خطب ومحاضرات
عمدة الفقه - كتاب الحج [17]
الحلقة مفرغة
المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
مشاهدينا الكرام! أهلاً ومرحباً بكم في الأكاديمية العلمية، ونحييكم بتحية الإسلام الخالدة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في هذا الدرس المبارك -درس عمدة الفقه- يسرنا أن نرحب باسمكم جميعاً بالدكتور عبد الله بن ناصر السلمي الأستاذ المساعد بالمعهد العالي للقضاء.
الشيخ: حياكم الله وبالإخوة المستمعين والمستمعات.
المقدم: كذلك يمتد ترحيبنا إلى الإخوة الدارسين والدارسات في موقع الأكاديمية المفتوحة ونرحب بكم مجدداً مشاهدينا الكرماء، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن نقضي وإياكم أجمل الأوقات في رحاب هذه العلوم الشرعية الطيبة.
مشاهدينا الكرام! نترك المجال لشيخنا الكريم ليستفتح هذا الدرس المبارك فتفضل يا شيخنا مشكوراً مأجوراً.
الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل.
الابتداء في رمي الجمار ومسألة اشتراط الترتيب
المسألة على قولين: ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية وأكثر أهل العلم إلى أنه يشترط الترتيب، والترتيب واجب، فلو لم يرتب لم يصح رميه، واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول: قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى مرتبا،ً وقال: ( خذوا عني مناسككم ).
والدليل الثاني: قالوا: إن الترتيب عبادة، فلا يجوز لمسلم أن يخالف هذه العبادة بغير دليل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
إذاً هي توقيفية، هذا هو قول جماهير الفقهاء.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الترتيب بين الجمار سنة، واستدل على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ من تقديم بعض الأمور على بعض إلا قال: افعل ولا حرج )، قالوا: فإذا فعل الإنسان فقد أدى ما عليه.
الجمهور قالوا في هذا الحديث: إنما هو تقديم بعض النسك على بعض، كتقديم الطواف على الرمي، أو تقديم الحلق على الرمي، أما أن يقدم نسكاً بعضه على بعض كالرمي فلا، وهذا القول أرى أنه قوي جداً، ولكن لو تركه لعذر أو جهل أو نسيان فلا بأس، فمثلاً: لو أنه أسقط بعض الحصيات في اليوم الحادي عشر في الجمرة الوسطى، فيقول: رميت الوسطى أربع حصيات، بقي عليه ثلاث، ثم رمى الكبرى بسبع، قبل أن يبتدأ في اليوم الثاني عشر، الأولى على قول الجمهور أن يرمي الوسطى ثلاثاً ثم الكبرى، ولو رمى الوسطى ثلاثاً أجزأه ذلك إن شاء الله إذا كان معذوراً، ولو فعل بأن رتب فهذا أولى وأحوط، لكن لو لم يرتب بسبب جهل ونسيان فهذا لا بأس به إن شاء الله.
استقبال القبلة عند الرمي
المؤلف هنا في الشرح قال: فيجعلها عن يساره، يعني: يجعل الصغرى عن يساره، ويستقبل القبلة، يعني: إذا جاء من منى إلى الجمرة الصغرى يجعل الجمرة الصغرى عن يمينه، ويستقبل القبلة فيرميها، يعني: أنه يجعلها على حاجبه الأيمن ثم يرميها بسبع حصيات وهو مستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر الله أكبر مع كل حصاة.
وهذا -على كلام المؤلف- قياس على الجمرة الكبرى، لكننا نقول:
أولاً: مر معنا أن الجمرة الكبرى في يوم العيد الصحيح أنه لا يجعلها على حاجبه الأيمن عند رميها ويستقبل القبلة، وقلنا: إن الحديث الوارد في ذلك الذي رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن المسعودي عن جامع بن أبي صخر عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود ، قلنا: هذا الحديث ضعيف؛ لأن المسعودي ضعيف لا يحتج به، وقد روى البخاري و مسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد بأن قال: ( فاستبطن الوادي فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ).
ثانياً: قياسهم الجمرة الصغرى على الجمرة الكبرى يحتاج إلى دليل، فهذا قياس في العبادات، والقياس في أصول العبادات المحضة لا يسوغ، فقول المؤلف: أنه يستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات، يحتاج إلى دليل، والسنة أن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقلوا لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة معينة، وبالتالي نقول: كل عبادة وقتها المرء ولم يوقتها الله ولا رسوله بزمان أو مكان أو صفة أو غير ذلك، فهذا غير مشروع، وبالتالي نقول: السنة أنه يرميها كيفما اتفق، إن كان الأسهل بأن يجعل الجمرة بينه وبين القبلة فعل، أو يجعل القبلة خلفه فعل، فأي صفة فعلها أجزأه ذلك، سواء عن يمينها أو يسارها، أما كونه يكون بينها وبين القبلة فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والقاعدة تقول: وترك الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن تقييده غير مشروع، بمعنى: أن الإطلاق في وقت يحتاج إلى بيان ولم يبين يدل على أن الإطلاق هو الأولى، والله أعلم.
رمي الجمرة الصغرى بسبع حصيات
والعبرة بمجمع الحصى، هذا الذي نص عليه الشافعية والحنابلة، ولا عبرة بالحوض؛ لأن الحوض ربما يكون صغيراً، وربما يكون كبيراً، والعبرة بعدد الحجاج، فحجاج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون مائة ألف لم يكونوا ولن يكونوا مثل حجاج يبلغون ثلاثة ملايين في مثل زماننا، فالعبرة بمجمع الحصى، فلو امتلأ الحوض وكان حوله جمار، فلو رمى الجمرة على الحوض أو قريباً من الحوض الذي قد امتلأ حصى أجزأه ذلك إن شاء الله، والحمد لله الآن أصبح الحوض كبيراً يسع ثلاثة ملايين أو أكثر.
والعبرة ليست بالشاخص إنما وضع بالشاخص علامة على أن أسفله مرمى.
التقدم إلى الأمام بعد الفراغ من رمي الجمرة الصغرى
ولهذا جاء في حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: ( ثم يتقدم فيأخذ ذات الشمال فيسهل )، فالعبرة أن يأخذ المكان السهل؛ ولهذا نص كثير من الشافعية والحنابلة كـابن قدامة و ابن حجر و ابن تيمية أنه يتقدم أمامه حتى يبتعد عن مجمع الحصى حتى لا يصيبه الحصى، فالعبرة ليست بأن يأخذ بعد الصغرى ذات اليمين، ولا ذات الشمال، وما نص عليه ابن قدامة لم يكن مقصوداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى الحديث البخاري فمرة ذكرها ومرة لم يذكرها؛ مما يدل على أن فعل ابن عمر إنما أخذ الطريق السهل، وعلى هذا نقول للحجاج: إذا رميتم الصغرى فاذهبوا إلى أي اتجاه شئتم إذا كان ذلك أخشع لقلوبكم، فالعبرة بأن يرفع يديه ويخشع، وما يفعله بعض الحجاج بأن يجتمعوا ذات اليمين، وربما لم يدع الإنسان ولا يستطيع أن يخشع بسبب من حوله ظاناً أن ذلك سنة، قلنا: أن ذلك ليس بسنة.
ثانياً: على فرض أنها سنة فالعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، فإذا كان زحام وافترضنا أن ذات اليمين هو السنة، فإذا أخذت ذات اليمين لا تخشع في دعائك.
فالعبرة بالدعاء، والعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، وعلى هذا فنقول: يذهب أي مكان يشاء إذا كان أخشع لقلبه.
المقدم: يا شيخ! توجيهكم لهذه السنة التي تهجر أحياناً، البعض فقط يأخذ في اعتباره أنه يرمي الصغرى ثم يذهب إلى الوسطى، ثم إلى العقبة، ثم إلى ..
الشيخ: وعدم الدعاء أيضاً خطأ، وقد ذكر عامة الفقهاء أنه يستحب للإنسان أن يدعو بعد الصغرى، وبعد الوسطى، بل بالغ في ذلك الثوري فقال: إن لم يفعل الدعاء فعليه دم من باب التشديد وتحري هذا الأمر، وقول عامة الفقهاء أن ذلك سنة، ولكن لا ينبغي أن يدعها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رمى الصغرى قام فاستقبل القبلة ودعا طويلا،ً وقد كان ابن عمر كما روى مالك أنه يجلس بمقدار سورة البقرة، تخيل معي شخصاً يدعو بمقدار سورة البقرة! ترى ربك يرده؟! لا، والله سبحانه وتعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
فينبغي للمسلم أن يدعو ويبالغ في الدعاء، ويلح في الدعاء، ويقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، ويدعو بخير الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، إذا دعا الإنسان بعد الصغرى يتقدم فيذهب إلى الوسطى، والمؤلف رحمه الله قال في الوسطى: يجعلها على حاجبه الأيسر ويرمي، يعني: يجعلها على يساره ويستقبل القبلة ويرميها، وقلنا: هذا ليس عليه دليل، وعلى هذا فنقول: يذهب إلى أي اتجاه شاء، سواء جعل مكة خلفه أو أمامه أو عن يساره، أهم شيء أنه يستقبل المرجم ويرميها بأي اتجاه شاء؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صفة معينة.
التوكيل في رمي الجمار
وهل له أن يرمي الصغرى عن نفسه وعن وكيله، ثم الوسطى عن نفسه وعن وكيله؟ الحنابلة قالوا: لا، والأقرب -والله أعلم- جواز ذلك؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عهده من حج ووكل، كما قال جابر : فرمينا عن الصبيان، وإن كان هذا الحديث رواه الترمذي بسند ضعيف، لكن أجمع أهل العلم على أن من الصحابة من رمى عن الغير، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه أمر الصحابة أن يرموا عن الوكلاء بصفة معينة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، والأصل خاصة في الحج أنه ما لم يرد نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة معينة، أو في عمل معين فالأصل فيه الجواز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ ( افعل ولا حرج ) وعلى هذا فنقول لهم: يرموا عن أنفسهم ثم يرموا عن موكليهم.
وهل لهم أن يرموا عن موكليهم أولاً، ثم يرموا عن أنفسهم؟
الحنابلة والشافعية قالوا: إذا كان حج الوكيل فرضاً فإنه يبتدئ بنفسه ثم يبتدئ عن موكله.
والمالكية والحنفية يقولون: هذا هو الأولى، ولكن لو فعل وأخطأ أجزأه ذلك إن شاء الله، وأرى أن القول الثاني هو أسمح بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما لو خير بين أمرين لاختار أيسرهما، لكننا نقول: الأولى هو أن يرتب بأن يرمي عن نفسه ثم يرمي عن الوكيل؛ لأن الحنابلة والشافعية استدلوا على ذلك بحديث شبرمة ( قال: من
صفة رمي جمرة العقبة
أولاً: جمرة العقبة لها صفة في المقام الذي يرميها، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود قال: فاستبطن الوادي، فاستعرضها فرماها بسبع حصيات، وفي رواية البخاري : ( فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، فاستبطن الوادي فرماها بسبع حصيات )، يعني: يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستبطن الوادي ويرمي جمرة العقبة، هذه هي الصفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة الرمي في الجمرة الكبرى فحسب، فإذا رماها بسبع حصيات لا يقف عندها ولا يدعو، وهذا هو الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنه كما عند البخاري .
تحديد أوسط أيام التشريق
المقصود باليوم الثاني هو اليوم الثاني عشر، وهو يوم النفر الأول، وهل هو اليوم الأوسط أم لا؟ خلاف عند أهل العلم، فذهب بعضهم أن اليوم الحادي عشر هو أوسط أيام التشريق، وذهب بعضهم إلى أن اليوم الثاني عشر هو أوسط أيام التشريق، وأرى أن هذا هو الأقرب؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه ذكر أن اليوم الثاني عشر هو اليوم الأوسط، أما اليوم الحادي عشر فيسمى يوم القر؛ لأن الناس يقرون، يعني: يقيمون في منى، فالأقرب والله أعلم أن أوسط أيام التشريق إنما هو اليوم الثاني عشر ويسمى يوم النفر الأول.
وقت رمي الجمار
يعني: في وقته، فلا يجوز على مذهب الحنابلة والجمهور أن يرميها قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، ويرميها على الصفة التي ذكرها المؤلف، وقلنا: إن الصفة ليست بصحيحة، ويرميها كيفما اتفق كما مر معنا في اليوم الحادي عشر، وهيئتها على الطريقة التي ذكرها المؤلف. وأما الرمي قبل الزوال فقد مر معنا أنه لا يجوز أن يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، أما في اليوم الثاني عشر فقد قلنا بجواز ذلك خاصة للمعذور، وهو قول ابن عباس ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة و عبد الرزاق من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: رمقت ابن عباس رمى في الظهيرة، أو في رواية في الضحى قبل الزوال ثم صدر، وهو قول ابن الزبير ، كما روى الفاكهي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن مجاهد ، كما مر معنا، ونسيت بهذا الإسناد، لكن ذكرنا أنه بإسناد صحيح من طريق ابن أبي عمر عن سفيان .
الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [يبتدئ بالجمرة الأولى]، هنا مسألة، حيث إن الإنسان في أيام التشريق يبدأ برمي الجمرة الصغرى، وهي أقرب الجمار إلى منى، ثم بعد ذلك الوسطى، ثم بعد ذلك الكبرى، فهذه مسألة تسمى حكم الترتيب بين الجمار، هل يجوز له أن يرمي الوسطى ثم الكبرى ثم الصغرى، أو لا يلزمه الترتيب؟
المسألة على قولين: ذهب جمهور الفقهاء من الحنابلة والشافعية وأكثر أهل العلم إلى أنه يشترط الترتيب، والترتيب واجب، فلو لم يرتب لم يصح رميه، واستدلوا على ذلك بأدلة:
الدليل الأول: قالوا: أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى مرتبا،ً وقال: ( خذوا عني مناسككم ).
والدليل الثاني: قالوا: إن الترتيب عبادة، فلا يجوز لمسلم أن يخالف هذه العبادة بغير دليل، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ).
إذاً هي توقيفية، هذا هو قول جماهير الفقهاء.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن الترتيب بين الجمار سنة، واستدل على ذلك بما جاء في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: (ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ من تقديم بعض الأمور على بعض إلا قال: افعل ولا حرج )، قالوا: فإذا فعل الإنسان فقد أدى ما عليه.
الجمهور قالوا في هذا الحديث: إنما هو تقديم بعض النسك على بعض، كتقديم الطواف على الرمي، أو تقديم الحلق على الرمي، أما أن يقدم نسكاً بعضه على بعض كالرمي فلا، وهذا القول أرى أنه قوي جداً، ولكن لو تركه لعذر أو جهل أو نسيان فلا بأس، فمثلاً: لو أنه أسقط بعض الحصيات في اليوم الحادي عشر في الجمرة الوسطى، فيقول: رميت الوسطى أربع حصيات، بقي عليه ثلاث، ثم رمى الكبرى بسبع، قبل أن يبتدأ في اليوم الثاني عشر، الأولى على قول الجمهور أن يرمي الوسطى ثلاثاً ثم الكبرى، ولو رمى الوسطى ثلاثاً أجزأه ذلك إن شاء الله إذا كان معذوراً، ولو فعل بأن رتب فهذا أولى وأحوط، لكن لو لم يرتب بسبب جهل ونسيان فهذا لا بأس به إن شاء الله.
الشيخ: المسألة الثانية: يقول المؤلف: [فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة، ثم يتقدم قليلاً].
المؤلف هنا في الشرح قال: فيجعلها عن يساره، يعني: يجعل الصغرى عن يساره، ويستقبل القبلة، يعني: إذا جاء من منى إلى الجمرة الصغرى يجعل الجمرة الصغرى عن يمينه، ويستقبل القبلة فيرميها، يعني: أنه يجعلها على حاجبه الأيمن ثم يرميها بسبع حصيات وهو مستقبل القبلة، ويقول: الله أكبر الله أكبر مع كل حصاة.
وهذا -على كلام المؤلف- قياس على الجمرة الكبرى، لكننا نقول:
أولاً: مر معنا أن الجمرة الكبرى في يوم العيد الصحيح أنه لا يجعلها على حاجبه الأيمن عند رميها ويستقبل القبلة، وقلنا: إن الحديث الوارد في ذلك الذي رواه الترمذي من طريق عبد الرحمن المسعودي عن جامع بن أبي صخر عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود ، قلنا: هذا الحديث ضعيف؛ لأن المسعودي ضعيف لا يحتج به، وقد روى البخاري و مسلم هذا الحديث من طريق إبراهيم النخعي عن عبد الرحمن بن يزيد بأن قال: ( فاستبطن الوادي فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه ).
ثانياً: قياسهم الجمرة الصغرى على الجمرة الكبرى يحتاج إلى دليل، فهذا قياس في العبادات، والقياس في أصول العبادات المحضة لا يسوغ، فقول المؤلف: أنه يستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات، يحتاج إلى دليل، والسنة أن الصحابة رضي الله عنهم لم ينقلوا لنا عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة معينة، وبالتالي نقول: كل عبادة وقتها المرء ولم يوقتها الله ولا رسوله بزمان أو مكان أو صفة أو غير ذلك، فهذا غير مشروع، وبالتالي نقول: السنة أنه يرميها كيفما اتفق، إن كان الأسهل بأن يجعل الجمرة بينه وبين القبلة فعل، أو يجعل القبلة خلفه فعل، فأي صفة فعلها أجزأه ذلك، سواء عن يمينها أو يسارها، أما كونه يكون بينها وبين القبلة فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، والقاعدة تقول: وترك الإطلاق عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن تقييده غير مشروع، بمعنى: أن الإطلاق في وقت يحتاج إلى بيان ولم يبين يدل على أن الإطلاق هو الأولى، والله أعلم.
الشيخ: المؤلف يقول: [ فيستقبل القبلة ويرميها بسبع حصيات كما رمى جمرة العقبة ]، نقول: نعم يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ولا يقول شيئاً، وما جاء في حديث عبد الله بن مسعود أنه يقول: ( اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً )، قلنا: هذا الحديث فيه اضطراب كما رواه الإمام أحمد رحمه الله، وعلى هذا نقول: يرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
والعبرة بمجمع الحصى، هذا الذي نص عليه الشافعية والحنابلة، ولا عبرة بالحوض؛ لأن الحوض ربما يكون صغيراً، وربما يكون كبيراً، والعبرة بعدد الحجاج، فحجاج في عهد النبي صلى الله عليه وسلم يبلغون مائة ألف لم يكونوا ولن يكونوا مثل حجاج يبلغون ثلاثة ملايين في مثل زماننا، فالعبرة بمجمع الحصى، فلو امتلأ الحوض وكان حوله جمار، فلو رمى الجمرة على الحوض أو قريباً من الحوض الذي قد امتلأ حصى أجزأه ذلك إن شاء الله، والحمد لله الآن أصبح الحوض كبيراً يسع ثلاثة ملايين أو أكثر.
والعبرة ليست بالشاخص إنما وضع بالشاخص علامة على أن أسفله مرمى.
الشيخ: وذكر ابن خزيمة رحمه الله في بعض الروايات: ( ثم يتقدم أمامه )، أن السنة إذا رمى الجمرة الصغرى يتقدم أمامه، وبعض الروايات قال: ( فيجعلها عن يمينه )، وأقول: كل هذا ليس عليه دليل، وما جاء في بعض الروايات ( يتقدم أمامه )؛ لأن هذا أسمح له عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن الجمار كانت في السابق فيها وديان، وفيها جبال وفيها تلال، وفيها هضبات وصخور، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يأخذ الأسهل له.
ولهذا جاء في حديث الزهري عن سالم عن ابن عمر قال: ( ثم يتقدم فيأخذ ذات الشمال فيسهل )، فالعبرة أن يأخذ المكان السهل؛ ولهذا نص كثير من الشافعية والحنابلة كـابن قدامة و ابن حجر و ابن تيمية أنه يتقدم أمامه حتى يبتعد عن مجمع الحصى حتى لا يصيبه الحصى، فالعبرة ليست بأن يأخذ بعد الصغرى ذات اليمين، ولا ذات الشمال، وما نص عليه ابن قدامة لم يكن مقصوداً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى الحديث البخاري فمرة ذكرها ومرة لم يذكرها؛ مما يدل على أن فعل ابن عمر إنما أخذ الطريق السهل، وعلى هذا نقول للحجاج: إذا رميتم الصغرى فاذهبوا إلى أي اتجاه شئتم إذا كان ذلك أخشع لقلوبكم، فالعبرة بأن يرفع يديه ويخشع، وما يفعله بعض الحجاج بأن يجتمعوا ذات اليمين، وربما لم يدع الإنسان ولا يستطيع أن يخشع بسبب من حوله ظاناً أن ذلك سنة، قلنا: أن ذلك ليس بسنة.
ثانياً: على فرض أنها سنة فالعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، فإذا كان زحام وافترضنا أن ذات اليمين هو السنة، فإذا أخذت ذات اليمين لا تخشع في دعائك.
فالعبرة بالدعاء، والعبادة المتعلقة بذاتها أولى من العبادة المتعلقة بمكانها، وعلى هذا فنقول: يذهب أي مكان يشاء إذا كان أخشع لقلبه.
المقدم: يا شيخ! توجيهكم لهذه السنة التي تهجر أحياناً، البعض فقط يأخذ في اعتباره أنه يرمي الصغرى ثم يذهب إلى الوسطى، ثم إلى العقبة، ثم إلى ..
الشيخ: وعدم الدعاء أيضاً خطأ، وقد ذكر عامة الفقهاء أنه يستحب للإنسان أن يدعو بعد الصغرى، وبعد الوسطى، بل بالغ في ذلك الثوري فقال: إن لم يفعل الدعاء فعليه دم من باب التشديد وتحري هذا الأمر، وقول عامة الفقهاء أن ذلك سنة، ولكن لا ينبغي أن يدعها، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رمى الصغرى قام فاستقبل القبلة ودعا طويلا،ً وقد كان ابن عمر كما روى مالك أنه يجلس بمقدار سورة البقرة، تخيل معي شخصاً يدعو بمقدار سورة البقرة! ترى ربك يرده؟! لا، والله سبحانه وتعالى يقول: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
فينبغي للمسلم أن يدعو ويبالغ في الدعاء، ويلح في الدعاء، ويقول: اللهم اجعله حجاً مبروراً وذنباً مغفوراً وسعياً مشكوراً، ويدعو بخير الدنيا والآخرة، كما قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، إذا دعا الإنسان بعد الصغرى يتقدم فيذهب إلى الوسطى، والمؤلف رحمه الله قال في الوسطى: يجعلها على حاجبه الأيسر ويرمي، يعني: يجعلها على يساره ويستقبل القبلة ويرميها، وقلنا: هذا ليس عليه دليل، وعلى هذا فنقول: يذهب إلى أي اتجاه شاء، سواء جعل مكة خلفه أو أمامه أو عن يساره، أهم شيء أنه يستقبل المرجم ويرميها بأي اتجاه شاء؛ إذ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك صفة معينة.
الشيخ: إذا رمى الجمرة يرميها بسبع حصيات مثل ما رمى في الوسطى، وإن كان وكيلاً عن الغير، وهذا يحصل كثيراً أن بعض الناس يرمي عن نفسه، ويكون وكيلاً عن زوجته أو عن بنته أو عن أخته، فنقول: السنة أن يرمي الصغرى عن نفسه، ثم الوسطى عن نفسه، ثم الكبرى عن نفسه، ثم يرجع، هذه هي السنة.
وهل له أن يرمي الصغرى عن نفسه وعن وكيله، ثم الوسطى عن نفسه وعن وكيله؟ الحنابلة قالوا: لا، والأقرب -والله أعلم- جواز ذلك؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في عهده من حج ووكل، كما قال جابر : فرمينا عن الصبيان، وإن كان هذا الحديث رواه الترمذي بسند ضعيف، لكن أجمع أهل العلم على أن من الصحابة من رمى عن الغير، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه أمر الصحابة أن يرموا عن الوكلاء بصفة معينة، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال، والأصل خاصة في الحج أنه ما لم يرد نص صريح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة معينة، أو في عمل معين فالأصل فيه الجواز كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ ( افعل ولا حرج ) وعلى هذا فنقول لهم: يرموا عن أنفسهم ثم يرموا عن موكليهم.
وهل لهم أن يرموا عن موكليهم أولاً، ثم يرموا عن أنفسهم؟
الحنابلة والشافعية قالوا: إذا كان حج الوكيل فرضاً فإنه يبتدئ بنفسه ثم يبتدئ عن موكله.
والمالكية والحنفية يقولون: هذا هو الأولى، ولكن لو فعل وأخطأ أجزأه ذلك إن شاء الله، وأرى أن القول الثاني هو أسمح بسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، كما لو خير بين أمرين لاختار أيسرهما، لكننا نقول: الأولى هو أن يرتب بأن يرمي عن نفسه ثم يرمي عن الوكيل؛ لأن الحنابلة والشافعية استدلوا على ذلك بحديث شبرمة ( قال: من
الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ ثم بعد ذلك يرمي جمرة العقبة ].
أولاً: جمرة العقبة لها صفة في المقام الذي يرميها، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود قال: فاستبطن الوادي، فاستعرضها فرماها بسبع حصيات، وفي رواية البخاري : ( فجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، فاستبطن الوادي فرماها بسبع حصيات )، يعني: يجعل مكة عن يساره، ومنى عن يمينه، ويستبطن الوادي ويرمي جمرة العقبة، هذه هي الصفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم في طريقة الرمي في الجمرة الكبرى فحسب، فإذا رماها بسبع حصيات لا يقف عندها ولا يدعو، وهذا هو الذي ذكره ابن عمر رضي الله عنه كما عند البخاري .
الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك ].
المقصود باليوم الثاني هو اليوم الثاني عشر، وهو يوم النفر الأول، وهل هو اليوم الأوسط أم لا؟ خلاف عند أهل العلم، فذهب بعضهم أن اليوم الحادي عشر هو أوسط أيام التشريق، وذهب بعضهم إلى أن اليوم الثاني عشر هو أوسط أيام التشريق، وأرى أن هذا هو الأقرب؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه ذكر أن اليوم الثاني عشر هو اليوم الأوسط، أما اليوم الحادي عشر فيسمى يوم القر؛ لأن الناس يقرون، يعني: يقيمون في منى، فالأقرب والله أعلم أن أوسط أيام التشريق إنما هو اليوم الثاني عشر ويسمى يوم النفر الأول.
الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: (ثم يرمي في اليوم الثاني كذلك).
يعني: في وقته، فلا يجوز على مذهب الحنابلة والجمهور أن يرميها قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، ويرميها على الصفة التي ذكرها المؤلف، وقلنا: إن الصفة ليست بصحيحة، ويرميها كيفما اتفق كما مر معنا في اليوم الحادي عشر، وهيئتها على الطريقة التي ذكرها المؤلف. وأما الرمي قبل الزوال فقد مر معنا أنه لا يجوز أن يرمي قبل الزوال في اليوم الحادي عشر، أما في اليوم الثاني عشر فقد قلنا بجواز ذلك خاصة للمعذور، وهو قول ابن عباس ، كما روى ذلك ابن أبي شيبة و عبد الرزاق من طريق ابن جريج عن ابن أبي مليكة قال: رمقت ابن عباس رمى في الظهيرة، أو في رواية في الضحى قبل الزوال ثم صدر، وهو قول ابن الزبير ، كما روى الفاكهي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن مجاهد ، كما مر معنا، ونسيت بهذا الإسناد، لكن ذكرنا أنه بإسناد صحيح من طريق ابن أبي عمر عن سفيان .
الشيخ: قال المؤلف رحمه الله: [ فإن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل الغروب من منى ].
هذه مسألة التعجل، أجمع أهل العلم على أن للإنسان أن يتعجل وله أن يؤخر، وما ذكر عن عمر أنه قال: (إلا بني خزيمة) فهذا اجتهاد من عمر، ولعل عمر أراد بذلك أن يبقى بنو خزيمة؛ لأنهم قريبون من مكة، وإلا فإن بعضهم نص على الإجماع على أنه يجوز لهم أن يتعجلوا، ويجوز لهم أن يبقوا، كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه سفيان عن بكير بن عطاء عن عبد الرحمن بن يعمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( الحج عرفة؛ فمن وقف بعرفة قبل طلوع الشمس فقد تم حجه، أيام منى ثلاثة فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه) وهذا الحديث يقول عنه وكيع: هو حديث أم المناسك.
قول المؤلف: (إن أحب أن يتعجل في يومين خرج قبل المغرب).
هذا هو قول جماهير الفقهاء أن من أراد أن يتعجل فيجب عليه أمران: يجب عليه أن يرمي قبل غروب الشمس، وأن يخرج من منى قبل غروب الشمس، فإن كان بقي عليه جزء من الرمي ولو حصاة واحدة وجب عليه أن يبقى إلى اليوم الثاني عشر إن كان قد غربت عليه الشمس وهو لم يرم، وإن بقي ولم يخرج وجب عليه أن يبقى إلى غروب الشمس، واستدل العلماء على ذلك بما رواه البيهقي بإسناد صحيح من طريق عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: من أدركه المساء في اليوم الثاني فليقم إلى الغد حتى ينفر مع الناس، وروى مالك بإسناد صحيح عن نافع عن ابن عمر أنه قال: من غربت عليه الشمس من أوسط أيام التشريق وهو بمنى فلا ينفر حتى يرمي الجمار من الغد، هذا هو قول عامة الفقهاء، واستدلوا على ذلك أيضاً بقول الله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ [البقرة:203]، قالوا: واليوم يطلق في لغة العرب الذي هو بخلاف الليلة، فإذا قيل: يوم كامل صار معنى لذاته، وإلا فالأصل أن اليوم يطلق على النهار قبل غروب الشمس، قالوا: وكل ما أتى ولم يحدد في الشرع فيحدد في العرف، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم كـالخطابي و ابن تيمية و ابن قدامة و ابن حجر وغيرهم كثير، وعلى هذا فإذا بقي في منى ولم يخرج حتى غربت عليه الشمس فيجب عليه أن يبقى حتى يرمي اليوم الثاني عشر، ولكن لو أنه حبس بسبب طريق أو بسبب مرض ليس بإرادته وهو يريد أن يخرج، أو كان في ذلك مشقة عظيمة بسبب زحام الناس فلا يستطيع أن يخرج من منى، نقول: غاية الواجبات تسقط مع العجز وعدم الإدراك؛ لأن الله يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )؛ لأن الحبس هنا ليس من إرادته.
وعلى هذا نقول: العبرة بالرمي قبل الغروب، فلو أن شخصاً رمى قبل الغروب ولم ينو التعجل، وقبل أن تغرب الشمس قال: أحب أن أتعجل، فله أن يذهب ويخرج، لكن العبرة هو أن يرمي وأن يخرج قبل غروب الشمس حتى لو لم ينو التعجل.
وإذا وجد المشقة في ربط العفش وضاق عليه الوقت فلا حرج في التأخر، أما أن يؤخر الرمي ثم يذهب فيبحث عن أمتعته فنقول: هذا نوع تفريط، وعامة الفقهاء يقولون: يبقى، لكن إذا كان من غير إرادته فله أن يخرج.
وأبو حنيفة رحمه الله قال: يجوز له أن يرمي حتى بعد غروب الشمس من اليوم الثاني عشر، فالعبرة بطلوع فجر يوم الثالث عشر، فله أن يرمي في اليوم الثاني عشر بعد الغروب ويخرج منها ما لم يخرج وقت الفجر، فإذا خرج وقت الفجر يجب عليه أن يبقى، قالوا: لأنه لم يدخل رمي اليوم الثالث عشر.
والأقرب والله أعلم هو قول الصحابيين عمر وابنه، ولم يرد عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما يخالف ذلك، وعلى هذا فنقول: لا اجتهاد مع قول الصحابة رضي الله عنهم، وقول أبي حنيفة معارض بالآية؛ لأن الله يقول: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ [البقرة:203]، واليوم في لغة العرب هو النهار دون الليل.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
عمدة الفقه - كتاب الحج [3] | 2652 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [1] | 2535 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [1] | 2451 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [4] | 2317 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [16] | 2171 استماع |
عمدة الفقه - كتاب النكاح [5] | 2167 استماع |
عمدة الفقه - كتاب البيع [4] | 2130 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [2] | 2111 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحج [21] | 2108 استماع |
عمدة الفقه - كتاب الحدود [7] | 2017 استماع |