خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها المشاهدون الكرام متابعي قناة المجد العلمية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وأهلاً ومرحباً بكم إلى هذا الدرس ضمن دروس الأكاديمية، حيث يسرنا وبترحاب بالغ أن نرحب في بدايته بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي وكيل المعهد العالي للقضاء لشئون الدورات والتدريب بالمملكة العربية السعودية، في شرحه لكتاب النكاح من عمدة الفقه، باسمكم جمعياً نرحب بالشيخ عبد الله ، فأهلاً ومرحباً بكم يا دكتور.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: ترحيبنا موصول بكم وبالإخوة الحضور معنا في هذا الدرس المبارك، ونسعد كثيراً ودائماً وأبداً بتواصلكم مع هذا الدرس وغيره من دروس الأكاديمية، وذلك عن طريق إجاباتكم للأسئلة التي تطرح في ثنايا الدروس، وكذلك من خلال تواصلكم عبر أرقام الهواتف التي تظهر أمامكم، تطرحون من خلالها أسألتكم على ضيفنا، وكذلك تواصلكم عبر البريد الإلكتروني على موقع الأكاديمية، فأهلاً ومرحباً بكم.
دكتور عبد الله كنتم طرحتم في نهاية الدرس الماضي سؤالاً، ونستأذنكم في استعراض مجموعة من الإجابات التي وردت.
الشيخ: تفضل.
المقدم: ورد عبر موقع الأكاديمية مجموعة من الإجابات على الدرس الماضي، السؤال كان: لو قبلت البكر النكاح صراحة، فهل يصح الزواج؟ وما الدليل؟
الشيخ: نعم.
المقدم: فهذه إجابة الأخت خديجة من المغرب تقول فيها: قال جمهور الفقهاء إن البكر لو قبلت النكاح صراحة يصح هذا الزواج؛ لأن الصراحة أولى من الكناية.
الشيخ: أحسنت!
المقدم: الأخ مصعب أيضاً من المغرب يقول: يصح نكاح البكر إذا قبلته صراحة، والدليل على ذلك ما اتفق عليه العلماء من أن الصريح أولى من الكناية، والقاعدة تقول: إذا أمكن الصريح فلا يعول على الكناية، ثم ذكر الخلاف في هذه المسألة في إجابة مطولة.
السعدية أم عبد الرحمن من المغرب كذلك لها إجابة تقول: القول عند الجمهور أنه لا بأس به؛ لأن الصريح خير من الكناية، والله أعلم.
أم فجر من السعودية تقول أيضاً: يصح.
أم أيوب من المغرب لها إجابة.
الأخت جميلة من العراق أيضاً لها إجابة في هذا المقام.
نورة من السعودية تقول: لا بأس بصراحتها في القبول، فالصراحة أولى من الكناية.
طلحة أيضاً من السعودية بعث بإجابة.
الأخ عبد الرحمن المغراوي من المغرب يقول: إن صرحت البكر بقبول الزواج فجمهور الفقهاء قالوا: يصح النكاح؛ لأن التصريح أولى من الكناية، خلافاً لـابن حزم فإنه قال: يعيد عليها حتى تسكت.
عبد الرءوف عبد الفتاح غيث من مصر أيضاً بعث بإجابة، هذه جملة من الإجابات التي وردت عبر الإنترنت.
الشيخ: إجابة موفقة، وفائدة للإخوة والأخوات والمستمعين: العلماء أخذوا من هذا قاعدة، فقالوا: إن المفهوم ينقسم إلى قسمين، مفهوم موافقة، ومفهوم مخالفة، ومفهوم الموافقة إما أن يكون مساوياً للمنطوق، وإما أن يكون المنطوق أدنى من المفهوم، فيكون المفهوم من باب أولى، وهنا قال صلى الله عليه وسلم: ( وإذنها أن تسكت )، وفي رواية: ( وإذنها صماتها )، فهذا الصمات مفهومه التصريح، وهذا مفهوم من باب أولى، ويسمي العلماء مفهوم الموافقة في كتب الأصول فحوى الخطاب، وأما مفهوم المخالفة فيسمونه دليل الخطاب، هذه فائدة أصولية يستدعيها المقام.
حكم من تزوج أمة على أنها حرة ثم علم ذلك
الشيخ: المؤلف بدأ في مسألة التغرير أو مسألة الخداع، أو مسألة الغش الذي يحصل أحياناً من قبل ولي الزوجة، أو من قبل الزوجة، أو من قبل الزوج، وهذا في الغالب، وأحياناً يحصل من قبل الخاطب.
يقول المؤلف: (ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم)، جاءت المرأة واستأذنت سيدها، ثم جاءت إلى الزوج، أو غرت الخاطب فقالت أنا حرة، فتزوجها الرجل، ثم علم بعد الزواج، فلا يخلو هذا من أحوال:
الحال الأولى: إن عقد عليها ولما يدخل بها، فهنا له فسخ النكاح وليس لها من المهر شيء، وذلك لأن المهر إنما يثبت بالدخول والاستمتاع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما روى أحمد و ابن ماجه وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، فعلق المهر بوجود الاستمتاع، وهنا لم يوجد استمتاع، وقد علق المؤلف على ذلك بقوله: (لأنه عقد لم يرض به، فكان له فسخه)، وهذا دليل عقلي، وحسبك بسنة محمد صلى الله عليه وسلم دليلا، وإن كان هذا ربما يناقش التعليل العقلي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، وهذا وصف منضبط علق الحكم به، وهو الاستمتاع بذلك.
الحال الثانية: أن يدخل بها ويخلو بها، ولكن لم يوجد أولاد، فهنا يثبت المهر للزوجة، وله أن يرجع على من غره بالمهر، فلو فرض أن ولي الزوجة أو السيد قال: إن هذه حرة، فعقد عليها، ولم تعلم المرأة بذلك، فلما عقد عليها واستمتع بها قالت: إني أمة، فهنا يثبت المهر، أي: يجب عليه أن يدفع المهر، وله أن يرجع على من غره، أي على الولي، أو على الخاطب، أو على الزوجة، ثم تنتهي المسألة.
الحال الثالثة: أن تنجب الزوجة أولاداً، فهذه حالة ثالثة، فما حال الأولاد؟
عامة الفقهاء وأكثر أهل العلم وهو قول أكثر الصحابة، بل ذكر بعضهم أنه لا يعلم لهم مخالف، قالوا: إن الأولاد أحرار، ولكن يفديهم، إما بقيمتهم، وإما بمثلهم حال ولادتهم.
بقيمتهم: يقدرهم كم قيمتهم لو كانوا غير أحرار، أو يأتي بعبيد بمثل حالتهم فيفديهم، كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عند مالك بلاغاً وهذا الأقرب؛ لأن القيمة أو المثل كلتيهما تفيان بالغرض، وهو عدل، قال عمر : يفديهم بمثلهم.
جاء عن عمر و عثمان أنه يفديهم بمثلهم، ثم اختلفوا ما معنى مثلهم أو قيمتهم؟
فمعنى القيمة أن يقدرهم قيمة، والمثل أن يأتي بمثلهم عبيداً، فيعطيهم سيد هذه الأمة.
وعلى هذا قال المؤلف: (فله فسخ النكاح، ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول بها)، وهذه الحال الأولى وقد ذكرناها.
والحال الثانية: (وإن أصابها فلها مهرها)، كما جاء عن عمر بن الخطاب و ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما رجل نكح امرأة وبها جنون أو برص أو جذام، ومسها فلها صداقها، وذلك لزوجها غرم على وليها.
وقوله: (فلها صداقها) يعني لأنه استمتع بها.
ولزوجها غرم على وليها؛ لأنه خدع الزوج بذلك.
يقول المؤلف: (وإن أولدها)، هذه الحالة الثالثة.
فائدة: الناس يقولون (الحالة الثالثة) والأفصح أن يقال: الحال الثالثة، لأن الحال اسم مشتق، فالأفصح أن يقال: الحال الأولى، الحال الثانية، الحال الثالثة.
فالحال الثالثة: إن أولدها، يقول المؤلف: (فولده حر يفديه بقيمته، ويرجع بما غرم على من غره)، وإنما صار أولاده أحراراً؛ لأن النكاح الفاسد والمغرور -يعني المخدوع والمغشوش- كالنكاح الصحيح، فالنكاح الصحيح لو أولد حرة، فأولادها يكونون أحراراً، هذا قول أكثر أهل العلم.
مسألة التفريق بين الزوجين إذا علم أنها أمة
نقول: لا يخلو الأمر من حالين:
الحال الأولى: إن كان لا يحل له نكاح الإماء، وهو المذكور في مفهوم المخالفة لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، ثم قال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]، فالعلماء ذكروا ثلاثة شروط:
الشرط الأول والثاني: ألا يكون معه مهر حرة، أو ثمن أمة، وبعضهم يجعله شرطاً واحداً.
والثالث: إذا خاف على نفسه العنت، فحينئذ لو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة، وهو قادر على أن ينكح حرة، فإنه يجب أن يفرق بينهما، وهذا قول عامة أهل العلم، إذا كانت باقية على العبودية، أما إذا عتقت فهذا لا إشكال ولا خلاف في أنها تبقى معه.
ودليله هذه الآية؛ لأن الله يقول: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25]، فمفهومه أن من استطاع الطول فلا يجوز له، فيجب أن يفرق بينهما، وهذا قول أكثر الصحابة.
الحال الثانية: إذا كان مثله يجوز له نكاح الإماء، وذلك مثل شخص ما عنده إلا أربعون ألفاً، فتزوج هذه الأمة على أنها حرة، وليس عنده شيء بعدما تزوجها، وقد استمتع بها، فلها المهر بما استحل من فرجها، وليس عنده شيء، ويخاف على نفسه العنت، وربما نكل أو ماطل الذي غره حتى يأخذ ماله، فحينئذ نقول: له أن يبقى على نكاحه، أو كانت المرأة قد أهديت له ومهرها بالآجل، يعني بعد الدخول، فحينئذ نقول: يبقى إذا كان مثله يجوز له نكاح الإماء، وهو الذي لا يستطيع نكاح الحرة، وليس عنده ثمن الأمة، ويخاف على نفسه العنت.
حكم أولاد المزوجة
ولهذا منع الفقهاء البقاء مع الأمة، خوفاً من أن يكون أولاده أرقاء؛ لأن الشارع يتشوف إلى الحرية والعتق.
وهذه المسائل يا إخوان ذكرناها لأن المؤلف ذكرها، وإن كانت ليس لها ذكر عندنا في هذا الزمان، وبعضهم يقول: لماذا تذكرها؟
نقول: لأننا نشرح كتاب فقه، والفقيه وطالب العلم يجب أن يعرف مسائله، وقد يوجد فوائد على بعض المسائل التي ليس لها وجود في هذا الزمان، ولهذا أخذ أهل العلم من هذه المسائل أحكام الغش والخداع في قضايا الزواج أو غير ذلك؛ فأخذوا أن المرأة إذا غشت الزوج، أو الزوج إذا غش المرأة على أنه صاحب مال، فجاء بسيارة فارهة، ولبس لا يلبسه إلا أهل المال والثرى، وقال: أنا صاحب مال، وأعطاهم بعض الكروت على أنه صاحب المؤسسة الفلانية، فزوجوه لأجل هذا المال، فيكون الغش قائماً، فلها المهر بما استحل من فرجها، ولها حق الفسخ؛ لأن الزوج حينئذ قد غرها وغشها وغرر بها.
المقدم: أحسن الله إليكم! إذاً لعلنا نكمل معكم يا دكتور عبد الله ما توقفنا عنده في الدرس الماضي في فصل نكاح العبيد والإماء، وقد توقفنا عند قول المصنف رحمه الله: (ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم فله فسخ النكاح).
الشيخ: المؤلف بدأ في مسألة التغرير أو مسألة الخداع، أو مسألة الغش الذي يحصل أحياناً من قبل ولي الزوجة، أو من قبل الزوجة، أو من قبل الزوج، وهذا في الغالب، وأحياناً يحصل من قبل الخاطب.
يقول المؤلف: (ومن نكح أمة على أنها حرة ثم علم)، جاءت المرأة واستأذنت سيدها، ثم جاءت إلى الزوج، أو غرت الخاطب فقالت أنا حرة، فتزوجها الرجل، ثم علم بعد الزواج، فلا يخلو هذا من أحوال:
الحال الأولى: إن عقد عليها ولما يدخل بها، فهنا له فسخ النكاح وليس لها من المهر شيء، وذلك لأن المهر إنما يثبت بالدخول والاستمتاع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما روى أحمد و ابن ماجه وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، فعلق المهر بوجود الاستمتاع، وهنا لم يوجد استمتاع، وقد علق المؤلف على ذلك بقوله: (لأنه عقد لم يرض به، فكان له فسخه)، وهذا دليل عقلي، وحسبك بسنة محمد صلى الله عليه وسلم دليلا، وإن كان هذا ربما يناقش التعليل العقلي، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( فلها المهر بما استحل من فرجها )، وهذا وصف منضبط علق الحكم به، وهو الاستمتاع بذلك.
الحال الثانية: أن يدخل بها ويخلو بها، ولكن لم يوجد أولاد، فهنا يثبت المهر للزوجة، وله أن يرجع على من غره بالمهر، فلو فرض أن ولي الزوجة أو السيد قال: إن هذه حرة، فعقد عليها، ولم تعلم المرأة بذلك، فلما عقد عليها واستمتع بها قالت: إني أمة، فهنا يثبت المهر، أي: يجب عليه أن يدفع المهر، وله أن يرجع على من غره، أي على الولي، أو على الخاطب، أو على الزوجة، ثم تنتهي المسألة.
الحال الثالثة: أن تنجب الزوجة أولاداً، فهذه حالة ثالثة، فما حال الأولاد؟
عامة الفقهاء وأكثر أهل العلم وهو قول أكثر الصحابة، بل ذكر بعضهم أنه لا يعلم لهم مخالف، قالوا: إن الأولاد أحرار، ولكن يفديهم، إما بقيمتهم، وإما بمثلهم حال ولادتهم.
بقيمتهم: يقدرهم كم قيمتهم لو كانوا غير أحرار، أو يأتي بعبيد بمثل حالتهم فيفديهم، كما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عند مالك بلاغاً وهذا الأقرب؛ لأن القيمة أو المثل كلتيهما تفيان بالغرض، وهو عدل، قال عمر : يفديهم بمثلهم.
جاء عن عمر و عثمان أنه يفديهم بمثلهم، ثم اختلفوا ما معنى مثلهم أو قيمتهم؟
فمعنى القيمة أن يقدرهم قيمة، والمثل أن يأتي بمثلهم عبيداً، فيعطيهم سيد هذه الأمة.
وعلى هذا قال المؤلف: (فله فسخ النكاح، ولا مهر عليه إن فسخ قبل الدخول بها)، وهذه الحال الأولى وقد ذكرناها.
والحال الثانية: (وإن أصابها فلها مهرها)، كما جاء عن عمر بن الخطاب و ابن عباس كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما رجل نكح امرأة وبها جنون أو برص أو جذام، ومسها فلها صداقها، وذلك لزوجها غرم على وليها.
وقوله: (فلها صداقها) يعني لأنه استمتع بها.
ولزوجها غرم على وليها؛ لأنه خدع الزوج بذلك.
يقول المؤلف: (وإن أولدها)، هذه الحالة الثالثة.
فائدة: الناس يقولون (الحالة الثالثة) والأفصح أن يقال: الحال الثالثة، لأن الحال اسم مشتق، فالأفصح أن يقال: الحال الأولى، الحال الثانية، الحال الثالثة.
فالحال الثالثة: إن أولدها، يقول المؤلف: (فولده حر يفديه بقيمته، ويرجع بما غرم على من غره)، وإنما صار أولاده أحراراً؛ لأن النكاح الفاسد والمغرور -يعني المخدوع والمغشوش- كالنكاح الصحيح، فالنكاح الصحيح لو أولد حرة، فأولادها يكونون أحراراً، هذا قول أكثر أهل العلم.
الشيخ: عندما انتهى المؤلف من الأحوال الثلاثة قال: (ويفرق بينهما)، مسألة التفريق: هل الزوج إذا تزوج أمة على أنها حرة، هل يفرق بينهما بعد العلم؟
نقول: لا يخلو الأمر من حالين:
الحال الأولى: إن كان لا يحل له نكاح الإماء، وهو المذكور في مفهوم المخالفة لقوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ المُؤْمِنَاتِ [النساء:25]، ثم قال: ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ [النساء:25]، فالعلماء ذكروا ثلاثة شروط:
الشرط الأول والثاني: ألا يكون معه مهر حرة، أو ثمن أمة، وبعضهم يجعله شرطاً واحداً.
والثالث: إذا خاف على نفسه العنت، فحينئذ لو تزوجها على أنها حرة فبانت أمة، وهو قادر على أن ينكح حرة، فإنه يجب أن يفرق بينهما، وهذا قول عامة أهل العلم، إذا كانت باقية على العبودية، أما إذا عتقت فهذا لا إشكال ولا خلاف في أنها تبقى معه.
ودليله هذه الآية؛ لأن الله يقول: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا [النساء:25]، فمفهومه أن من استطاع الطول فلا يجوز له، فيجب أن يفرق بينهما، وهذا قول أكثر الصحابة.
الحال الثانية: إذا كان مثله يجوز له نكاح الإماء، وذلك مثل شخص ما عنده إلا أربعون ألفاً، فتزوج هذه الأمة على أنها حرة، وليس عنده شيء بعدما تزوجها، وقد استمتع بها، فلها المهر بما استحل من فرجها، وليس عنده شيء، ويخاف على نفسه العنت، وربما نكل أو ماطل الذي غره حتى يأخذ ماله، فحينئذ نقول: له أن يبقى على نكاحه، أو كانت المرأة قد أهديت له ومهرها بالآجل، يعني بعد الدخول، فحينئذ نقول: يبقى إذا كان مثله يجوز له نكاح الإماء، وهو الذي لا يستطيع نكاح الحرة، وليس عنده ثمن الأمة، ويخاف على نفسه العنت.
الشيخ: فإن ولدت بعد الرضا -وهو الحال الثانية- فقد قال المؤلف: (فإن كان ممن يباح له نكاح الإماء فولدت فأولاده بعد العلم يكونون أرقاء).
ولهذا منع الفقهاء البقاء مع الأمة، خوفاً من أن يكون أولاده أرقاء؛ لأن الشارع يتشوف إلى الحرية والعتق.
وهذه المسائل يا إخوان ذكرناها لأن المؤلف ذكرها، وإن كانت ليس لها ذكر عندنا في هذا الزمان، وبعضهم يقول: لماذا تذكرها؟
نقول: لأننا نشرح كتاب فقه، والفقيه وطالب العلم يجب أن يعرف مسائله، وقد يوجد فوائد على بعض المسائل التي ليس لها وجود في هذا الزمان، ولهذا أخذ أهل العلم من هذه المسائل أحكام الغش والخداع في قضايا الزواج أو غير ذلك؛ فأخذوا أن المرأة إذا غشت الزوج، أو الزوج إذا غش المرأة على أنه صاحب مال، فجاء بسيارة فارهة، ولبس لا يلبسه إلا أهل المال والثرى، وقال: أنا صاحب مال، وأعطاهم بعض الكروت على أنه صاحب المؤسسة الفلانية، فزوجوه لأجل هذا المال، فيكون الغش قائماً، فلها المهر بما استحل من فرجها، ولها حق الفسخ؛ لأن الزوج حينئذ قد غرها وغشها وغرر بها.
الشيخ: الآن انتهينا من هذا الباب، وندخل وندلف إلى الباب الآخر، وهو باب المحرمات في النكاح، فلتتفضل يا رعاك الله بالقراءة.
المقدم: قال المصنف رحمه الله: [ باب المحرمات في النكاح:
وهن الأمهات والبنات والأخوات، وبنات الإخوة وبنات الأخوات، والعمات والخالات، وأمهات النساء، وحلائل الآباء والأبناء، والربائب المدخول بأمهاتهن، ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، وبنات المحرمات محرمات، إلا بنات العمات والخالات وأمهات النساء وحلائل الآباء والأبناء، وأمهاتهن محرمات إلا البنات والربائب وحلائل الآباء والأبناء، ومن وطئ امرأة حلالاً أو حراماً حرمت على أبيه وابنه، وحرمت عليه أمهاتها وبناتها ].
الشيخ: جزاك الله خيراً! المؤلف هنا شرع في باب المحرمات في النكاح، يعني ما هي النساء اللاتي يحرم على الزوج أن يعقد عليهن إما مؤبداً وإما مؤقتاً.
والمؤلف هنا ذكر المحرمات في النكاح بأسلوب ربما يصعب فهمه على المبتدئين، ولعلي أذكرها بأسلوب سهل، فأقول وبه أستعين: إن المحرمات في النكاح تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: المحرمات على التأبيد.
والقسم الثاني: المحرمات تحريماً مؤقتاً.
النوع الأول: المحرمات على التأييد لأجل النسب سبع نساء
النوع الأول: المحرمات لأجل النسب، وهن سبع نساء.
أولاً: الأمهات، وهي الأم وإن علت، أمك، وأم أمك، وأم أم أمك وإن علون، وكذا أم أبيك، وأم أم أبيك وإن علون، ودليل ذلك قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23].
ثانياً: البنت، فيحرم على الرجل أن يتزوج ابنته، وكذا بنت ابنه، أو بنت بنته، أو بنت بنت ابنه، أو بنت بنت بنته؛ لأن ذلك كله داخل في قوله تعالى: وَبَنَاتُكُمْ [النساء:23].
ثالثاً: الأخت، شقيقة كانت أو لأب أو لأم؛ لقوله تعالى: وَأَخَوَاتُكُمْ [النساء:23]، في الآية التي سوف نذكرها إن شاء الله، ونطلب من الإخوة أن يقرءوها، أو يرتلوها.
رابعاً: بنات الأخت، أي: بنت الأخت وبنت ابنها، وبنت بنتها؛ لقوله تعالى: وَبَنَاتُ الأُخْتِ [النساء:23].
خامساً: بنت الأخ، وبنت ابن الأخ، لقوله تعالى: وَبَنَاتُ الأُخْ [النساء:23].
سادساً: العمة والخالة، قال تعالى: وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ [النساء:23]، هذا النوع الأول من القسم الأول.
النوع الثاني: المحرمات على التأبيد لأجل السبب أربعة أصناف
أولاً: الملاعنة، ولم يذكرها المؤلف هنا، وإن كان سوف يذكرها إن شاء الله بعد ذلك.
فتحرم الملاعنة على الملاعن، والملاعنة هي التي يقذفها زوجها بالزنا، فيذهب إلى القاضي، وليس عنده شهود، فيستحلفه القاضي أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:7]، وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [النور:8]، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النور:9]، ثم بعد ذلك يفرق بينهما، قال الزهري : مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يعلم خلاف في تحريم الملاعنة على الملاعن ولو نكحت بعده واحداً أو اثنين أو ثلاثة.
ثانياً: من يحرم على التأبيد لأجل الرضاع:
فيحرم بالرضاعة كل ما حرم بالنسب، فتحرم بنتك من الرضاعة، وأمك من الرضاعة، وبنت ابنك من الرضاعة، وبنت أخيك وبنت أختك، وبقية السبعة الأصناف المحرمة بالنسب.
واستدل العلماء بحديث: (يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب)، والحديث متفق عليه من حديث عائشة .
اختلف العلماء هل يحرم بالرضاعة المحرمات بالمصاهرة لأجل النسب.
مثال: لك ابن من الرضاع، هذا الابن تزوج، فلما تزوج مات أو طلق، فهل لك أن تتزوج زوجة ابنك من الرضاع أم لا؟ وكذلك لو كان أبوك من الرضاع له زوجة لم ترضعك، فهل لك أن تتزوجها؟
نقول: اختلف العلماء في ذلك، فذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب والمصاهرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث المتفق عليه: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة )، فالولادة أعم من أن تكون نسباً، فالولادة يدخل فيها النسب ويدخل فيها المصاهرة، وهذا قول الأئمة الأربعة، وهو الراجح والله تبارك وتعالى أعلم، خلافاً لـأبي العباس بن تيمية رحمه الله، فإنه قال: لا يحرم من الرضاعة بالمصاهرة؛ لأن الله يقول: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، والأصلاب إنما يكونون بالنسب لا بالمصاهرة.
ولكننا نقول: إن هذه الآية خرجت مخرج الغالب، أو نقول: هذه الآية مطلقة أو عامة خصصها حديث النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة)؛ لأنه أعم، وهذا هو الراجح.
ثالثاً: من المحرمات على التأبيد لأجل سبب: ما حرم لأجل العقد:
والذي يحرم لأجل العقد هو: زوجة الأب، أو زوجة الجد؛ لقوله تعالى: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء:22].
وأيضاً تحرم زوجة الابن، وزوجة ابن الابن وإن نزل؛ لقوله تعالى: وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ [النساء:23]، والحليلة هي الزوجة.
وأيضاً: تحرم عليه أم زوجته وجدتها بمجرد العقد، فلو أنه عقد على المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها، فهل له أن يتزوج أمها؟ نقول: ليس له ذلك؛ لقوله تعالى: وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ [النساء:23]، هذه محرمة لأجل العقد.
رابعاً: من المحرمات بالسبب المحرمات لأجل العقد والدخول: وهي بنت الزوجة وبنات أولادها.
تأملوا يا إخوان! الآن الرجل إذا عقد على المرأة ولم يدخل بها، حرم عليه أمها، لكن لو عقد على المرأة ولم يدخل بها وطلقها، فله أن يتزوج بنتها.
والعلماء فرقوا بقوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فبنت الزوجة يجوز للإنسان أن يتزوجها إذا لم يدخل بها، وهي التي تسمى الربيبة، والربيبة هنا هي بنت الزوجة، سواء كانت في حجر الزوج أو لم تكن في حجره، أو لم تكن صغيرة، وهذا قول عامة أهل العلم، بل نقل الحافظ ابن حجر الإجماع على ذلك.
وأما قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23]، فقوله: (في حجوركم)، لا يفهم منه أنها التي تزوج الزوج أمها وهي صغيرة عنده، بل تدخل فيه الصغيرة وتدخل الكبيرة؛ لأن الغالب أن الإنسان لا يتزوج المرأة إلا وابنتها صغيرة، فقال: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ [النساء:23].
ومما يدل على أن الصغر ليس معتبراً في الآية قوله: فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء:23]، فألغى الشارع مسألة (في حجوركم)، ولهذا قال أهل العلم: إن القيد إذا خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، والقيد هنا هو (في حجوركم).
وعليه: فلا يحرم على الزوج أن يعقد على بنت الزوجة إذا لم يدخل بها، فانظر الحكمة الربانية، استشرف بعض الفقهاء وتأمل ما الحكمة من أنه يحرم على الرجل أن يتزوج أم الزوجة بمجرد العقد، ويباح له أن يتزوج بنت الزوجة إن لم يدخل بها، قال العلماء: إن الأم فيها من الشفقة والحنان وترك الحظوظ ما لا يكون في حق البنت، ولهذا لو طلقها الزوج فتزوج ابنتها لم يقع في قلبها ما يقع في قلب البنت فيما لو طلقها وتزوج أمها، فقطع الشارع هذا التشوف!
وهذا من حكمة التشريع الرباني؛ ولهذا صار حق الأم أعظم من حق الأب، ( أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك ).
فهذا القسم الأول، وهو ما يحرم على التأبيد، وذكرنا له نوعين.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2651 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2532 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2449 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [17] | 2396 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2315 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2168 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2127 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2109 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2105 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحدود [7] | 2014 استماع |