هل نحن غثاء؟


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلي آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، اتقوا الله تعالى في أنفسكم، اتقوا الله تعالى فيما ولاكم الله، اتقوا الله تعالى في إخوانكم المسلمين: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

معاشر المؤمنين! يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطابٍ جمع فيه أصحابه: (كيف بكم إذا تداعت عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟ قالوا: أومن قلة نحن يا رسول الله؟ قال: لا. أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاءٌ كغثاء السيل، يصيبكم الوهن وينزع الله المهابة من صدور أعدائكم، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).

تعالوا بنا يا عباد الله! لننظر هذا الحديث عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، هل تداعت الأكلة على المسلمين؟ هل تداعى الأعداء والشياطين والكفار والمجرمون على المسلمين في هذا الزمان كما تداعى الأكلة إلى قصعتها؟

نعم يا عباد الله! لقد اعتدوا وقتلوا وشردوا ونهبوا وسلبوا، لقد صدق صلى الله عليه وسلم.

ثم تعالوا نسأل سؤالاً آخر: هل نحن قلةٌ في هذا الزمان؟ هل المسلمون قليلٌ في هذا الزمان؟ لا والله، إننا اليوم كثير جداً، إن أعظم تعدادٍ لنسبٍ منتمية إلى دينٍ من الأديان لهو تعداد المسلمين؛ بلغ تعدادهم ألف مليون مسلم (مليار مسلم) وما زال قدسٌ من مقدسات المسلمين يئن تحت وطأت اليهود منذ ثمانين أو سبعين عاماً، وما زالت قطاعٌ ودولٌ وأراضٍ من بلدان المسلمين ترزح تحت نير الاستعمار وسلطة الكفر والطغيان.

نحن الآن كثيرٌ جداً، هل من قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال: (لا. أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء) فهل نحن غثاءٌ في هذا الزمان؟

نعم والله يا عباد الله! إن طوائف عديدة من أبناء المسلمين ورجالهم غثاءٌ كغثاء السيل لا ينفعون ولا يضرون، لا يقدمون ولا يدفعون لا يعرفون لأنفسهم مصلحةً أو يتخذون تجاه دينهم وعقيدتهم موقفاً، نعم والله إنهم غثاء، ألف مليون مسلم وهم أشد الناس تسلطاً على رقابهم، وهم أشد الناس استضعافاً لأنفسهم بما تركوا من كتاب الله وسنة نبيه: (ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ينـزع الله مهابتكم من صدور أعدائكم).

هل بعد نزع هذه المهابة نزعٌ يا عباد الله؟ نعم، إن عادت النفوس إلى دينها، انظروا حال المسلمين اليوم يتجرأ الأعداء على النساء والأبرياء والأطفال والصغار، والشيوخ والعجائز! أين شبابنا؟! أين رجالنا؟! أين أمتنا؟! إنهم غثاءٌ كغثاء السيل، قد نُزعت المهابة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (نُصرت بالرعب مسيرة شهر، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وجُعل رزقي تحت ظل رمحي).

أين هذه الأمة التي نُصرت بالرعب مسيرة شهر؟ إنا لا نراها الآن، إن بين كثيرٍ من أمم المسلمين وبين أعدائهم ليس مسيرة شهر بل كيلوا مترات معدودة، لكن أين الخوف من المسلمين وأين الرهبة من المسلمين؟

لقد ضاعت في جوانح الشهوات، لقد ضاعت في ألوان المغريات، لقد ضاعت في جنبات الملهيات، إذن فليس المسلم الذي يهابه العدو هو المسلم الموجود الآن إلا ما ندر من أبناء المسلمين.

نعم هو باقٍ على دينه نحكم له بحكم الإسلام، ويُعطى حقوق المسلمين، وتُأخذ منه واجبات المسلمين، لكن أهو الذي يُهاب؟ أهو المسلم الذي ينصر بالرعب مسيرة شهر؟ أهو المسلم الحري بخرق العادات وسنن الكون؟ لا نظنه ذلك المسلم الذي بلغ تعداده في هذا الزمان مليار مسلم إلا ما ندر وقلّ حتى لا نكون مبالغين أو مجاوزين.

قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت).

نعم يا عباد الله! لقد تعلقنا بالدنيا تعلقاً شديداً؛ لقد تعلقنا بهذا الحطام الفاني تعلقاً شديداً إلى حدٍ أن ألفنا الترف والراحة والدعة والخمول، إلى حدٍ جعلتنا لا نفكر في شأن مسلمٍ يئن ويصيح ويستغيث ويستنجد ويستفزع، لقد بلغ بنا حد الترف وبلغ بنا حد الدعة وبلغ بنا حد الخمول إلى درجة عجيبةٍ جداً.

إننا لنعجب يوم أن نسمع أخباراً عن الجهاد في فلسطين ، عن شبابٍ يدفنون أحياء، عن نساء يغتصبن، عن حوامل يجهض حملهن من بطونهن، عن شبابٍ تكسر أيديهم وأرجلهم حتى لا يرفعون سلاحاً، عن أمةٍ شردت في أفغانستان ، عن مليوني رأس تطايرت على أرض الجهاد، عن خمسة ملايين مهاجر، عن خمسمائة ألف يدٍ ورجلٍ وشلوٍ مزع وقطع والمسلمون سكارى في خمر شهوتهم، والمسلمون في غفلةٍ عظيمة.

يا زمان استفق! ويا ضمير انتبه! ويا مسلم استيقظ! أين أنت؟ وأين انتسابك لدينك؟ أين نخوتك؟ أين نجدتك؟ أين بذلك؟ أين معونتك؟ أين شهامتك؟ أين كرم الآباء؟ أين نخوة الأجداد؟ الله المستعان على زمانٍ مضى لأمة المسلمين كان لنا فيه عزة، صاحت امرأة قد اعتدي عليها؛ فسُير لها جيشٌ آخره في أرض الخلافة وأوله في عمورية ، صاحت امرأة وقالت: وامعتصماه فبلغ الخليفة هذا النبأ فسير لها جيشاً أوله في عمورية وآخره في أرض الخلافة، والآن يا عباد الله! هل سمعتم صيحة نادت وامعتصماه؟ نعم والله سمعناها ولكن!

رب وامعتصماه انطلقت     ملئ أفواه الصبايا اليتم

لامست أسماعهم لكنها     لم تلامس نخوة المعتصم

ألإسرائيل تبقى دولةٌ     في حمى البيت وظل الحرم

وأين نحن من واقعٍ نعيشه؟! وأين نحن من غفلة وقعنا فيها؟! واستحكمت شهواتها وملذاتها في قلوبنا نحن يا معاشر المسلمين؟ أين عزة الإسلام؟ أين عزة المسلمين في قلوبنا نحن يا معاشر المسلمين؟ أين لواء الإسلام خفاقاً على أرض المعمورة، تمر سحابة فيرفع هارون الرشيد رأسه يخاطب سحابةً تمر يقول لها: [أمطري حيث شئت فيسأتيني خراجك] سيأتي خراج هذه السحابة، سيأتي ما نتج من مطرها إلى أرض الخلافة.

يا معاشر المسلمين:

كنا جبالاً في الجبال وربما     صرنا على موج البحار بحارا

لم تنس أفريقيا ولا صحراؤهـا     سجداتنا والأرض تقذف نارا

كنا نرى الأصنام من ذهـبٍ     فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

لو كان غير المسلمين لحـازها     ولصاغ منها الحلي والدينارا

أين هذه العزة التي مشت جبالاً فوق الجبال، وبحاراً فوق البحار، وشُهباً في أعالي السماء، ونجوماً في أعالي الكون؟ أين هذه العزة يا عباد الله؟

إن هذا سؤالٌ يُوجه لكل مسلم: هل نعتز بأحكام ديننا؟ هل نعتز بشريعتنا؟ هل نعتز بأمتنا؟

إن مسلماً لا يعتز بدينه يُطرق حياءً وليس والله حياء، بل هو خنوعٌ وخضوع، إن مسلماً يُطرق خنوعاً وخضوعاً لا يُغير منكراً يراه، كيف نلتمس العزة من هذا المسلم؟! إن مسلماً قد استعبد الشيطان قلبه، إن مسلماً استحكمت الشهوة في بدنه، إن مسلماً سلب المال لبه، كيف نرجو من مسلمٍ كهذا عزة؟

أين المسلم الذي لا يهاب الموت؟ أين المسلم الذي يقول:

ترددت أستبقي الحياة فلم أجد     لنفسي حياةً مثل أن أتقدما

أين المسلم الذي يقول:

فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ     كطعم الموت في أمرٍ عظيم

أين المسلم الذي يقول:

إذا لم يكن من الموت بدٌ     فمن العجز أن تموت جبانا

ذاك مسلمٌ قل وندر في هذا الزمان، ذاك مسلم لا تكاد تجد في الألف إلا واحداً منه.

عباد الله! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لن يُغلب اثنا عشر ألف من قلة) أعجزت أمة الإسلام أن تنجب اثني عشر ألف مسلمٍ في هذا الزمان، مصيبةٌ من أعظم المصائب، ولا عجب في ذلك يا عباد الله: إن الهوان والذلة والصغار على من ترك الجهاد، على من ترك النخوة، على من ترك النجدة، وسيأتي يومٌ يؤكل فيه كما أُكل إخوانه.

يقول قائد اتحاد المجاهدين: عبد رب الرسول سياف : إننا لنلوم آباءنا وأجدادنا لأنهم سكتوا ولم ينجدوا المسلمين في بخارى وترمذ وسمرقند فأكلتهم الشيوعية ، ثم تقدمت الشيوعية نحونا وقديماً قيل: (أُكلت يوم أكل الثور الأبيض) والله من رأى جاره يُؤكل ويقتل فليكونن القتل قريباً إليه.

لما رأت أختها بالأمس قد خربت     صار الخراب لها أعدى من الجرب

عباد الله! لا تعجبوا من ذلة المسلمين، لا تعجبوا من هوانهم على الناس، لا تعجبوا من قلة حيلتهم، لا تعجبوا من ضعفهم، يقول الله جل وعلا: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، تمسكوا بشريعة الإسلام، عضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله! أيكفي أن نطلق خطباً حماسيةً نستلهب فيها المشاعر والعواطف، أيكفي أن نسب العدو صباح مساء، أيكفي أن نلعن الظالمين والغاشمين؟ ليس هذا والله بسلاح، وليس هذا والله بعمل، وليس هذا والله بتدبير، إنما التدبير يا عباد الله! أن نجتهد في العودة إلى ديننا، أن نجتهد في العودة إلى كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أفراداً وأسراً ومجتمعات وحكوماتٍ ودولاً.

إنه لا سبيل للعزة إلا بهذا الأمر، إنه لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أولها، يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: [نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام؛ ومهما أردنا العزة بغيره أذلنا الله].

فيا عباد الله! تمسكوا بالنور المبين وسنة سيد المرسلين، فهما والله مصدر العزة، حاربوا المنكرات ولا تجعلوا لها مكاناً ظاهراً في مجتمعكم، تتبعوا الفساد والمفسدين، وليكن كل مسلمٍ حارساً أميناً، وجندياً على ثغرٍ من ثغور الأمة حتى لا يتسلل الفساد أياً كان، إدارياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً أو غير ذلك؛ حتى لا يتسلل الفساد إلى جماعة المسلمين، حتى لا يجد الانحراف مكاناً وموقعاً في صف المسلمين.

أيها الأحبة في الله! ما الذي جعل شباب الأمة في غفلةٍ عما يُراد بهم، ما الذي جعل رجالات الأمة في منأى عما يحاك ضدهم؟

إنه اللهو والترف، إنه الضياع!

يا شباب المسلمين! كم رأيتم فلماً من الأفلام؟ كم شاهدتم من المسلسلات؟

هل رأيتم ذات يومٍ فلماً واحداً عن الجهاد في أفغانستان؟

هل رأيتم يوماً فلماً واحداً اسمه الشهادة؟

هل رأيتم يوماً فلماً اسمه حصار قلعة؟

هل رأيتم يوماً واحداً صفحةٍ من صفحات التاريخ المعاصرة التي سجلها الشهداء في أرض الجهاد؟!

يا شباب الإسلام! ما الذي عزلكم عن واقع أمتكم، ما الذي جعل كثيراً من شبابنا حينما يخرج من عمله أو من جامعته أو من كليته يتجه إلى حيث قدم اشتراكاً في محلٍ من محلات الفيديو آخر فيلم ساهر، آخر رقصةٍ ماجنة، آخر مسلسلة خليعة، آخر فلم رعبٍ، آخر مسلسلٍ بوليسي، وما رأى والله ذات يومٍ فيلماً واحداً عن الجهاد في أفغانستان، ما رأى يوماً واحداً فيلماً عن الانتفاضة في فلسطين.

كيف يفعل بالأبرياء؟! وكيف يقتل العزل؟!

وكيف تهان الكرامة؟! وكيف تجهض الحوامل؟!

انظروا ما دمتم رأيتم، انظروا هذه الأفلام، اقلبوا الموجة ولو مرةً واحدة؛ لتدركوا إلى أي مدى إخوانكم يذبحون ذبح الشياه، وينهكون نهك النعاج، أين غيرة شباب المسلمين؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

اقرءوا عن إخوانكم، تتبعوا أحوالهم، إن الناس قد أشغلهم أمر الدينار لما أوشكت الحرب العراقية الإيرانية أن تقف، إن الناس أشغلهم أمر الليرة هل ترتفع أم لا؟ وما أشغلهم يومٌ من الأيام مذبحةٌ من مذابح المسلمين في أي قطرٍ من أقطار المسلمين.

فيا عباد الله! اسمعوا إلى نفثات جريحٍ قالها وهو يتشحط في دماء إخوانه:

أحل الكفر بالإسلام ضيماً     يطول عليه للدين النحيب

فحقٌ ضائعٌ وحمىً مباحٌ     وسيفٌ قاطعٌ ودمٌ صبيب

فكم من مسلمٍ أمسى سليبـاً     ومسلمةٌ لها حرمٌ سليب

وكم من مسجدٍ جعلـوه ديراً     على محرابه نصب الصليب

دم الخنزير فيه لهم خلوقٌ     وتحريق المصاحف فيه طيب

أمورٌ لو تأملهن طفلٌ     لطفل في عوارضه المشيب

أما لله والإسلام حـقٌ     يدافع عنه شبانٌ وشيب

فقل لذوي البصائر حيث كانوا     أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ [التوبة:38].. هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [محمد:38] فمنكم من ينفق، ومنكم يا عباد الله من يتردد، منكم من يحاسب الريال محاسبةً شديدة، منكم من يحدث المبلغ حديثاً ذا شجون، هل يخرجه أم لا؟

فيا عباد الله:

أصون نفسي بمالي لا أدنسه     لا بارك الله بعد العرض بالمال

فينبغي أن نصون الأعراض، وأن نرفع الجهاد، وأن نقدم آيات الولاء صادقةً لله ولكتابه وللمجاهدين ولأئمة المسلمين بكل ما أوتينا، بأنفسنا، بأموالنا، بأقلامنا، بصحفنا، بوسائلنا وبكل أمرٍ استطعنا أن نحمله.

يا عباد الله! انتبهوا لما يحاك ويدبر ضد إخوانكم المسلمين، إن الحرب تمشي خطوةً خطوة، تأملوا الحرب التي حلت بإخواننا المسلمين، أياً كان نوعها، عسكريةً وفكرية، والله إن الذي جعلهم يتسلطون على هذه البقعة بعينها ليس هو كره هذه الدولة وحب لبقية الدول من أبناء المسلمين؟ لا وألف لا، لكنهم يريدون المسلمين لقمةً لقمةً، يريدونهم خطوةً خطوةً.

إن من تتبع مناهج الفساد ومظاهره التي تحل بمجتمعات المسلمين، والتفت إلى الوراء قليلاً لينظر كيف حل الفساد بدولٍ إسلامية، انقلبت علمانية أو شيوعية أو اشتراكية ، ليرى المخطط يمضي درجةً درجةً، ويمشي خطوةً خطوةً، وما أشبه الليلة بالبارحة.

فيا عباد الله! أفيقوا واستفيقوا، وانتبهوا لما يراد بكم، عودوا إلى الله عوداً حميداً، عودوا إلى الإسلام عوداً جديداً، انبذوا المنكرات، حاربوا المنكر وأهله، ارفعوا بالإسلام رأياً، لا تتركوا المساجد واعمروها بطاعة الله، أزيلوا الضغائن والشحناء بين النفوس، كونوا عباد الله إخواناً واثبتوا صفاً واحداً، والله لا سبيل للأمة إلا بالجماعة، وإن الفرقة لهي شرٌ مستطيرٌ على الأمة، فاتحدوا واستعينوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:200].

اللهم أغز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم إنهم يريدون بهذه الجزيرة شراً، اللهم إنهم يريدون بالحرمين سوءاً، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيهم يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف.

اللهم من أراد بنا سوءاً، وبولاة أمرنا فتنة، وبعلمائنا مكيدة، وبشبابنا ضلالة، وبنسائنا تبرجاً وسفوراً؛ اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء، اللهم شتت له ما تجمع، اللهم فرق له ما تجمع، اللهم عليك بأعداء دينك، اللهم عليك باليهود والشيوعيين والجعفرية والإثني عشرية ، اللهم مزقهم واجعلهم بدداً، اللهم لا تبق منهم أحداً، اللهم اهلك زروعهم وضروعهم، اللهم اجعلهم غنيمة للمسلمين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم أصلح مضغة قلبه، اللهم أصلح بطانته، اللهم قرب له من علمت فيه خيراً له وللأمة، وأبعد عنه من عملت فيه شراً له وللأمة، اللهم سخر لنا وله ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرضين بقدرتك، اللهم لا تشمت بنا حاسداً ولا تفرح علينا عدواً.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا، اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا غائباً إلا رددته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا تائباً إلا قبلته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذريةً صالحةً وهبته.

اللهم ادفع عنا البلاء والزنا والزلازل والمحن؛ ما ظهر منها وما بطن برحمتك يا أرحم الراحمين.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

شباب الإسلام أعود إلى كلمة نسيتها: إن الدعاة منكم، إن الذين أدركوا درجة الوعي ودرجة الفهم وبلغوا مرتبة الدعوة، وبلغوا مرحلة الاستقامة والالتزام، فعليهم واجبٌ أضعاف أضعاف ما على غيرهم من الواجبات: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] إنهم لا يستوون في الدرجات، فكذلك لا يستوون في الواجبات، إن من علم تحمل مسئولية، فيا شباب الإسلام! احفظوا مجتمعكم بالدعوة إلى الله عبر وسائلها المختلفة.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.