عمدة الفقه - كتاب النكاح [8]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس المبارك ضمن دروس الأكاديمية، حيث يسرنا في بدئه أن نرحب بصاحب الفضيلة الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي ، وكيل المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية، باسمكم جميعاً أرحب بالدكتور: عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم.

الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات والحاضرين.

المقدم: ترحيبنا موصول بكم ونسعد كثيراً بمتابعتكم وتواصلكم مع دروس الأكاديمية من خلال أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم تباعاً على الشاشة، كذلك من خلال إرسالكم للإجابات والأسئلة والاستفسارات عبر موقع الأكاديمية على الشبكة العنكبوتية والذي يظهر أمامكم أيضاً على الشاشة، نرحب كذلك بالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك، فأهلاً بالجميع.

دكتور عبد الله وكما تعودنا معكم ومع الإخوة الحضور نستعرض في بداية كل حلقة سؤال الدرس الماضي.

من الإجابات التي وردت على سؤال الدرس الماضي إجابة الأخ نبيل إبراهيم السيد حجازي من السعودية يقول: الرضاع لغة: مص اللبن من الثدي أو شربه.

واصطلاحاً: مص أو شرب طفل دون الحولين لبناً من امرأة ثاب عن حمل.

والذي ينشره الرضاع من الحرمة هو ما ينشره النسب، وكذا من المصاهرة على القول الراجح، فلا يجوز لبنت من الرضاع أن تنكح أباها وجدها من الرضاع وإن علا، ولا أخاها من الرضاع وإن نزل، ولا الحواشي كأعمامها وأخوالها من الرضاع، وكذا الابن من الرضاع له نفس الحكم.

عبد الرحمن المغراوي من المغرب له إجابة قريبة من ذلك بالنسبة لتعريف الرضاع.

وبالنسبة للذي ينشره الرضاع من الحرمة يقول: أهل العلم يقولون: يحرم بالرضاع ما يحرم بالنسب، فيباح للرضيع النظر إلى مرضعته وإلى أصولها وفروعها من النساء، وأن يكون لها محرماً، وأن يخلو بها وأن يصافحها ويسافر معها، لا بقية الأحكام كالميراث والنفقة.

الشيخ: جيد، لعلك تكتفي بهذا.

المقدم: طيب، نشير إشارات فقط إلى أسماء أصحاب الإجابات!

الشيخ: تفضل!

المقدم: الأسماء الواردة: سماء الإسلام من مصر أيضاً بعثت بإجابة، كذلك: طلحة من السعودية له إجابة مختصرة، وكذا خلود من السعودية، ونورة من السعودية، والأخت: أم فجر من السعودية.

وأيضاً الأخت غادة من الولايات المتحدة، وخديجة من المغرب، وعزيزة باخلعة من السعودية، ومريم من السعودية، وفوزية من الكويت، كل هذه الإجابات وردت.

وكذلك جميلة من العراق، وأم أيوب من المغرب، وغزلان من المغرب كذلك.

توضيح تعريف الرضاع ومذاهب الفقهاء فيه

الشيخ: جميل، إجابة موفقة، واهتمام يثابون عليه جزاهم الله خيراً، وبالمناسبة يا إخوان نحن نشرح كتاب عمدة الفقه، وعمدة الفقه كتاب حنبلي، فأحياناً نذكر التعريفات على مذهب الحنابلة ولا نريد الإطالة في التعريفات، وإن كنا أحياناً إذا ذكرنا شروط المسألة نخالف فيها صاحب التعريف، ولهذا أردت أن أفصل معنى التعريف؛ لأن هذا الدرس هو مجاله وهذا وقته.

قول المؤلف: الرضاع هو مص طفل دون الحولين لبناً ثاب عن حمل أو شربه أو نحوه، وكلمة (ثاب عن حمل)، هذا مذهب الحنابلة وهو من مفردات مذهب الحنابلة.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الرضاع الذي ينشر الحرمة هو اللبن الذي خرج من امرأة سواء ثاب عن حمل _يعني: عن وطء بحمل_ أو لم يثب عن حمل مثلما ذكرنا، أو يكون بحنان الأمومة الذي ربما يخرج اللبن بسببه.

وقلنا: إن مذهب الحنابلة هو: أنه لا ينشر الحرمة إلا إذا كان عن حمل.

وذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة و مالك و الشافعي ، وهو اختيار اللجنة الدائمة برئاسة سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز : إلى أن العبرة بوجود اللبن من صدر المرأة، سواءً ثاب عن حمل أو لم يثب عن حمل؛ لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، فهذا يصدق على اللبن الذي خرج من وطء بحمل ومن غير حمل، هذا هو الراجح والله أعلم.

وعلى هذا فيكون التعريف الراجح للرضاع هو: مص طفل دون الحولين لبناً من امرأة أو شربه.

الشيخ: جميل، إجابة موفقة، واهتمام يثابون عليه جزاهم الله خيراً، وبالمناسبة يا إخوان نحن نشرح كتاب عمدة الفقه، وعمدة الفقه كتاب حنبلي، فأحياناً نذكر التعريفات على مذهب الحنابلة ولا نريد الإطالة في التعريفات، وإن كنا أحياناً إذا ذكرنا شروط المسألة نخالف فيها صاحب التعريف، ولهذا أردت أن أفصل معنى التعريف؛ لأن هذا الدرس هو مجاله وهذا وقته.

قول المؤلف: الرضاع هو مص طفل دون الحولين لبناً ثاب عن حمل أو شربه أو نحوه، وكلمة (ثاب عن حمل)، هذا مذهب الحنابلة وهو من مفردات مذهب الحنابلة.

وذهب الأئمة الثلاثة إلى أن الرضاع الذي ينشر الحرمة هو اللبن الذي خرج من امرأة سواء ثاب عن حمل _يعني: عن وطء بحمل_ أو لم يثب عن حمل مثلما ذكرنا، أو يكون بحنان الأمومة الذي ربما يخرج اللبن بسببه.

وقلنا: إن مذهب الحنابلة هو: أنه لا ينشر الحرمة إلا إذا كان عن حمل.

وذهب الأئمة الثلاثة أبو حنيفة و مالك و الشافعي ، وهو اختيار اللجنة الدائمة برئاسة سماحة شيخنا عبد العزيز بن باز : إلى أن العبرة بوجود اللبن من صدر المرأة، سواءً ثاب عن حمل أو لم يثب عن حمل؛ لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، فهذا يصدق على اللبن الذي خرج من وطء بحمل ومن غير حمل، هذا هو الراجح والله أعلم.

وعلى هذا فيكون التعريف الراجح للرضاع هو: مص طفل دون الحولين لبناً من امرأة أو شربه.

الشيخ: وقفنا عند قول المؤلف: [والرضاع المحرم].

المقدم: نعم.

الشيخ: الرضاع المحرم يعني: الذي يصدق عليه أن يسمى رضاعاً، سواء مص الطفل ثدي المرأة، أو كان كما يقول المؤلف: [ أو ما دخل الحلق من اللبن، سواء دخل بارتضاع من الثدي أو وجور ]، و(الوجور): هو ما صب في حلق الطفل، فأحياناً الطفل لا يستطيع أن يمص الثدي، فتأتي الأم وتضع نقاطاً على فمه حتى إذا بكى يتجرعه تجرعاً ويزدرده، فهذا ينشر الحرمة إذا شرب شرباً يفتق الأمعاء كما جاء في الحديث، وعلى هذا سواء كان بامتصاص أو وجور أو سعوط.

و(السعوط) هو ما يدخل في الأنف، فأحياناً الطفل يمرض فلا يستطيع أن يرتضع من فمه، فيجعل له أنبوب يدخل من أنفه، ومن المعلوم أن الأنف له مجرى إلى الجوف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـلقيط بن صبرة كما عند أبي داود وأحمد : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )، مما يدل على أن للأنف مجرى إلى المعدة والجوف.

الشيخ: والمؤلف يقول: [ محضاً كان أو مشوباً ]، يعني: سواءً كان هذا اللبن (محضاً) بمعنى: أنه لبن صاف خرج من صدر المرأة، أو كان هذا اللبن مشوباً بماء أو غيره، فأحياناً يكون اللبن الذي في صدر المرأة قليلاً، فتأخذه وتمزجه بماء صناعي أو بلبن صناعي، فنقول: إذا كان هذا المشوب يصدق عليه أن يسمى لبناً ولم يغير صفات لبن الأمومة فإنه ينشر الحرمة.

أعيد: فإن كان هذا اللبن المخلوط ما زال اسم اللبن الذي خرج من صدر الأم باقياً فإنه ينشر الحرمة، فإن وضع هذا اللبن في ماء كثير ولم يغير هذا الماء فإنه لا ينشر الحرمة، لأنه في العادة وفي العرف لا يسمى لبناً، بل يسمى ماء متغيراً.

المقدم: عفواً يا دكتور عبد الله ، لو مزج بلبن آخر؟

الشيخ: إذا مزج بلبن آخر فإن كان صفات اللبن الذي خرج من الأم باقياً ظاهراً فإنه ينشر الحرمة، وإن كان اللبن الصناعي هو الأكثر وهو الغالب فإنه لا ينشر الحرمة، فالعبرة في أن يكون اللبن الذي خرج من صدر الأم باقياً غير مغمور، فإن كان مغموراً في المخلوط من لبن صناعي أو ماء فإنه لا ينشر الحرمة.

الشيخ: الآن وقفنا إلى قول المؤلف: [ ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة ]، لعلك يا شيخ ياسر تقرأ.

المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ لا يحرم إلا بشروط ثلاثة:

أحدها: أن يكون لبن امرأة، بكراً كانت أو ثيباً في حياتها أو بعد موتها، فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً.

الثاني: أن يكون في الحولين؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ).

الثالث: أن يرتضع خمس رضعات، لقول عائشة رضي الله عنها: ( أنزل في القرآن: عشر رضعات يحرمن، فنسخ من ذلك خمس وصار الأمر إلى خمس رضعات معلومات يحرمن، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك ).

ولبن الفحل محرم، فإذا كان لرجل امرأتان فأرضعت إحداهما بلبنه طفلاً والأخرى طفلة صارا أخوين؛ لأن اللقاح واحد، وإن أرضعت إحداهما بلبنه طفلة ثلاث رضعات ثم أرضعتها الأخرى رضعتين صارت بنتاً له دونهما، فلو كانت الطفلة زوجة له انفسخ نكاحها ولزمه نصف صداقها يرجع به عليهما أخماساً، ولم ينفسخ نكاحهما ].

الشرط الأول: أن يكون لبن امرأة

الشيخ: لعلك تقف عند هذا.

بسم الله الرحمن الرحيم المؤلف يقول: (ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون لبن امرأة بكراً كانت أو ثيباً)، فلابد أن يكون هذا اللبن ثاب من امرأة، فلو كان من بهيمة فإنه لا ينشر الحرمة، وإن كان من رجل لمرض في إفرازات أو هرمونات أو غدد فلا ينشر الحرمة.

والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، فقول الله سبحانه وتعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)، يدخل في ذلك ما كان في حكم المرأة من بنت وعمة ونحو ذلك.

وأما لبن الذكر فإنه لا ينشر الحرمة، وليس بمستساغ أن يأخذ الرجل أحكام المرأة فيما خصت به المرأة، ولأن لبن الرجل لم يخلق لغذاء المولود، فخروجه خروج عن المعتاد، فهو نادر، (والنادر لا حكم له)، هذه قواعد فقهية: يقولون: (ولأن لبن الرجل لم يخلق لغذاء المولود، وخروجه نادر، والنادر لا حكم له).

وعلى هذا فيكون الشرط الأول: أن يكون لبناً ثاب من امرأة.

وقوله: (سواءً كان في حياتها أو بعد موتها)، فأحياناً المرأة تموت فيستخرج اللبن الذي من صدرها بعد وفاتها، فإن جمع فإنه ينشر الحرمة فيما لو شربه الطفل خمس رضاعات كما سوف يأتي، فلا عبرة بحياتها أو مماتها، وإنما العبرة بوجود اللبن.

المقدم: دكتور عبد الله ، قول المصنف: (بكراً كانت أو ثيباً)، يعني: هي متزوجة؟!

الشيخ: سؤال جيد، كيف نقول: بكراً كانت أو ثيباً، مع العلم أن الحنابلة يقولون: لابد أن يكون ثاب عن حمل؟

أنا أترك الجواب ولعلنا نسمع من الإخوة، وحتى الذين يستمعون عبر وسائل الإعلام في التلفاز ننتظر منهم الإجابة، وسوف أجيب إن شاء الله في آخر الدرس. مع العلم أني أجبت في أول درس من باب الرضاع.

أعيد السؤال: لما ذكر المؤلف أن يكون اللبن من امرأة بكراً كانت أم ثيباً، مع العلم أن الحنابلة يشترطون أن يكون اللبن ثاب عن حمل، فكيف تكون بكراً وهو ثاب عن حمل؟

نرجع هذا الجواب إلى الإخوة، وننتظر منهم الجواب، والذي يجيب إن شاء الله فإنه قد خط طريق الفقه وشق طريق العلم.

هذا الشرط الأول.

يقول المؤلف: (فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً)، الرجل تحدثنا عنه، والبهيمة تحدثنا عنها، وبقي الخنثى المشكل.

فالخنثى المشكل هو: الإنسان الذي لم يتبين بعد هل هو ذكر أم أنثى، بأن يكون له آلة ذكر وآلة أنثى.

وأما اليوم فقد سهل التمييز بينهما؛ لكننا الآن نقول: الخنثى المشكل هو الإنسان الذي له آلة ذكر وآلة أنثى ولم يتبين هل هو أنثى أو ذكر، والكلام عن كيفية التمييز بينهما طويل، أتركه لأنه ليس هو حديثنا.

لكننا نقول: لو ثبت لنا أنه مشكل فلو ارتضع طفل عشرين رضعة من هذا الخنثى المشكل فإنه لا ينشر الحرمة؛ لأنه جائز أن يكون هذا الخنثى المشكل ذكراً، والذكر لم يخلق لبنه لغذاء المولود، والنادر لا حكم له.

الشرط الثاني أن يكون الرضاع في الحولين

الشيخ: ثم ذكر المؤلف الشرط الثاني فقال: (الثاني: أن يكون في الحولين):

وهذا هو قول عامة الفقهاء، أن الحرمة لا تنتشر إذا ارتضع الطفل بعد الحولين، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وهذا خبر بمعنى الأمر، ومفهومه ألا يرضعن أكثر من ذلك، وهذا يسميه العلماء: مفهوم الصفة، ومفهوم الصفة حجة كما جاء في بعض الروايات، ( وفي الغنم السائمة زكاة )، يعني: أن فيها الزكاة إذا كانت سائمة، ويفهم أنه لا زكاة فيها إذا لم تكن سائمة.

الدليل الآخر: ما رواه الترمذي في جامعه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ).

وجه الدلالة من الحديث: أن الفطام في الغالب لا يكون إلا قبل الحولين أو أثناء الحولين؛ ولهذا قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، كأنه قال: إن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، فهذا قول أكثر أهل العلم.

وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله وطائفة من السلف، وأشار إليهم ابن القيم في المجلد الخامس من زاد المعاد، قالوا: إنه لا علاقة للحولين، وأما الآية فإن الله يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، يعني: أن المرأة المطلقة إذا أرادت أن ترضع ابنها فإن لها أن ترضع حولين كاملين، وبعد ذلك لزوجها المطلق أن يأخذه.

قالوا: ومما يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )، وعلقه على وصف منضبط، والفطام جائز أن يكون قبل الحولين وجائز أن يكون بعد الحولين، فلربما يكون الطفل لا يشرب ولا يأكل إلا لبناً من صدر المرأة، فلو أن امرأة جاءت فأرضعت هذا الطفل بعد الحولين وهو لم يأكل شيئاً إلا شرب اللبن فإنه ينشر الحرمة على رأي ابن تيمية .

والأقرب والله أعلم هو القول الأول، وهو الأحوط، والدليل على ذلك أن هذا خبر بمعنى الأمر: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وهذا هو قول عامة السلف.

الشرط الثالث: أن يرضع خمس رضعات

الشيخ: ثم ذكر المؤلف الشرط الثالث فقال: (الثالث: أن يرتضع خمس رضعات)، ودليل ذلك ذكره المؤلف، فإن لفظ المؤلف ورد في أحد ألفاظ الحديث، والحديث هو قول عائشة رضي الله عنها: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ) وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وإسناده صحيح، وقد تكلم فيه أهل العلم.

قد يقول قائل: كيف يتكلم أهل العلم وهو في صحيح مسلم ؟

نقول: إن العلماء أجمعوا على أن ما كان في صحيح البخاري وما كان في صحيح مسلم ولم يتكلم عليه أهل العلم المتقدمون قبل البخاري ومسلم فإنه مجمع عليه، أما أن يأتي شخص فيتكلم في صحيح البخاري أو يتكلم في صحيح مسلم مما لم يسبقه أحد من أهل العلم، وأن يكون هذا النقد لقصد الحق وعلى حسب الطرق الشرعية في تضعيف الحديث فهذا جائز، أما أنه لا يوافق عصره، أو لا يوافق مزاجه، أو لا يوافق الواقع المر الذي تعيشه الأمة، فهذا شيء ولون، واتباع طريقة منهاج أئمة الإسلام لون آخر.

هذا هو الحديث أنه لابد من وجود خمس رضعات، بعض أهل العلم كالحنفية يقولون: العبرة بوجود الرضاع؛ لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، ولم يذكر الشارع عدداً.

نقول: هذا مجمل وبينته لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يستطيع شخص أن يعرف لنا في القرآن عدد ركعات الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء؟ لم نعرف ذلك إلا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهل يستطيع أحد أن يذكر لنا طريقة الحج على الوصف الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم من غير سنة النبي؟ لا!

وهل يستطيع أحد أن يعرف لنا قدر النصاب، وما الذي يجب فيه الزكاة بالتفصيل من القرآن غير السنة؟ لا!

فإذا كانت الزكاة والصوم والصلاة والحج لا يعرف تفصيل ذلك إلا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، دل على أن الاحتجاج بالقرآن على سبيل التفصيل من غير ذكر للسنة هذا قول باطل، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما قلت فيقول: لا ندري، ما كان في كتاب الله أخذناه، وما لم يكن في كتاب الله تركناه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )، كما رواه أبو داود والإمام أحمد بسند صحيح، وهذا رد على الذين يسمون أنفسهم القرآنيين.

الشيخ: لعلك تقف عند هذا.

بسم الله الرحمن الرحيم المؤلف يقول: (ولا يحرم إلا بشروط ثلاثة: الأول: أن يكون لبن امرأة بكراً كانت أو ثيباً)، فلابد أن يكون هذا اللبن ثاب من امرأة، فلو كان من بهيمة فإنه لا ينشر الحرمة، وإن كان من رجل لمرض في إفرازات أو هرمونات أو غدد فلا ينشر الحرمة.

والدليل على ذلك قول الله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ [النساء:23]، فقول الله سبحانه وتعالى: (وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم)، يدخل في ذلك ما كان في حكم المرأة من بنت وعمة ونحو ذلك.

وأما لبن الذكر فإنه لا ينشر الحرمة، وليس بمستساغ أن يأخذ الرجل أحكام المرأة فيما خصت به المرأة، ولأن لبن الرجل لم يخلق لغذاء المولود، فخروجه خروج عن المعتاد، فهو نادر، (والنادر لا حكم له)، هذه قواعد فقهية: يقولون: (ولأن لبن الرجل لم يخلق لغذاء المولود، وخروجه نادر، والنادر لا حكم له).

وعلى هذا فيكون الشرط الأول: أن يكون لبناً ثاب من امرأة.

وقوله: (سواءً كان في حياتها أو بعد موتها)، فأحياناً المرأة تموت فيستخرج اللبن الذي من صدرها بعد وفاتها، فإن جمع فإنه ينشر الحرمة فيما لو شربه الطفل خمس رضاعات كما سوف يأتي، فلا عبرة بحياتها أو مماتها، وإنما العبرة بوجود اللبن.

المقدم: دكتور عبد الله ، قول المصنف: (بكراً كانت أو ثيباً)، يعني: هي متزوجة؟!

الشيخ: سؤال جيد، كيف نقول: بكراً كانت أو ثيباً، مع العلم أن الحنابلة يقولون: لابد أن يكون ثاب عن حمل؟

أنا أترك الجواب ولعلنا نسمع من الإخوة، وحتى الذين يستمعون عبر وسائل الإعلام في التلفاز ننتظر منهم الإجابة، وسوف أجيب إن شاء الله في آخر الدرس. مع العلم أني أجبت في أول درس من باب الرضاع.

أعيد السؤال: لما ذكر المؤلف أن يكون اللبن من امرأة بكراً كانت أم ثيباً، مع العلم أن الحنابلة يشترطون أن يكون اللبن ثاب عن حمل، فكيف تكون بكراً وهو ثاب عن حمل؟

نرجع هذا الجواب إلى الإخوة، وننتظر منهم الجواب، والذي يجيب إن شاء الله فإنه قد خط طريق الفقه وشق طريق العلم.

هذا الشرط الأول.

يقول المؤلف: (فأما لبن البهيمة أو الرجل أو الخنثى المشكل فلا يحرم شيئاً)، الرجل تحدثنا عنه، والبهيمة تحدثنا عنها، وبقي الخنثى المشكل.

فالخنثى المشكل هو: الإنسان الذي لم يتبين بعد هل هو ذكر أم أنثى، بأن يكون له آلة ذكر وآلة أنثى.

وأما اليوم فقد سهل التمييز بينهما؛ لكننا الآن نقول: الخنثى المشكل هو الإنسان الذي له آلة ذكر وآلة أنثى ولم يتبين هل هو أنثى أو ذكر، والكلام عن كيفية التمييز بينهما طويل، أتركه لأنه ليس هو حديثنا.

لكننا نقول: لو ثبت لنا أنه مشكل فلو ارتضع طفل عشرين رضعة من هذا الخنثى المشكل فإنه لا ينشر الحرمة؛ لأنه جائز أن يكون هذا الخنثى المشكل ذكراً، والذكر لم يخلق لبنه لغذاء المولود، والنادر لا حكم له.

الشيخ: ثم ذكر المؤلف الشرط الثاني فقال: (الثاني: أن يكون في الحولين):

وهذا هو قول عامة الفقهاء، أن الحرمة لا تنتشر إذا ارتضع الطفل بعد الحولين، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وهذا خبر بمعنى الأمر، ومفهومه ألا يرضعن أكثر من ذلك، وهذا يسميه العلماء: مفهوم الصفة، ومفهوم الصفة حجة كما جاء في بعض الروايات، ( وفي الغنم السائمة زكاة )، يعني: أن فيها الزكاة إذا كانت سائمة، ويفهم أنه لا زكاة فيها إذا لم تكن سائمة.

الدليل الآخر: ما رواه الترمذي في جامعه من حديث أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام ).

وجه الدلالة من الحديث: أن الفطام في الغالب لا يكون إلا قبل الحولين أو أثناء الحولين؛ ولهذا قال الترمذي رحمه الله: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، كأنه قال: إن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين، فهذا قول أكثر أهل العلم.

وذهب أبو العباس بن تيمية رحمه الله وطائفة من السلف، وأشار إليهم ابن القيم في المجلد الخامس من زاد المعاد، قالوا: إنه لا علاقة للحولين، وأما الآية فإن الله يقول: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، يعني: أن المرأة المطلقة إذا أرادت أن ترضع ابنها فإن لها أن ترضع حولين كاملين، وبعد ذلك لزوجها المطلق أن يأخذه.

قالوا: ومما يدل على ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )، وعلقه على وصف منضبط، والفطام جائز أن يكون قبل الحولين وجائز أن يكون بعد الحولين، فلربما يكون الطفل لا يشرب ولا يأكل إلا لبناً من صدر المرأة، فلو أن امرأة جاءت فأرضعت هذا الطفل بعد الحولين وهو لم يأكل شيئاً إلا شرب اللبن فإنه ينشر الحرمة على رأي ابن تيمية .

والأقرب والله أعلم هو القول الأول، وهو الأحوط، والدليل على ذلك أن هذا خبر بمعنى الأمر: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، وهذا هو قول عامة السلف.

الشيخ: ثم ذكر المؤلف الشرط الثالث فقال: (الثالث: أن يرتضع خمس رضعات)، ودليل ذلك ذكره المؤلف، فإن لفظ المؤلف ورد في أحد ألفاظ الحديث، والحديث هو قول عائشة رضي الله عنها: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن ) وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، وإسناده صحيح، وقد تكلم فيه أهل العلم.

قد يقول قائل: كيف يتكلم أهل العلم وهو في صحيح مسلم ؟

نقول: إن العلماء أجمعوا على أن ما كان في صحيح البخاري وما كان في صحيح مسلم ولم يتكلم عليه أهل العلم المتقدمون قبل البخاري ومسلم فإنه مجمع عليه، أما أن يأتي شخص فيتكلم في صحيح البخاري أو يتكلم في صحيح مسلم مما لم يسبقه أحد من أهل العلم، وأن يكون هذا النقد لقصد الحق وعلى حسب الطرق الشرعية في تضعيف الحديث فهذا جائز، أما أنه لا يوافق عصره، أو لا يوافق مزاجه، أو لا يوافق الواقع المر الذي تعيشه الأمة، فهذا شيء ولون، واتباع طريقة منهاج أئمة الإسلام لون آخر.

هذا هو الحديث أنه لابد من وجود خمس رضعات، بعض أهل العلم كالحنفية يقولون: العبرة بوجود الرضاع؛ لأن الله يقول: وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23]، ولم يذكر الشارع عدداً.

نقول: هذا مجمل وبينته لنا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يستطيع شخص أن يعرف لنا في القرآن عدد ركعات الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء؟ لم نعرف ذلك إلا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وهل يستطيع أحد أن يذكر لنا طريقة الحج على الوصف الذي فعله النبي صلى الله عليه وسلم من غير سنة النبي؟ لا!

وهل يستطيع أحد أن يعرف لنا قدر النصاب، وما الذي يجب فيه الزكاة بالتفصيل من القرآن غير السنة؟ لا!

فإذا كانت الزكاة والصوم والصلاة والحج لا يعرف تفصيل ذلك إلا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، دل على أن الاحتجاج بالقرآن على سبيل التفصيل من غير ذكر للسنة هذا قول باطل، وقد قال الحبيب عليه الصلاة والسلام: ( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر مما قلت فيقول: لا ندري، ما كان في كتاب الله أخذناه، وما لم يكن في كتاب الله تركناه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه )، كما رواه أبو داود والإمام أحمد بسند صحيح، وهذا رد على الذين يسمون أنفسهم القرآنيين.