فقه العبادات - الصلاة [16]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.

اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بما نسمع ونقول، وأن يجعل ما تعلمناه حجةً لنا لا علينا، وأن يجعلنا من الأئمة الذين يقتدى بهم في القول والعمل مخلصين لوجه الله سبحانه وتعالى.

أيها الإخوة! وكنا قد وصلنا في مسائل الصلاة إلى ما يكره في الصلاة، حيث إننا قد انتهينا في الدرس الماضي من صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا ما فتح الله سبحانه وتعالى به علينا من الأحكام المتعلقة بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

أما اليوم فلعلنا نبقى في بعض المسائل التي قال فيها أهل العلم إنها تكره في الصلاة، فنلاحظ هل هذا القول بالكراهة له دليل وهل القول بالتحريم أقوى من القول بالكراهة، أو القول بالإباحة أقوى من هذا وذاك؟ ولهذا سوف نقترب إن شاء الله من بيان الدليل، وخلاف أهل العلم في هذا على ما يسمح به الوقت.

الالتفات بالقلب

الشيخ: ذكر بعض أهل العلم أنه يكره الالتفات في الصلاة مطلقاً، ولهذا لعلنا نقول: إن الالتفات في الصلاة أنواع:

الأول: التفات القلب، بمعنى أن الإنسان ربما يقرأ القرآن ولا يستحضره، فيلتفت قلبه عن تدبر القرآن، وعن تأمل الآيات والأحاديث والأذكار، وهذا الالتفات أجمع أهل العلم على أنه لا يبطل الصلاة، كما ذكر ذلك الغزالي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهذا الأمر هو الخشوع، وقد ذكر زياد في حديث رواه قال: ( يوشك أن تدخل الجامع فلا تكاد تجد خاشعاً )، وهذا الخشوع هو أول ما يرفع من هذه الأمة.

ولأجل هذا ينبغي أن يعلم الإنسان أنه ( ليس له من صلاته إلا ما عقل منها )، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: (أن المرء إذا توضأ على نحو ما فعله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً، ثم صلى ركعتين مقبلاً على الله تعالى بوجهه، لا يحدث بهما نفسه، غفر الله له ذنبه).

وقد قال النووي رحمه الله: إن الإقبال على الله ليس معناه ألا تعتريه وساوس الشيطان، فإنه إذا اعترته وساوس الشيطان فاسترسل فلا يكون داخلاً في هذا الحديث، وإن لم يسترسل بل تعوذ بالله من شره، ونفث على يساره ثلاثاً كما في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص ، فإنه بإذن الله يكون داخلاً في هذا الحديث.

الالتفات بالرأس

الشيخ: الثاني: التفات بالرأس، مثل أن يلتفت ذات اليمين أو ذات اليسار، فهذا إن كان لحاجة فلا حرج، وقد روى أبو داود من حديث سهل بن الحنظلية : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فجعل يلتفت إلى الشعب)، وهذا حينما خشي أن يأتيه العدو وهو يصلي صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي ويلتفت إلى الشعب، قال أهل العلم: فهذا الالتفات لا حرج فيه؛ لأنه لحاجة.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال: (يا رسول الله! إن الشيطان يأتيني في صلاتي ليفلت علي صلاتي أو قراءتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله من شره ثلاثاً، وانفث عن يسارك).

قال أهل العلم: ففي هذا دلالة على أن الإنسان إذا أحس وسوسة الشيطان -والذي يسمى خنزب- فلا حرج أن يلتفت ثلاثاً فيقول: أعوذ بالله منك، أعوذ بالله منك، أعوذ بالله منك، وينفث عن يساره.

ولو التفت يسيراً وهو في الصلاة فلا حرج في ذلك، ومن الأدلة على هذا: (أن أبا بكر رضي الله عنه حينما كان يصلي، فجعل الصحابة يسبحون حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر لا يلتفت، قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده أن ابق مكانك، ثم رفع يديه، ثم رجع القهقرى فتقدم صلى الله عليه وسلم)، والحديث في الصحيحين.

قالوا: فالتفات أبي بكر رضي الله عنه كان لحاجة.

الثالث: التفات الرأس من غير حاجة، وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فذهب جماهير أهل العلم إلى أن التفات الرأس من غير حاجة مكروه، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك شيطان يقال له: خنزب )، وفي حديث الحارث الأشعري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآمركم بالصلاة، فإن الله سبحانه وتعالى قبل وجه عبده ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه)، قالوا: ففي هذا دلالة على أن الالتفات يجعل الله سبحانه وتعالى يصرف وجهه عن وجه العبد، وهذا يدل على أن هذا الفعل مكروه.

وإنما قلنا بالكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما نهى عنه دل على أن النهي للكراهة كما قال علماء الأصول، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقد جاء من حديث أنس عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياك والالتفات في الصلاة؛ فإنه هلكة)، وهذا الحديث لو صح لكان دلالة على الحرمة، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث في سنده ضعف، ولهذا أشار الترمذي رحمه الله إلى ضعفه، فعلى هذا فالالتفات ذات اليمين أو ذات اليسار من غير حاجة مكروه، وهذا هو قول جماهير أهل العلم.

وقال بعض العلماء بأن ذلك محرم، والراجح -والله أعلم- أن ذلك مكروه.

الالتفات بالكتفين عن القبلة

الشيخ: ومن أقسام الالتفات: التفات الكتفين، بحيث يلتفت حتى يخرج عن القبلة، بأن يجعل القبلة عن يساره أو عن يمينه، فالراجح -والله أعلم- أن هذا يبطل الصلاة، فإن كان التفاتاً يسير فهذا محرم ولكن الصلاة صحيحة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما عند الترمذي بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (ما بين المشرق والمغرب قبلة)، قال أهل العلم: وهذا في المدينة؛ لأن قبلة المدينة كانت في الجنوب.

فدل ذلك على أن الإنسان إذا التفت منحنياً عن القبلة شيئاً يسيراً فهذا مكروه أو محرم على الخلاف، ولهذا فالذي يظهر أن ذلك محرم ولكن الصلاة صحيحة، فإن كان انحناءً شديداً بحيث يخرج عن القبلة فإن هذا محرم وصلاته باطلة، هذا هو الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

رفع البصر إلى السماء

الشيخ: ذكر أهل العلم أن مما يكره في الصلاة رفع المصلي البصر إلى السماء وهو في الصلاة، سواء كان للدعاء أم غير الدعاء، وهذا مذهب جماهير أهل العلم، وفي رواية للإمام أحمد اختارها ابن حزم أن ذلك محرم، ولعل هذا أظهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم)، والحديث متفق عليه.

ففي هذا دلالة على أن الإنسان لا يجوز له أن يرفع بصره إلى السماء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (أو لتخطفن أبصارهم)، وهذا دلالة على شدة هذا الأمر، ولا يدعو صلى الله عليه وسلم إلا على فعل محرم، ولهذا كان الراجح هو مذهب ابن حزم ، ورواية عند الإمام أحمد خلافاً لجماهير الفقهاء، فإنهم قالوا: إن رفع البصر مكروه، كما هو مذهب الحنابلة والمالكية والشافعية.

هذا إذا كان ذلك في الصلاة يكون محرماً، أما إذا كان ذلك خارج الصلاة ولو في الدعاء كما يفعل بعض العامة إذا رفع يديه يرفع بصره يقول: يا رب يا رب -فهذا جماهير أهل العلم على أنه مباح، ومما يدل على ذلك رواية: (لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء في الصلاة)، وفي رواية: (في صلاتهم)، فدل ذلك على أن النهي إنما هو في الصلاة.

وذهب ابن حزم إلى أن النهي محرم سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة إذا كان في الدعاء؛ استدلالاً بالرواية الأخرى: (لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم إلى السماء في الدعاء)، ولم يذكر في الصلاة، والراجح والله أعلم أن هذه الرواية مختصرة، وإلا فإن رواية مسلم و البخاري فيها: (في صلاته)، ولهذا فالذي يظهر والله أعلم أنه إذا كان ذلك يدعو خارج الصلاة فلا حرج عليه، وإن كان الأفضل ألا يرفع بصره، وهذا القول هو اختيار أبي العباس بن تيمية أنه يجوز ولكن الأفضل تركه؛ لأن رفع البصر مدعاة إلى أن ينشغل الإنسان، فلربما كان في السماء شيء يطير، أو غبار، أو أتربة أو غير ذلك، فلربما تعلق بصره بهذا الأمر، ولهذا نقول: إن رفع البصر في الدعاء خارج الصلاة مباح، ولكن الأفضل تركه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

تغميض العينين

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة تغميض العينين، وقد ذكر بعض الفقهاء أن تغميض العينين في الصلاة مكروه كما هو مذهب الحنابلة، فإن الحنابلة قالوا: إن تغميض العينين مكروه، واستدلوا بأن ذلك من فعل اليهود، كما روي عن عائشة رضي الله عنها.

وقال بعض أهل العلم كما هو رأي ابن القيم : إن كان فتح عينيه، لا يزيل الخشوع فإن ذلك أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما صلى بأصحابه ليلة كسوف الشمس، فإنه تناول شيئاً، وهذا يدل على أنه كان ينظر، وكذلك حينما كان ينظر إلى الشعب، وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يغمض عينيه.

أما إذا كان هناك ما يلهي، مثل من يصلي أحياناً عند الحرم، ويرى الناس هذا يشرب ماءً، وهذا يطوف، فربما انشغل بذلك، فإنه إن أغمض عينيه لأجل استحضار الخشوع يكون أفضل، هذا تقرير ابن القيم .

وبعض الفقهاء من مشايخنا قال: تغميض العينين ليس أفضل؛ لأنه منهي عنه.

والذي يظهر والله أعلم هو اختيار ابن القيم ؛ لأن النهي عن تغميض العينين لم يصح في حديث مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فإن النهي لا بد فيه من بيان، والبيان هو خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين إما ندباً، وإما وجوباً، وإما كراهةً، وإما تحريماً، فلذلك نقول: إن عدم التغميض هو غالب فعل النبي صلى الله عليه وسلم فيدل ذلك الفعل على الاستحباب، أما إغماض العينين فإنه إذا كان ثمة شيء يلهي ويشغل فإن الأفضل أن يغمض عينيه لئلا يذهب خشوعه، وقد جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخميصة ذات أعلام، فجعل ينظر إلى أعلامها، فلما سلم قالوا: اذهبوا بهذه الخميصة وائتوني بأنبجانية أبي جهم ، فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي )، -والخميصة قالوا: هي رقعة مربعة ذات أعلام، وأما الأنبجانية فهي قطعة ساذجة ليس فيها شيء، وهي من صوف- فدل ذلك على أن ما كان يلهي ينبغي للإنسان أن يزيله فإن كان يستطيع إزالته حال الصلاة أزاله، مثل أن يكون لابساً غترة لها ألوان وخشي أن تشغله فله أن يزيلها بما لا يبطل صلاته، وهذا لا حرج فيه؛ لأن ما لا يتم المستحب إلا به فهو مستحب.

وإن كان لا يستطيع إزالته فإنه يغمض عينيه حتى لا يذهب خشوعه، والله تبارك وتعالى أعلم.

جلسة الإقعاء

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة ما ذكره الفقهاء رحمهم الله ما يسمى الإقعاء في الصلاة.

والإقعاء -أيها الإخوة والأخوات- اختلف العلماء في صورته، وكذلك في حكمه، ولعلنا نذكر صور الإقعاء.

الصورة الأولى: أن يجعل رجليه مفروشتين ويجلس على عقبيه، يعني: لا ينصب واحدةً منهما بل يفرشهما، ثم يجلس فيجعل إليتيه على عقبيه، فهذا قال الحنابلة إنه مكروه.

ودليلهم في ذلك أنهم قالوا: جاء النهي عن إقعاء كإقعاء الكلب، كما روى ذلك ابن ماجه من حديث علي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقع في الصلاة)، والحديث في سنده ضعف، فإن في سنده الحارث الأعور ، وهو ضعيف.

والذي يظهر أن جميع الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء ضعيفه، من ذلك حديث علي عند ابن ماجه ، وكذلك حديث أبي هريرة ، فإن في سنده شريكاً القاضي، عن يزيد بن أبي زياد ، وشريك القاضي عندما تولى القضاء اختلط بآخرة، وكذلك يزيد بن أبي زياد ضعيف.

ولهذا نقول: إن كان الإقعاء كحالة البهيمة أو الحيوان فإنه منهي عنه؛ لأن الأصل أن المسلم لا يجوز له أن يتشبه بالحيوان، وقد جاء في ذلك حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إقعاء كإقعاء الكلب)، وهذا الحديث كما قلت في سنده شريك القاضي، و يزيد بن أبي زياد ، ثم إنه لو صح فإن الأقرب في تفسيره ما قاله القاسم بن سلام ، وهو أبو عبيد صاحب غريب الحديث، أن يجلس على إليتيه وينصب ساقيه مثل الكلب -وهذا هو النوع الثاني- فهذا منهي عنه؛ لأن هذا ليس هو الجلسة المشروعة، وفيه تشبه بالحيوان، فلو لم يأت حديث بنصه في الصلاة وهو منهي عنه؛ لأن المسلم منهي أن يتشبه بالحيوان، ومما يدل على ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن افتراش كافتراش السبع)، فلما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يصنع في صلاته حال سجوده مثل السبع، دل ذلك على أن ما يفعله حال الجلوس مثل الحيوان منهي عنه.

وعلى هذا فإننا نقول: إن جميع الأحاديث الواردة في النهي عن الإقعاء وإن كانت ضعيفة إلا أنه إذا كان الإقعاء صورته صورة إقعاء حيوان فإنه ممنوع، وقد جاء في حديث عائشة : (أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن عقبة كعقبة الشيطان).

وبعضهم يقول: إن عقبة الشيطان مثل جلسة الكلب، وبعضهم يقول خلاف ذلك، فنقول: إن جاء الإقعاء من افتراش الرجلين والجلوس على العقبين كما عند الحنابلة، فالذي يظهر -والله أعلم- أن هذا ليس فيه كراهة وإن كان الأفضل تركه؛ لأنه جاء في الحديث: (وكان صلى الله عليه وسلم في كل ركعتين يجلس على اليسرى، أو قال: يفرش اليسرى وينصب اليمنى)، فمن ترك هذه الصفة الواردة فقد ترك السنة.

الصورة الثانية: أن يجلس كإقعاء الكلب، بأن يجلس على إليتيه وينصب ساقيه، وهذا منهي عنه، وإن كان الحديث في سنده ضعف، ومن فعل ذلك فقد خالف السنة في طريقة الجلوس، وشابه الحيوان، والإنسان مأمور ألا يتشبه بالحيوان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب)، وقد قال الله تعالى: إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان:19].

الصورة الثالثة: أن ينصب رجليه، ويجلس على عقبيه، والفرق بين الصورة الأولى والصورة الثالثة أن الصورة الأولى أن يفرش، والصورة الثالثة: أن ينصب، وهذه الصورة منعها مالك رحمه الله، ومذهب الحنابلة: أنه لا بأس أن تفعل هذا أحياناً بين السجدتين وهذا هو الراجح، قلنا لـابن عباس ولهذا روى مسلم في صحيحه من حديث طاوس ، قال: ( سألنا ابن عباس عن الإقعاء في الصلاة قال: سنة، قال: فقلنا: إنا لنراه جفاءً بالرَجُل، -وفي رواية: جفاءً بالرِجْل كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر - قال: سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم ).

وقد روى البيهقي بسند صحيح عن طاوس أنه قال: (رأيت ابن عمر و ابن عباس يقعيان في الصلاة بين السجدتين)، وهذا يدل على أن الإقعاء بين السجدتين يفعل أحياناً، وهو أن ينصب قدميه ويجلس على عقبيه، وإنما قلنا: (أحياناً) لأنه جاء في حديث عائشة عند مسلم : ( أنه كان يفرش اليسرى، وينصب اليمنى ). فدل ذلك على أنه يفعل هذا أحياناً، ويفعل هذا أحياناً.

وأما في التشهد الثاني فإن السنة أن يتورك إذا كان ذلك في صلاة فيها تشهدان، وأما إذا لم يكن فيها تشهدان فإنه يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمنى، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

هذه صور وبعضهم زاد صورةً أخرى، ولكن الذي يظهر أنها ليست واردة، وهي أن يفرش رجليه، ويجلس على إليته بالأرض، وهذه ذكرها بعض الفقهاء، ولكن الذي يظهر أن هذه تركها أفضل؛ لأن السنة في الجلوس معروفة، ولكن لا يلزم من ترك السنة فعل المكروه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

افتراش الذراعين في السجود

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة التي ذكرها أهل العلم افتراش المصلي ذراعيه حال السجود، فإن الإنسان ينهى عن أن يفترش ذراعيه افتراش السبع، فقد روى البخاري و مسلم من حديث أنس رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب).

ولكن يجوز إذا طال السجود أن يعتمد على الركب وهو ساجد، بأن يضع مرفقيه على ركبتيه، فإن أهل السنن رووا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن الصحابة شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم طول السجود، فقال: استعينوا بالركب)، وهذا الحديث قابل للتحسين، وإن كان بعض المتقدمين يتكلم فيه، كما أشار إلى ذلك البخاري رحمه الله، ولكن الذي يظهر أن إسناده لا بأس به، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

العبث باليدين أو الثياب أو غيرها

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة العبث فلا ينبغي للإنسان أن يعبث وهو يصلي، ومن العبث العبث بالغترة، أو العبث بالعمامة، أو العبث بالثوب؛ لأن الإنسان مأمور أن يضع يده اليمنى على يده اليسرى حال القيام، وإذا كان راكعاً أن يقبض بيديه على ركبتيه، كما جاء في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص : (إنا أمرنا أن نضع أيدينا على ركبنا، ونهينا عن التطبيق).

وكذلك إذا كان حال سجوده لا ينبغي له أن يرفع قدميه يعلقهما كما في حديث ابن عباس في الصحيحين: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم).

وإذا كان بين السجدتين كما جاء عند أهل السنن من حديث ابن عمر : (أنه كان يجعل كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وكفه اليمنى على فخذه اليمنى).

وعلى هذا فإنه من الخطأ أن يعبث الإنسان بغترته أو بأنفه أو بشعره؛ لأن ذلك منهي عنه.

وللأسف الشديد أن كثيراً من المصلين إذا صلى فإنه يعبث في صلاته، وقد جاء عن حذيفة رضي الله عنه بسند جيد عند البخاري : (أنه رأى رجلاً لا يحسن صلاته، فقال له: منذ كم وأنت تصلي على هذا؟ قال: منذ كذا وكذا، قال: لو مت مت على غير فطرة)، وهذا يدل على أن الإنسان إذا صلى وهو يعبث في صلاته فإن عبثه ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: العبث الطويل الدائم، بحيث لو رآه شخص لا يظنه في صلاة، وهذا مبطل للصلاة.

القسم الثاني: أن يتحرك، مثل أن يمسح جبهته، أو أن يعبث بأنفه، فهذا مكروه، ومما يدل على ذلك ما رواه أهل السنن من حديث أبي ذر : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم إلى الصلاة فلا يمسح الحصى؛ فإن الرحمة تواجهه)، فهذا نهي عن أن يمسح الحصى، ولو كان ذلك في حاجة.

وقد جاء حديث في الصحيحين من حديث معيقيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تمسح الحصى وأنت في الصلاة، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة)، ولهذا ذهب الحنابلة إلى أنه لا بأس أن يمسح الحصى مرةً واحدة، وأما إذا كان يمسح في كل سجود فهذا مكروه؛ لأن الرحمة تواجهه، ولا يدري الإنسان؛ فإنه جاء في بعض الروايات أن الحصى يتزاحمن ويزدلفن لأجل أن يصبن جبهة المسلم، وهذا وإن كان في سنده بعض الضعف لكنه يدل على أن النهي إنما كان لأجل هذه الحكمة، والله أعلم.

وقد ذكر ابن مسعود بسند جيد أنه قال: (من الجفاء مسح الجبهة)، فهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان إذا صلى على رمل أن يمس جبهته ليمسح الغبار في كل سجود لأن هذا ليس من السنة؛ بل إن الإكثار من مسح الحصى ومسح الرمل في كل سجدة مكروه، والله تبارك وتعالى أعلم، فإن كان لا بد فاعلاً فواحدة.

إذاً العبث ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: مبطل، والقسم الثاني: مكروه، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ولعله يكثر عند الناس رواية حديث: (لو خشع قلب هذا لسكنت جوارحه)، فهذا الحديث ضعيف، لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة، إن وقد جاء مرفوعاً وجاء مقطوعاً على سعيد بن المسيب ، لكن الحديث لا يصح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

التخصر في الصلاة

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة: أن بعض المصلين أحياناً يتخصر في صلاته، أي: يضع كفيه على خاصرتيه، وهذا منهي عنه كما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يختصر الرجل في الصلاة).

وقد اختلف أهل العلم في الحكمة من ذلك، فجاء عند ابن خزيمة من حديث أبي هريرة : (أن الاختصار راحة أهل النار)، يعني أن أهل النار الذين يعذبون إذا أرادوا أن يرتاحوا من شدة العذاب يضع الواحد منهم يديه على خاصرتيه، فكان النهي لأجل هذا، والحديث رواه أبو داود و ابن خزيمة ، وإسناده لا بأس به.

وقد جاءت حكمة أخرى كما روى ابن أبي شيبة ، عن ابن عباس رضي الله عنه، أن النهي إنما كان لأجل التشبه بالشيطان.

وقد جاء عند الإمام أحمد من حديث عائشة أن ذلك لأجل فعل اليهود.

ولا حرج أن تكون الحكمة لهذه الأشياء كلها.

كثرة التروح

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة: كثرة التروح، فإن جماهير أهل العلم كرهوا أن يتروح الإنسان في صلاته.

ومعنى التروح أن يأخذ شيئاً ككتاب أو قطعة كرتون، أو ملحفة فيتروح بها.

فهذا الفعل مكروه إلا لحاجة، كما هو مذهب الإمام أحمد ، قال أحمد رحمه الله: فإن المصلي عند شدة الحر يسجد على ثوبه، وإذا لم يكن ثمة حاجة فلا يسجد عليه، فإذا كان محتاجاً إلى ذلك ويتذمر وربما ذهب خشوعه فلا حرج أن يصنع شيئاً، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على سبيل الكثرة؛ لأن الحركة الدائمة من غير تفريق عرفاً بحيث لو رآه الرائي لظن أنه في خارج الصلاة تبطل الصلاة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فرقعة الأصابع وتشبيكها

الشيخ: ومن المسائل والمكروهة في الصلاة فرقعة الأصابع: وقد ذكر بعض أهل العلم أن فرقعة الأصابع مكروهة.

ومعنى فرقعة الأصابع غمز أصابع اليدين والرجلين بحيث يحدث لها صوت، وهذا منهي عنه.

علماً بأن حديث فرقعة الأصابع لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الحديث الذي جاء في الفرقعة جاء من حديث أبي هريرة عند أبي داود ولا يصح، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومن المسائل المكروهة أيضاً تشبيك الأصابع وتشبيك الأصابع إن كان خارج الصلاة فالذي يظهر -والله أعلم- أن ذلك لا بأس به، ولقد جاء عند البخاري من حديث أبي موسى رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وشبك بين أصابعه).

وقد جاء أيضاً في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .

أقول: وسواء كان ذلك للخروج إلى المسجد، أو وهو ينتظر الصلاة، فإن الحديث الوارد في (أن الإنسان إذا خرج من بيته فلا يشبكن بين أصابعه)، جاء من ثلاث طرق: من حديث أبي سعيد الخدري ، ومن حديث كعب بن عجرة ، ومن حديث أبي هريرة ، والراجح -والله أعلم- أن جميع هذه الأحاديث ضعيفة، لأن أسانيدها فيها مجاهيل ومضطربة، فأما حديث أبي سعيد ففيه رجل ضعيف، وحديث أبي هريرة فيه ضعيف ومجهول، وحديث كعب بن عجرة مع ضعفه فإنه حديث مضطرب، ولهذا قال الإمام البخاري رحمه الله: باب التشبيك في المسجد، وذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وفي هذا إشارة من البخاري إلى أنه يضعف كل الأحاديث الواردة في التشبيك، (فإن أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه)، ولكن الحديث ضعيف.

هذا القسم الأول وهو التشبيك خارج الصلاة؛ سواء وهو يذهب إليها أو وهو ينتظرها.

القسم الثاني: التشبيك في الصلاة، فالذي يظهر والله أعلم هو مذهب جماهير أهل العلم أن ذلك مكروه؛ لأن الإنسان إذا فعل هذا فقد خالف السنة من وجهين:

الوجه الأول: أن السنة في وضع اليدين إن كان حال القيام معلومة، وهو إما أن يضع يده اليمنى على كفه اليسرى، وإما أن يسدلهما إذا كان قد رفع رأسه من الركوع؛ وأما حال الجلوس أو حال السجود فمعلومة طريقة وضعهما، فإن شبك فإنه قد خالف السنة.

الوجه الثاني: أشار إليه الخطابي وغيره أن مشبك الأصابع يحدث له اضطراب، فإن الغالب أن الإنسان لا يشبك إلا وهو مهموم مغموم يفكر في أمر مهم، ومن المعلوم أن في الصلاة لشغلاً، كما جاء في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (إن في الصلاة لشغلاً)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس)، فهذا يدل على أن الإنسان لا ينبغي له أن يشبك حال الصلاة، وهذا يدل على الكراهة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

صلاة الحاقن للبول ونحوه

الشيخ: ومن المسائل المكروهة في الصلاة أن يصلي الإنسان وهو حاقن كما قال أهل العلم.

ومعنى الحقن: احتباس البول، وأما الحب فهو احتباس الغائط، وسواء كان قد حبس الريح، أو حبس البول، أو حبس الغائط فإن مذهب الأئمة الأربعة أن من صلى وهو حاقن فإن صلاته صحيحة مع الكراهة، وحكى بعضهم الإجماع على ذلك، والواقع أن ابن حزم رحمه الله خالف في ذلك، فإنه قال: من صلى وهو حاقن فإن صلاته باطلة، واستدل بما جاء في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان ). وهذا نهي يدل على التحريم.

وإنما قلنا بأن الصلاة صحيحة؛ لأن هذا النهي خارج ماهية العبادة، وقد أدى أركانها وواجباتها، فلذلك لا تبطل الصلاة به خلافاً لـابن حزم على ظاهريته المعروفة والمعتادة، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ويدخل في الحاقن الحاقب، وكذلك الذي يحبس الريح، وقد ذكر أبو العباس بن تيمية رحمه الله كلام أهل العلم فيما إذا كان الإنسان حاقناً، فأيهما أفضل أن يصلي وهو حاقن، أم يقضي حاجته ويصلي بتيمم إذا كان ليس عنده ماء، فكثير هم الذين يصلون وهم حاقنون خوفاً من برد، أو لا يريدون أن يتوضئوا، وهذا مكروه، لأن الصلاة من غير انشغال أفضل من الصلاة التي فيها انشغال، ناهيك عن (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل وهو حاقن)، كما في صحيح البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها.

وهذا يدل على أمر مهم وهو أن الإنسان ينبغي له إذا أتى إلى المسجد أو أراد أن يصلي ألا ينشغل، ومن المؤسف حقاً أنك تجد بعض الناس يعبث بجواله قبل الصلاة، فما أن ير

الشيخ: ذكر بعض أهل العلم أنه يكره الالتفات في الصلاة مطلقاً، ولهذا لعلنا نقول: إن الالتفات في الصلاة أنواع:

الأول: التفات القلب، بمعنى أن الإنسان ربما يقرأ القرآن ولا يستحضره، فيلتفت قلبه عن تدبر القرآن، وعن تأمل الآيات والأحاديث والأذكار، وهذا الالتفات أجمع أهل العلم على أنه لا يبطل الصلاة، كما ذكر ذلك الغزالي و أبو العباس بن تيمية رحمه الله، وهذا الأمر هو الخشوع، وقد ذكر زياد في حديث رواه قال: ( يوشك أن تدخل الجامع فلا تكاد تجد خاشعاً )، وهذا الخشوع هو أول ما يرفع من هذه الأمة.

ولأجل هذا ينبغي أن يعلم الإنسان أنه ( ليس له من صلاته إلا ما عقل منها )، كما في حديث حذيفة رضي الله عنه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: (أن المرء إذا توضأ على نحو ما فعله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً ثلاثاً، ثم صلى ركعتين مقبلاً على الله تعالى بوجهه، لا يحدث بهما نفسه، غفر الله له ذنبه).

وقد قال النووي رحمه الله: إن الإقبال على الله ليس معناه ألا تعتريه وساوس الشيطان، فإنه إذا اعترته وساوس الشيطان فاسترسل فلا يكون داخلاً في هذا الحديث، وإن لم يسترسل بل تعوذ بالله من شره، ونفث على يساره ثلاثاً كما في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص ، فإنه بإذن الله يكون داخلاً في هذا الحديث.

الشيخ: الثاني: التفات بالرأس، مثل أن يلتفت ذات اليمين أو ذات اليسار، فهذا إن كان لحاجة فلا حرج، وقد روى أبو داود من حديث سهل بن الحنظلية : (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الصبح، فجعل يلتفت إلى الشعب)، وهذا حينما خشي أن يأتيه العدو وهو يصلي صلى الله عليه وسلم، فكان يصلي ويلتفت إلى الشعب، قال أهل العلم: فهذا الالتفات لا حرج فيه؛ لأنه لحاجة.

وقد جاء في صحيح مسلم من حديث عثمان بن أبي العاص أنه قال: (يا رسول الله! إن الشيطان يأتيني في صلاتي ليفلت علي صلاتي أو قراءتي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له: خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله من شره ثلاثاً، وانفث عن يسارك).

قال أهل العلم: ففي هذا دلالة على أن الإنسان إذا أحس وسوسة الشيطان -والذي يسمى خنزب- فلا حرج أن يلتفت ثلاثاً فيقول: أعوذ بالله منك، أعوذ بالله منك، أعوذ بالله منك، وينفث عن يساره.

ولو التفت يسيراً وهو في الصلاة فلا حرج في ذلك، ومن الأدلة على هذا: (أن أبا بكر رضي الله عنه حينما كان يصلي، فجعل الصحابة يسبحون حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر لا يلتفت، قال: فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده أن ابق مكانك، ثم رفع يديه، ثم رجع القهقرى فتقدم صلى الله عليه وسلم)، والحديث في الصحيحين.

قالوا: فالتفات أبي بكر رضي الله عنه كان لحاجة.

الثالث: التفات الرأس من غير حاجة، وقد اختلف العلماء في ذلك؛ فذهب جماهير أهل العلم إلى أن التفات الرأس من غير حاجة مكروه، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ذاك شيطان يقال له: خنزب )، وفي حديث الحارث الأشعري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وآمركم بالصلاة، فإن الله سبحانه وتعالى قبل وجه عبده ما لم يلتفت، فإذا التفت انصرف عنه)، قالوا: ففي هذا دلالة على أن الالتفات يجعل الله سبحانه وتعالى يصرف وجهه عن وجه العبد، وهذا يدل على أن هذا الفعل مكروه.

وإنما قلنا بالكراهة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد فعله، إذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم ما نهى عنه دل على أن النهي للكراهة كما قال علماء الأصول، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

وقد جاء من حديث أنس عند الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إياك والالتفات في الصلاة؛ فإنه هلكة)، وهذا الحديث لو صح لكان دلالة على الحرمة، لكن الذي يظهر -والله أعلم- أن الحديث في سنده ضعف، ولهذا أشار الترمذي رحمه الله إلى ضعفه، فعلى هذا فالالتفات ذات اليمين أو ذات اليسار من غير حاجة مكروه، وهذا هو قول جماهير أهل العلم.

وقال بعض العلماء بأن ذلك محرم، والراجح -والله أعلم- أن ذلك مكروه.