لفظ الآية في القرآن
مدة
قراءة المادة :
7 دقائق
.
(الآية) -كما يقول أهل اللغة- هي العلامة الظاهرة. والصحيح في اشتقاقها أنها من (التأيي)، الذي هو التثبت.
قال في (اللسان): يقال: قد تأييت، أي: تلبثت وتحسبت.
وتفيد أيضاً معنى الإقامة على الشيء.
وذكر ابن فارس في (مقاييس اللغة) أن أصل هذه الكلمة يفيد معنى النظر، يقال: تأيَّا يتأيَّا تأيياً، أي: تمكث.
واستشهد لهذا الأصل بقول الكميت: قف بالديار وقوف زائر وتأيَّ إنك غير صاغر ونقل ابن فارس عن بعض أهل اللغة قوله: تأييت الأمر: انتظرت إمكانه.
وذكر أيضاً، أن لهذا اللفظ أصل آخر، وهو التعمد، يقال: تآييت، على وزن تفاعلت، أي: تعمدت آيته وشخصه.
وقالوا: هذه آية مأياة، كقولك: علامة معلمة.
ثم إن لفظ (الآية) ورد في القرآن الكريم في اثنين وثمانين وثلاثة مائة موضع (382)، جاء في مواضعه كافة بصيغة الاسم، فجاء مفرداً في ستة وثمانين موضعاً، من ذلك قوله تعالى: {ما ننسخ من آية} (البقرة:106).
وجاء مثنى في موضع واحد، وهو قوله سبحانه: {وجعلنا الليل والنهار آيتين} (الإسراء:12).
وجاء جمعاً في خمسة وتسعين ومائتين موضع، من ذلك قوله تعالى: {ويريكم آياته لعلكم تعقلون} (البقرة:73).
ومجيء (الآية) بصيغة المفرد (آية) في بعض المواضع، ومجيئها في مواضع أخر بصيغة الجمع (آيات)، إنما كان ذلك لمعنى مخصوص، يفيده السياق، ويقتضيه المقام.
وقد ذكر بعض أهل التفسير، أن لفظ (الآية) جاء في القرآن الكريم على عدة معان، هي: أولاً: بمعنى الحجة والدليل، من ذلك قوله تعالى: {ومن آياته منامكم بالليل والنهار} (الروم:23)، قال الطبري: ومن حججه عليكم تقديره الساعات والأوقات، ومخالفته بين الليل والنهار.
ونحو ذلك قوله سبحانه: {ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة} (فصلت:39)، أي: ومن حجج الله تعالى وأدلته على قدرته، أنك ترى الأرض لا نبات بها ولا زرع، ثم الله يحييها بالغيث.
فـ (الآية) في هاتين الآيتين ونحوهما بمعنى الدليل والحجة.
وقد وجدنا الطبري كثيراً ما يفسر لفظ (الآية) في القرآن بمعنى الحجة والدليل.
ثانياً: بمعنى الآية من القرآن، من ذلك قوله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها} (البقر:106)، فالمراد هنا الآية القرآنية، وهي الجزء من القرآن.
ومن هذا القبيل، قوله عز وجل: {وإذا بدلنا آية مكان آية} (النحل:101)، والمقصود هنا أيضاً الآية من القرآن. ثالثاً: بمعنى المعجزة، من ذلك قوله تعالى: {فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات} (القصص:36)، أي: ما آتاه الله من المعجزات الباهرة والدلالات القاهرة، على صدقه فيما أخبر عن الله عز وجل من توحيده، واتباع أوامره.
ومثل ذلك قوله سبحانه: {وإن يروا آية يعرضوا} (القمر:2)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: انشق القمر حتى رأوا شقيه.
ومجيء (الآية) على هذا المعنى كثير في القرآن.
رابعاً: بمعنى العبرة والعظة، من ذلك قوله تعالى: {ولنجعله آية للناس} (مريم:21)، قال البغوي: أي: عبرة ودلالة على البعث بعد الموت.
قاله أكثر المفسرين.
ونحو ذلك قوله عز وجل: {وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية} (الفرقان:37).
أي: جعلنا إغراقنا إياهم، وإهلاكنا لهم عظة وعبرة للناس، يعتبرون بها.
خامساً: بمعنى الكتاب (القرآن)، من ذلك قوله تعالى: {يسمع آيات الله تتلى عليه} (الجاثية:8)، أي: يسمع آيات كتاب الله تقرأ عليه.
ونحو ذلك قوله عز وجل: {قد كانت آياتي تتلى عليكم} (المؤمنون:66)، أي: كانت آيات كتابي تقرأ عليكم.
سادساً: بمعنى الأحكام الشرعية، من ذلك قوله تعالى: {كذلك يبين الله لكم آياته} (البقرة:242)، أي: أُبيِّن لكم سائر الأحكام في آياتي التي أنزلتها.
ومن هذا القبيل قوله سبحانه: {كذلك يبين الله لكم الآيات} (البقرة:266)، أي: يعرفكم أحكامها، وحلالها، وحرامها.
و(الآية) بحسب هذا المعنى كثيرة الورود في القرآن.
سابعاً: بمعنى العلامة والدلالة، من ذلك قوله تعالى: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية} (سبأ:15)، أي: علامة دالة على أن لهم خالقاً خلقهم.
ونحو ذلك قوله سبحانه: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا} (آل عمران:13)، يعني: علامة ودلالة على صدق ما أقول: إنكم ستغلبون.
وليس ثمة ما يمنع أن يفسر لفظ (الآية) في القرآن الكريم بأكثر من معنى من المعاني المتقدمة، أو بمعنى من المعاني التي ذكرنا؛ إذ إن معظم معاني لفظ (الآية) الآنفة الذكر متداخلة ومترابطة، وهي تعود في معناها إلى أصلها اللغوي، وهو معنى العلامة؛ لذا نجد بعض المفسرين يذكرون معنى من هذه المعاني للفظ (الآية)، في حين نجد بعضاً آخر يفسره بمعنى ثان، ومرد ذلك إلى ما بيناه.