فقه العبادات - الطهارة [7]


الحلقة مفرغة

الشيخ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً مزيداً إلى يوم الدين، أما بعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأسعد الله ممساكم، وحيهلا في هذا الدرس العلمي الذي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن تحفهم الملائكة، وأن يذكرنا الله فيمن عنده.

أحبتي في الله! بداية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛ لأنه من حق الحاضر أن يسلم عليه قبل الغائب.

أيها الإخوة في الله! كنا قد تحدثنا في باب السواك وسنن الوضوء، وشرعنا في باب فروض الوضوء، لكن لم يسعفنا الوقت، فأحببنا أن نذكرها هنا بالتفصيل، وقبل البدء في هذا الأمر نذكر أننا قد ذكرنا بعض سنن الوضوء، فذكرنا من سنن الوضوء: السواك. والثاني: التسمية، وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن التسمية سنة وليست بواجبة، وأن الحديث الوارد في هذا ضعيف ولا يصح في الباب حديث، وذكرنا غيرها من السنن.

وسنذكرها هنا بعض المسائل المتعلقة بالوضوء، التي استحبها بعض أهل العلم وبعض أهل العلم لم يستحبها، لعلنا نبدأ درسنا هذا بذلك.

مجاوزة محل الفرض عند غسل أعضاء الوضوء

الشيخ: المسألة الأولى: حكم مجاوزة الفرض في أعضاء الوضوء.

يعني: لو أن إنساناً أراد أن يغسل يديه، فما حكم الزيادة على ذلك؟

الجواب: استحب الحنابلة وكذلك بعض الفقهاء أن يزيد الإنسان على مجاوزة الفرض، واستدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم : ( أن أبا هريرة كان إذا توضأ غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم غسل رجليه حتى أشرع في الساق، فقال له أبو حازم : ما هذا الوضوء يا أبا هريرة ؟! فقال: أنتم ها هنا يا بني فروخ؟! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )، فقالوا: إن أبا هريرة أطال فتستحب الإطالة، وهذا هو القول الأول.

والقول الثاني: قالوا: لا يستحب الزيادة إلا زيادةً يعلم بها غسل الفرض من العضو كاملاً، أي: لا يستحب إلا زيادة يتيقن بها غسل كامل العضو، مثل: أن يغسل المرفقين فيزيد حتى يتيقن أنه غسل كامل المرفقين، قالوا: هذا هو الأصل؛ وذلك لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في وضوئه، ولا زاد على جميع الأعضاء، فإن الذين ذكروا غسل يديه إلى المرفقين لم يذكروا أنه أطال حتى أشرع في العضد، والذين ذكروا صفة غسل رجليه لم يذكروا أنه أطال حتى أشرع في الساق، بل لم يذكروا إلا مع المرفقين في اليدين، ومع الكعبين في الرجلين، فدل ذلك على أنه لا يستحب.

واستدلوا على ذلك أيضاً بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هذا الوضوء، فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم )، وهذا الحديث الصحيح أنه حديث ضعيف، ضعيف بزيادة (أو نقص)، وكذلك هو بنفسه ضعيف حتى لو لم تذكر زيادة (نقص)، وقد أشار الإمام مسلم رحمه الله في كتاب التمييز أن الحديث ضعيف، وكذلك ضعفه أبو داود وغير واحد من أهل العلم، والراجح والله أعلم أنه لو كان ذلك سنة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرةً واحدة، فلما لم يذكره ولم يفعله صلى الله عليه وسلم دل على أن هذا الوضوء هو الذي يغفر به الذنوب، وتحط به السيئات، ولهذا توضأ صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حمران ، عن عثمان رضي الله عنه، ثم قال: ( فمن توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه )، فدل ذلك على أن السنة عدم الزيادة، فإن زاد فإن هذا جائز، ولكن السنة تركه.

غسل العنق

الشيخ: المسألة الأخرى: هل يستحب غسل العنق؟

يعني: بعض الناس إذا أراد أن يغسل وجهه يمسح عنقه، فهل هذا من السنة؟

الجواب: نقول: لا يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح العنق، ولأجل هذا ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يستحب غسل العنق، بل قال النووي : إن غسل العنق في الوضوء بدعة، ولا شك أن إطلاق البدعة محل نظر، إلا إذا فعلها الإنسان على أنها سنة يتعبد بها ويؤجر عليها؛ لأن هذا نوع من الزيادة في الشرع، وهي البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم: ( وكل بدعة ضلالة ).

أما إذا فعلها الإنسان هكذا فإننا نقول: هذا ليس من السنة، وهو مكروه، والله أعلم.

الشيخ: المسألة الأولى: حكم مجاوزة الفرض في أعضاء الوضوء.

يعني: لو أن إنساناً أراد أن يغسل يديه، فما حكم الزيادة على ذلك؟

الجواب: استحب الحنابلة وكذلك بعض الفقهاء أن يزيد الإنسان على مجاوزة الفرض، واستدلوا على ذلك بما جاء في صحيح مسلم : ( أن أبا هريرة كان إذا توضأ غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم غسل رجليه حتى أشرع في الساق، فقال له أبو حازم : ما هذا الوضوء يا أبا هريرة ؟! فقال: أنتم ها هنا يا بني فروخ؟! لو علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء، سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول: تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء )، فقالوا: إن أبا هريرة أطال فتستحب الإطالة، وهذا هو القول الأول.

والقول الثاني: قالوا: لا يستحب الزيادة إلا زيادةً يعلم بها غسل الفرض من العضو كاملاً، أي: لا يستحب إلا زيادة يتيقن بها غسل كامل العضو، مثل: أن يغسل المرفقين فيزيد حتى يتيقن أنه غسل كامل المرفقين، قالوا: هذا هو الأصل؛ وذلك لأن كل من وصف وضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يشر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد في وضوئه، ولا زاد على جميع الأعضاء، فإن الذين ذكروا غسل يديه إلى المرفقين لم يذكروا أنه أطال حتى أشرع في العضد، والذين ذكروا صفة غسل رجليه لم يذكروا أنه أطال حتى أشرع في الساق، بل لم يذكروا إلا مع المرفقين في اليدين، ومع الكعبين في الرجلين، فدل ذلك على أنه لا يستحب.

واستدلوا على ذلك أيضاً بما رواه أبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( هذا الوضوء، فمن زاد أو نقص فقد أساء وتعدى وظلم )، وهذا الحديث الصحيح أنه حديث ضعيف، ضعيف بزيادة (أو نقص)، وكذلك هو بنفسه ضعيف حتى لو لم تذكر زيادة (نقص)، وقد أشار الإمام مسلم رحمه الله في كتاب التمييز أن الحديث ضعيف، وكذلك ضعفه أبو داود وغير واحد من أهل العلم، والراجح والله أعلم أنه لو كان ذلك سنة لفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولو مرةً واحدة، فلما لم يذكره ولم يفعله صلى الله عليه وسلم دل على أن هذا الوضوء هو الذي يغفر به الذنوب، وتحط به السيئات، ولهذا توضأ صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث حمران ، عن عثمان رضي الله عنه، ثم قال: ( فمن توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه إلا غفر الله له ما تقدم من ذنبه )، فدل ذلك على أن السنة عدم الزيادة، فإن زاد فإن هذا جائز، ولكن السنة تركه.

الشيخ: المسألة الأخرى: هل يستحب غسل العنق؟

يعني: بعض الناس إذا أراد أن يغسل وجهه يمسح عنقه، فهل هذا من السنة؟

الجواب: نقول: لا يصح حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح العنق، ولأجل هذا ذهب جمهور أهل العلم إلى أنه لا يستحب غسل العنق، بل قال النووي : إن غسل العنق في الوضوء بدعة، ولا شك أن إطلاق البدعة محل نظر، إلا إذا فعلها الإنسان على أنها سنة يتعبد بها ويؤجر عليها؛ لأن هذا نوع من الزيادة في الشرع، وهي البدعة التي قال صلى الله عليه وسلم: ( وكل بدعة ضلالة ).

أما إذا فعلها الإنسان هكذا فإننا نقول: هذا ليس من السنة، وهو مكروه، والله أعلم.

الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإننا نشرع في الحديث عن الوضوء، وقد ذكرنا أن الوضوء ليس من خصائص هذه الأمة، وقال بعض أهل العلم: إنه من خصائص هذه الأمة، ونحن أجبنا فقلنا خصائص إن الوضوء الذي شرعه الله لنا في كتابه وبينه لنا محمد صلى الله عليه وسلم في سنته بهذا الوصف هو الذي من هذه الأمة؛ وهو أن يغسل اليدين إلى المرفقين، ويغسل الرجلين إلى الكعبين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( إن أمتي يدعون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء ).

وقال صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم : ( أنتم أصحابي، وإخواني الذين لم يأتوا بعد -يعني: إخوان محمد صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به صلى الله عليه وسلم ولم يروه- فقالوا: يا رسول الله! كيف تعرف من أمتك من لم تره؟ فقال: أرأيتم لو أن رجلاً عنده خيل دهم وبهم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: نعم، قال: فإن أمتي يوم القيامة يأتون محجلين من آثار الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض.. ) الحديث، فدل ذلك على أن هذه الصفة إنما هي من خصوصيات أمة محمد.

وأما أصل الوضوء فإن كل أنبياء الله يتوضئون، ولهذا جاء في الحديث المتفق عليه في قصة جريج العابد ( حينما اتهم أنه زنى بالمرأة، فقالوا: إنك زنيت بهذه وهذا ولدها، فقال: أمهلوني حتى أصلي، فتوضأ ثم صلى فوضع يده على بطن الصبي فقال: من أبوك؟ فقال: إن أبي هو الراعي )، ووجه الدلالة أن جريجاً توضأ.

وكذلك ثبت في صحيح البخاري و مسلم من حديث أبي هريرة في قصة سارة زوجة أبينا إبراهيم عليه السلام، ( حينما هم الملك بأن يمسها، قال: فتوضأت ثم صلت )، فهذا الوضوء ليس مثل الوضوء الذي شرعه الله سبحانه وتعالى في كتابه، وبينه النبي صلى الله عليه وسلم.

فأما حديث ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي )، فهو حديث لا يصح؛ فإن في سنده رجلاً يقال له: زيد العمي ، يرويه عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك و عبد الله بن عمر ، وقد ضعف الحديث غير واحد من أهل العلم كـأبي داود وغيره، وضعفه أبو حاتم و البيهقي وغير واحد من أهل العلم، رحمة الله تعالى عليهم أجمعين.

الشيخ: أيها الإخوة! قبل الشروع في فروض الوضوء يوجد سؤال بحاجة إلى بيان: وهو متى فرض الوضوء؟

الجواب على هذا هو: أن جماهير أهل العلم ذهبوا إلى أن الوضوء إنما فرض مع الصلاة، وجاء في ذلك أحاديث ولكنها أحاديث ضعيفة، رواها ابن ماجه ، والإمام أحمد ، وفي سندها ضعف، وهو أن جبريل علم النبي صلى الله عليه وسلم الوضوء حينما أوحى إليه الصلاة، وقال له: ( هذا الوضوء )، والصحيح أن الحديث ضعيف في سنده رجله يقال له: رشدين بن سعد ، وهو ضعيف، وله طريق آخر في سنده رجل يقال له: عبد الله بن لهيعة ، وهو ضعيف، لكن ذكر عامة أهل العلم على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاةً قط إلا بوضوء، ولهذا قال ابن المنذر : ومعلوم عند جميع أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم افترض الله عليه الصلاة والجنابة جميعاً، قال رحمه الله: ومعلوم أن الغسل من الجنابة لم يفرض قبل الوضوء، فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة إلا بوضوء، فدل ذلك على أن الصلاة حينما فرضت، فرض معها الوضوء، ولكن فرضه لم يكن بنص ثابت إلا بفعله صلى الله عليه وسلم، بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

ففرض الوضوء ثابت، لكن صفته بهذه الطريقة على أمة محمد لم يثبت إلا في آية المائدة، وآية المائدة نزلت قريباً من السنة السادسة، فدل ذلك على أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض الله عليه الوضوء، لكن الوضوء بهذه الطريقة إنما فرض بنزول آية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2563 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2558 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2436 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2385 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2345 استماع
فقه العبادات - الصلاة [11] 2235 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2192 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2108 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2084 استماع
فقه العبادات - الصلاة [23] 2055 استماع