شرح عمدة الأحكام [4]


الحلقة مفرغة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في المذي وغيره:

عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت رجلاً مذاءً، فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته مني، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله، فقال: يغسل ذكره ويتوضأ)، وللبخاري : (توضأ واغسل ذكرك)، ولـمسلم : (توضأ وانضح فرجك).

عن عباد بن تميم عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله عنه قال: (شكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)].

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لنواقض الوضوء، وذلك أن الله تعالى لما أمر بالوضوء ذكر بعض النواقض، وبين النبي صلى الله عليه وسلم تفاصيلها، فالله ذكر منها في قوله تعالى: أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43] فجعل هذين من جملة النواقض.

والنبي صلى الله عليه وسلم بين أن من النواقض الخارج من السبيلين؛ سواء كان له جرم كالبول والغائط والمني، أو ليس له جرم كالريح، كل ذلك جعله من نواقض الوضوء، ومتى وجدت هذه النواقض فالمحدث يسمى محدثاً، عليه أن يتوضأ مرة أخرى بعد أن كان متوضئاًً، فلو كان حديث عهد بوضوء، لو توضأت مثلاً وبعد خمس دقائق أو دقيقتين حصلت منك واحدة من هذه النواقض؛ فإن عليك أن تجدد الوضوء، وما لم يكن أحدث شيئاً من النواقض فإنه يبقى على وضوئه ولو عشر ساعات أو أكثر، حتى يحصل ما ينتقض به الوضوء.

فمن جملة النواقض المذي المذكور في الحديث الأول، والباب عقد للمذي والريح وإزالة النجاسة وخصال الفطرة، كما ستأتي كلها من ضمن الأحكام التي جمعت في هذا الباب.

والمذي: هو ماء أبيض لزج، يخرج من الرجل عند شهوة أو مداعبة أو تقبيل أو لمس أو نحو ذلك، يخرج من الذكر ويحس الإنسان بخروجه، وخروجه ليس كخروج المني، المني معروف أنه أصفر، الذي هو المادة التي يخرج منها الولد، والمذي أبيض، المني غليظ، والمذي رقيق، المني يخرج دفقاً وتصحبه لذة، والمذي يخرج سيلاناً كما يسيل البول، إلا أن علامته أنه أبيض وأنه يحس بشهوة عند خروجه، وأنه لا بد أن يسبقه شيء من المداعبة ونحوها أو حضور شهوة.

ويخرج كثيراً من الشباب، ولا شك أن خروجه بكثرة يؤدي إلى مشقة في الاغتسال، الشباب غالباً يخرج منهم، سيما في أول الزواج أو عند البلوغ أو نحو ذلك، يتدفق منهم بكثرة، فيشق عليهم أن يغتسلوا، وعلي رضي الله عنه كان في سن الشباب في ذلك الوقت، سيما وهو حديث عهد بزواجه لما تزوج ابنة النبي صلى الله عليه وسلم.

مشروعية الاستنجاء والوضوء من المذي وصفة الاستنجاء

يقول: (كنت رجلاً مذاءً) أي: كثير خروج المذي، يقول في بعض الروايات: (فكنت أغتسل منه حتى تشقق ظهري) أي: من كثرة ما أغتسل، فلما أنه شق ذلك عليه استحيا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا شيء يحدث بين الزوجين، فكأنه يحدث بينه وبين ابنته عندما يحصل ملامسة أو مداعبة أو تقبيل يخرج هذا المذي، دون أن يكون هناك جماع، فعند ذلك لما أنه لم يتجرأ على السؤال أرسل المقداد بن الأسود ليسأل ويخبره، وليس ذلك استحياء منه في طلب العلم، وإنما هو حياء أن يذكر له شيئاً مما يقع بينه وبين ابنته، فعند ذلك أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عادة؛ لقوله في بعض الروايات: (وكل فحل يمذي)، هذا المذي يخرج غالباً من كل فحل، أي: من كل ذكر، ثم رخص له بترك الاغتسال وأمره بالاستنجاء وبالوضوء.

ففي هذه الروايات: (يغسل ذكره)، وفي رواية: (اغسل ذكرك)، وفي رواية: (توضأ وانضح فرجك)، فأخذ العلماء من ذلك أنه لا بد من غسل الذكر.

وورد في بعض الروايات: (اغسل ذكرك وأنثييك) يعني: يغسل ذكره وخصيتيه؛ وذلك ليحصل تقلص الذكر وتوقف هذا الخارج؛ لأن الغالب أنه إذا حصل منه شيء من الانتشار أو من الشهوة، فإنه يسيل منه ويخرج، فإذا غسل ذكره كله وغسل أنثييه حصل بذلك توقف وحصل تقلص، والماء يحصل منه القطع حتى استعمال الماء بعد البول، فالاستنجاء يحصل منه فائدة توقف الخارج الذي هو البول، الماء يقطع خروج البول فكذلك يوقف خروج المذي.

ومن العلماء من يقول: يغسل رأس الذكر فقط؛ لأنه الذي تلوث والذي خرجت منه النجاسة.

ولكن الصحيح أنه يغسل ذكره كله، وأنه أيضاً يغسل أنثييه حتى تحصل المصلحة؛ وذلك لأن النص واضح لقوله: (يغسل ذكره) يعني: كل الذكر، وقوله: (اغسل ذكرك)، وكذلك قوله: (توضأ وانضح فرجك)، والنضح يطلق أيضاً على الغسل، نضحه بمعنى: غسله، أي: صب الماء عليه، والفرج اسم لما هو عورة، فيعم الذكر وقد يدخل فيه أيضاً الدبر.

والحاصل: أن عليه أن يغسل الفرج كله، والحكمة في ذلك ظاهرة، وهي أن يوقف ذلك الخارج، ومتى خرج بعد ذلك فإنه يعيد الوضوء؛ لأنه يعتبر ناقضاً من النواقض، لكن يحدث أن كثيراً من الشباب عندهم شيء من الوساوس والأوهام التي ليس لها حقيقة، فترى أحدهم يحس بأشياء لا حقيقة لها، فيتخيل أنه خرج منه مذي أو خرج منه بول، فيقطع الصلاة مراراً ويقطع الوضوء، أو يعتقد انتقاض الوضوء كثيراً، ويكلف نفسه ويشق على نفسه كثيراً.

فنقول: لا ينبغي التمادي مع تلك الوسوسة ما دام أنها توهمات ليس لها حقيقة، لكن متى أحس بخروج المذي خروجاً يقينياً ولم يكن مستمراً بحيث يلحق بسلس البول، فإنا نأمره بأن يجدد وضوءه، فيستنجي ثم يتوضأ.

حكم نجاسة المذي

في هذا الحديث أن المذي نجس؛ وذلك لأنه أمره بأن يغسل ذكره.

وكذلك أيضاً يغسل الثوب الذي أصابه، أو يغسل محله من الثوب أو من السراويل، فإذا أصاب سراويلك أو أصاب ثيابك فإنك تغسل ما أصابه منها؛ لأنه ألحق بالبول.

والمني فيه خلاف في طهارته، ولكن الأقرب أنه طاهر، وأن غسله إنما هو غسل نظافة، وأما المذي فإنه ملحق بالبول في أنه يغسل كما يغسل البول، يغسل من الجسد إذا وقع على الفخذ مثلاً، أو على البطن، ويغسل من الثوب إذا وقع على الإزار أو على السراويل، يغسل كما تغسل النجاسة، وغسله أن يغسل حتى تذهب عين النجاسة، فإذا ذهبت اكتفى بذلك.

أما المذي فلا خلاف أنه يوجب الوضوء؛ وذلك لأنه خارج من أحد السبيلين، وقد استدلوا بهذا الحديث على أن كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء؛ لعموم الآية وهي قوله تعالى: وجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] ، ولعموم هذا الحديث، والحديث الذي بعده.

مشروعية الاستعانة بالغير في سؤال أهل العلم

ويستدل بهذا الحديث على أن الإنسان إذا احتاج إلى معرفة حكم، ولم يستطع أن يسأل؛ فعليه أن يوكل غيره حتى يسأل، ولا يبقى على جهل، فربما يقع في عمل لا يكون جائزاً، وذلك أن الإنسان مثلاً قد يظن أن هذا ليس بحدث أو أنه لا يضر، فربما بقي على نجاسته، أو تكلف واعتقد أنه موجب للغسل فأخذ يغتسل، فيكون قد أوجب شيئاً على نفسه لم يجب عليه، فإذا تبصر في ذلك عمل على برهان.

وفي هذا أيضاً دليل على أن هذه الأحداث قد تحدث بكثرة، وأن حكمها قد يخفى على بعض الناس الذين لم يسألوا، وعلى كل حال فإن المذي من جملة النواقض التي توجب الوضوء، والتي يجب مع الوضوء قبله الاستنجاء الكامل، والغسل الذي قال فيه: (اغسل ذكرك) أو: (يغسل ذكره) أو: (توضأ وانضح فرجك) هو غسل كامل، بأن يصب على فرجه بيده اليمنى ويدلكه بيده اليسرى، حتى يزيل أثر ما خرج منه، وحتى يحصل منه الحكمة التي هي الطهارة والتقلص وتوقف الخارج.

يقول: (كنت رجلاً مذاءً) أي: كثير خروج المذي، يقول في بعض الروايات: (فكنت أغتسل منه حتى تشقق ظهري) أي: من كثرة ما أغتسل، فلما أنه شق ذلك عليه استحيا أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا شيء يحدث بين الزوجين، فكأنه يحدث بينه وبين ابنته عندما يحصل ملامسة أو مداعبة أو تقبيل يخرج هذا المذي، دون أن يكون هناك جماع، فعند ذلك لما أنه لم يتجرأ على السؤال أرسل المقداد بن الأسود ليسأل ويخبره، وليس ذلك استحياء منه في طلب العلم، وإنما هو حياء أن يذكر له شيئاً مما يقع بينه وبين ابنته، فعند ذلك أفتاه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عادة؛ لقوله في بعض الروايات: (وكل فحل يمذي)، هذا المذي يخرج غالباً من كل فحل، أي: من كل ذكر، ثم رخص له بترك الاغتسال وأمره بالاستنجاء وبالوضوء.

ففي هذه الروايات: (يغسل ذكره)، وفي رواية: (اغسل ذكرك)، وفي رواية: (توضأ وانضح فرجك)، فأخذ العلماء من ذلك أنه لا بد من غسل الذكر.

وورد في بعض الروايات: (اغسل ذكرك وأنثييك) يعني: يغسل ذكره وخصيتيه؛ وذلك ليحصل تقلص الذكر وتوقف هذا الخارج؛ لأن الغالب أنه إذا حصل منه شيء من الانتشار أو من الشهوة، فإنه يسيل منه ويخرج، فإذا غسل ذكره كله وغسل أنثييه حصل بذلك توقف وحصل تقلص، والماء يحصل منه القطع حتى استعمال الماء بعد البول، فالاستنجاء يحصل منه فائدة توقف الخارج الذي هو البول، الماء يقطع خروج البول فكذلك يوقف خروج المذي.

ومن العلماء من يقول: يغسل رأس الذكر فقط؛ لأنه الذي تلوث والذي خرجت منه النجاسة.

ولكن الصحيح أنه يغسل ذكره كله، وأنه أيضاً يغسل أنثييه حتى تحصل المصلحة؛ وذلك لأن النص واضح لقوله: (يغسل ذكره) يعني: كل الذكر، وقوله: (اغسل ذكرك)، وكذلك قوله: (توضأ وانضح فرجك)، والنضح يطلق أيضاً على الغسل، نضحه بمعنى: غسله، أي: صب الماء عليه، والفرج اسم لما هو عورة، فيعم الذكر وقد يدخل فيه أيضاً الدبر.

والحاصل: أن عليه أن يغسل الفرج كله، والحكمة في ذلك ظاهرة، وهي أن يوقف ذلك الخارج، ومتى خرج بعد ذلك فإنه يعيد الوضوء؛ لأنه يعتبر ناقضاً من النواقض، لكن يحدث أن كثيراً من الشباب عندهم شيء من الوساوس والأوهام التي ليس لها حقيقة، فترى أحدهم يحس بأشياء لا حقيقة لها، فيتخيل أنه خرج منه مذي أو خرج منه بول، فيقطع الصلاة مراراً ويقطع الوضوء، أو يعتقد انتقاض الوضوء كثيراً، ويكلف نفسه ويشق على نفسه كثيراً.

فنقول: لا ينبغي التمادي مع تلك الوسوسة ما دام أنها توهمات ليس لها حقيقة، لكن متى أحس بخروج المذي خروجاً يقينياً ولم يكن مستمراً بحيث يلحق بسلس البول، فإنا نأمره بأن يجدد وضوءه، فيستنجي ثم يتوضأ.

في هذا الحديث أن المذي نجس؛ وذلك لأنه أمره بأن يغسل ذكره.

وكذلك أيضاً يغسل الثوب الذي أصابه، أو يغسل محله من الثوب أو من السراويل، فإذا أصاب سراويلك أو أصاب ثيابك فإنك تغسل ما أصابه منها؛ لأنه ألحق بالبول.

والمني فيه خلاف في طهارته، ولكن الأقرب أنه طاهر، وأن غسله إنما هو غسل نظافة، وأما المذي فإنه ملحق بالبول في أنه يغسل كما يغسل البول، يغسل من الجسد إذا وقع على الفخذ مثلاً، أو على البطن، ويغسل من الثوب إذا وقع على الإزار أو على السراويل، يغسل كما تغسل النجاسة، وغسله أن يغسل حتى تذهب عين النجاسة، فإذا ذهبت اكتفى بذلك.

أما المذي فلا خلاف أنه يوجب الوضوء؛ وذلك لأنه خارج من أحد السبيلين، وقد استدلوا بهذا الحديث على أن كل ما خرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء؛ لعموم الآية وهي قوله تعالى: وجَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ [النساء:43] ، ولعموم هذا الحديث، والحديث الذي بعده.

ويستدل بهذا الحديث على أن الإنسان إذا احتاج إلى معرفة حكم، ولم يستطع أن يسأل؛ فعليه أن يوكل غيره حتى يسأل، ولا يبقى على جهل، فربما يقع في عمل لا يكون جائزاً، وذلك أن الإنسان مثلاً قد يظن أن هذا ليس بحدث أو أنه لا يضر، فربما بقي على نجاسته، أو تكلف واعتقد أنه موجب للغسل فأخذ يغتسل، فيكون قد أوجب شيئاً على نفسه لم يجب عليه، فإذا تبصر في ذلك عمل على برهان.

وفي هذا أيضاً دليل على أن هذه الأحداث قد تحدث بكثرة، وأن حكمها قد يخفى على بعض الناس الذين لم يسألوا، وعلى كل حال فإن المذي من جملة النواقض التي توجب الوضوء، والتي يجب مع الوضوء قبله الاستنجاء الكامل، والغسل الذي قال فيه: (اغسل ذكرك) أو: (يغسل ذكره) أو: (توضأ وانضح فرجك) هو غسل كامل، بأن يصب على فرجه بيده اليمنى ويدلكه بيده اليسرى، حتى يزيل أثر ما خرج منه، وحتى يحصل منه الحكمة التي هي الطهارة والتقلص وتوقف الخارج.

أما الحديث الذي بعده فهو يعتبر قاعدة من قواعد الشرع، وذلك أن الإنسان كثيراً ما يجد في بطنه شيئاً من القرقرة ومن الصوت الذي يحدث في بطنه، ثم يخيل إليه أنه خرج من دبره شيء، مع أنه في الحقيقة لم يخرج منه شيء، وهذه الحوادث تسمى: القراقر.

والقراقر: قراقر البطن، قرقرة البطن عندما يكون الإنسان قد أكل مثلاً أو جاع أو نحو ذلك، يسمع في بطنه قرقرة، فيظن بعد حدوث هذه القرقرة أنه خرج منه ريح أو خرج منه ناقض، فإذا ظن ذلك كلف نفسه وقام وأعاد الوضوء، ثم عاودته تلك القرقرة، ثم يعيد الوضوء مرة ثانية وثالثة ورابعة حتى يكلف نفسه ويشق عليها.

ودين الله تعالى يسر، وليس فيه عسر ولا صعوبة، فلا ينبغي للإنسان أن يتمادى مع هذا الصوت أو مع هذه القرقرة التي في بطنه، ولذلك جعل النبي عليه الصلاة والسلام للحدث علامة ظاهرة، وذلك بقوله: (لا ينصرف)، يعني: لا ينصرف إذا كان في الصلاة، ولا يقم إذا كان جالساً ليجدد الوضوء لا ينصرف (حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)، مراده بالصوت: صوت الريح الخارجة، وكذلك وجودها كأن يشمها بأنفه، والمعنى: حتى يتحقق ويتيقن أنه أحدث بخروج الريح من دبره؛ وذلك لأن خروجها يحصل منه إحساس ظاهر جلي لا خفاء فيه، بخلاف القراقر فإنها توهمات.

علاج وساوس الشيطان في الوضوء

وورد أيضاً في أحاديث كثيرة ما يدل على أن هذه الوساوس تحدث من الشيطان، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: (يأتي الشيطان أحدكم فينفخ في دبره فيخيل إليه أنه أحدث، فإذا وجد ذلك فليقل: كذبت)، كأن يقول له الشيطان: إنك أحدثت، فليقل في نفسه: كذبت، يعني: لا يلتفت إلى وسوسة الشيطان، هذه الوسوسة التي يبتلى بها كثير من الناس، فيحس بأنه خرج منه ريح، أو بأنه تحرك دبره أو نحو ذلك، فهذه أشياء ليس لها حقيقة إنما هي وساوس من الشيطان، ويقصد الشيطان بذلك أن يمل المسلم من العبادة، إذا رأى فيها هذه الكلفة والمشقة ملها وضجر منها، وأدى به ذلك إلى أن يتركها كلياً، وهذا هو مراد الشيطان، أو يريد بذلك أن يتهاون بهذه الأمور حتى لا يتوضأ من أي حدث.

فنقول: الأمور تبقى على أصلها إلى أن يُتيقن زوال ذلك الأصل، فالأصل أنك متطهر وليس في طهارتك شك، فإذا اعتراك شك فالشك لا يرفع اليقين، يقينك الذي أنت عليه هو أنك على وضوء، وذلك العارض وَهْم أو شك أو وسوسة أو خيالات لا يلتفت إليها.

وكثيراً ما يشكو إلينا بعض أهل الوسوسة وأهل التوهمات من شباب ومن شيب، كبار وصغار، رجال ونساء، يشتكون مما يلاقونه من أنه يخرج من أحدهم من ذكره كذا، يحس به، أو يخرج من دبره كذا يحس به، فيقول: إنني أتفقد نفسي ومع ذلك لا أجد خارجاً حسياً، وأسأل غيري ويقول: ما أحسست بشيء.

فنقول: لا تلتفت إلى تلك التوهمات، فإنه لو كان يقيناً لأحس به من إلى جانبك، لوجدوا الريح مثلاً ولسمعوا الصوت، والرسول عليه الصلاة والسلام حدد ذلك، فإذا كنت لم تجد ريحاً ولم تسمع صوتاً ولم تحقق حدثاً، والذين عندك أيضاً لم يحسوا بشيء من ذلك؛ دل ذلك على أنها وسوسة فلا يلتفت إليها.