يجوز.
وأما التحري ليوم فاضل من الأيام التي يشرع فضلها فلا بأس به، بشرط ألا يكون على وجه التعبد.
حكم إقامة الاحتفالات الجماعية للأطفال والكبار في عيدي الفطر والأضحى
الجواب: هذا سؤال متقن، وأشكر السائل على اهتمامه بهذه المسألة، وقبل أن أجيب عليه ينقدح في ذهني الآن منشأ هذا السؤال، فأقول: ما منشأ هذا السؤال؟
والجواب: إذا كان القصد هنا إظهار الفرح والتعاون والتعاطف وإفشاء السلام ولعب الأطفال ومرحهم فيما بينهم، والاجتماع للصلاة، والاجتماع على المائدة، أعني: مائدة الأعياد المباحة، فهذا أمر واقع.
وأخشى أن يكون هناك نزعة عند بعض الناس لتنظيم هذه الأمور بشكل يتدرج إلى المحظورات وهم لا يشعرون، وقصص كثيرة مما تقع فيها الأمة من بدع ومن محدثات، وما تقع فيه الأمة من الفسق والفجور وإظهار الفواحش هو عن طريق استعمال المشروع للتدرج إلى غير المشروع.
مع أنه واقع فعلاً أن الناس يلبسون أحسن الملابس، ثم يجتمعون للصلاة في مصليات العيد، ثم بعد صلاة العيد يهنئ بعضهم بعضاً، ويسلم بعضهم على بعض، ثم يتزاورون فيما بينهم، فيتزاور الجيران وأهل الحي الواحد، والأقارب فيما بينهم، ويسافر بعضهم لبعض عند الحاجة، ثم بعد ذلك يتيحون الفرصة للأطفال بنين وبنات يلعبون مع بعضهم في حدود السن التي لا يحرم فيها الاختلاط، هذا هو الواقع.
لكن أن تنشأ مؤسسات تعمل على هذا، بمعنى: أننا نجعل لهذا نظماً وطرائق، فأرى أن هذا خروج عن مقتضى الفطرة هذا أولاً.
ثانياً: أنه يبعدنا عن البساطة والبراءة التي عليها الناس.
ثالثاً: أنه سيدخل أساليب وطرقاً ونظماً تجرُّ الناس إلى المهلكات، وإلا فما أشار إليه السائل هو الواقع ولا داعي لأن نقترحه، ولا أن نعمل عليه، ولنبقى على ما نحن عليه بحمد الله، ونحن على السنة في العيد بحمد الله، ولا تزال السنة في الأعياد هي الظاهرة، والناس يصلون ويجتمعون ويهنئ بعضهم بعضاً، ويتكاتفون ويتعاونون، ويلعب الأطفال ويظهرون شيئاً من المرح، والعيد قد يجوز فيه أحياناً ما لا يجوز في غيره، مثل مرح الأطفال، وإنشادهم الأناشيد والأغاني المباحة التي ليس فيها إسفاف ولا تبذل، وكل هذا يجوز في العيد ما لا يجوز في غيره.
فإذاً: المسألة بحمد الله واضحة، ولا داعي لأن نتكلف إحداث سبل ووسائل يكون فيها المحظور، وبالعكس فما أعرف أن الأمة يوم العيد تعاني من فراغ، بل العكس هو الصحيح، فالناس يضيق عليهم يوم العيد، وخاصة عيد الفطر، فيضيق عليهم للسلام وتبادل الهدايا وتبادل الأفراح، والتزاور والتكافل، ويضيق عليهم الوقت بسبب تباعد المسافات الآن في المدن، أما في القرى فالأمر أسهل.
وإنما الوقت الذي يضيع ويهدر، ويشعر فيه الإنسان بفراغ، هو وقت وفراغ طائفة من الفساق الذين لا يشاركون المسلمين الصلاة، ولا يشاركونهم الأفراح، فهؤلاء فعلاً يشعرون بالفراغ القاتل، لكنهم بحمد الله هؤلاء قلة، وهؤلاء مشكلتهم ليست في عدم وجود إظهار السنن في الأعياد، وإنما مشكلتهم هي في البعد عن المسلمين، واعتزالهم الجماعة، وعكوفهم على معاصيهم وفسقهم وفجورهم.
حكم الاحتفال بعيد الكريسمس في بلاد المسلمين
الجواب: ربما هناك أيضاً شركات غير شركة (أرامكو) تحتفل بذلك، لكن شركة (أرامكو) هي أظهر من غيرها، ومبدئياً لا شك أن هذا العمل في بلاد المسلمين غير جائز، لكن لا أدري ما يكتنفه من أحوال ومن ظروف للشركة؟ ولا شك أن هذا الإجراء الذي هو إعطاء إجازة حتى للموظفين المسلمين يوم عيد النصارى أو اليهود لا يجوز في الشرع.
وأرى أنه لابد للعاملين من المسلمين في الشركة أن يتفاهموا مع المسئولين وإدارة الشركة على الفصل في هذا الموضوع.
وإذا كان فيها من الكفار عدد ويريدون أن يقيموا لأنفسهم عيداً -عيد ميلادهم- فعليهم أن يعلموا بأحكام الشرع، وهي: أن يخفوا هذا العيد ولا يظهروه، وألا يشاركهم مسلم، وألا يعلن التعطيل للعيد إعلاناً ظاهراً، وألا يكون هذا الأمر مما يلزم به الموظف المسلم، لكن هذا كلام نظري، ويحتاج الأمر إلى مدارسة شرعية على ضوء ما عليه هذه البلاد -بحمد الله- من إظهار للشريعة والعمل والالتزام بموجبها، ولابد من التحاكم إلى شرع الله، وهذا لا يتم إلا بالطرق المناسبة في الشركة، وأرى أن على المسلمين الذين في الشركة أن يجتمعوا فيما بينهم مع مسئوليهم ومع مدير الإدارات أو رئيس الشركة أو مجلس الإدارة فيها، وأن يناقشوا القضية مناقشة جادة على ضوء النظم الشرعية، ولابد -إن شاء الله- أن يصلوا إلى ما فيه المصلحة.
حكم تهنئة الدول الكافرة بأعياد استقلالها
الجواب: المصيبة ليست فقط في هذا المظهر المخالف للشرع، وإنما المصيبة الكبرى أن عدداً كبيراً من البلدان الإسلامية تحتفل بأعياد الكفار، وليس فقط تهنئهم، وفي بعض البلاد العربية فضلاً عن الإسلامية -بلاد العجم- تعطل في أعياد الكفار، حتى العيد الأسبوعي، فأنا أذكر في تركيا منذ زمن -لا أدري هل الأحوال قد تبدلت أو لا تزال؟- كان يوم الجمعة يوم عمل! والمسلم ليس له أن يذهب ليصلي الجمعة، والعطلة يومي السبت والأحد، وكأن المسلمين ما لهم وجود أصلاً، مع أن عدد المسلمين في البلد (98%) إن لم يكن أكثر، يعني: أن الإسلام فيها هو الأصل، وأرضها أرض إسلام، وهي دار الخلافة الأخيرة، إذ إن آخر خلافة سقطت للمسلمين هي الخلافة العثمانية التركية، ثم إن من البلاد العربية من يعطل أيضاً يومي السبت والأحد، وكثير من البلاد تحتفل بأعياد النصارى، بل وأعياد اليهود أيضاً؛ مجاملة لمن فيها من أقليات أو شرذمة من اليهود أو الكفار الوافدين، ومع ذلك فرضت عليها الأعياد بدساتيرها وأنظمتها، وشرعت تشريعاً من دون شرع الله.
إذاً: فمسألة التهنئة وإن كانت لا تجوز تأتي في المرحلة الثالثة، وهذه ربما تكون ناتجة للمجاملات الدولية والعلاقات الدولية الأخرى، لكن ومع ذلك لا تجوز، لكن الحكم فيها أخف من الأمور الأخرى التي ذكرتها.