فقه العبادات - الطهارة [15]


الحلقة مفرغة

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم انفعنا بما علمتنا، وعلمنا ما ينفعنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، وبعد:

فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إخوتي المشاهدين والمشاهدات! أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا مطروداً يا رب العالمين.

أيها الإخوة والأخوات! كنا قد شرحنا باب التيمم، وذكرنا مسائل في التيمم، وذكرنا تعريف التيمم من حيث اللغة ومن حيث الاصطلاح، وذكرنا بعض المسائل المتعلقة بالتيمم، وثمة بعض المسائل لم يسعفنا الوقت لتداركها وشرحها، ولعلنا نذكرها إن شاء الله.

وكما قلت -أيها الإخوة والأخوات- إن الإخوة قد رغبوا ألا نذكر إلا رءوس المسائل المهمة في كل باب علنا ندرك شرح كتاب الطهارة في هذا الفصل، ونحن إن شاء الله معتمدون على ربنا مستعينون به على إنهاء هذا القسط الذي طلب منا أن نشرحه، وعلى هذا أيها الإخوة! فإن باب التيمم قد ذكرنا بعض مسائله، ونحن الآن نذكر بعض ما تبقى.

وقد ذكرنا أن شروط التيمم ثلاثة: أولها: دخول الوقت على مذهب الشافعية والحنابلة، والراجح عدمه كما هو مذهب مالك و أبي حنيفة ، واختيار أبي العباس بن تيمية ، والثاني: وجود التراب، والثالث: البحث في رحله.

والمسألة التي سوف نطرحها: ما يشترط في تراب التيمم.

اشتراط كون التراب طاهراً غير مغصوب

الشيخ: اشترط العلماء شرطاً واحداً أجمعوا عليه، وهو أن يكون طاهراً، فالشرط الأول المجمع عليه هو أن يكون التراب طاهراً، والطهورية ضدها النجاسة، فلا يصح التيمم بتراب نجس، سواء قد تبول فيه إنسان، أو وقعت فيه عذرة.

واستدل العلماء على وجوب طهورية التراب بما جاء في قول الله تبارك وتعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، والطيب كما يقول الإمام الزجاج في معاني القرآن: هو النظيف الطاهر، وهذا هو الأصل، فإن الطيب ضد الخبيث، والطيب ضد النجس، والله سبحانه وتعالى حينما ذكر ذلك فإنما أمر بالطيب الحلال، والطيب ضد النجس، وعلى هذا فقد قال أهل العلم: إنه لا بد للإنسان أن يتيمم بتراب ليس بنجس.

وكذلك اشترطوا أن يكون التراب غير مغضوب، وقد ذكرنا خلاف أهل العلم في حكم الوضوء بالماء المغصوب، وذكرنا أن مذهب الحنابلة وقول عند المالكية أنه لا تصح الطهارة بالمغصوب، والقول الثاني وهو مذهب جمهور أهل العلم: صحة الطهارة به مع الإثم؛ لأن النهي ليس عائداً على ذات العبادة، والقاعدة في هذا: أن النهي إذا لم يعد على ماهية العبادة، ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها - ومعنى وصفها الذي لا ينفك عنه هو الشروط التي لا تنفك عن وجودها الشرعي- فإن الأصل أن العبادة صحيحة مع الإثم، وهذا هو مذهب الشافعية والحنفية، ورواية عند الإمام أحمد ذهب إليها كثير من المحققين، وعلى هذا فالتراب إذا كان مغصوباً فإن الطهارة صحيحة، وترفع الحدث، لكن يأثم الإنسان باستعمال هذا الماء أو هذا التراب الذي ليس له حق فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي و الدارقطني من حديث أبي سعيد : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

هذا الشرط الأول الذي أجمعوا عليه.

اشتراط كون التراب له غبار

الشيخ: وهناك شرط آخر أشار إليه الشافعية والحنابلة، وهو أنهم قالوا: أن يكون التراب له غبار.

وعلى هذا فإذا تيمم برمل ليس له غبار لم يصح التيمم.

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، قالوا: روى ابن المنذر و البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (الصعيد الطيب هو تراب الحرث الذي له غبار)، وفي رواية: (هو تراب الحرث)، وهذا الأثر عن ابن عباس ضعيف يرويه قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه، عن ابن عباس .

والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم هو القول الثاني، وهو مذهب مالك ، ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكثير من المحققين كـالشوكاني وغيره، وهو أن الصعيد هو كل ما كان من وجه الأرض، كما أشار إلى ذلك الإمام الزجاج ، فإنه حين ذكر (الصعيد) قال: لا أعلم بين علماء اللغة اختلافاً أنه وجه الأرض.

وعلى هذا فوجه الأرض هو ما كان منها من التراب والرمل والحصى وغير ذلك، فإذا وجد تراب أو رمل فإنه يجوز التيمم به، ومما يدل على هذا ما جاء في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، في مسألة ما امتن الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن جعل التراب لأمة محمد طهوراً، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن جابر ، و أبي هريرة ، و حذيفة ، و عائشة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن الله جعل تربة هذه الأرض لنا طهوراً ومسجداً.

والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص : ( وجعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركتك الصلاة فعندك طهورك ومسجدك ).

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنك متى ما احتجت إلى الصلاة وقد دخل وقتها فالأرض هي طهور، ولم يقل صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض: إنها لا بد أن يكون لها غبار، ومن المعلوم أن الرمل ليس له غبار في الغالب، فإن الذي يعلق في يديك هو حبيبات الرمل، والغبار هو غبار الحرث كالتراب، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بأن يتطهر ويصلي متى أدركته الصلاة، فإنه لا يلزم أن يكون التراب له غبار، والقاعدة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ثمة أمر واجب غير هذا لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ البلاغ المبيَّن.

ومما يدل على هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسفار، ويقطع الفيافي والقفار، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ينقل التراب الذي له غبار، فدل ذلك على عدم وجوبه، فقد نقل لنا الصحابة رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينقل له العنزة -والعنزة الحربة- وتحمل له الإداوة، فلما كان الشيء المستحب ينقل له، فلو كان الغبار واجباً لأمر به صلى الله عليه وسلم، فلما لم ينقل دل على أن الأصل هو إباحة التيمم بكل ما على وجه الأرض، وهذا هو مذهب مالكأبو حنيفة له وجه في هذا القول إلا أنه يبالغ ويدخل كثيراً من المسائل- وهو قول ابن حزم أنه يقول: الصعيد: ما علا وجه الأرض مما هو متصل به، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: اشترط العلماء شرطاً واحداً أجمعوا عليه، وهو أن يكون طاهراً، فالشرط الأول المجمع عليه هو أن يكون التراب طاهراً، والطهورية ضدها النجاسة، فلا يصح التيمم بتراب نجس، سواء قد تبول فيه إنسان، أو وقعت فيه عذرة.

واستدل العلماء على وجوب طهورية التراب بما جاء في قول الله تبارك وتعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، والطيب كما يقول الإمام الزجاج في معاني القرآن: هو النظيف الطاهر، وهذا هو الأصل، فإن الطيب ضد الخبيث، والطيب ضد النجس، والله سبحانه وتعالى حينما ذكر ذلك فإنما أمر بالطيب الحلال، والطيب ضد النجس، وعلى هذا فقد قال أهل العلم: إنه لا بد للإنسان أن يتيمم بتراب ليس بنجس.

وكذلك اشترطوا أن يكون التراب غير مغضوب، وقد ذكرنا خلاف أهل العلم في حكم الوضوء بالماء المغصوب، وذكرنا أن مذهب الحنابلة وقول عند المالكية أنه لا تصح الطهارة بالمغصوب، والقول الثاني وهو مذهب جمهور أهل العلم: صحة الطهارة به مع الإثم؛ لأن النهي ليس عائداً على ذات العبادة، والقاعدة في هذا: أن النهي إذا لم يعد على ماهية العبادة، ولا على وصفها الذي لا ينفك عنها - ومعنى وصفها الذي لا ينفك عنه هو الشروط التي لا تنفك عن وجودها الشرعي- فإن الأصل أن العبادة صحيحة مع الإثم، وهذا هو مذهب الشافعية والحنفية، ورواية عند الإمام أحمد ذهب إليها كثير من المحققين، وعلى هذا فالتراب إذا كان مغصوباً فإن الطهارة صحيحة، وترفع الحدث، لكن يأثم الإنسان باستعمال هذا الماء أو هذا التراب الذي ليس له حق فيه، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما عند البيهقي و الدارقطني من حديث أبي سعيد : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

هذا الشرط الأول الذي أجمعوا عليه.

الشيخ: وهناك شرط آخر أشار إليه الشافعية والحنابلة، وهو أنهم قالوا: أن يكون التراب له غبار.

وعلى هذا فإذا تيمم برمل ليس له غبار لم يصح التيمم.

واستدلوا على ما ذهبوا إليه بقول الله تعالى: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، قالوا: روى ابن المنذر و البيهقي ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (الصعيد الطيب هو تراب الحرث الذي له غبار)، وفي رواية: (هو تراب الحرث)، وهذا الأثر عن ابن عباس ضعيف يرويه قابوس بن أبي ظبيان ، عن أبيه، عن ابن عباس .

والذي يظهر لي والله تبارك وتعالى أعلم هو القول الثاني، وهو مذهب مالك ، ورواية عن الإمام أحمد اختارها أبو العباس بن تيمية رحمه الله وكثير من المحققين كـالشوكاني وغيره، وهو أن الصعيد هو كل ما كان من وجه الأرض، كما أشار إلى ذلك الإمام الزجاج ، فإنه حين ذكر (الصعيد) قال: لا أعلم بين علماء اللغة اختلافاً أنه وجه الأرض.

وعلى هذا فوجه الأرض هو ما كان منها من التراب والرمل والحصى وغير ذلك، فإذا وجد تراب أو رمل فإنه يجوز التيمم به، ومما يدل على هذا ما جاء في حديث عمرو بن شعيب ، عن أبيه، عن جده، في مسألة ما امتن الله به على أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أن جعل التراب لأمة محمد طهوراً، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن جابر ، و أبي هريرة ، و حذيفة ، و عائشة ، و عبد الله بن عمرو بن العاص ، أن الله جعل تربة هذه الأرض لنا طهوراً ومسجداً.

والشاهد من هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في رواية عبد الله بن عمرو بن العاص : ( وجعلت الأرض لنا مسجداً وطهوراً، فحيثما أدركتك الصلاة فعندك طهورك ومسجدك ).

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار إلى أنك متى ما احتجت إلى الصلاة وقد دخل وقتها فالأرض هي طهور، ولم يقل صلى الله عليه وسلم في هذه الأرض: إنها لا بد أن يكون لها غبار، ومن المعلوم أن الرمل ليس له غبار في الغالب، فإن الذي يعلق في يديك هو حبيبات الرمل، والغبار هو غبار الحرث كالتراب، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أمر بأن يتطهر ويصلي متى أدركته الصلاة، فإنه لا يلزم أن يكون التراب له غبار، والقاعدة: أنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، فلو كان ثمة أمر واجب غير هذا لبينه صلى الله عليه وسلم، وقد بلغ البلاغ المبيَّن.

ومما يدل على هذا أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثير الأسفار، ويقطع الفيافي والقفار، ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان ينقل التراب الذي له غبار، فدل ذلك على عدم وجوبه، فقد نقل لنا الصحابة رضي الله عنهم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان ينقل له العنزة -والعنزة الحربة- وتحمل له الإداوة، فلما كان الشيء المستحب ينقل له، فلو كان الغبار واجباً لأمر به صلى الله عليه وسلم، فلما لم ينقل دل على أن الأصل هو إباحة التيمم بكل ما على وجه الأرض، وهذا هو مذهب مالكأبو حنيفة له وجه في هذا القول إلا أنه يبالغ ويدخل كثيراً من المسائل- وهو قول ابن حزم أنه يقول: الصعيد: ما علا وجه الأرض مما هو متصل به، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! فإن ثمة مسألة سبق أن ذكرناها، وهي مسألة: ما لو كان عنده بعض الماء الذي يطهر بعض الأعضاء، ولا يطهر كامل أعضاء الوضوء، فهل يصح الجمع بين الماء والتيمم؟ قلنا: اختلف العلماء في هذه المسألة: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه يجوز الجمع بين الماء والتيمم إذا كان الماء قليلاً؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قالوا: فإن اتقاء العبد عقوبة الله في هذا هو أن يستعمل الماء حتى ينتهي، ثم يدخل في التيمم، فهو قد فعل ما يستطيعه، فتوضأ في بعض أعضائه بما عنده من الماء، فإذا بقي بعض الأعضاء تيمم لها.

وقالوا: إنه إن تيمم وترك الماء لم يكن غير واجد للماء، والله يقول: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً [المائدة:6]، وهو واجد، فالوجود هنا إما وجود كامل أو وجود ناقص.

ثم قالوا: ولا يصح الاستدلال على المنع بأن يقال: لا يجمع بين البدل والمبدل، فقد ذهب المالكية والحنفية إلى أنه لا يجوز أن يجمع في أعضاء الوضوء بين البدل والمبدل، فالجواب على هذا: أن القاعدة صحيحة وسليمة -أنه لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل- لكن هذه القاعدة إنما هو عدم جواز الجمع بين البدل والمبدل في عضو واحد، فأما نحن فلم نجعل الوجه يتيمم له بالتراب، ويتوضأ له بالماء، إنما التراب عما لم يصله الماء، فدل ذلك على أننا لم نجمع بين البدل والمبدل، فإنما جعلنا البدل في بعض الأعضاء، والمبدل في البعض الآخر، وهذا هو الراجح والله أعلم، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله تعالى.

الشيخ: وهنا مسألة أخرى وهي أن الإنسان إذا أراد أن يصلي وفي جسده نجاسة لا يستطيع أن ينفك عنها، فهل يصح أن يتيمم بدلاً عن إزالة النجاسة بالماء؟

مثاله: شخص في بدنه نجاسة، فواجب عليه أن يزيلها لقوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، ولحديث أبي داود وأهل السنن من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه، فإن رأى بهما أذىً فليمطه )، فهذا يدل على أن الإنسان مأمور أن يزيل الأذى من بدنه وثوبه الذي يصلي فيه، قالوا: فإن عجز إما لعدم وجود الماء، وإما لعدم استطاعته، فهل يتيمم بنية الإزالة وهي لم تزل؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب الحنابلة إلى أنه يتيمم، كما لو حبس في بقعة فيها نجاسة، فإنه يتيمم لرفع الحدث، ويتيمم للبقعة.

وذهب سائر الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية -وعليه أكثر فقهاء الأمصار- إلى أن التيمم إنما جاء لعبادة وهي رفع الحدث، ولم يأت لإزالة النجاسة هذا أولاً.

ثانياً: ولأن التيمم إنما جاء بصفة مخصوصة، وهي ضرب الأرض ومسح الوجه واليدين، وليست هذه إلا في رفع الحدث، فأما إزالة النجاسة فهي عين خبيثة، متى ما زالت زال أثرها، وإن بقيت فإنها كحكم المعدوم، والقاعدة: أن المعدوم لا حكم له، وهذا هو الراجح، وأن الإنسان لا يصح له أن يتيمم لإزالة النجاسة، أو بدلاً عن إزالتها بالماء، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

هنا نكون قد انتهينا من باب التيمم، أو قد ذكرنا غالب مسائل التيمم، والله تبارك وتعالى أعلم.

التيمم بالثلج عند عدم الماء والتراب

السؤال: هناك بعض الأماكن فيها ميدان للثلج، والناس يمرون عليه، ولا يستطيعون أن يحصلوا على الماء، فكيف يتيمم؟

الجواب: هذه المسألة وهي مسألة ما يوجد في بعض المناطق كمنطقة القطب الشمالي أو سيبيريا، حيث إن الأرض مليئة بالثلوج، فلا يستطيعون أن يذيبوا الثلج لأجل أن يحصلوا على الماء، ولا أن يجدوا التراب، فهل يصح أن يتيمموا بالثلج؟

نقول: اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية رحمهم الله إلى جواز التيمم بالثلج؛ لأنه من الصعيد، فكل ما علا على وجه الأرض صار صعيداً.

القول الثاني هو قول سائر فقهاء الأمصار: أن الثلج إنما هو شيء عارض ليس هو من صلب الأرض، ولا من صلب الصعيد، فدل ذلك على أن الأصل في الأرض هو عدم وجود الثلج، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر امتنان الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه على هذه الأمة بالأرض والتراب، فقال: ( وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً )، فجعل هذه المنة إنما هي في الأرض، ولو كان شيء مما يعلق بالأرض مما ليس منها جائزاً لذكره الله، خاصةً أن ذلك في مقام الامتنان، فلما لم يذكره وليس هو من أجزاء الأرض فالراجح -والله أعلم- أنه لا يجوز له ذلك. إذاً ماذا يصنع؟

نقول: إن استطاع أن يأخذ الثلج فيتمسح به ويكون بمثابة الوضوء فهو أفضل من عدمه، فإننا ذكرنا فيمن به جرح إما أن يغسله، وإما أن يمسحه بالماء، وإما أن يتيمم له، فنقول: إذا استطاع أن يأخذ هذا الثلج ويتمسح به فالحمد لله، وإن لم فإنه ينوي رفع الحدث، ويصير بمثابة من لم يجد الماء ولا التراب، فإن الراجح والله أعلم أن الإنسان إذا لم يجد الماء ولا التراب أنه ينوي رفع الحدث ثم يصلي؛ لأن هذا ما يستطيعه.

السؤال: هناك بعض الأماكن فيها ميدان للثلج، والناس يمرون عليه، ولا يستطيعون أن يحصلوا على الماء، فكيف يتيمم؟

الجواب: هذه المسألة وهي مسألة ما يوجد في بعض المناطق كمنطقة القطب الشمالي أو سيبيريا، حيث إن الأرض مليئة بالثلوج، فلا يستطيعون أن يذيبوا الثلج لأجل أن يحصلوا على الماء، ولا أن يجدوا التراب، فهل يصح أن يتيمموا بالثلج؟

نقول: اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: ذهب الحنفية رحمهم الله إلى جواز التيمم بالثلج؛ لأنه من الصعيد، فكل ما علا على وجه الأرض صار صعيداً.

القول الثاني هو قول سائر فقهاء الأمصار: أن الثلج إنما هو شيء عارض ليس هو من صلب الأرض، ولا من صلب الصعيد، فدل ذلك على أن الأصل في الأرض هو عدم وجود الثلج، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذكر امتنان الرب جل جلاله وتقدست أسماؤه على هذه الأمة بالأرض والتراب، فقال: ( وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً )، فجعل هذه المنة إنما هي في الأرض، ولو كان شيء مما يعلق بالأرض مما ليس منها جائزاً لذكره الله، خاصةً أن ذلك في مقام الامتنان، فلما لم يذكره وليس هو من أجزاء الأرض فالراجح -والله أعلم- أنه لا يجوز له ذلك. إذاً ماذا يصنع؟

نقول: إن استطاع أن يأخذ الثلج فيتمسح به ويكون بمثابة الوضوء فهو أفضل من عدمه، فإننا ذكرنا فيمن به جرح إما أن يغسله، وإما أن يمسحه بالماء، وإما أن يتيمم له، فنقول: إذا استطاع أن يأخذ هذا الثلج ويتمسح به فالحمد لله، وإن لم فإنه ينوي رفع الحدث، ويصير بمثابة من لم يجد الماء ولا التراب، فإن الراجح والله أعلم أن الإنسان إذا لم يجد الماء ولا التراب أنه ينوي رفع الحدث ثم يصلي؛ لأن هذا ما يستطيعه.

الشيخ: بقيت مسألة ذكرتموني إياها، وهي مسألة هل يتيمم الإنسان لرفع الحدث الأكبر؟

مثلاً: أناس في البر، فاحتلم أحدهم، وشق عليه أن يغتسل؛ لأنه يخاف على نفسه الهلكة، أو زيادة المرض، فهل يصح أن يتيمم بنية رفع الحدث الأكبر ويتوضأ بنية رفع الحدث الأصغر أم لا؟

اختلف العلماء في ذلك، فذهب سائر فقهاء الأمصار وهو مذهب الأئمة الأربعة إلى جواز أن يتيمم الإنسان للحدث الأكبر.

واستدلوا على ذلك بأن الله سبحانه وتعالى قال: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]، فذكر الله سبحانه وتعالى في الآية الحدث الأكبر (كنتم جنباً)، والحدث الأصغر (أو جاء أحد منكم من الغائط)، فذكر ذلك وأمر بالتيمم، فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43].

وذهب عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود كما روى ذلك البخاري و مسلم أنهما امتنعا ومنعا أن يتيمم الإنسان للحدث الأكبر، وقيل: إن عمر رجع إلى قول الجمهور.

وقال عبد الله بن عمر كما روى البخاري و مسلم: أن عبد الله بن مسعود قال: قال أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! ما تقول في رجل أجنب ولم يجد الماء؟ قال: لا يتيمم وإن لم يجد الماء شهراً -يعني: يبقى لا يصلي حتى يجد الماء ثم يقضي ما فاته- قال: فما تقول في قول الله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا [النساء:43]؟ قال: يوشكوا إذا برد عليهم الماء أن يتيمموا، فكأنه قال: إن هذا في حق المسافر، أو إنما هي في غير الحدث الأكبر، قال أبو موسى : فما تقول في قصة عمار بن ياسر حينما قال: كنت أنا و عمر في بعض الأسفار، فاحتلمنا، فأجنبنا، فأما أنا فتمرغت في الصعيد كما تمرغ الدابة، وأما عمر فلم يصل، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا، وضرب الشمال على اليمين، وظاهر كفيه الوجه ونفخ فيهما )، الحديث.

قال عبد الله بن مسعود: أولم تر عمر لم يقبل قول عمار؟

فكأن ابن مسعود رضي الله عنه خفيت عليه، وهذا يدل دلالةً واضحة على أن الإنسان مهما بلغ من العلم فقد تخفى عليه بعض المسائل، فهذا الكنيف الذي ملئ علماً وهو عبد الله بن مسعود ، وهذا الحبر الملهم وهو عمر بن الخطاب خفيت عليهما هذه المسألة، فنحن والناس والعلماء من باب أولى وأحرى. فلأجل هذا ينبغي أن يعذر الآخرون، فالإنسان مهما بلغ من العلم فقد يهم أو يخطئ أو يزل.

يقول أبو العباس بن تيمية : والغلط واقع في عامة الناس حتى من الصحابة، فالصحابة غلطوا، فـعدي بن حاتم جاء بحبلين، فوضعهما أمامه، فجعل يأكل حتى يتبين له الأسود من الأبيض، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: ( إن وسادك إذاً لعريض، إنما المراد بياض النهار من سواد الليل )، فالخطأ والوهم حاصل من الناس صغيرهم وكبيرهم، لكن الخطأ الأعظم هو أن يبين للإنسان له الخطأ فيبقى على خطئه.

يقول يحيى بن معين : ليس العيب ممن يخطئ في الحديث إذ كان هذا موجوداً، ولكن العيب أن يخطئ ولا يرجع عن خطئه بعد أن أخبر.

وهذه كلمة عظيمة، فالإنسان كلما كثرت مروياته، وكثرت محفوظاته، وكثر علمه، فإنه ربما ينسى، أما الذي محفوظاته أو علمه قليل، فإنه ربما يكرره ولا ينسى، ولهذا قال الإمام الشعبي رحمه الله حينما كان يحدث العلم، فقال له رجل: يا إمام! أعد علي ما تقول، قال: والله ما كتبت سوداء في بيضاء قط! يعني: أنا لا أكتب حتى تقول لي: أعد، أنا مجرد أن أستمع أحفظ، وقال: ولقد نسيت من العلم ما لو حفظه جاهل لكان به عالماً.

فهذا يدل على أن الإنسان يكون منه الوهم، ويكون منه النسيان، وهذا أمر معروف، ولكن الشأن كل الشأن هو أنه إذا أخطأ وأخبر بخطئه يجب عليه أن يرجع، وهذا أيها الإخوة دروس يستفيد منها طالب العلم في طلبه للعلم.

التيمم بالحجر

السؤال: هل الحجر من الصعيد؟

الجواب: بعض أهل العلم ذكر أن الحجر من الصعيد، وهو قول للمالكية.

وبعضهم قال: إن الحجر ليس منه، وهو قول لبعض الظاهرية.

والذي يظهر والله أعلم أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الغاشية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20]، فالله سبحانه وتعالى غاير بين الأرض وبين الجبال، مما يدل على أن الأرض ليست من الجبال، ولعل هذا أظهر، إلا إذا كان هذا الحجر وهذا الجبل فيه غبار، فيكون قد علق فيه شيء من أجزاء الأرض.

حمل التراب لمن يعلم أنه سيسافر إلى بلد غالب أرضها الثلج

السؤال: هناك بعض الناس يسافرون إلى بلاد الثلوج، فهل يلزمهم أن يصطحبوا تراباً معهم لكي يتيمموا؟

الجواب: لا يلزمهم، نحن ذكرنا هذا في باب الوضوء، أن الإنسان لا يلزمه أن يحمل الماء، وقلنا: إن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال له الرجل: ( يا رسول الله! إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال: هو الطهور ماؤه، الحل ميتته )، فهذا يدل على أنه لا يلزمهم أن يحملوا ماء لوضوئهم، وهذا يدل على أنهم إذا لم يؤمروا أن يحملوا لوضوئهم فلا يؤمرون أن يحملوا لتيممهم، والله أعلم.

السؤال: هل الحجر من الصعيد؟

الجواب: بعض أهل العلم ذكر أن الحجر من الصعيد، وهو قول للمالكية.

وبعضهم قال: إن الحجر ليس منه، وهو قول لبعض الظاهرية.

والذي يظهر والله أعلم أن الله سبحانه وتعالى قال في سورة الغاشية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية:17-20]، فالله سبحانه وتعالى غاير بين الأرض وبين الجبال، مما يدل على أن الأرض ليست من الجبال، ولعل هذا أظهر، إلا إذا كان هذا الحجر وهذا الجبل فيه غبار، فيكون قد علق فيه شيء من أجزاء الأرض.