عمدة الفقه - كتاب الحج [13]


الحلقة مفرغة

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم.

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

نظراً لكون هذه الحلقة أتت بعد فريضة الحج ولا شك أنه قد تحصل بعض التساؤلات التي يحتاج الناس إلى إجابتها فأرحب بتواصلهم بداية من بداية الحلقة، وسأعرضها بإذن الله عز وجل في ثنايا الشرح.

أرحب بالجميع وعلى بركة الله عز وجل نبدأ درسنا، وإذا كان هناك تواصل فسيكون عن طريق الموقع، عبر أرقام الهواتف التي ستعرض على الشاشة بين الفينة والأخرى، فمرحباً بكم وأترككم مع ضيفنا الدكتور: عبد الله .

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا كريم! اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم اجعلنا لك شاكرين، لك ذاكرين، لك أواهين منيبين، اللهم تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وثبت حجتنا، واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين يا رب العالمين.

العود أحمد إن شاء الله، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتم علينا نعمه وأن يبارك لنا في القول والعمل وأن يخلص لنا النية والسريرة إنه على ذلك قدير وبالإجابة جدير.

وها نحن قد عدنا من بعد أداء فريضة من أعظم فرائض الله سبحانه وتعالى وهي فريضة الحج، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أهمية هذا الحج كما سبق أن ذكرنا ذلك، وبين النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي أهميته وفضله, بقوله صلى الله عليه وسلم ( من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه )، ومن حج فهنيئاً له، ولكن نقول: أتبع السيئة الحسنة تمحها، فإتباع الحسنة الحسنة دليل على قبول العمل، وقد كان السلف رضي الله عنهم أجمعين يرون أن إتباع الحسنة الحسنة بمثلها دليل على قبول العمل، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يهنئون الذي أدى العبادة وأقبل على الله سبحانه وتعالى، كما كان ابن مسعود يقول في آخر رمضان: أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المحروم جبر الله مصيبتك، فأهنئ كل من أدى عبادة الله سبحانه وتعالى في الحج، وأقول: لا تتكل على عملك هذا، وأقبل على الله سبحانه وتعالى، واعلم أن استمرارك على الطاعة والعبادة دليل على القبول، وكم هو جميل أن تقبل على قراءة القرآن وعلى أداء الصلاة بأول أوقاتها وأن تدع قول الزور، وأن تدع الغيبة والنميمة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في الحج كما في حديث أسامة بن شريك الذي رواه الدارقطني و أبو داود و ابن حبان و ابن خزيمة و البيهقي وغيرهم كثير وكثير، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال حينما سئل عن الحج: ( لا حرج لا حرج إلا على مسلم أخذ من عرض أخيه المسلم )، فدل ذلك على أن أعراض المسلمين من الأهمية بمكان.

وبداية كم أحزننا وكم آلم قلوبنا وأقض مضاجعنا ما سمعناه وشاهدناه من الحملة المسمومة على سيد البشر نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي يفرحنا أن الله سبحانه وتعالى قد كفاه بقوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95]، وقد غطت قناة المجد مشكورة هذا الحدث بما لا مزيد عليه، ولكن من باب الذكرى ومن باب المشاركة أحببنا أن نذكر هذا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم عنا لغني، ولكننا من باب أداء الواجب ومن باب أن نحظى بالدفاع عن الحبيب عليه الصلاة والسلام كانت هذه الوقفة.

وقفنا أحبتي الكرام إلى قول المؤلف: [ فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال يجمع بينهما ]،

فلتتفضل يا شيخ اقرأ. ‏

حكم نشر الصور المسيئة للرسول بحجة الدفاع عنه

المقدم: يا شيخ عبد الله إذا أذنت لي قبل أن أدخل إلى المتن. فيما يتعلق يا شيخ بمسألة النصرة، رأينا حقيقة ما يسرنا جميعاً وهو نصرة المسلمين لرسولهم، لكن أخشى يا شيخ أن في بعض التغطيات الإعلامية غير المجد، سواء كانت مقروءة أو مرئية، وقعنا في خطأ من غير قصد، وهو أن الإخوة من باب الغيرة أظهروا هذه الصور، فوقعنا في المحظورين:

المحظور الأول: أنهم وسعوا دائرة الانتشار، يعني أن بعض الأفراد لم يرها إلا من خلال الإنكار.

الأمر الآخر يا شيخ وهو الأخطر وأتمنى أنكم تنبهون عليه: أنه قد يترتب على هذه الصور ارتباط ذهني، فعندما يذكر صلى الله عليه وسلم يحصل في العقل ما يسمى بالارتباط الذهني فحبذا يا شيخ لو نبهتم عليها.

الشيخ: على كل حال بالنسبة لهذه المسألة فإن الإخوة في قناة المجد ذكروا أنهم استفتوا سماحة المفتي في ذكر هذه الصور، فسماحة المفتي من باب إطلاع المشاهدين على هذا الأمر ذكر أن هذا لا بأس به، لكن ينبغي على القول بهذا القول أو عدمه ألا نتوسع في هذا الأمر، وإن كنت أحب ألا تظهر هذه الصورة المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم لأمور:

الأمر الأول: دع الناس يعيشون بجو لا يعرفون ما مداه؛ لأن بعض الناس قصير الهمة، ضعيف النظر، فربما إذا نظر إلى هذه الصور قال: كل هذه الحملة لأجل هذه الصور، فهو لا يستشعر عاقبة هذا الأمر.

النقطة الثانية: أن بعض الناس ضعيف الإدراك فإذا اطلع على هذه الصور تجد أنه كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتكزت في ذهنه هذه الصور وهذا خطير، ولهذا أحب ألا تنتشر هذه الصور بل يذكر للناس هذا الأمر بتصوير كلامي أرى أن هذا أفضل، وبقاء كلام النبي صلى الله عليه وسلم أرحم وأوجب من تصور الناس على أن يفعلوا أو لا يفعلوا؛ لأننا نقول: إنه يجب عليك إذا سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم سب أو انتهك عرضه أن تدافع عنه أياً كان هذا السب والانتهاك، ولا يلزم أن تسمعه شعراً كان أو غير ذلك، ولله در معاذ بن معوذ حينما قال لـعبد الرحمن بن عوف : يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قال: وما شأنك به؟ قال: سمعت أنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ووالله لئن لاقيته لا يفارق سوادي سواده حتى يكون الأعجل منا، فهذا يدل على أن الإنسان إذا سمع أنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي عليه ألا يتوسع ويبحث عن هذه الصور؛ لأنه ربما يترتب في ذهنه بعض الأشياء، ويكفي الناس أنهم سمعوا ما فيه الكفاية.

توجيه لمن يستهين بسنة رسول الله من المسلمين

الشيخ: ولكن هناك نقطة مهمة، وهو أننا نرى أن الناس تتفاعل مع هذا الأمر، وهذا أمر جميل ويشكرون عليه، وهو واجب، وهو أقل ما نفعله لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن يجب أن نعرف أن هؤلاء كفار، والخطأ منهم وهذا ليس بمستغرب، لكن الغريب والعجيب أننا نجد من أبناء جلدتنا وممن يتسمى بالإسلام حينما لا يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينتهك عرضه، ولكن يترك سنته عليه الصلاة والسلام، وربما انتهك حرمات الله سبحانه وتعالى فإذا أنكرت عليه في تركه سنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذه لها زمانها وليس لها زماننا، وقد ذكر أهل العلم في قول الله تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:2]، قالوا: هذا في حياته وبعد مماته.

وتجد بعضهم ترك العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، ولهذا يجب أن نعرف أن كل مستهزئ بدين الله سبحانه وتعالى أو بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو داخل في هذا الأمر، وإن كان يحزننا فعل هؤلاء إلا أنهم كفار، ولكن الحزن أعظم حينما يكونون من أبناء جلدتنا ومن المسلمين الذين يتسمون بالإسلام.

المقدم: يا شيخ عبد الله إذا أذنت لي قبل أن أدخل إلى المتن. فيما يتعلق يا شيخ بمسألة النصرة، رأينا حقيقة ما يسرنا جميعاً وهو نصرة المسلمين لرسولهم، لكن أخشى يا شيخ أن في بعض التغطيات الإعلامية غير المجد، سواء كانت مقروءة أو مرئية، وقعنا في خطأ من غير قصد، وهو أن الإخوة من باب الغيرة أظهروا هذه الصور، فوقعنا في المحظورين:

المحظور الأول: أنهم وسعوا دائرة الانتشار، يعني أن بعض الأفراد لم يرها إلا من خلال الإنكار.

الأمر الآخر يا شيخ وهو الأخطر وأتمنى أنكم تنبهون عليه: أنه قد يترتب على هذه الصور ارتباط ذهني، فعندما يذكر صلى الله عليه وسلم يحصل في العقل ما يسمى بالارتباط الذهني فحبذا يا شيخ لو نبهتم عليها.

الشيخ: على كل حال بالنسبة لهذه المسألة فإن الإخوة في قناة المجد ذكروا أنهم استفتوا سماحة المفتي في ذكر هذه الصور، فسماحة المفتي من باب إطلاع المشاهدين على هذا الأمر ذكر أن هذا لا بأس به، لكن ينبغي على القول بهذا القول أو عدمه ألا نتوسع في هذا الأمر، وإن كنت أحب ألا تظهر هذه الصورة المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم لأمور:

الأمر الأول: دع الناس يعيشون بجو لا يعرفون ما مداه؛ لأن بعض الناس قصير الهمة، ضعيف النظر، فربما إذا نظر إلى هذه الصور قال: كل هذه الحملة لأجل هذه الصور، فهو لا يستشعر عاقبة هذا الأمر.

النقطة الثانية: أن بعض الناس ضعيف الإدراك فإذا اطلع على هذه الصور تجد أنه كلما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ارتكزت في ذهنه هذه الصور وهذا خطير، ولهذا أحب ألا تنتشر هذه الصور بل يذكر للناس هذا الأمر بتصوير كلامي أرى أن هذا أفضل، وبقاء كلام النبي صلى الله عليه وسلم أرحم وأوجب من تصور الناس على أن يفعلوا أو لا يفعلوا؛ لأننا نقول: إنه يجب عليك إذا سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم سب أو انتهك عرضه أن تدافع عنه أياً كان هذا السب والانتهاك، ولا يلزم أن تسمعه شعراً كان أو غير ذلك، ولله در معاذ بن معوذ حينما قال لـعبد الرحمن بن عوف : يا عم! هل تعرف أبا جهل ؟ قال: وما شأنك به؟ قال: سمعت أنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، ووالله لئن لاقيته لا يفارق سوادي سواده حتى يكون الأعجل منا، فهذا يدل على أن الإنسان إذا سمع أنه يسب الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي عليه ألا يتوسع ويبحث عن هذه الصور؛ لأنه ربما يترتب في ذهنه بعض الأشياء، ويكفي الناس أنهم سمعوا ما فيه الكفاية.

الشيخ: ولكن هناك نقطة مهمة، وهو أننا نرى أن الناس تتفاعل مع هذا الأمر، وهذا أمر جميل ويشكرون عليه، وهو واجب، وهو أقل ما نفعله لنبينا صلى الله عليه وسلم، لكن يجب أن نعرف أن هؤلاء كفار، والخطأ منهم وهذا ليس بمستغرب، لكن الغريب والعجيب أننا نجد من أبناء جلدتنا وممن يتسمى بالإسلام حينما لا يسب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا ينتهك عرضه، ولكن يترك سنته عليه الصلاة والسلام، وربما انتهك حرمات الله سبحانه وتعالى فإذا أنكرت عليه في تركه سنة النبي صلى الله عليه وسلم يقول: هذه لها زمانها وليس لها زماننا، وقد ذكر أهل العلم في قول الله تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ [الحجرات:2]، قالوا: هذا في حياته وبعد مماته.

وتجد بعضهم ترك العمل بسنته صلى الله عليه وسلم، ولهذا يجب أن نعرف أن كل مستهزئ بدين الله سبحانه وتعالى أو بسنة النبي صلى الله عليه وسلم هو داخل في هذا الأمر، وإن كان يحزننا فعل هؤلاء إلا أنهم كفار، ولكن الحزن أعظم حينما يكونون من أبناء جلدتنا ومن المسلمين الذين يتسمون بالإسلام.

المقدم: وصلنا إلى قول المؤلف في باب صفة الحج.

[ فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء قبل حط الرحال، يجمع بينهما، ثم يبيت بها، ثم يصلي الفجر بغلس، ويأتي المشعر الحرام فيقف عنده ويدعو ويكون من دعائه: اللهم كما وقفتنا فيه وأريتنا إياه وفقنا لذكرك كما هديتنا واغفر لنا وارحمنا كما وعدتنا بقولك وقولك الحق: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ [البقرة:198] الآيتان، ويقف حتى يسفر، ثم يدفع قبل طلوع الشمس فإذا بلغ محسراً أسرع قدر رمية بحجر حتى يأتي منى ]. ‏

صلاة المغرب والعشاء ليلة مزدلفة

الشيخ: المؤلف رحمه الله قال كلمة وجيزة فيها مسائل عظيمة المسألة الأولى قوله: (فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء)، أفادنا المؤلف بهذه العبارة الموجزة مسائل كبيرة:

المسألة الأولى: أن السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بجمع -يعني: بمزدلفة- وقد نقل غير واحد الإجماع على أن السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يجمع المغرب والعشاء في جماعة، وقد نقل الإجماع غير واحد منهم ابن المنذر و النووي و الخطابي و ابن حجر وغيرهم كثير كثير، وبينوا أن السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بجمع بعد مغيب الشفق -يعني: بعد العشاء- وهذه سنة متواترة، والدليل على ذلك حديث جابر أولاً وهو كما رواه مسلم في صحيحه قال جابر: ( حتى أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع ) والحديث الآخر حديث أسامة في البخاري و مسلم واللفظ للبخاري قال: ( ثم سار حتى أتى المزدلفة فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أذن قبل حط الرحال وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى المغرب بإقامة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان )، ولحديث أسامة حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! الصلاة. قال: الصلاة أمامك ).

حكم ترك صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة

الشيخ: المسألة الثانية: لو ترك صلاة المغرب والعشاء بمزدلفة فما حكم ذلك؟ يعني: صلى المغرب والعشاء في عرفة أو في طريقه قبل مزدلفة، نقول: اختلف العلماء في ذلك مع إجماعهم على مشروعية الصلاة في مزدلفة هل تجزئ أم لا تجزئ؟ ذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه لو صلى المغرب أو المغرب والعشاء في غير جمع أي في غير مزدلفة أثم وإن كانت صلاته صحيحة، واستدلوا على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم من حديث جابر ( وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، وقوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث أبي ذر قال: ( فأينما أدركتك الصلاة فصل فإنما هو مسجد )، وهذا عام تدخل فيه مزدلفة وغيرها. وذهب الحنفية، و ابن حزم ، و داود وبعض أصحاب مالك إلى أنه إذا صلى المغرب والعشاء أو صلى المغرب في غير مزدلفة وجب عليه أن يعيد الصلاة هذا هو مذهب الحنفية و ابن حزم من الظاهرية وغيرهم.

واستدلوا على ذلك بما جاء في الصحيحين من حديث أسامة ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الشعب الذي يريح الناس من مغرب فتوضأ وضوءاً ليس بالبالغ وبال، فقلت: يا رسول الله! الصلاة؟ قال: الصلاة أمامك ) قال: الحافظ ابن حجر : واستدل به على الصلاة في مزدلفة، وهذا مجمع عليه يعني أنه سنة، لكن ذكر الظاهرية أن هذا واجب للاستدلال بهذا الأمر، وهذا فيه نظر لأننا نقول: نعم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( الصلاة أمامك )، دليل على مشروعية الصلاة في مزدلفة، لكن أنى لهم أن تكون الصلاة باطلة ويجب عليه أن يعيد؟ أنى لهم ذلك؟ فليس في الحديث ما يدل على ذلك.

ومن الأدلة على هذا قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وقال كما في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود : ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان، المغرب والعشاء )، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر في غير وقتها.

قالوا: فقوله: ( حولتا عن وقتهما صلاة في هذا المكان ) دليل على أنه لا يجزئ أن يصلي الإنسان المغرب والعشاء إلا في جمع ونقول: إن هذا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إنها حولتا عن وقتهما )، يعني في أول وقتهما ليس الوقت المقصود به الوقت الكامل إنما هو الوقت المستحب، والدليل أن صلاة العشاء صليت في وقتها، وإن كان في أول الوقت، ولكننا نقول: الأفضل والأحرى أن لا يصلي الإنسان المغرب والعشاء إلا في مزدلفة، لكن إن خشي وقت خروج العشاء فإنه والحالة هذه يصلي المغرب والعشاء جمعاً في أي مكان شاء؛ لأن الصلاة في وقتها أولى والعبرة بالوقت أعظم من العبرة بالمكان.

وقت خروج صلاة العشاء

الشيخ: وهناك مسألة أن بعض الإخوة يسأل متى يخرج وقت العشاء؟ نقول: وقت العشاء يخرج كما هو رواية عند الإمام أحمد وهو مذهب ابن حزم -وهو أقوى- واختيار شيخنا محمد بن عثيمين وله رسالة في هذا قال فيها: وهو أن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل لما روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ووقت العشاء إلى منتصف الليل )، ومثله حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه حينما أمر بلال فأذن في أول وقت كل صلاة وفي آخر وقت لكل صلاة، وأقام في أول وقت لكل صلاة وفي آخر وقت لكل صلاة، فلما حضر العشاء قام في أول وقتها وصلى وفي اليوم الثاني أقام في آخر وقتها عند دخول الليل وقال: الصلاة ما بين هاتين، فهذا يدل على أن وقت العشاء ينتهي بمنتصف الليل.

ومنتصف الليل يختلف شتاءً وصيفاً، فيحسب الإنسان من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فيجمعه ويقسمه على اثنين فهذا هو منتصف الليل، وأحب أن أبين أن الإخوة الذين يخرجون من عرفة إلى مزدلفة ربما يحبسهم الزحام فلا يصلون إلى بعد صلاة الفجر وأرى أن هذا ليس بصحيح، وإن كان بعض الفقهاء ينظرون أن الوقت وقت العشاء للضرورة ينتهي إلى الفجر، واستدلوا على ذلك بما في صحيح مسلم من حديث أبي قتادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أما إنه ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من لا يصلي الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى )، قالوا: فهذا يدل على أن وقت كل صلاة لا ينتهي إلا بدخول وقت الصلاة الأخرى، قلنا: هذا ليس على ظاهره بدليل أن صلاة الفجر بينها وبين الظهر وقت مقطوع ليس من وقت الظهر ولا هو من وقت الفجر، وقول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، مما يدل على أن وقت العشاء منقطع عما بعده، وهو ينتهي بمنتصف الليل، هذه مسألة ذكرها المؤلف رحمه الله.

أقوال العلماء وأدلتهم في كيفية صلاة المغرب والعشاء ليلة مزدلفة

الشيخ: المسألة الثانية: هل السنة أن يصلي المغرب والعشاء في وقت المغرب أو العشاء؟ هذه مسألة أخرى، الذي عليه عامة الفقهاء -وربما يستغرب الناس بهذا الطرح- كالأئمة الأربعة وغيرهم، بل هي مسألة إجماع عن أهل العلم نقل الإجماع فيها غير واحد كما سوف نذكر ذلك إن شاء الله أن السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء في جمع في وقت العشاء، كما أن السنة للحاج أن يصلي الظهر والعصر في عرفة جمعاً واستدلوا على ذلك بأدلة:

أولاً: الإجماع: نقل الإجماع غير واحد، كـابن المنذر و ابن تيمية رحمه الله وقد قال في مجموع الفتاوى: إن الجمع بمزدلفة، إن المشروع فيه تأخير المغرب إلى وقت العشاء بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: في شرحه لحديث أسامة بن زيد عندما قال: ( الصلاة أمامك )، واستدل به على جمع التأخير بمزدلفة، وقال: هذا إجماع لأهل العلم وذكر ذلك أيضاً ابن عبد البر في التمهيد، وذكره الخطابي وذكره النووي، بل إن نصوص الأئمة تدل على ذلك، ومنها قول مالك بن أنس رحمه الله حين سئل كما في المدونة: هل الرجل يصلي قبل مغيب الشفق؟ لو وصل مزدلفة قبل مغيب الشفق يعني قبل دخول العشاء، قال مالك : لا أظنه قد كان الوقت يصعب ذلك، فلو وصل أحببت له أن لا يصلي حتى يدخل أو حتى يغيب الشفق أي: حتى يدخل وقت العشاء.

وقال الشافعي رحمه الله كما ذكر ذلك النووي : والسنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء في جمع جمع تأخير ولو صلى المغرب في وقتها أو صلى المغرب والعشاء في غير جمع أو صلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها أساء وترك الفضيلة، وكذلك نص الإمام أحمد أن السنة للإمام أن يجمع جمع تأخير.

ومن الأدلة على ذلك: أولاً: ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي الأحوص عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب والعشاء )، فدل ذلك على أن المغرب حولت عن وقتها إلى وقت العشاء، والعشاء حولت عن وقتها المستحب المتأخر إلى تقدم لأن سنة الصلاة في العشاء هو أن يؤخر الصلاة لكنه في مزدلفة يتقدم في الصلاة، فهذا هو المراد، هذا هو قول عامة الفقهاء، بل قول الحنابلة المتأخرين، وقد كان الحنابلة في كتبهم يذكرون هذا إلى أن جاء الحافظ ابن مفلح في كتابة الفروع قال: وظاهر كلامهم -انظر كلمة وظاهر كلامهم- على أنه لو أتى مزدلفة قبل مغيب الشمس أنه يصلي، فـابن مفلح ذكر ذلك فهماً من عنده، ثم تبعه الأئمة الحنابلة على هذا الأمر، وهذا يدل دلالة واضحة على أن المتقدمين من الحنابلة وغيرهم يذهبون إلى ما ذهب إليه الأئمة وهو أن السنة أن يصلي المغرب والعشاء في وقت العشاء.

والقول الثاني في المسألة: هو قول بعض أهل الحديث قالوا: إن السنة للحاج متى ما قدم مزدلفة فإنه يصلي، سواء كان في وقت المغرب أو كان في وقت العشاء، وهذه المسألة استدلوا عليها بحديث جابر كما في صحيح مسلم قال: ( حتى أتى مزدلفة وصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين )، فجعلوا العبرة بالرسول.

وأنا أقول: المسألة إنما هي على سبيل الاستحباب فسواء صلى المغرب والعشاء في وقت المغرب، أو صلى المغرب والعشاء في وقت العشاء، وإن كنت أرى أن قول الأئمة الأربعة وقول من ذكر الإجماع على أن صلاة المغرب والعشاء في وقت العشاء هو أولى وأحرى، لكن هنا وقفة وهو أن بعض الإخوة خاصة بعض أصحاب الحملات بمجرد وصولهم إلى مزدلفة تجدهم يصلون ولا ينتظرون أصحابهم، وقد وصل النبي صلى الله عليه وسلم كما في صحيح البخاري و مسلم من حديث أسامة قال: ( حتى أتى مزدلفة فتوضأ للصلاة ثم أمر بالأذان )، فهذا يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم توضأ في مزدلفة، فتسارع الناس للصلاة قبل اجتماع إخوانهم أرى أن هذا ليس بالأفضل، ومن المعلوم من السنة المتواترة أن صلاة المرء مع صاحبه أولى من صلاته وحده، وصلاته مع الثلاثة أفضل من صلاته مع الرجل، وهذا الذي ينبغي التنبيه عليه.

ولو أنه خشي خروج الوقت ثم صلى، ثم وصل مزدلفة قبل منتصف الليل فنقول: صلاته صحيحة ولا يعيد؛ لأنه أدى الصلاة بما أمره الله، وقد قال ابن عمر مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين )، فإذا أمرنا الشارع أن نصلي الصلاة قبل مزدلفة بناءً على حفاظنا على الوقت، فلا ينبغي أن نعيد الصلاة؛ لأن الله لم يأمرنا أن نصلي الصلاة مرتين.

كيفية صلاة أهل الباصات عند صعوبة خروجهم منها في مزدلفة

الشيخ: هناك مسألة غير داخلة في الحج وهي أن الإخوة يقولون: نحن نكون في الباصات ويصعب علينا أن ننزل؛ لأن الباصات عن يميننا وعن شمالنا، وربما إذا نزلنا من الباصات تحصل أذية وربما يحصل موت ودهس من المسلمين، فأرى والله أعلم أن الحالة هذه إذا خشي خروج الوقت وهو في الباص فإنه يصلي كيفما اتفق، فمن استطاع من الرجال أن ينزل من الباص ومن الحافلات فيصلي مستقبل القبلة فهذا الذي يجب عليه، ومن لم يستطع مثل الصغار أو كبار السن أو النساء فإنهم يصلون في الباصات كيفما اتفق، فإن استطاعوا أن يقوموا في أداء ركن القيام فعلوا ذلك، وإن استطاعوا أن يركعوا فعلوا ذلك، والله سبحانه وتعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ).

حكم من ترك الجمع بين صلاتي المغرب والعشاء ليلة مزدلفة

الشيخ: المسألة الثالثة: هو أنه لو ترك الجمع يعني صلى المغرب في وقتها والعشاء في وقتها أو غير ذلك، قلنا: خالف السنة ولا يلزمه الإعادة خلافاً للحنفية وخلافاً لـابن حزم رحمه الله.

الشيخ: المؤلف رحمه الله قال كلمة وجيزة فيها مسائل عظيمة المسألة الأولى قوله: (فإذا وصل مزدلفة صلى المغرب والعشاء)، أفادنا المؤلف بهذه العبارة الموجزة مسائل كبيرة:

المسألة الأولى: أن السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بجمع -يعني: بمزدلفة- وقد نقل غير واحد الإجماع على أن السنة التي فعلها النبي صلى الله عليه وسلم هو أن يجمع المغرب والعشاء في جماعة، وقد نقل الإجماع غير واحد منهم ابن المنذر و النووي و الخطابي و ابن حجر وغيرهم كثير كثير، وبينوا أن السنة للحاج أن يصلي المغرب والعشاء بجمع بعد مغيب الشفق -يعني: بعد العشاء- وهذه سنة متواترة، والدليل على ذلك حديث جابر أولاً وهو كما رواه مسلم في صحيحه قال جابر: ( حتى أتى المزدلفة فصلى المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، ولم يسبح بينهما شيئاً، ثم اضطجع ) والحديث الآخر حديث أسامة في البخاري و مسلم واللفظ للبخاري قال: ( ثم سار حتى أتى المزدلفة فتوضأ وضوء الصلاة، ثم أذن قبل حط الرحال وتبريك الجمال، فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى المغرب بإقامة، ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان )، ولحديث أسامة حينما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! الصلاة. قال: الصلاة أمامك ).