خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/38"> الشيخ الدكتور سعد البريك . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/38?sub=65397"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
حقوق ولاة الأمر
الحلقة مفرغة
الرهن توثيق دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من ثمنها، وهو جائز بالكتاب والسنة، ويلزم الرهن بالقبض، وليس كل شيء يرهن، بل ما يصح بيعه يصح رهنه، ويحق للمرتهن المطالبة بدينه عند حلول الأجل، كما أن الرهن أمانة في يد المرتهن لا يحق له التصرف فيه إلا بقدر نفقته عليه، وإذا مات الراهن أو أفلس فإن المرتهن أحق بذلك من سائر الغرماء.
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأولين والآخرين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد الله سبحانه وتعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله؛ على نعمه التي لا تحصى، وعلى آلائه التي لا تنسى، ومن بين هذه النعم العظيمة اجتماعنا في بيت من بيوت الله، نتلو كلام الله، ونتدارس سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.
أحبابنا! موضوعنا اليوم يحتاج إلى العلم أكثر من العاطفة، ويحتاج إلى النقل أكثر من الاجتهاد، ويحتاج إلى الفهم والوعي أكثر من غير ذلك، والكلام عن حقوق ولاة الأمر فرع عن أصل اعتقاد لزوم البيعة وشرعية الحاكم والنظام، وليست هذه المسألة محل شك أو نزاع حتى نطرح تفصيلها، أي أن مسألة استقرار البيعة وشرعية الحاكم والنظام في هذه البلاد مسألة لا تحتاج إلى نصب كثير من الأدلة أو إقامة عدد من الحجج والبراهين، فأراها جلية واضحة لمن سلمه الله من الهوى ونفعه بعلمه وعقله.
لكننا حينما نقول: إن هذه المسألة فرع عن اعتقاد لزوم البيعة؛ لأنه لا قيمة للحديث عن حقوق ولاة الأمر إلا إذا كنا نرى ونعتقد أن هؤلاء الولاة لهم في أعناقنا بيعة، وحكمهم ونظامهم شرعي يجب الإذعان والسمع والانقياد له ويحرم الخروج عليه، ومن كان يرى غير ذلك؛ فإنا نبرأ إلى الله من قوله، بل نبرأ إلى الله من كل قول ينص أو يفضي إلى عدم القول بشرعية هذا النظام ولزوم طاعته.
أيها الأحبة! لا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، بمعنى: أن نفترض الشك في آحاد الناس أو أعيانهم أو أفرادهم ثم نأتي لنمتحن كل واحد فنقول له: ما رأيك في هذه القضية وما قولك في هذه المسألة؟ لا أعلم ولا أعرف أن من منهج أهل السنة والجماعة أن يمتحن الناس في مسألة البيعة، خاصة وقد تواطأت مقاصد الشريعة وقول أهل الحل والعقد ومصالح الناس، واستقرت الأحوال على هذه البيعة، بل الذي أرى أن النزاع حول هذه القضية وأن امتحان الناس فيها هو كالتشكيك في نسب الأبناء إلى الآباء؛ لأنها قضية واضحة المعالم في لزومها وثبوتها فلا تحتاج إلى امتحان، وكما قال الشاعر:
وليس يصح في الأذهان شـيء إذا احتاج النهار إلى دليل |
أيها الأحبة! ومع ذلك فلا بأس أن يتكلم في هذا الأمر إذا اتهم أحد بالقول بضده دفعاً للريبة، ولا بأس أن يتكلم فيه من يخشى أن يتهمه الناس بضده، والدليل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما، إنها
وقد يطرح هذا الأمر أيضاً لا من باب دفع الريب القائمة أو المتوقعة وإنما من باب تقرير هذا الأمر والتحذير من الشبهات الواردة حوله، وهو أصل مهم قبل حلولها أو تفاقمها وتناقلها بين الطغام والجهلة والعوام، وليس هذا بغريب، فقد ورد تقرير توحيد الله عز وجل، وورد التحذير من الشرك ودفع الذرائع الموصلة إليه، وأمر التوحيد أهم من هذه القضية، لكن الأمر إذا كان مهماً احتاج أيضاً أن يكرر وأن يقرر وأن يؤكد وأن يبدأ فيه ويعاد، فدل على أن الأصول المهمة حتى مع القول بالتسليم بها وعدم قبول النزاع فيها إلا أن ورود التأكيد عليها والتحذير مما يعارضها أمر مشروع، ولأجل ذلك نطرح هذه القضية ولهذا السبب: وهو أهمية هذه القضية وضرورة التأكيد عليها.
أسباب الهروب من الكلام عن حقوق ولاة الأمر
أما الذين يتهمون إخوانهم ممن يطرحون هذا الأمر بالرجعية أو المداهنة أو النفاق والتزلف، فنقول لهؤلاء: إن كنتم تجهلون هذا الأمر ومنزلته من الدين فتعلّموا، وإن كنتم ترون ضد ذلك؛ فإلى الله نبرأ مما تقولون، وإن كنتم ترون هذا الأمر لكن لا تحبون الحديث فيه؛ فهذا هو الهوى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] وإلا فبمَ نفسر كراهية الحديث عن هذا الأمر مع الإيمان والإقرار به؟ لا نفسر كراهية الحديث حول هذا الموضوع إلا بالهوى، وصاحب الهوى في مثل هذه الحال لا يرد النصوص الثابتة في هذا الأمر حتى نقول: إنه من المكفرين الذين لا يرون هذه المسألة، لكنه لا يستجيب لمقتضى هذه النصوص ولا يحب الحديث حولها، فهو كمن لا يشك في نسبته إلى والده لكن لا يريد أن يلتزم بحقوق والده عليه، فلم يبق لهذا تفسير إلا الهوى الذي حذر الله عز وجل منه.
ليس من الصواب أن نطرح القضايا والأمور الصغيرة بكل وضوح وحماس وجرأة، ثم نغفل أو ننسى الحديث عن هذه القضية الكبيرة والمهمة والخطيرة، فهذا الموضوع نادر ما يطرح، والسبب في نظري: لا يعود إلى نزاع فيه أو تشكيك، فهو مسألة محسومة بل هي من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة ، وإنما السبب هو الهيبة من طرح هذا الأمر، والنظر إلى كبار العلماء أن يطرحوه وحدهم دون غيرهم؛ ليؤكدوا على أهميته حتى لا تصبح هذه القضية على لسان كل مرشد أو واعظ قد لا يحسن عرضها أو دفع الشبهات الواردة حولها، ولكن لما انتقلت عدوى مناهج التكفير والخوارج بات لزاماً على كل داعية يأنس في نفسه القدرة والبيان أن يطرح هذا الأمر حسبة وقربة وعبادة لله، مع عدم اتهام الآخرين بالسوء لأنهم لم يطرحوه؛ لأن العبرة في طرحه بالقدرة عليه؛ ولأنه ليس من الأصل أن يمتحن الناس فيه كما قلت آنفاً.
أما الذين يتهمون إخوانهم ممن يطرحون هذا الأمر بالرجعية أو المداهنة أو النفاق والتزلف، فنقول لهؤلاء: إن كنتم تجهلون هذا الأمر ومنزلته من الدين فتعلّموا، وإن كنتم ترون ضد ذلك؛ فإلى الله نبرأ مما تقولون، وإن كنتم ترون هذا الأمر لكن لا تحبون الحديث فيه؛ فهذا هو الهوى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ [القصص:50] وإلا فبمَ نفسر كراهية الحديث عن هذا الأمر مع الإيمان والإقرار به؟ لا نفسر كراهية الحديث حول هذا الموضوع إلا بالهوى، وصاحب الهوى في مثل هذه الحال لا يرد النصوص الثابتة في هذا الأمر حتى نقول: إنه من المكفرين الذين لا يرون هذه المسألة، لكنه لا يستجيب لمقتضى هذه النصوص ولا يحب الحديث حولها، فهو كمن لا يشك في نسبته إلى والده لكن لا يريد أن يلتزم بحقوق والده عليه، فلم يبق لهذا تفسير إلا الهوى الذي حذر الله عز وجل منه.
والهوى -أيها الأحبة- مستحكم في هذا الزمان، وأضرب لذلك أمثلة رأيتها رأي العيان وناظرت وحاورت وجادلت وناقشت فيها كثيراً من أهل الهوى، وسأضرب مثالاً أو اثنين على ثبوت الهوى والأعراض عن العقل والدليل حينما ترد بعض المسائل الخطيرة والكبيرة.
أثر الهوى في إطراء الجماعات الإسلامية
بعبارة أخرى: لو استطاعت بعض الجماعات الإسلامية في بعض الدول المجاورة أن تصل إلى الحكم -وأسأل الله أن يمكن لهم في بلدانهم- فقلبوا وغيروا أوضاع بلدانهم مما هي عليه إلى ما نحن عليه اليوم فهل ترون ذلك أمراً يسيراً؟ وهل تظنون أنهم سيعدون هذا الإنجاز قليلاً؟ لا والله، لقد طبل وزمر وصفق وعظم وضخم إنجاز هو أقل من هذا بكثير ولا ينسب إلى هذا إطلاقاً، وقال بعض أهل الهوى: تجب الهجرة إلى تلك البلاد على رغم مما فيها من الخلل والنقائص الخطيرة والكبيرة في مسائل العقيدة، فأولئك إذا أنجزوا خيراً قريباً مما نحن فيه قالوا: هذا انتصار وفتح، وبعضهم يقول: خلافة، وبعضهم يقول: تجب الهجرة، أما الخير الذي نحن فيه فيرون أننا في مداهنة، وأننا في ولاء للكفار، وأننا في ضلال، وأننا أبعد ما نكون عن الإسلام، وهذه القضية أيها الأحبة دلائل الهوى فيها أن بعض الذين يسمعونها لا يطيقون الحديث أو لا يطيقون تمام الحديث عنها.
بعض الذين يستمعون إلى هذه القضايا أو يناقشون فيها لا يستطيعون استمرار الحديث فيها إطلاقاً، والسبب أنك تحجه بالدليل، وتحجه بالواقع، وتحجه بالمنطق، فلا يستطيع أن يرفض الأدلة، وليس عنده من الاستجابة ما يذعن لها فلا يبقى إلا الهوى الذي يصرفه عن الاستجابة لها، وإن شئتم مثالاً فسأعطيكم مثالاً آخر.
أثر الهوى في التماس الأعذار لأربكان
والأمثلة على تعامل كثير ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام بالهوى كثيرة، ولست بهذا أقف خصماً لجماعات أو دعاة أو أحباب، بل أسأل الله أن يسدد الجميع وأن يوفقهم لكننا نقول مع حبنا لهم نحن أدرى بما يصلح لنا وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحق أحب إلينا منهم.
فأول ذلك خذ على سبيل المثال: ماذا يقول أهل الهوى عن الجماعات الإسلامية المباركة الصالحة الموفقة التي عندها خير كثير؟ فلا نلغي جهودها ولا ندعي لها العصمة والصواب في كل أفعالها، ماذا يقول أهل الهوى عن الجماعات الإسلامية في الخارج؟ لو استطاعوا أن يحكموا بلدانهم ليحولوا أوضاعها إلى ما نحن فيه وعليه اليوم في هذه البلاد، ماذا سيقول أهل الأهواء عن إنجاز الجماعات الإسلامية هذه؟ يوشكوا أن يقولوا: إنها خلافة راشدة عادت من جديد، ولن يقبلوا من أحد صرفاً ولا عدلاً إلا بالقول بشرعية نظامهم وكيانهم هذا، لكن أهل الأهواء لا يرون هذا الإنجاز في هذه البلاد خيراً كثيراً ينبغي المحافظة عليه، وحكماً شرعياً ينبغي الطاعة له في طاعة الله ورسوله، بل ترى أهل الأهواء تارة يكرهون الحديث عن هذه القضية وتارة يعدونه نظاماً لا ينتسب إلى الإسلام، وبعضهم يكفر ولاته مع أنه يعده خلافة لو كان الذي يحكمه واحد أو آحاد ممن ينتمي إليهم.
بعبارة أخرى: لو استطاعت بعض الجماعات الإسلامية في بعض الدول المجاورة أن تصل إلى الحكم -وأسأل الله أن يمكن لهم في بلدانهم- فقلبوا وغيروا أوضاع بلدانهم مما هي عليه إلى ما نحن عليه اليوم فهل ترون ذلك أمراً يسيراً؟ وهل تظنون أنهم سيعدون هذا الإنجاز قليلاً؟ لا والله، لقد طبل وزمر وصفق وعظم وضخم إنجاز هو أقل من هذا بكثير ولا ينسب إلى هذا إطلاقاً، وقال بعض أهل الهوى: تجب الهجرة إلى تلك البلاد على رغم مما فيها من الخلل والنقائص الخطيرة والكبيرة في مسائل العقيدة، فأولئك إذا أنجزوا خيراً قريباً مما نحن فيه قالوا: هذا انتصار وفتح، وبعضهم يقول: خلافة، وبعضهم يقول: تجب الهجرة، أما الخير الذي نحن فيه فيرون أننا في مداهنة، وأننا في ولاء للكفار، وأننا في ضلال، وأننا أبعد ما نكون عن الإسلام، وهذه القضية أيها الأحبة دلائل الهوى فيها أن بعض الذين يسمعونها لا يطيقون الحديث أو لا يطيقون تمام الحديث عنها.
بعض الذين يستمعون إلى هذه القضايا أو يناقشون فيها لا يستطيعون استمرار الحديث فيها إطلاقاً، والسبب أنك تحجه بالدليل، وتحجه بالواقع، وتحجه بالمنطق، فلا يستطيع أن يرفض الأدلة، وليس عنده من الاستجابة ما يذعن لها فلا يبقى إلا الهوى الذي يصرفه عن الاستجابة لها، وإن شئتم مثالاً فسأعطيكم مثالاً آخر.
ماذا قال أصحاب الهوى عن نجم الدين أربكان ؟ هذا زعيم حزب الرفاة الإسلامي ، وأنا واحد ممن فرحوا فرحاً عظيماً كبيراً لما استطاع هذا الرجل الوصول إلى سدة الحكم في تركيا ، ولكن حصلت له مواقف منها: أنه وقف عند قبر أتاتورك ، وأقسم أنه لن يحيد ولن يخرج بـتركيا عن العلمانية ، وماذا قال أهل الهوى؟ قالوا: إنه مضطر لهذا أمام الغرب، ولم يطعنوا في دينه، ولم يطعنوا في اعتقاده، ولم يطعنوا في نسبته إلى الإسلام، وأنا كما قلت فرحت بوصوله إلى سدة الحكم، ولست بصدد التصريح عن موقفي أو رأيي بالتفصيل تجاهه، لكن لو وأقول لو ولو مراراً: لو فعل أدنى من ذلك بكثير في بلادنا تحت ظروف حرجة مما لا يصل إلى درجة ما فعله أربكان -هداه الله إلى الحق- لعده أهل الهوى نصاً صريحاً في التكفير وإسقاط الشرعية ونقض البيعة، وما أزمة الخليج عنا ببعيد، ماذا قيل عنا وعن بلادنا وحكامنا وعلمائنا لما استدعينا قوات أجنبية لضرورة نحن أدرى بها، لكن أحكام الضرورة حلال لغيرنا حرام علينا، لكن أحكام الضرورة حلال عند أهل الأهواء ولغيرنا ولكنها حرام علينا!
والأمثلة على تعامل كثير ممن ينتسبون اليوم إلى الإسلام بالهوى كثيرة، ولست بهذا أقف خصماً لجماعات أو دعاة أو أحباب، بل أسأل الله أن يسدد الجميع وأن يوفقهم لكننا نقول مع حبنا لهم نحن أدرى بما يصلح لنا وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والحق أحب إلينا منهم.
أما الذين موقفهم الاستهزاء والسخرية بالعلماء وطلبة العلم الذين يطرحون هذه القضية بنصوصها وضوابطها الشرعية فإنني أذكرهم بقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر : (من قال في مؤمن ما ليس فيه؛ أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال وليس بخارج) فإن تذكر وانزجر وارعوى بهذا الحديث، وخاف الله واتقاه في أعراض العلماء والدعاة الذين يطرحون هذه القضية نصيحة للأمة وبراءة للذمة؛ وإلا فله قول القائل:
إذا الكلب لم يؤذيك إلا بنبحه فدعه إلى يوم القيامة ينبح |
ويا سبحان الله! كيف ينظر طائفة إلى آراء المكفرين وأذناب المعتزلة والخوارج بأنها اجتهاد أقل ما فيه أن يعد وجهة نظر لابد من احترامها وسماعها، فإذا ورد قول الذين وفقهم الله في هذا الأمر إلى الصواب وموافقة السنة والكتاب وجمهور العلماء وأولوا العقول والألباب؛ عد قولهم هذا نفاقاً وتزلفاً ومداهنة، وهذه المسألة المهمة وهي أن كثيراً ممن لا يرون تكفير الولاة والحكام لكن لا يرغبون في طرح هذه القضية ولا الحديث عنها، بل وربما انتقدوا واغتابوا من يطرحها ويتناولها فإلى هؤلاء نقول: إن القول بوضوح المبادئ والمواقف في الدعوة من أسباب استمرار الدعوة ونجاحها بإذن الله، فإذا كنت تؤمن بحقوق ولاة الأمر المتفرعة عن أصل الشرعية ولزوم البيعة؛ فبادر بقبول الحق بدليله، ثم إن هذا لا يمنعك أن تنكر المنكر الذي تراه بالسبل الشرعية، سواءً كان المرتكب للخطأ سلطاناً أو حاكماً أو وزيراً أو أميراً أو محكوماً، ولكن سبيل الإنكار عليه وطريقه ليس من العقل فيه أن يسوى فيه بين المختلفات، بل أنزلوا الناس منازلهم تحقيقاً للمصالح ودرءاً للمفاسد.
وهنا مسألة مهمة وهي أن كثيراً ممن يجدون في صدورهم حرجاً من طرح هذا الأمر أو لا يحبون سماع الحديث فيه يظنون أن الكلام عن حقوق ولاة الأمر يعني بالضرورة عدم الكلام عن حقوق الرعية.. لا، فكما أنه ينبغي أن تفصل وأن تشرح وأن يفهم وأن يوضح حقوق ولاة الأمر؛ فكذلك لابد أن تبين حقوق الرعية على ولاة الأمر، ولابد أن يبين عظم الأمانة التي سيسأل الله عنها الحكام يوم القيامة تجاه شعوبهم ومن ولاهم الله أمرهم.
أيها الأحبة! إن هذه القضية حينما نتكلم عنها فلا تعني أننا لا نتكلم عن غيرها، فإن هذا من الفهم القاصر الذي أتي من جهته كثير من الناس، ولا أريد أن أطيل بهذه المقدمة، لكن أقول هذا أوان الشروع بالمقصود فالقول بعون الله: إن أهل السنة وسط عدول بين طوائف الرافضة وطوائف المعتزلة والخوارج.
فـالرافضة يقدسون الأئمة والولاة إلى درجة الغلو والعصمة، فلا يرون في فعل الأئمة منكراً فضلاً عن الإنكار عليه، وأما الخوارج والمعتزلة فإنهم يرون الأمر والنهي مع الولاة بالسيف، والخروج عليهم بالشوكة وكسر البيضة مع القول بتكفيرهم وتخليدهم في النار، ويرون ذلك من صميم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. طرف يغلو ويقدس الولاة، وطرف يسل السيف على الولاة، فجاء أهل السنة وسطاً عدولاً في هذا الأمر، لا يعتقدون للولاة عصمة من الخطايا والكبائر والصغائر، ولا يغلون فيهم، بل يتصورون وقوع الأخطاء والكبائر والصغائر منهم، ويرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاههم، لكن يحفظون حقهم ومنزلتهم في تحقيق الحكمة حال الأمر والنهي وهي: فعل ما ينبغي في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي دون الخروج والتأليب أو التحريش بهم.
ويمكن أن نجمل حقوق ولاة الأمر في العناصر الآتية:
أولها: السمع والطاعة في المعروف.
ثانيها: النصح ومنه الدعاء والإعانة على الحق.
ثالثها: توقيرهم في النفوس وعدم الاستهانة بشأنهم لما في ذلك من المفاسد العظيمة.
رابعها: تأليف الشاردين عنهم إليهم لما في ذلك من درء الفتنة وجمع الكلمة.
وهذا هو موجز الحقوق وإليكم الإيضاح بالتفصيل ما أسعف الوقت بذلك..
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [النساء:59] قال ابن كثير رحمه الله تعالى: والظاهر والله أعلم أن هذه الآية عامة في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء.
وأخرج البخاري ومسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان) وهذا الحديث: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) لذلك الذين يريدون الانقلاب ويريدون الخروج على الأئمة، ويريدون القيل والقال في علمائنا وفي ولاة أمرنا حينما يريدون أن يحدثوا الفتنة في هذا المجتمع الذي نعيشه لا يبدءون بمسألة قبل مسألة، إقامة أدلة، بل لوي أعناق نصوص، وتكلف أدلة، وتمحل أدلة حتى يقولوا بأن هذه البلاد التي نحن فيها كافرة، فإذا كانت بلادنا كافرة؛ إذاً لا قيمة للحكام ولا قيمة للولاة ولا قيمة لهؤلاء العلماء الكبار ولا مكانة ولا منـزلة لهم؛ ولأجل ذلك رأينا أن الذين شقوا العصا وخرجوا وكفروا، بدءوا بالاستهانة بالعلماء وبالتقليل من شأن كبار العلماء، تكلموا في شأن الشيخ/ ابن باز وقالوا: هذا الإنسان لا يفقه ولا يفهم، وتكلموا في الشيخ/ ابن عثيمين وقالوا: هذا إنسان ليس له رأي بين، وتكلموا في كبار العلماء وقالوا فيهم ما قالوا؛ هل بينهم وبين ابن باز عداوة؟ لا، هل بينهم وبين ابن عثيمين عداوة؟ لا، إنما أرادوا أن يكسروا السفينة حتى يغرق من فيها، أردوا أن يكسروا هيبة العلماء حتى إذا انتهت مكانة العلماء تلفت الناس يميناً ويساراً يريدون أحداً يقتدى بقوله ويتأسى بفعله، فلا يجدون إلا هؤلاء الخوارج ولا يجدون إلا هؤلاء المكفرين الذين يستهينون بالعلماء، ويسقطون قدرهم ومنزلتهم، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان على ما يصفون ويقولون.
ومن أدلة لزوم الطاعة والجماعة ما أخرجه مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم) وفي مسند الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله أمرني بالجماعة، وإنه من خرج من الجماعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه) ومن ذلك ما أخرجه الإمام أبو داود وأحمد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فارق الجماعة شبراً خلع ربقة الإسلام من عنقه) ولله در عبد الله بن المبارك المجاهد التاجر الغني الثري العالم المحدث الفقيه قال:
إن الجماعة حبل الله فاعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا |
كم يرفع الله بالسلطان مظلمة في ديننا رحمة منه ودنيانا |
لولا الخلافة لم تأمن لنا سبـل وكان أضعفنا نهباً لأقوانا |
حادثة الحرة في عهد يزيد بن معاوية
لما كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد جاء عبد الله بن عمر زائراً لـعبد الله بن مطيع ، فقال عبد الله بن مطيع: اطرحوا لـأبي عبد الرحمن وسادة. فقال ابن عمر رضي الله عنه: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة؛ لقي الله لا حجة له، ومن مات ليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
عبد الله بن مطيع بن حارثة أحد كبار التابعين، وقيل له صحبة، نزع بيعة يزيد بن معاوية من عنقه لما كان من يزيد من المعاصي والكبائر، وكان عبد الله بن مطيع وعبد الله بن حنظلة هما المتزعمان لفكرة الانقلاب أو الخروج على يزيد بن معاوية في المدينة ، وكان سبب الخروج عليه كما قلت: إسرافه في المعاصي، بل قال عبد الله بن حنظلة: والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات ويشرب الخمر ويدع الصلاة.
فلما كان منهم الخروج جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع، وأخبره بهذا الحديث؛ ليكون رادعاً له عن الاستمرار في معصية الخروج، فلم يستجب عبد الله بن مطيع، وظن أن ما هو عليه سوف يزيل المنكرات، حتى أرسل يزيد بن معاوية سنة 63 للهجرة جيشاً لحرب عبد الله بن مطيع بقيادة مسلم بن عقبة المري، ويسميه أهل السنة مسرف بن عقبة فكانت وقعة الحرة المشهورة التي جرت فيها الدماء كأنها في يوم عيد الأضحى، وهرب عبد الله بن مطيع فكانت النتيجة أن قتل العشرات من القراء والحفظة والتابعين والعلماء بسبب هذه الفتنة وهي الخروج على هذا الحاكم الغاشم الظالم يزيد بن معاوية.
ولذا كان من مواقف عبد الله بن عمر في هذه الفتنة -فتنة الحرة- كما جاء في الصحيحين وغيرها عن نافع أنه قال: لما خلع الناس يزيد بن معاوية جمع عبد الله بن عمر أولاده وأهله ثم تشهد وقال: أما بعد.. فإنا بايعنا هذا الرجل -يقول: نحن بايعنا يزيد - بايعناه على بيعة الله ورسوله، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة، يقال: هذا غدرة فلان وإن من أعظم الغدر -إلا أن يكون الإشراك بالله- أن يبايع الرجل رجلاً على بيعة الله ورسوله ثم ينكث بيعته، فلا يخلعن أحد منكم
طاعة الإمام المتغلب على الناس بسيفه
وقد جاء في صحيح البخاري عن عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك -والمراد: اجتماع الكلمة عليه- وكانت الكلمة قبل ذلك متفرقة بين عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان كل ينادى بأمير المؤمنين، يقول عبد الله بن دينار: شهدت عبد الله بن عمر حين اجتمع الناس على عبد الملك فكتب ابن عمر -بعد الاجتماع-: [إني أقر بالسمع والطاعة لعبد الله
يقول ابن حجر العسقلاني رحمه الله معلقاً على هذا الأثر في الفتح : وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب، والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء.. وهذا الكلام كما تلاحظون هو في الإمام المتغلب، وهو الذي تسمى بيعته بيعة الإجبار، وفي ذلك يقول الشوكاني رحمه الله أيضاً: لا بأس بتعدد الأئمة والسلاطين، ويجب الطاعة لكل واحد منهم بعد البيعة له على أهل القطر الذي ينفذ فيه أو تنفذ فيه أوامره ونواهيه، وكذلك صاحب القطر الآخر، فإذا قام من ينازعه في القطر الذي قد ثبتت فيه ولايته وبايعه أهله كان الحكم فيه أن يقتل ذلك المنازع إذا لم يتب، ولا تجب على أهل القطر الآخر طاعته ولا الدخول تحت ولايته.
ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله ما معناه: إن الحاكم والسلطان المتغلب إذا لم يستجمع شروط الإمامة لكن تم له التمكين واستتب له الأمر؛ وجبت طاعته وحرمت معصيته، حتى لو جاء إمام آخر مستجمع للشروط، فلا يطاع ولا يستجاب للإمام الأخير، ويسمع للإمام المتغلب الأول الذي انعقد له الأمر واجتمع الناس إليه.
السمع والطاعة في غير معصية الله
ومعلوم أن الطاعة إنما تكون لسلطان له شوكة ومنعة، فمن لم تكن له شوكة ولا منعة فهذا لا سمع له ولا طاعة، إن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية مجمع على وجوبها عند أهل السنة والجماعة، وهي كما قلت من أصولهم التي تميزوا بها عن أهل البدع والأهواء، وقل أن ترى في مؤلفاتهم وفي عقائدهم إلا وتجد النصوص المتواترة الكثيرة على وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإن جاروا، وإن ظلموا، وإن فسقوا، وإن فجروا.. وهذا الإجماع ليس اجتهاداً بل هو مبني على الأدلة من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث تواترت الأدلة في ذلك.
أخرج البخاري في صحيحه في باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية، ورواه مسلم أيضاً كذلك عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) وقوله "فيما أحب وكره" أي: فيما وافق غرضه وهواه أو خالف ما يشتهيه أو يهواه.
يقول بعض أهل العلم: إن طاعة الحاكم واجبة على كل مسلم بما يوافق طبعه أم لم يوافق بشرط ألا يأمره بمعصية، فإن أمره بمعصية؛ فلا تجوز طاعته، ولا يجوز له محاربة الإمام أبداً.
السمع والطاعة وإن منعوا الحقوق
ومما أخرجه مسلم في صحيحه وبوب عليه النووي فقال: باب في طاعة الأمراء وإن منعوا الحقوق، عن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سلمة: (يا نبي الله! أرأيت إن قام علينا أمراء يسألونا حقهم ويمنعونا حقنا، فماذا تأمرنا؟ فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم، فسأل
السمع والطاعة مع الصبر على الأذى
أنا أعلم أن هذه الأحاديث قد لا تعجب كثيراً من الذين لا يشتهون الكلام عن هذه القضية، لكن هذه مسألة دين، وهذه مسألة عقيدة، فكما أن الله عز وجل شرع أن صلاة الظهر أربع ركعات والعصر أربع ركعات والفجر ركعتان، فكذلك شرع لنا بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نسمع وأن نطيع ولو جلد ظهر مظلوم، ولو أخذ مال مظلوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بذلك، وهنا تكون الاستجابة لله ورسوله، أن تستجيب لله ورسوله فيما تشتهيه وما لا تشتهيه، فيما تحبه وما لا تحبه، نعم لا يوجد أحد يشتهي أن يضرب ظهره، وأن يؤخذ ماله ثم يقول: أنا أريد أن أسمع وأطيع، لكن إذا ورد الدليل وفقهنا؛ فحينئذ يكون التزامنا وإقدامنا وقبولنا بهذا الأمر طاعة لله وطاعة لرسوله وليس حباً في ظلم وليس حباً في مظلمة تكون على مسلم.
وتأملوا هذا الحديث أيها الأحبة فهو من الأحاديث التي جاءت في هذا الباب، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه سيأتي أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وذلك أمر عظيم في الضلال والفساد والزيغ والعناد، ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بطاعتهم، أي أنه حتى لو كان حال الحكام وحال الأمراء على هذه الصفة؛ فإن المسلم مأمور بالطاعة في غير معصية الله، كما جاء ذلك مقيداً في أحاديث أخر حتى ولو بلغ الأمر ما علمتم من ضرب الظهور وأخذ الأموال؛ فإن هذا لا يحمل على ترك الطاعة أو عدم سماع الأمر، ولا يحمل على شق الجماعة والخروج على ذلك، فإن هذا الجرم عليهم سيحاسبون ويجازون به يوم القيامة، فإن قادك الهوى إلى مخالفة هذا الأمر الحكيم والشرع المستقيم، فلم تسمع ولم تطع لأميرك؛ فقد لحقك الإثم ووقعت في المحذور.
وهذا الأمر النبوي هو من تمام العدل الذي جاء به الإسلام، فإن هذا المضرور إذا لم يسمع ويطع وذاك المضرور إذا لم يسمع ويطع، والآخر الذي أخذ ماله لم يسمع ويطع؛ ماذا تكون النتيجة؟ يفضي هذا إلى تعطيل المصالح الدينية والدنيوية، فيقع الظلم على جميع الرعية أو على أكثر الرعية، وبذلك يرتفع العدل عن العباد والبلاد، فتتحقق المفسدة وتلحق بالجميع ولا تكون مقصورة على واحد أو اثنين أو عشرة أو مائة أو مائتين، بينما لو ظلم هذا فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج وسمع وأطاع، وكذلك الآخر إذا أخذ ماله فصبر واحتسب، وسأل الله الفرج وسمع وأطاع؛ لقامت المصالح ولم تتعطل ولم يضع حقه عند الله سبحانه وتعالى، بل ربما عوضه الله خيراً منه وربما ادخره الله له في الآخرة، وهذا من محاسن الشريعة؛ فإنها لم ترتب السمع والطاعة على عدل الأئمة، ولو كان الأمر في ذلك لكانت الدنيا كلها هرجاً ومرجاً.
ومن الأدلة أيضاً ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم، وشرار أئمتكم -فسماهم أئمة- الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قيل: يا رسول الله.. أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يداً من طاعة) وفي لفظ آخر لـمسلم أيضاً: (ألا من ولي عليه وال، فرآه يأتي شيئاً من معصية الله، فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينـزعن يداً من طاعة).
ومن النصوص أيضاً ما أخرج البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة).
ومن النصوص الواردة في لزوم السمع والطاعة والصبر على جور الأئمة وعدم الخروج عليهم وعدم النزاع حتى لو كان منهم ما كان، ما رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: (دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهذا الحديث في الصحيحين - فبايعناه، فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان) هذا لفظ الإمام مسلم رحمه الله.
كلام الشيخ ابن باز في وجوب طاعة ولاة الأمر
وهنا مسألة: سماحة الشيخ يقول: الواجب على المسلمين في هذه المملكة؛ حتى لا يقول قائل: إن الكلام في السمع والطاعة عن ولاة الأمور، لكن نحن ما حددنا ولاة الأمور أو أننا نضمر في أنفسنا ولاة أمور آخرين غير ولاة الأمور الموجودين، فهذا أمر مهم: أننا حينما نتكلم عن السمع والطاعة لولاة الأمور، فنقصد بذلك السمع والطاعة لحكامنا هؤلاء الذين يحكمون البلاد .. المسئولين .. الحكام .. الأمراء، فالمقصود بولي الأمر هؤلاء الحكام، وليس كما يقوله آخرون: نحن نقول: ولاة الأمور، لكن نقصد ولاة أمورنا الذين في لندن ! أو نقصد ولاة أمورنا الذين في مكان آخر.. لا، الصلاة على الميت الحاضر، حينما نتكلم عن ولاة الأمور فالكلام عن ولاة أمورنا في هذه البلاد كما يصرح بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز.
يقول: فالواجب على جميع المسلمين في هذه المملكة السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف كما دلت على ذلك الأحاديث -والسمع والطاعة بالمعروف- الصحيحة والثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لأحد أن ينزع يداً من طاعة بل يجب على الجميع السمع والطاعة لولاة الأمور بالمعروف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من خرج على الطاعة، وخرج على الجماعة ومات؛ مات ميتة جاهلية) فالواجب على المؤمن السمع والطاعة بالمعروف، وألا يخرج عن السمع والطاعة بل يجب عليه الإذعان والتسليم لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يقول سماحته: وهذه الدولة السعودية دولة إسلامية والحمد الله، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتأمر بتحكيم الشرع، وتحكمه بين المسلمين، فالواجب على جميع الرعية السمع والطاعة لها بالمعروف، والحذر من الخروج عليها، والحذر من معصيتها في المعروف، أما من أمر بمعصية فالمعصية لا يطاع أحد فيها لا من الملوك ولا غير الملوك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الطاعة بالمعروف، لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فإذا أمر ملك أو رئيس جمهورية أو وزير أو والد أو والدة أو غيرهم بمعصية كشرب خمر أو أكل الربا لم يجز الطاعة في ذلك، بل يجب ترك المعصية، وألا يسمع لأحد فيها، فطاعة الله مقدمة (إنما الطاعة في المعروف) هكذا جاءت السنة الصحيحة.
اللهم إنا نشهدك على ما في أنفسنا أننا ندين ونعتقد بما سمعتموه وبما قلناه من كلام سماحة الإمام الشيخ/ عبد العزيز بن باز.
ويقول سماحته -متع الله به على طاعته-: ننصح الجميع بلزوم السمع والطاعة كما تقدم، والحذر الحذر من شق العصا، والخروج على ولاة الأمور فهذا من المنكرات العظيمة، بل هذا دين الخوارج والمعتزلة -الخروج على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة لهم إذا وجدت معصية- وهذا غلط خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالسمع والطاعة بالمعروف وقال: (من رأى من أميره شيئاً من معصية الله؛ فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينـزعن يداً من طاعة) وقال صلى الله عليه وسلم: (من أتاكم وأمركم جميع، يريد أن يشق عصاكم، ويفرق جماعتكم؛ فاضربوا عنقه) أي أنه إذا أتى أحد يريد أن يشق العصا ويفرق الجماعة؛ فاضربوا عنقه، فلا يجوز لأحد أن يشق العصا أو يخرج عن بيعة ولاة الأمور أو يدعو إلى ذلك؛ فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم أسباب الفتنة والشحناء، والذي يدعو إلى ذلك يقتل.
يقول سماحة الشيخ: الذي يدعو إلى الخروج يقتل؛ لأنه يفرق الجماعة ويشق العصا، فالواجب الحذر من هذا غاية الحذر، والواجب على ولاة الأمور إذا عرفوا من يدعو إلى هذا؛ أن يأخذوا على يديه بالقوة حتى لا تقع بين المسلمين فتنة.
وسئل سماحته عمن يقول: أنا لم أبايع الوالي، ولهذا لا تلزمني بيعة، وليس في عنقي بيعة. فأجاب سماحته: إذا اجتمع المسلمون على أمير وجبت الطاعة على الجميع ولو لم يبايع بنفسه، فالصحابة والمسلمون ما بايعوا أبا بكر كلهم، إنما بايعهم من بـالمدينة، بايع بعضهم ولزمت البيعة على الجميع، إذا بايع أهل الحل والعقد ولي الأمر وجبت الطاعة على الجميع وإن لم يباشر البيعة كل واحد من الرعية بل تلزمه البيعة وإن لم يصافح وإن لم يتول البيعة بنفسه.
هذه -أيها الأحبة- من النصوص المهمة العظيمة في شأن لزوم السمع والطاعة.