شرح عمدة الأحكام [10]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله: [باب الأذان: عن أنس رضي الله عنه قال : أُمر بلال أن يشفع الآذان ويوتر الإقامة.

وعن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة له حمراء من أدم قال : فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ونائل، قال: فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وعليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال: فتوضأ وأذن بلال قال: فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم رُكزت له عنزة فتقدم وصلى الظهر ركعتين، ثم لم يزل يُصلي ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة].

أهمية الأذان وفضله

هذا باب الأذان، وهو من شعائر الإسلام الظاهرة، فرفع الصوت بهذه الكلمات في أوقات الصلاة من شعائر الدين، ومن أعلام الإسلام، ومما يُعرف به أن أهل هذه البلد مسلمون مُعلنون لكلمات الله مظهرون لدين الله، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا وقرب من أهل قرية أو أهل بادية انتظر وقت الصلاة، فإن سمع أذاناً منهم تركهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم، فجعل الأذان علامة على أنهم مسلمون؛ وذلك لأنه أصبح شعاراً للمسلمين.

شُرع هذا الأذان للإعلان بدخول الوقت، وأوقات الصلوات محددة، لكل صلاة وقت له أول وآخر، والناس قد لا يعرفون الوقت بالزمان؛ فلذلك جعلت علامة يعرفون بها أوقات صلواتهم، فإذا سمعوا الأذان توجهوا لأداء هذه الصلوات في بيوت الله سبحانه، وإذا سمعوا الأذان عرفوا أن الوقت قد دخل فصلى المعذور في محله.

وهذا الأذان مشتمل على كلمات كلها ذكر، فلا جرم كان فيه من الأذكار ما هو تذكير مناسب؛ وذلك لأنه يرفع به الصوت، فناسب أن يكون مبدوءاً بالتكبير الذي يذكر بكبرياء الله وبعظمته وبحقارة ما سواه، وكذلك فيه تكرار الشهادتين وما ذاك إلا ليعلم أن هذا التكبير وهذه الشهادة شعار الإسلام، فإن الشهادتين من شعائر المسلمين، وفيه دعاء إلى الصلاة، وإلى نتيجتها، يدعو الناس بقوله: حيَّ، يعني: هلموا وتعالوا إلى هذه الصلاة التي يحصل بها الفلاح، وفي ذلك ما يدفعهم إلى أن يأتوا مسرعين حريصين على الفلاح الذي هو الفوز، وختم بالتكبير مرة ثانية، وبالتهليل الذي هو تذكير بالشهادة.

فهذا الأذان من شعائر الإسلام؛ ولذلك كانت وظيفته من أشرف الوظائف، ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يغفر للمؤذن مدى صوته)، وأوصى أبو سعيد رجلاً من أصحابه فقال: إني أراك تحب البادية، فإذا كنت في باديتك أو في غنمك وأذنت للصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة، وقرأ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4].

وقال بعضهم في قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33]: نزلت في المؤذنين؛ لأنهم أحسن الناس قولاً؛ لأنهم يأتون بكلمات حسنة، ويأتون بهذه الدعوة إلى عبادة الله، فلا أحسن منهم قولاً، وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم يُعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم سيمة وعلامة لهم، وذلك دليل على فضيلة الأذان، وأنه شعيرة من شعائر الإسلام.

قال أنس : (أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة)، وهذا الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية النسائي : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والمعنى أن يجعل كلمات الأذان شفعاً، يعني: مكررة، وكلمات الإقامة مفردة وتراً غير مكررة، فيكبر في الأذان أربعاً في الأول، وفي الإقامة تكبيرتين فهي على النصف، يتشهد أن لا إله إلا الله في الإقامة مرة، وفي الأذان مرتين، كل واحدة من الشهادتين يكررها في الأذان مرتين، والحيعلتان يأتي بهما مرتين في الأذان، ومرةً في الإقامة، فمعنى كونه شفعاً يعني: مرتين، والإقامة وتر يعني: مرة، إلا أن الإقامة تزيد بكلمة (قد قامت الصلاة) حيث إنما لإعلام الناس بالقيام، ويؤتى بها مرتين لإعلام الحاضرين بأن يقوموا إلى الصلاة.

كيفية الأذان والإقامة

أذان بلال خمس عشرة جملة، أربع تكبيرات، وأربع تشهدات، وأربع حيعلات، هذه اثنتا عشرة كلمة، ومعها تكبيرتان تصير أربع عشرة، وتهليلة، فهذه خمس عشرة، هذا هو أذان بلال الذي استمر عليه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن روي عن أبي محذورة أنه كان يُكرر الشهادتين، ويسمي ذلك ترجيعاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان بالترجيع، فكان أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، حيث إنه يأتي بالشهادتين مرتين مرتين، ثم يعيدها مرتين مرتين، فتكون الشهادتان ثمان مرات، فيصل العدد إلى تسع عشرة جملة، هذا أذان أبي محذورة ، وكان يؤذن في الحرم المكي في أيام الموسم، وعنه أخذ أكثر الوافدين من المدن البعيدة فنقلوه إلى تلك البلادة البعيدة كالهند والسند وما وراء النهر وبلاد تركيا وما أشبهها، فكانوا يؤذنون بأذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، ولكنه كان يخفض الشهادتين للمرة الأولى، ويرفعهما للمرة الثانية.

ونحن نقول: لا بأس بذلك، ولكن أذان بلال الذي ليس فيه ترجيع أصح، فإنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالترجيع، وبه حصل الأمر في هذا الحديث، أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والإقامة عند أبي محذورة كان يكررها ولا يوترها، ولا يعمل بهذا الحديث الذي هو حديث أنس ، فيكبر في الإقامة أربعاً، ويتشهد أربعاً، ويحيعل أربعاً، فهذه اثنتا عشرة كلمة، ويأتي بقد قامت الصلاة مرتين، فهذه أربع عشرة، ثم بتكبيرتين هذه ست عشرة، وبتهليلة فهذه سبع عشرة كلمة، وإلى هذا ذهبت الحنفية، فكان أذانهم تسع عشرة كلمة، فإقامتهم سبع عشرة كلمة، إقامتهم مثل أذاننا إلا أنهم يضيفون إليها (قد قامت الصلاة) مرتين، فيصير العدد سبع عشرة كلمة في الإقامة، وتسع عشرة في الأذان.

ونحن نقول: ما دام أنهم معتمدون على دليل فلهم دليلهم، ولكن دليلنا أرجح؛ وذلك لأنه الذي كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وفي حضره، فهو أقوى دليلاً.

هذا باب الأذان، وهو من شعائر الإسلام الظاهرة، فرفع الصوت بهذه الكلمات في أوقات الصلاة من شعائر الدين، ومن أعلام الإسلام، ومما يُعرف به أن أهل هذه البلد مسلمون مُعلنون لكلمات الله مظهرون لدين الله، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا وقرب من أهل قرية أو أهل بادية انتظر وقت الصلاة، فإن سمع أذاناً منهم تركهم، وإن لم يسمع أذاناً أغار عليهم، فجعل الأذان علامة على أنهم مسلمون؛ وذلك لأنه أصبح شعاراً للمسلمين.

شُرع هذا الأذان للإعلان بدخول الوقت، وأوقات الصلوات محددة، لكل صلاة وقت له أول وآخر، والناس قد لا يعرفون الوقت بالزمان؛ فلذلك جعلت علامة يعرفون بها أوقات صلواتهم، فإذا سمعوا الأذان توجهوا لأداء هذه الصلوات في بيوت الله سبحانه، وإذا سمعوا الأذان عرفوا أن الوقت قد دخل فصلى المعذور في محله.

وهذا الأذان مشتمل على كلمات كلها ذكر، فلا جرم كان فيه من الأذكار ما هو تذكير مناسب؛ وذلك لأنه يرفع به الصوت، فناسب أن يكون مبدوءاً بالتكبير الذي يذكر بكبرياء الله وبعظمته وبحقارة ما سواه، وكذلك فيه تكرار الشهادتين وما ذاك إلا ليعلم أن هذا التكبير وهذه الشهادة شعار الإسلام، فإن الشهادتين من شعائر المسلمين، وفيه دعاء إلى الصلاة، وإلى نتيجتها، يدعو الناس بقوله: حيَّ، يعني: هلموا وتعالوا إلى هذه الصلاة التي يحصل بها الفلاح، وفي ذلك ما يدفعهم إلى أن يأتوا مسرعين حريصين على الفلاح الذي هو الفوز، وختم بالتكبير مرة ثانية، وبالتهليل الذي هو تذكير بالشهادة.

فهذا الأذان من شعائر الإسلام؛ ولذلك كانت وظيفته من أشرف الوظائف، ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قال: (يغفر للمؤذن مدى صوته)، وأوصى أبو سعيد رجلاً من أصحابه فقال: إني أراك تحب البادية، فإذا كنت في باديتك أو في غنمك وأذنت للصلاة فارفع صوتك بالأذان، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر إلا شهد له يوم القيامة، وقرأ: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا [الزلزلة:4].

وقال بعضهم في قول الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ [فصلت:33]: نزلت في المؤذنين؛ لأنهم أحسن الناس قولاً؛ لأنهم يأتون بكلمات حسنة، ويأتون بهذه الدعوة إلى عبادة الله، فلا أحسن منهم قولاً، وكذلك أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأنهم يُعرفون يوم القيامة بطول أعناقهم سيمة وعلامة لهم، وذلك دليل على فضيلة الأذان، وأنه شعيرة من شعائر الإسلام.

قال أنس : (أُمر بلال أن يشفع الأذان، ويوتر الإقامة)، وهذا الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، وفي رواية النسائي : أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والمعنى أن يجعل كلمات الأذان شفعاً، يعني: مكررة، وكلمات الإقامة مفردة وتراً غير مكررة، فيكبر في الأذان أربعاً في الأول، وفي الإقامة تكبيرتين فهي على النصف، يتشهد أن لا إله إلا الله في الإقامة مرة، وفي الأذان مرتين، كل واحدة من الشهادتين يكررها في الأذان مرتين، والحيعلتان يأتي بهما مرتين في الأذان، ومرةً في الإقامة، فمعنى كونه شفعاً يعني: مرتين، والإقامة وتر يعني: مرة، إلا أن الإقامة تزيد بكلمة (قد قامت الصلاة) حيث إنما لإعلام الناس بالقيام، ويؤتى بها مرتين لإعلام الحاضرين بأن يقوموا إلى الصلاة.

أذان بلال خمس عشرة جملة، أربع تكبيرات، وأربع تشهدات، وأربع حيعلات، هذه اثنتا عشرة كلمة، ومعها تكبيرتان تصير أربع عشرة، وتهليلة، فهذه خمس عشرة، هذا هو أذان بلال الذي استمر عليه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

لكن روي عن أبي محذورة أنه كان يُكرر الشهادتين، ويسمي ذلك ترجيعاً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان بالترجيع، فكان أذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، حيث إنه يأتي بالشهادتين مرتين مرتين، ثم يعيدها مرتين مرتين، فتكون الشهادتان ثمان مرات، فيصل العدد إلى تسع عشرة جملة، هذا أذان أبي محذورة ، وكان يؤذن في الحرم المكي في أيام الموسم، وعنه أخذ أكثر الوافدين من المدن البعيدة فنقلوه إلى تلك البلادة البعيدة كالهند والسند وما وراء النهر وبلاد تركيا وما أشبهها، فكانوا يؤذنون بأذان أبي محذورة تسع عشرة جملة، ولكنه كان يخفض الشهادتين للمرة الأولى، ويرفعهما للمرة الثانية.

ونحن نقول: لا بأس بذلك، ولكن أذان بلال الذي ليس فيه ترجيع أصح، فإنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمره بالترجيع، وبه حصل الأمر في هذا الحديث، أُمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة، والإقامة عند أبي محذورة كان يكررها ولا يوترها، ولا يعمل بهذا الحديث الذي هو حديث أنس ، فيكبر في الإقامة أربعاً، ويتشهد أربعاً، ويحيعل أربعاً، فهذه اثنتا عشرة كلمة، ويأتي بقد قامت الصلاة مرتين، فهذه أربع عشرة، ثم بتكبيرتين هذه ست عشرة، وبتهليلة فهذه سبع عشرة كلمة، وإلى هذا ذهبت الحنفية، فكان أذانهم تسع عشرة كلمة، فإقامتهم سبع عشرة كلمة، إقامتهم مثل أذاننا إلا أنهم يضيفون إليها (قد قامت الصلاة) مرتين، فيصير العدد سبع عشرة كلمة في الإقامة، وتسع عشرة في الأذان.

ونحن نقول: ما دام أنهم معتمدون على دليل فلهم دليلهم، ولكن دليلنا أرجح؛ وذلك لأنه الذي كان بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم في سفره وفي حضره، فهو أقوى دليلاً.

من صفات المؤذن أن يلتفت في الحيعلتين؛ ليبلغ من هنا ومن هنا، ودل على ذلك حديث أبي جحيفة الذي سمعنا، وفيه أن أبا جحيفة وهب بن عبد الله السوائي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منى في حجة الوداع، ولما جاء إليه وجده في قبة حمراء قد نصبت له في منى، والقبة هي: خيمة صغيرة من أدم، يعني: من جلود، وقد دبغت بالحمرة فأصبح لونها أحمر، جعلها النبي صلى الله عليه وسلم يستظل بها، ولم يكن هناك خيام رفيعة ولا بنايات، إنما هي قبة صغيرة مبنية له من أدم لأجل الظل.

ولما حضرت الصلاة خرج صلى الله عليه وسلم ليتوضأ وأخرجوا له وضوءاً، فذكر أبو جحيفة أنه رآه وعليه حُلة حمراء، والحلة: ما يتكون من إزار ورداء، أو إزار وقباء، أو إزار وقميص، أو إزار ومعطف مما يلبس على الظهر، أي: ثوبان يسميان حلة، والواحد لا يسمى حلة، وهذه الحلة كانت حمراء، وكأنها غير خالصة الحمرة، وإلا فهو عليه الصلاة والسلام قد نهى الرجال أن يلبسوا اللباس الأحمر، يعني: الأحمر الخالص، وجعل ذلك للنساء، بل نهى عن المعصفر المطلي بعصفر أو بورس أو بزعفران، وجعل ذلك أيضاً للنساء، فدل على أن هذه الحلة ولو وصفت بالحمرة فحمرتها ليست خالصة، وإنما فيها لون أو بها خطوط حمر.

وذكر أنه لما أخرج وضوءه- يعني: الماء الذي توضأ به صلى الله عليه وسلم -كان الناس حوله يتلقون ما تقاطر من أعضائه، فالقطرات التي تتقاطر من وجهه أو من يديه يتلقاها هذا وهذا، وكل من وقعت قطرة في يده مسح بها وجهه أو مسح بها صدره تبركاً بما مسه النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا معنى قوله: فمن ناضح ونائل، يعني: واحد منهم يحصل على ماء ينضح به جسمه وثيابه، والآخر لا يجد إلا بلل يد صاحبه أو كفه أو وجهه أو نحو ذلك.

وهذا التبرك خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتبركوا بغيره ممن بعده من الأولياء والصالحين ونحوهم؛ وذلك لما جعل الله فيما مسه من البركة والخير.

وقد ذكر أنه لما حضر وقت الصلاة أذن بلال ، وهو الذي كان يؤذِن للنبي صلى الله عليه وسلم في سفره وفي حضره، ولما أذن جعل يلتفت، يقول أبو جحيفة : فجعلت أتتبع فاه هاهنا وهاهنا، يعني: يميناً وشمالاً، يقول: حي على الصلاة، حي على الفلاح، أي: يلتفت إذا قال: حي على الصلاة عن اليمين حتى يسمعه الذين عن اليمين، ويلتفت إلى اليسار يلتفت في قوله: حي الفلاح، هكذا فعل وأقره على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم؛ لذلك استحب العلماء للمؤذن أن يلتفت في الحيعلتين رجاء أن يذهب صوته من هنا ومن هنا.

ولكن هذا خاص بما إذا كان يؤذن بغير المكبر، أما إذا كان يؤذن مع وجود هذا المكبر فلا حاجة إلى الالتفات؛ لأن الالتفات قد يُضعف صوته، فإذا التفت مال عن المكبر الذي أمامه فضعف بذلك صوته، والمطلوب أن يأتي بما يستطيعه من رفع الصوت حتى يسمعه القاصي والداني، ومعلوم أن المكبر يلتقط الصوت ويدفعه إلى تلك السماعات التي قد جُعلت في أعلى المساجد، وتلك السماعات موجهة إلى الجهات، فهي تُرسل الصوت إلى تلك الجهات التي وجهت إليها، سواء قابلها الصوت أو لم يقابلها، إنما تأخذه هذه اللاقطة، فنقول: لا حاجة إلى الالتفات في مثل هذا، إنما يحتاج إليه إذا أذن بغير المكبر؛ لأنه مشروع أن يُبلغ صوته لمن في سائر الجهات.

ثم ذكر أنه لما حضرت الصلاة رُكزت عنزة، أي: حربة قصيرة، وهي عصاً في رأسها حديدة محددة، يجعلها سترة له يستقبلها حتى تكون له سترة؛ ولهذا استحب أن يُصلي الإمام إلى سترة إذا كان في الصحراء، فتركز له عصا أو حربة أو عنزة أو نحو ذلك؛ ليقتصر بصره عليها، ولا يمتد إلى ما وراءها؛ ولئلا يمر بينه وبينها أحد، فيردُ من مر بينه وبينها.

وذكر أبو جحيفة أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر ركعتين، والعصر ركعتين؛ وذلك لأنه مسافر، فمن حين خرج من المدينة وهو مسافر، ومعه عدة السفر، ورواحله معه، وليس هو بمقيم سواء كان في منى أو في عرفة أو في الأبطح أو في الطريق، كان يعتبر نفسه مسافراً، فكان يقصر الصلاة الرباعية ركعتين ركعتين حتى رجع إلى المدينة، هكذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم.

والحديث فيه أحكام كثيرة، وإنما نأخذ المهم منها، وهو ما ذكره من أذان بلال ، وكيفية التفافه في الحيعلتين، وهذا هو الشاهد من الحديث.


استمع المزيد من الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح عمدة الأحكام [4] 2582 استماع
شرح عمدة الأحكام [29] 2580 استماع
شرح عمدة الأحكام [47] 2518 استماع
شرح عمدة الأحكام [36] 2501 استماع
شرح عمدة الأحكام 6 2440 استماع
شرح عمدة الأحكام 9 2369 استماع
شرح عمدة الأحكام 53 2355 استماع
شرح عمدة الأحكام [31] 2339 استماع
شرح عمدة الأحكام 56 2330 استماع
شرح عمدة الأحكام 7 2329 استماع