فقه العبادات - الصلاة [11]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أيها الإخوة والأخوات! أسعد الله مساءكم بكل خير ويمن وبركاته.

كنا قد توقفنا في شرحنا لمسائل الفقه على مذاهب الأئمة وبيان الراجح منها على باب صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.

وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم فيها أهل العلم، وألفوا فيها تآليف، منهم من شرح ذلك عن طريق بعض المتون، ومنهم من أفرد لها كتاباً، ومنهم من بوب عليها أبواباً في كتبهم، مثلما في صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، وسنن أبي داود ، و الترمذي ، و النسائي ، و ابن ماجه ، وغير ذلك ممن صنفوا في هذا الأمر، فذكروا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن حينما نتحدث عن هذا فإنما نتحدث عن الطريقة الفقهية التي ذكر أهل العلم، فلن نقتصر على بعض الآداب أو الواجبات، بل نذكر كل الواجبات والآداب والمستحبات.

الخروج إلى المسجد بسكينة ووقار

الشيخ: فنقول: أولاً: من أراد أن يصلي فلا بد أن يخرج ليصلي في المسجد، وسوف نتحدث -إن شاء الله- عن حكم الصلاة في المساجد، ونبين أن ذلك أقرب إلى القول بالوجوب، كما هو رأي أحمد في رواية، واختيار أبي العباس بن تيمية ، و ابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع.

مع العلم أن ثمة فرقاً بين وجوب صلاة الجماعة، ووجوب إقامتها في المسجد، فإن الصلاة في المسجد شيء، وصلاة الجماعة شيء آخر، كما فرق في ذلك الحنابلة، وهو معلوم عند الأئمة الأربعة وغيرهم.

أيها الإخوة والأخوات! فإذا خرج الإنسان من بيته إلى المسجد فإنه يستحب له أن يخرج بسكينة ووقار.

ومعنى السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث.

وأما الوقار فذكر بعض أهل العلم أن الوقار هو السكينة، وإنما جيء بها في بعض الروايات من باب التأكيد، كما ذهب إلى ذلك القاضي عياض.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ثمة فرقاً بين السكينة والوقار، فقالوا: إن السكينة هي التأني في الحركات واجتناب العبث، في حين أن الوقار هو غض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات، كما ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله، ولعل قول الإمام النووي هو الأرجح، خاصةً أن الحديث جاء بالوقار والسكينة، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة.

إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل الخروج إلى المسجد بسكينة ووقار، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي، فسمع جلبةً، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا بالصلاة -يعني: أسرعنا لأجل إدراك الصلاة جماعة- قال صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، إذا أتيتم فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، وأنت ترى أن هذا الحديث ليس فيه ذكر الوقار، فهذا الذي جعل القاضي عياضاً يرى أن الوقار هو السكينة، ولعل التفريق أظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فإذا خرج الإنسان في سكينة ووقار فإنه يستحب له ألا يسرع في خطاه؛ لأن الإسراع مخالف للخشوع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلا تفعلوا).

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل النهي عن الإسراع لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك بعض الركعات، أم لأجل الإدراك في الجميع؛ حتى خوف فوات الجماعة أو الجمعة؟ فهذه ثلاث حالات.

فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يسرع سواء كان لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك ركعة ولو لم تفت الجماعة، أو لأجل إدراك الجماعة خوفاً من فواتها، وهذا قول بعض أهل الظاهر.

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الإسراع اليسير لأجل إدراك تكبيرة الإحرام لا بأس به، كما نقله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم وهو أبو العباس بن تيمية : إن الإسراع اليسير لأجل إدراك الجماعة لا حرج فيه، يقول: ولا ينبغي أن يدخل في النهي الوارد في الحديث؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالسكينة بقوله: ( فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ).

يقول أبو العباس بن تيمية : فمن لا يرجو إدراك شيء من الركعات لم يكن داخلاً في هذا الحديث.

ولعل قول أبي العباس بن تيمية أظهر، وهو: أن الإنسان لا ينبغي له أن يسرع ولو كانت سرعته يسيرة لأجل تكبيرة الإحرام؛ لأن الصحابة الذين فعلوا ذلك قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن ذلك، ولهذا قال: (فسمع جلبةً، فقال: ما شأنكم؟)، فدل ذلك على أن فعل الصحابة داخل في النهي عن هذا الأمر، إلا أن الإنسان إذا علم أن الإمام في الركعة الرابعة، فأحب أن يدرك الجماعة فأسرع يسيراً فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا حرج فيه، وأنه غير داخل في الحديث.

ولقائل أن يقول: إن هذا التخريج إنما كان لأجل اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أن إدراك الجماعة إنما هو بإدراك ركعة، في حين أن الحنابلة والشافعية يرون أن إدراك الجماعة يحصل بإدراك ركعة، وعلى هذا فالذي يظهر أن كون الإنسان يسرع سرعةً لا تذهب بخشوعه جائز، إلا أن الأفضل ألا يسرع.

ولو قيل: إن الإسراع لأجل إدراك بعض الركعات مكروه، والإسراع لأجل إدراك الجماعة جائز لكن الترك أفضل لم يكن ببعيد؛ لأجل معنى هذا الحديث الذي ذكره أبو العباس بن تيمية ، وإن كان الأفضل للكل ألا يتعجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

الخروج إلى المسجد على طهارة

الشيخ: إذا ثبت هذا: فإن السنة أيضاً أن يخرج الإنسان من بيته إلى المسجد وهو متطهر، فإن خروجه من بيته إلى المسجد وهو متطهر أفضل من أن يتطهر قريباً من المسجد، فإن بعض الناس يذهب إلى المسجد وهو لم يتطهر، فيذهب إلى دورات مياه المساجد فيتوضأ فيها، فهذا جائز، لكن الأفضل أن يتوضأ في بيته.

والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في بيته أو سوقه بخمس وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يخط خطوةً إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث )، والحديث متفق عليه، واللفظ لـمسلم .

وهذا يدل على أن الإنسان إذا تطهر في بيته ثم خرج ولم يخرجه إلا الصلاة في المسجد، فإنه له في كل خطوة يخطوها درجة، وهذا يدل على أفضلية التطهر للصلاة من البيت.

ومما يدل على هذا ما جاء عند أبي داود بسند جيد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج فوجد الناس قد صلوا، كتب الله له أجر تلك الجماعة، وأجر من حضرها لا ينقص من أجورهم شيء )، وهذا الحديث إسناده جيد، وهذا يدل على أفضلية أن يتطهر الإنسان في بيته.

الإتيان بأدعية الخروج من البيت

الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإنه يستحب له أيضاً إذا تطهر في بيته أن يدعو بما ورد من أدعية الخروج من البيت، وللفائدة الحديثية: لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم إسناد صحيح في ذكر الدعاء عند الخروج من المنزل، إلا أن مجموع طرقها يدل على أن لها أصلاً، وأنه لا حرج للإنسان أن يقولها.

ومن الأدلة الدالة على الذكر عند الخروج من المنزل: ما جاء عند أبي داود و الترمذي و النسائي من حديث أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: ( ما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بيتي إلا رفع طرفه إلى السماء ثم قال: اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أضل، أو أزل أو أزل، أو أظلم أو أظلم، أو أجهل أو يجهل علي )، وهذا الحديث يرويه منصور بن المعتمر ، عن عامر الشعبي ، عن أم سلمة ، وقد ذكر علي بن المديني رحمه الله أنه لم يصح سماع عامر الشعبي من أم سلمة ، فدل على أن الحديث فيه انقطاع.

ولكننا نقول: إنه جاء من طريق آخر رواه أهل السنن من حديث ابن جريج ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من بيته قال: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيقال له حينئذ: هديت، وكفيت، ووقيت، فتتنحى عنه الشياطين، فيقول شيطان لآخر: كيف بك برجل هدي وكفي ووقي )، وهذا الحديث صححه بعض المتأخرين، إلا أن الإمام البخاري والإمام الدارقطني رحمهما الله جميعاً قالا: إن ابن جريج لم يصح سماعه من إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، فيكون الحديث منقطعاً، ولكن مجموع طرق حديث أنس وحديث أم سلمة يدل على أن له أصلاً، وقد قال الإمام أحمد رحمه الله في الأحاديث الضعيفة: هذا يشد بعضه بعضاً، فهذا يدل على أن الإنسان لا حرج أن يذكر هذا الدعاء، وهذا يدلنا على أن الإنسان له أن يدعو ولا حرج في ذلك إن شاء الله.

التشبيك بين الأصابع حال المشي إلى المسجد

الشيخ: بعض الناس إذا مشى إلى المسجد تجده يشبك بين أصابعه، فما حكم التشبيك بين الأصابع؟

بعض أهل العلم ذكر أن ذلك مكروه؛ لحديث كعب بن عجرة و أبي هريرة ، و أبي سعيد الخدري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا خرج أحدكم إلى المسجد فإنه في صلاة، فلا يشبكن بين أصابعه )، وهذا الحديث جاء من ثلاث طرق، وكلها أحاديثها ضعاف، ولهذا ضعف الإمام البخاري و ابن رجب رحمة الله تعالى عليهم كل هذه الأحاديث، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( شبك بين أصابعه وهو في المسجد، وهو منتظر الصلاة )، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( فإن أحدكم لم يزل في صلاة ما كانت الصلاة هي تحبسه )، وهذا يدل على أن التشبيك لا حرج فيه، إلا أن التشبيك الذي يكون عن اضطراب نفسي داخل في النهي، وهو أمر النبي صلى الله عليه وسلم على أن يكون الإنسان في سكينة ووقار، وعلى هذا كل أحاديث النهي عن التشبيك ضعيفة، كما أشار إلى ذلك الإمام البخاري و ابن رجب ، وعلى هذا فالإنسان لا ينبغي له أن يشبك بين أصابعه؛ لأن الغالب أن الإنسان يشبك أصابعه لأجل الاضطراب، وعدم الارتياح، وكأنه لا يريد أن يقبل على طاعة، لكن الكراهة حكم شرعي لا تثبت إلا بدليل شرعي.

تقديم الرجل اليمنى عند الدخول إلى المسجد

الشيخ: إذا ثبت هذا فإنه إذا أتى المسجد فإن المشروع في حقه أن يقدم رجله اليمنى، وقولنا: يقدم رجله اليمنى هذا قول عامة أهل العلم، وأن ذلك على سبيل الاستحباب، ومما يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في ترجله إذا ترجل، وتنعله إذا انتعل، وفي شأنه كله )، وفي رواية: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في شأنه كله )، وهذا يدل على أن كل ما كان من باب الإكرام والاحترام والتقدير فإنه يقدم اليمنى، وكان صلى الله عليه وسلم يترك ذلك فيما سوى ذلك، يعني: فيما سوى التكريم.

وقد جاء في حديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم رجله اليمنى إذا دخل المسجد)، إلا أنه لا يفرح به؛ لأنه حديث ضعيف، كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، فقد روى أن أنساً رضي الله عنه قال: ( من السنة إذا دخل أحدكم المسجد فليبدأ برجله اليمنى، وإذا خرج بدأ برجله اليسرى )، وقول أنس : (من السنة)، يدل على أنه له حكم الرفع، لكن هذا الحديث في سنده كلام؛ وذلك لأن الحديث يرويه رجل يقال له: راشد بن سعيد ، عن معاوية بن قرة ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، و راشد بن سعيد ليس بالقوي كما أشار إلى ذلك الإمام البيهقي ، ومن المعلوم أن الإنسان إذا أتى بشيء يتفرد به عن غيره من الناس فإنه لا يقبل، فيكون حديثه منكراً، خاصةً إذا كان ضعيفاً، فإن المتأخرين يسمون الرجل الضعيف إذا أتى بما يخالف الثقات منكراً، أما المتقدمون من أهل الحديث فإنهم يطلقون المنكر على المخالفة سواء خالف الثقة من هو أوثق منه، أو خالف الضعيف من هو أوثق منه، كما هي طريقة الإمام أحمد و البخاري و الدارقطني و أبي داود و النسائي وغيرهم من أئمة السلف رحمهم الله تعالى.

الإتيان بدعاء الدخول والخروج من المسجد

الشيخ: إذا ثبت أن السنة أن يقدم رجله اليمنى لحديث عائشة ، فإنه يدعو بما ورد، وهو دعاء الدخول في المسجد، وأصح شيء في الباب في دعاء الدخول في المسجد هو ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي حميد أو أبي أسيد رضي الله عنهما: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج قال: اللهم افتح لي أبواب فضلك ).

وجاء عند الترمذي من حديث ليث بن أبي سليم ، عند عبد الله بن الحسن ، عن فاطمة بنت الحسين ، عن فاطمة الكبرى التي تسمى: فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وسلم رضي الله عنها وأرضاها، وهي التي أنجبت هؤلاء الأبطال الحسن و الحسين رضي الله عنهم أجمعين، فهذا الحديث تقول فاطمة : ( كان رسول الله يقول: إذا دخل أحدكم المسجد فليصل على النبي صلى الله عليه وسلم، وليسلم عليه، وليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك ).

وفيه فائدة وهي الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا الحديث لا يفرح به؛ وذلك لأن الحديث فيه علتان: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وكذلك فاطمة بنت الحسين لم تسمع من جدتها فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالذي يظهر والله أعلم أن الإنسان يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك.

فإن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج إن شاء الله، فإن حديث ليث بن أبي سليم قد جاء ما يقويه، عن أبي هريرة رضي الله عنه كما روى ذلك أهل السنن، والحديث عند أبي داود وفي سنده ضعف، فإنه يرويه الضحاك بن عثمان ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، و الضحاك بن عثمان ليس بالقوي، ولكن هذا الحديث مع حديث ليث بن أبي سليم يدلان على أن الحديث له أصل.

فلا حرج للإنسان أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله.

أما قوله: (بسم الله)، فإن الأحاديث الواردة فيها ضعيفة، أي: لا تصح التسمية عند الدخول في المسجد.

إذاً: السنة أن يقول: اللهم صل وسلم على رسول الله لأجل حديث فاطمة الكبرى مع حديث أبي هريرة ، فيشد بعضهما بعضاً.

ثانياً: أن يقول: اللهم افتح لي أبواب رحمتك.

وإذا خرج قدم رجله اليسرى، وقال: اللهم صل وسلم على رسول الله، اللهم افتح لي أبواب فضلك.

وأما الحديث الذي فيه البسملة فإنه حديث ضعيف، لا يصح، فقد تفرد به محمد بن إسحاق ، ولا يصح تفرده مع أنه لم يصرح بالسماع، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

ومن الأذكار الواردة في هذا: ما جاء عند أبي داود بسند جيد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم )، وهذا الدعاء يغفل عنه كثير من الناس، والحديث إسناده لا بأس به.

والإنسان ينبغي له أن يذكر هذا ويذكر هذا، وأما الخروج فإن الذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: ( اللهم افتح لي أبواب فضلك ).

وقد جاء في حديث آخر عن أبي هريرة أنه يقول غير هذا، ولكن حديث أبي هريرة في سنده ضعف، وذلك كما قلنا: إن الضحاك بن عثمان ليس بالقوي.

صلاة ركعتين عند دخول المسجد

الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن الإنسان إذا دخل المسجد فإنه يستحب له أن يصلي ركعتين.

وقد ذكر بعض أهل العلم أن تحية المسجد بإجماع من أهل العلم، والواقع أنها ليست محل إجماع، وإن كان هذا هو مذهب الأئمة الأربعة في المشهور عندهم، إلا أن بعض أهل الظاهر قال: بوجوب تحية المسجد، والراجح والله أعلم عدم وجوبها.

ومما يدل على عدم الوجوب ما جاء في الصحيحين من حديث أبي واقد قال: ( بينما كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل ثلاثة نفر، فأما أحدهما فجلس، وأما الآخر فقام، وأما الثالث فخرج، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا أنبئكم عن هؤلاء الثلاثة: أما أحدهما فأوى فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه ).

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى هذا الرجل الذي دخل وجلس ولم يصل، فلم ينكر عليه.

ولا يقال: إنه قد صلى؛ لأن هؤلاء الثلاثة كلهم على حالة واحدة، فدل ذلك على أن حديث أبي قتادة : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين ) على سبيل الاستحباب.

وأما قول بعضهم: كيف يكون على سبيل الاستحباب مع العلم أن تحية المسجد تؤدى مع خطبة الجمعة وهي واجبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( إذا دخل أحدكم المسجد ونحن نخطب فليصل ركعتين، وليخفف فيهما ) كما في حديث جابر عند مسلم في قصة سليك الغطفاني فقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمره أن يصلي ركعتين، مع أن استماع الخطبة واجب، فذلك يدل على أن الركعتين واجبتان؟

والجواب على هذا أن يقال: الشارع الحكيم حينما أمر بركعتين، ليس معناه أن الاستماع ليس بواجب، أو أن الركعتين أوجب من الاستماع، ولكن لأجل أن الركعتين لا تؤثران في أصل الخطبة، فالخطبة واجبة، وسماعها واجب، ولم نقل: (استماعها)؛ لأن الإنسان لو تغافل ونام لا يأثم؛ فإن السماع هو الواجب وليس الاستماع، وإن كان الاستماع فضيلة يؤجر عليها الإنسان، وما شرعت إلا لأجل سماعها واستماعها، إلا أن سماعها شيء واستماعها شيء آخر، فالإنسان لا يجوز له أن يعبث؛ لأن عبثه سوف يؤذي من بجانبه.

ولهذا ثمة فرق بين سماعها واستماعها، فنحن نأمره أن يسمع، ولكن لا نوجب عليه ولا يأثم إذا لم يستمع، ولو قيل بذلك لأثم الأعاجم الذين لا يعرفون العربية، وهذا من تكليف ما لا يطاق، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: فنقول: أولاً: من أراد أن يصلي فلا بد أن يخرج ليصلي في المسجد، وسوف نتحدث -إن شاء الله- عن حكم الصلاة في المساجد، ونبين أن ذلك أقرب إلى القول بالوجوب، كما هو رأي أحمد في رواية، واختيار أبي العباس بن تيمية ، و ابن القيم رحمة الله تعالى على الجميع.

مع العلم أن ثمة فرقاً بين وجوب صلاة الجماعة، ووجوب إقامتها في المسجد، فإن الصلاة في المسجد شيء، وصلاة الجماعة شيء آخر، كما فرق في ذلك الحنابلة، وهو معلوم عند الأئمة الأربعة وغيرهم.

أيها الإخوة والأخوات! فإذا خرج الإنسان من بيته إلى المسجد فإنه يستحب له أن يخرج بسكينة ووقار.

ومعنى السكينة: التأني في الحركات واجتناب العبث.

وأما الوقار فذكر بعض أهل العلم أن الوقار هو السكينة، وإنما جيء بها في بعض الروايات من باب التأكيد، كما ذهب إلى ذلك القاضي عياض.

وذهب بعض أهل العلم إلى أن ثمة فرقاً بين السكينة والوقار، فقالوا: إن السكينة هي التأني في الحركات واجتناب العبث، في حين أن الوقار هو غض البصر وخفض الصوت وعدم الالتفات، كما ذكر ذلك الإمام النووي رحمه الله، ولعل قول الإمام النووي هو الأرجح، خاصةً أن الحديث جاء بالوقار والسكينة، والأصل أن العطف يقتضي المغايرة.

إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن النبي صلى الله عليه وسلم بين فضل الخروج إلى المسجد بسكينة ووقار، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي قتادة قال: ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نصلي، فسمع جلبةً، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا بالصلاة -يعني: أسرعنا لأجل إدراك الصلاة جماعة- قال صلى الله عليه وسلم: فلا تفعلوا، إذا أتيتم فامشوا وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا )، وأنت ترى أن هذا الحديث ليس فيه ذكر الوقار، فهذا الذي جعل القاضي عياضاً يرى أن الوقار هو السكينة، ولعل التفريق أظهر، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

فإذا خرج الإنسان في سكينة ووقار فإنه يستحب له ألا يسرع في خطاه؛ لأن الإسراع مخالف للخشوع، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (فلا تفعلوا).

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل النهي عن الإسراع لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك بعض الركعات، أم لأجل الإدراك في الجميع؛ حتى خوف فوات الجماعة أو الجمعة؟ فهذه ثلاث حالات.

فذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينبغي للإنسان أن يسرع سواء كان لأجل إدراك تكبيرة الإحرام، أو لأجل إدراك ركعة ولو لم تفت الجماعة، أو لأجل إدراك الجماعة خوفاً من فواتها، وهذا قول بعض أهل الظاهر.

وذهب الإمام أحمد رحمه الله إلى أن الإسراع اليسير لأجل إدراك تكبيرة الإحرام لا بأس به، كما نقله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال بعضهم وهو أبو العباس بن تيمية : إن الإسراع اليسير لأجل إدراك الجماعة لا حرج فيه، يقول: ولا ينبغي أن يدخل في النهي الوارد في الحديث؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الأمر بالسكينة بقوله: ( فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ).

يقول أبو العباس بن تيمية : فمن لا يرجو إدراك شيء من الركعات لم يكن داخلاً في هذا الحديث.

ولعل قول أبي العباس بن تيمية أظهر، وهو: أن الإنسان لا ينبغي له أن يسرع ولو كانت سرعته يسيرة لأجل تكبيرة الإحرام؛ لأن الصحابة الذين فعلوا ذلك قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهاهم عن ذلك، ولهذا قال: (فسمع جلبةً، فقال: ما شأنكم؟)، فدل ذلك على أن فعل الصحابة داخل في النهي عن هذا الأمر، إلا أن الإنسان إذا علم أن الإمام في الركعة الرابعة، فأحب أن يدرك الجماعة فأسرع يسيراً فالذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا حرج فيه، وأنه غير داخل في الحديث.

ولقائل أن يقول: إن هذا التخريج إنما كان لأجل اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أن إدراك الجماعة إنما هو بإدراك ركعة، في حين أن الحنابلة والشافعية يرون أن إدراك الجماعة يحصل بإدراك ركعة، وعلى هذا فالذي يظهر أن كون الإنسان يسرع سرعةً لا تذهب بخشوعه جائز، إلا أن الأفضل ألا يسرع.

ولو قيل: إن الإسراع لأجل إدراك بعض الركعات مكروه، والإسراع لأجل إدراك الجماعة جائز لكن الترك أفضل لم يكن ببعيد؛ لأجل معنى هذا الحديث الذي ذكره أبو العباس بن تيمية ، وإن كان الأفضل للكل ألا يتعجل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا ).

الشيخ: إذا ثبت هذا: فإن السنة أيضاً أن يخرج الإنسان من بيته إلى المسجد وهو متطهر، فإن خروجه من بيته إلى المسجد وهو متطهر أفضل من أن يتطهر قريباً من المسجد، فإن بعض الناس يذهب إلى المسجد وهو لم يتطهر، فيذهب إلى دورات مياه المساجد فيتوضأ فيها، فهذا جائز، لكن الأفضل أن يتوضأ في بيته.

والدليل على هذا ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صلاة الرجل في جماعة تفضل على صلاته في بيته أو سوقه بخمس وعشرين درجة، وذلك أن أحدهم إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد، لم يخط خطوةً إلا رفع الله له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، والملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه تقول: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يحدث )، والحديث متفق عليه، واللفظ لـمسلم .

وهذا يدل على أن الإنسان إذا تطهر في بيته ثم خرج ولم يخرجه إلا الصلاة في المسجد، فإنه له في كل خطوة يخطوها درجة، وهذا يدل على أفضلية التطهر للصلاة من البيت.

ومما يدل على هذا ما جاء عند أبي داود بسند جيد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج فوجد الناس قد صلوا، كتب الله له أجر تلك الجماعة، وأجر من حضرها لا ينقص من أجورهم شيء )، وهذا الحديث إسناده جيد، وهذا يدل على أفضلية أن يتطهر الإنسان في بيته.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه العبادات - الطهارة [4] 2584 استماع
فقه العبادات - الطهارة [17] 2562 استماع
فقه العبادات - الطهارة [5] 2440 استماع
فقه العبادات - الطهارة [15] 2390 استماع
فقه العبادات - الصلاة [9] 2349 استماع
فقه العبادات - الصلاة [16] 2237 استماع
فقه العبادات - الطهارة [7] 2186 استماع
فقه العبادات - الصلاة [14] 2113 استماع
فقه العبادات - الطهارة [14] 2093 استماع
فقه العبادات - الصلاة [23] 2060 استماع