أرشيف المقالات

نصيحة محب ومشفق في التحذير من المعازف والغناء

مدة قراءة المادة : 13 دقائق .
نصيحة محب ومشفق في التحذير من المعازف والغناء
١- مقدمة عن نعمة السمع.
٢- خطورة الغناء والمعازف.
٣- كيف السبيل للنجاة من هذه الآفة؟ الهدف من الخطبة:
التحذير من الآفة التي انتشرت بين الشباب والنساء حتى صارت تتسلَّل إلى أفراحنا، ووصلت حتى إلى الصغار.
مقدمة ومدخل للموضوع: • فإن السمع نعمة من نعم المولى سبحانه وتعالى التي أنعم بها على الإنسان، وبها تكتمل خلقته على أقوم وأحسن هيئة: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وتكتمل به خلقته في أحسن صورة:﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 7، 8].

• ثم بيَّن الله تعالى أن العبد سيُسأل يوم القيامة عن كل صغيرة وكبيرة سمعها: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].

• يسأله الله تعالى عن عمره كله جملة واحدة، ثم يسأله تفصيلًا عن كل عضو من الأعضاء؛ بل إن هذه الأعضاء والجوارح ستنطق وتشهد على صاحبها يوم القيامة: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس: 65]، ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [فصلت: 20].

• والسمع كغيره من النعم التي قد يستخدمها الإنسان في الخير أو الشر؛ فهناك من يسمع القرآن والمحاضرات، وآخر يسمع المعازف والغناء، هناك من يكسب بأذنيه الحسنات، وآخر يكسب بهما السيئات عندما يترك لهما العنان بسماع المغنيين والمغنيات.
• أيها المسلمون، عباد الله، مع آفة من الآفات السيئة التي انتشرت بين أوساط كثيرٍ من شباب هذه الأمة: إنه مزمار الشيطان، وبريد الزنا، ومنبت النفاق؛ إنه الغناء، مأساة والله أن تجد هذه الوسائل الحديثة من التقنيات تُستغَل في نشر مثل هذه الرذائل، مأساة عمَّتْ بها البلوى؛ حتى أصبحت تسمعها في كل مكان؛ بل وقد تسمعها داخل المساجد من خلال نغمات ورنَّات الهواتف المحمولة، مأساة وأي مأساة أن يُصرَف العبد عن دينه، ويُنزَع منه الحياء والغيرة، ويتعلَّق قلبه بالمطربين والمطربات، وما يُقدِّمونه من أغنيات، فتراه يترنَّم معها ويدندن ويتمايل مع كلماتها الماجنة؛ ولذلك أحبتي الكرام، فهذه نصيحة محب ومشفق في التحذير من هذه الآفة، وبيان خطرها على العبد؛ بل وعلى الأُمَّة، مع بيان شدَّة حرمتها، وبيان عقوبتها.
خطورة الاستماع إلى المعازف والغناء: 1- الاستماع إلى المعازف والغناء من أشد المحرمات التي اتفق السلف (من الصحابة والتابعين) على حرمتها، وأنه ينبت النفاق، وأنه من لهو الحديث الذي ذكره الله عز وجل في كتابه العزيز: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
 
• قال ابن مسعود رضي الله عنه أعلم الأُمَّة بالقرآن: والله الذي لا إله إلا هو، إن ذلك هو الغناء، يُردِّدها ثلاث مرات، وقول الصحابي وتفسيره للقرآن حُجَّة؛ لأن الصحابة هم أعلم الأمة بالقرآن لفظًا ومعنًى، وتفسيرهم هو المرتبة الثالثة من مراتب تفسير القرآن الكريم، وقال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: ما تقول في الغناء، أحلالٌ هو أم حرامٌ؟ فقال له: أرأيت الحق والباطل إذا جاءا يوم القيامة، فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.
• كما اتفقت كلمة الأئمة الأربعة على تحريم الغناء؛ قال الإمام مالك: ما يفعله عندنا إلا الفُسَّاق، وسُئل الإمام أحمد عن الغناء؟ فقال: الغناء ينبت النفاق في القلب ولا يعجبني، وقال الشافعي: إن الغناء لهو مكروه يشبه الباطل والمحال، ومَنِ استكثر منه فهو سفيه تُرَدُّ شهادتُه، وقال أبو حنيفة: إن فاعله من الفُسَّاق، وإن الذين يمكثون عليه ممن تُرَدُّ شهادتهم.
• وقال الإمام الأوزاعي: لا تدخلْ وليمةً فيها طَبْل ومعازف.
 
2- الاستماع إلى المعازف والغناء يصُدُّ عن الذكر، ويُورِث الغفلة، والبُعْد عن الله تعالى، فقذ ذكر أهل التفسير أن سبب نزول هذه الآية: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ﴾ [لقمان: 6]: أنها نزلت في النضر بن الحارث الكلدي؛ حيث كان يشتري الجواري والمغنيات، ويفتح ناديًا للَّهْو والمجون، ويدعو الناس إلى ذلك؛ ليصرفهم عن الإسلام؛ حتى لا يجلسوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمعوا القرآن؛ ولذلك فإنَّ أبعد الناس عن الله تعالى، وعن الطاعات والعبادات هم أهل الغناء، ممن تعلَّقَتْ قلوبُهم بهذه الآفة، فكيف لمن قضى ليله كله مع الأغاني أن يُصلِّي الفجر؟! وكيف بمن ملأ قلبه بحب الغناء أن يحفظ كلام الرحمن، وأن يُحافِظ على الأذكار؟!
3-الاستماع إلى المعازف والغناء وقوع فيما حذَّر منه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأُمَّة، روى البخاري عن أبي مالك الأشعري أنه سمِعَ النبي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَّ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ)).
4- الاستماع إلى المعازف والغناء سبب لسخط الله جل في علاه وغضبه، والتعرض للعقوبة العاجلة قبل الآجلة في الآخرة، فقد قال الله تعالى في ختام الآية: ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ﴾ [لقمان: 6].
• وروى البزار في مسنده، وصحَّحه الألباني عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، وصوتُ ويلٍ عند مصيبة))، وروى الترمذي، وصححه الألباني عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ))، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: ((إِذَا ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ، وَشُرِبَتِ الْخُمُورُ))، وفى الحديث الصحيح: ((لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ، يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا، يُعْزَفُ عَلَى رُؤُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ، وَالْمُغَنِّيَاتِ، يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ، وَيَجْعَلُ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ)).

5- الاستماع إلى المعازف والغناء سببٌ من أسباب تسلُّط الشياطين؛ لأنه مزمار الشيطان، ويطرد ملائكة الرحمن، قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا ﴾ [الإسراء: 64]، قال غير واحد من المفسرين من الصحابة والتابعين: صوت الشيطان في هذه الآية المراد به: الغناء.
• قال عمر بن عبدالعزيز: الغناء مبدؤه من الشيطان، وغايته سخط الرحمن.
6- الاستماع إلى المعازف والغناء إصرارٌ على المعصية، وانتهاك لحرمات الله تعالى، ولك أن تتخيَّل من يترنَّم مع أغنية مطربه المفضَّل، ويتمايل معها لساعات طويلة.
7- الاستماع إلى المعازف والغناء هو من المجاهرة بالذنب عياذًا بالله، وهو من نشر الفاحشة والرذيلة في أوساط المجتمع، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19].
• وفي الحديث الصحيح: ((كُلُّ أُمَّتي مُعافًى إلا المجاهرينَ))، ومن هذه المجاهرة ما يفعله البعض من إسماع الناس الغناء والطرب، في البيوت، والأفراح، والمقاهي، والسيارات، والجوَّالات، والاحتفالات.
8- الاستماع إلى المعازف والغناء ضياعٌ للأوقات، تأمَّل كم وقت الأغنية؟ وكم أغنية يسمعها في اليوم؟ 9- الاستماع إلى المعازف والغناء تعلُّق للقلب بغير الله جل في علاه، فيتعلق قلبه بالمطرب الفلاني، فتجده يتتبع أحدث إصداراته وألبوماته، ويتتبع تفاصيل أخباره ورحلاته، وطوال يومه يُردِّد أغنياته وكلماته، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
• يقول أحد الشباب: والله لا أستطيع أن أقرأ الفاتحة في الصلاة من كثرة ما اعتاد لساني ترديد الأغاني.
• قال ابن القيم رحمه الله: • حُبُّ القرآنِ وحُبُّ ألحانِ الغناءِ = في قلبِ عَبْدٍ ليس يجتمعان • والله ما سلمَ الذي هو دَأْبُه = أبدًا من الإشراك بالرحمن • وإذا تعلَّق بالسماع أصاره = عبدًا لكلِّ فلانةٍ وفلان

10- الاستماع إلى المعازف والغناء سببٌ لكل خُلُقٍ سيِّئ، وسببٌ لانتشار الفواحش في المجتمعات، كما قال العلماء: الغناء بريد الزِّنا؛ لا سيَّما إذا كان بأصوات المغنيات الفاتنات، أو كما يقولون: الفيديو كليب.
• كان يزيد بن معاوية يقول: يا بني أمية، إياكم والغناء؛ فإنه يُنقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فالغناء ينقص من العبد الحياء، والغيرة على الدين.
• ولك أن تتخيل حياة أهل البادية قديمًا، وأنهم ينكرون ذلك؛ والدليل أن الشاب ما يستطيع سماع ذلك أمام والده ولو حتى كان سماعًا عابرًا من غير قصد.
نسأل الله العظيم أن يحفظ أسماعنا من سماع المحرمات، وأن يهدي شبابنا، ويتوب علينا أجمعين.
الخطبة الثانية:
كيف السبيل للنجاة من هذه الآفة؟ كيف نحفظ أسماعنا من الغناء؟ لا شكَّ أن البداية ستكون صعبة لمن تعلَّق قلبه بالغناء؛ لكن الأمر يحتاج إلى مجاهدة وصدق عزيمة للتخلص من ذلك، ويكون بعدة أمور: 1- التوبة إلى الله تعالى بشروطها، ومنها الإقلاع عن الذنب؛ بمعنى: لا بد أن تتخلص الآنَ الآنَ من أي نوع غناء أو موسيقى في الهاتف، وذلك بمسحها، وحذفها بالمرة.
2- الاستعانة بالله تعالى أن يُكرِّه ويُبغِّض في قلبك الغناءَ، وأن يُحبِّب إليك الذكر والقرآن.
3- تذكَّر أن الله تعالى أثنى على المحافظين على أسماعهم من سماع اللغو والباطل، يقول الله تعالى في ذكر صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ﴾ [الفرقان: 72]، ﴿ وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ﴾ [القصص: 55]، ألا تريد أن يُثني عليك ربُّك ومولاك؟! 4-علمك أنك مسؤول عن كلمة محرمة سمعتها، فاحذر كل الحذر: ﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 36].
5- عدم الاغترار بكثرة من يسمعها، ولا بمن يروِّج لها، مهما زعموا أنهم نجوم الفن، وأنهم نجوم الشاشة، وأن هذا النجم الفلاني، وغيرها من الألقاب البرَّاقة، إلا أنهم أحقر وأذل الناس عياذًا بالله من الخذلان.
6-كذب مقولة: إنه للترفيه وراحة البال، وغيرها من الأكاذيب والحيل الشيطانية، فالطمأنينة والسكينة وراحة البال إنما في طاعة الله تعالى، والاستماع إلى القرآن الكريم، والمواعظ التي ترقق القلوب.
7- تذكَّر الموت والخوف من سوء الخاتمة، أما تخاف أن يأتيك ملك الموت وأنت تسمع الغناء؟! 8- مفارقة أصحاب السوء الذين يذكرونك بالغناء، ومفارقة مجالسهم الشيطانية، وكذا الأماكن التي فيها غناء، روى أبو داود عن نافع قال: سمِع ابن عمر مزمارًا، فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافعُ، هل تسمع شيئًا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا.
نسأل الله العظيم أن يحفظ لنا أسماعنا، وأن يلهمنا رشدنا، ويهدي شبابنا.

شارك الخبر

مشكاة أسفل ٢