خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/122"> الشيخ عبد الرحيم الطحان . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/122?sub=8329"> سلسلة مباحث النبوة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
مباحث النبوة - طبت حياً وميتاً
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس المبحث الثالث من مباحث النبوة في بيان الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه، وقد قدمت الكلام على أن هذه الأمور كثيرة وفيرة، يمكن أن نجملها في أربعة أمور نتحقق بها من صدق من يدعي أنه رسول على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
أول هذه الأمور: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه خَلْقاً وخُلُقاً.
وثاني هذه الأمور: النظر إلى دعوته ورسالته التي بعث بها ودعا إليها.
وثالث هذه الأمور: المعجزات والخوارق التي أيده الله بها.
ورابعها: النظر إلى حال أصحابه وأتباعه رضوان الله عليهم أجمعين.
كنا إخوتي الكرام! نتدارس الشق الأول من الأمر الأول ألا وهو النظر إلى خلق النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قلت فيما مضى: إن الله أعطى رسله وأنبياءه على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، أعطاهم الكمال في خَلْقهم وخُلُقهم، ففي خلقهم وخلقهم كمال من جلال وجمال كما تقدم معنا، وأخذنا الشق الأول لنتدارسه وكان في ظني أن نجمل الكلام عليه في موعظة أو موعظتين، لكن الدروس فيما يبدو ويظهر زادت على خمسة دروس في الشق الأول في بيان ما يتعلق بخَلْق النبي عليه الصلاة والسلام، ووجهة دلالة ذلك على أنه رسول الله حقاً وصدقاً على نبينا صلوات الله وسلامه، وهذه الدروس أقول: وإن طالت في هذا الجانب فهي في الحقيقة قطرة من البحر الذي عليه نبينا عليه الصلاة والسلام في خلقه من الكمال من جلال وجمال، من ملاحة وبهاء على نبينا صلوات الله وسلامه، وإذا فاتنا أن نصحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نمتع العينين بالنظر إلى نور وجهه الكريم الشريف عليه صلوات الله وسلامه وفداه أنفسنا وآباؤنا وأمهاتنا، فلا أقل من أن نطيل الحديث بعض الشيء في وصف بدنه وخَلْقه وجسمه الشريف على نبينا صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! كما قدمت أعطى الله أنبياءه الكمال في خَلْقهم فجعل خَلْقهم يتصف بالجمال والجلال فعوارض البشر التي يصاب بها كثير من البشر بوصفهم بشراً، وبوصفهم من بني آدم، هذه العوارض إذا كان فيها ما يشير إلى نقص فقد صان الله الأنبياء الكرام عنها، فالتثاؤب من العوارض البشرية التي يصاب بها بنو الإنسان، لكن التثاؤب يصان عنه الأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام، لا يمكن لنبي أن يتثاءب؛ هذا يتنافى مع الجمال والجلال، مع الملاحة والبهاء، الذي يكون عليه خَلْق النبي عليه الصلاة والسلام، التثاؤب من الشيطان، ويدل على فتور وضعف عزيمة في الإنسان، فكيف يتصف به نبينا عليه الصلاة والسلام.
وقد ثبت في كتاب التاريخ لشيخ المحدثين الإمام البخاري ، والأثر رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في المصنف، عن يزيد الأصم، ويزيد المعتمد في أمره أنه من أئمة التابعين الكبار الأبرار، وهو يزيد بن الأصم أبو عوف البكائي ، وهو ابن أخت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها وعن سائر الصحابة الكرام الطيبين، يقال: له رؤية للنبي عليه الصلاة والسلام، لكن لا يثبت ذلك كما قال الحافظ ابن حجر ، نعم هو من أئمة التابعين الأبرار وميمونة رضي الله عنها أم المؤمنين تكون خالة لـيزيد بن الأصم رضي الله عنه وأرضاه، وتوفي سنة ثلاث ومائة للهجرة، وحديثه مخرج في صحيح مسلم والسنن الأربعة، وروى عنه البخاري في الأدب المفرد، وهذا الأثر لفظه عن يزيد الأصم رضي الله عنه وأرضاه، قال: ( ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط ). أي: أن نبينا لم يتثاءب عليه صلوات الله وسلامه.
والأثر إخوتي الكرام! مرسل، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يحكي هذا الوصف عن نبينا عليه الصلاة والسلام، لكن بما أنه لم يدركه فإذاً يكون له حكم الإرسال، وهذا المرسل روي ما يشهد له أيضاً من مرسل آخر رواه ابن أبي شيبة أيضاً في المصنف، والإمام الخطابي كما قال الحافظ في الفتح في الجزء العاشر صفحة ثلاث عشرة وستمائة، والأثر الثاني مروي عن مسلمة بن عبد الملك الأمير ، وقال الحافظ عندما ذكر هذا الأثر عنه في الفتح قال: إنه صدوق، وحديثه مخرج في سنن أبي داود ، يقول هذا العبد الصالح مسلمة بن عبد الملك الأمير : ( ما تثاءب نبي قط ) على وجه العموم، وأثر يزيد بن الأصم : ( ما تثاءب النبي صلى الله عليه وسلم قط )، وهنا ( ما تثاءب نبي قط )، هناك يخبر عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه لم يجر منه تثاؤب مطلقاً، منذ ولادته إلى وفاته عليه صلوات الله وسلامه، هذا يتنافى لو تثاءب مع الكمال الخلقي الذي جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم صلوات الله وسلامه، فهذه الصفة التي تكون لنبينا الميمون عليه الصلاة والسلام هي ثابتة أيضاً لجميع أنبياء الله ورسله، فما تثاءب أحد منهم؛ لأن هذا يتنافى مع الكمال، مع الجمال والجلال الذي جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! ولا غرو في ذلك ولا عجب، فالعطاس من الله والله يحبه، والتثاؤب من الشيطان والله يكرهه، وإذا كان كذلك فكيف يتصف الأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه بخصلة هي من فعل الشيطان ووسوسته وتحريكه، وهو المتسبب فيها؟ لا يمكن أن يكون هذا أبداً.
وقد ثبت في المسند والحديث في صحيح البخاري ، ورواه البخاري في الأدب المفرد أيضاً، وهو في سنن الترمذي وأبي داود وصحيح ابن خزيمة ، ومستدرك الحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم فحمد الله فحق على من سمعه أن يشمته، وأما التثاؤب فإنه من الشيطان، فإذا جاء ذلك أحدكم -أي التثاؤب- فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب وقال: ها، ضحك الشيطان منه ).
إذاً: لا يمكن لنبي أن يتثاءب على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! تقدم معنا أن هذا الكمال الخَلْقي الذي جعل الله عليه أنبياءه ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه يصاحبهم في الحياة وبعد الممات، فلا تتغير أبدانهم، ولا يعتريهم ما يعتري البشر من تحلل وعفونات ونتن وغير ذلك، أبدانهم طرية تتثنى، وهم في قبورهم أحياء حياةً أكمل من حياة الشهداء بكثير، هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا رب البرية، وهم في قبورهم يصلون ويعبدون الحي القيوم، وتقدم معنا أن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء، وأن أعمالنا تعرض على نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فما كان من خير حمد الله عليه، وما كان من شر وسوء استغفر لنا نبينا صلى الله عليه وسلم.
هذا إخوتي الكرام! تقدم تقريره، وكان المفروض بعد أن تدارسنا هذا أن ننتقل إلى الشق الثاني من الأمر الأول من الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول، ألا وهو خلق أنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، لكن أردت أن أجعل هذه الموعظة ختام الكلام على خلق النبي عليه الصلاة والسلام، وسيدور هذا حول أمرين اثنين:
الأمر الأول: حول تنبيه على أمر يتعلق بما مضى حول خَلْق نبينا عليه الصلاة والسلام.
والأمر الثاني: عظم المصيبة على هذه الأمة بفقد خَلْق النبي عليه الصلاة والسلام وبدنه، عندما انتقل إلى جوار ربه، على نبينا وعلى أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! أما الأمر الأول الذي سأذكره -وقد تقدم معنا- ( أن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ) وذكرت الأحاديث التي تقرر هذا وتدل عليه، وأن الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون، هذا الحديث جرى بيني وبين بعض ما أعلم ما أعبر عنهم بعض الشيوخ أو بعض الضالين؟ جرى بيني وبينه كلام حول هذا الحديث، وهو في المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، فلما ذكرت له هذا الحديث وهو حديث أوس بن أوس : ( إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء )، قال لي: الحديث ضعيف، قلت: صححه أئمتنا ولا نزاع بينهم في ذلك، قال: من صححه؟ قلت شيخ الإسلام الإمام النووي من جملة من صححه، قال: النووي متمذهب لا يؤخذ بكلامه، قلت: فما علة الحديث عندك؟ حتى ترد كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وتطعن في أئمة الإسلام؟ قال: أقول لك: النووي متمذهب.
وأنا أقول: إن سنة النبي عليه الصلاة والسلام ينبغي أن نحترمها، وكم من يدعي في هذه الأيام أنه على السنة، وأنه صاحب حديث، وهو في الحقيقة على بدعة وصاحب حدث.
وكان أئمتنا الكرام يقولون كما هو قول وكيع بن الجراح شيخ الإمام الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله، يقولون: من طلب الحديث كما هو نفعه الله، ومن طلب الحديث ليؤيد به رأيه فهو مبتدع، يطلب الحديث لكن في ذهنه هوى ورأي وأمر من الأمور، يريد أن يتصيد من السنة ما يقرره، وبعد ذلك ما يخالفه يرده، ليست هكذا دراسة ومدارسة حديث نبينا عليه صلوات الله وسلامه.
إخوتي الكرام! هذا الحديث -كما قلت- حديث صحيح، ويدل على أن أجساد الأنبياء لا تأكلها الأرض ولا تبلى.
وهذا الذي يقول هذا الكلام إنما يقوله لأنه لا يوجد في هذه الحياة من يقدر الأمور حق قدرها، أو يحاسب كل إنسان على كلامه، ولو وجد لضربت رقبته وألقيت بين رجليه، وعلق بعد ذلك مصلوباً أمام الناس عندما يقول هذا الكلام الذي فيه طعن بنبينا عليه الصلاة والسلام، ألا وهو أن أجساد الأنبياء تبلى كغيرهم، لا يا عبد الله!
وقد جرى من بعض أئمتنا الكرام في العصر الأول في القرن الثاني للهجرة ألا وهو وكيع الذي ذكرته قبل قليل، وهو شيخ الإسلام، توفي سنة سبع وتسعين ومائة للهجرة، وكما قلت: هو شيخ الإمام الشافعي وهو من الأعلام ومن أئمة الهدى، جرت منه زلة سأذكرها لكم، وهذه الزلة رواها، لكن روى الحديث ضعيفاً، يشير إلى أن نبينا عليه الصلاة والسلام بعد موته انتفخ بطنه، وانثنت خنصراه -خنصر الإنسان وهما إصبعان معروفان- يقول: انثنى خنصراه، وصار في بطنه شيء من الانتفاخ، فأفتى شيخ أهل مكة في ذلك الوقت عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد وهو في الإسناد ( حياتي خير لكم، ومماتي خير لكم فلا تغفلوا )، أفتى بأن تضرب رقبة وكيع بن الجراح ، وأخذ وحبس، وقد أصر الأمير على ضرب رقبته من أجل رواية رواها، وما قال: هذا رأيي، فلماذا رواها إذاً؟! حتى تدخل سفيان بن عيينة إمام الحرم المكي لهذا الأمير وتوسط في إخراجه، وقال: هذا الحديث رويناه وما روي لـسفيان بن عيينة ، إنما قال هذا من أجل تخليص هذا العبد الصالح من زلة زلها في كلامه عندما روى هذه الرواية التي هي ليست ثابتة، فاستمعوا إخوتي الكرام إلى هذا الأمر، وقارنوا بين ما يقع من هذا الإمام في ذلك العصر، وبينما يقع في هذا العصر، إمام من شيوخ أهل السنة الكرام روى أثراً يمكن أن يؤول، انتفاخ البطن من مرض يمكن أن يقع، والإنسان إذا مرض فإن أصابعه تذبل، وإذا خرجت روح الإنسان من بدنه فإن أصابعه تميل، يعني: ليس في هذا منقصة، لكن لما كان ظاهر الخبر يشعر بأن النبي عليه الصلاة والسلام تغير بعد موته عما كان عليه في حياته قالوا: ينتقص النبي عليه الصلاة والسلام، فلا جزاء له إلا ضرب الرقبة.
تعليق الإمام الذهبي على القول بتغير النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء بعد موتهم
فاستمع هنا، يقول: ولم يرد إلا خيراً، ولكن فاتته سكتة -أي: ما لزم الصمت والسكوت- وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع )، وهذا أثر مروي عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مقدمة صحيح مسلم، ورواه أبو داود في سننه، فليتق كل عبد ربه، ولا يخافن إلا ربه.
قال علي بن خشرم: حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله البهي : ( أن
ثم قال البهي: وكان ترك يوماً وليلة، بل ترك يومين وليلتين عليه صلوات الله وسلامه لانشغال الأمة بأمر الخلافة ومن سيلي أمر المسلمين، حتى ربى بطنه وانثنت خنصراه، أي: صار في بطنه انتفاخ وخنصراه مالتا نحو الأرض، قال ابن خشرم : فلما حدث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع ، ونصبوا خشبةً لصلبه، فجاء سفيان بن عيينة فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيههم، وهذا حديث معروف، قال سفيان : ولم أكن سمعته إلا أني أردت تخليص وكيع ، كأنه يقول: هذا منقول، وهذا إذا لم يثبت فالجناية على من رواه، يعني: لا دخل لـوكيع فيه، قال علي بن خشرم : سمعت الحديث من وكيع بعدما أرادوا صلبه فتعجبت من جسارته، وأخبرت أن وكيعاً احتج فقال: إن عدةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر قالوا: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد الله أن يريهم آية الموت، يعني وكيع ما كفى أنه روى الأثر وليس بصحيح كما سيأتينا كلام الذهبي، عندما جاءوا وقالوا: كيف تروي هذا؟ قال: لا إشكال فالنبي عليه الصلاة والسلام مات، لكن بعض الصحابة عندما شكوا في موته منهم عمر رضي الله عنهم أجمعين لهول المصيبة وشدة الواقع، أراد الله أن يريهم آية في بدن النبي عليه الصلاة والسلام بأنه مات، فانثنت خنصراه -يعنى: ذبل وظهر عليه علامة الموت- رواه أحمد بن محمد بن على بن رزين ، قال: حدثنا علي بن خشرم ، وروى الحديث عن وكيع قتيبة بن سعيد .
يقول الإمام الذهبي : فهذه زلة عالم، فما لـوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد؟ كادت نفسه أن تذهب غلطاً، والقائمون عليه معذورون بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود غضاً لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، لكن إذا تأملته فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحي قد يربو جوفه، يعني: ينتفخ، كأن يصاب بمرض، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يصاب بالأعراض البشرية التي تزيد في أجره ورفعة قدره عند الله جل وعلا من مرض، وهذا لرفع درجاته، وليس في ذلك منقصة، وليس هذا من الشيطان، فإن الحي قد يربو جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض، يعني: نوع من المرض، وأشد الناس بلاءً الأنبياء، وهذا قطعة من حديث صحيح ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )، رواه الإمام الترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد في المسند، والدارمي ، وابن حبان، وصححه ابن حبان وعدد من أئمتنا الكرام، وهكذا الإمام الترمذي.
وإنما من المحظور أن تجوز على النبي عليه الصلاة والسلام تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، -يعني تقول: يتغير كما يتغير الآدميون، وينتن كما ينتنون، هذا هو المحظور- والمحظور أن تجوز أكل الأرض لأجسادهم، ولو قلت: نضرب رقبتك، فهذه منقصة في حق النبي عليه الصلاة والسلام، وأنت تنتقصه بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام مفارق لسائر أمته في ذلك، فلا تأكل الأرض بدنه، ولا يتغير، ولا ينتن عليه صلوات الله وسلامه.
قال الذهبي: فلا يبلى، ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن وما زال أطيب ريحاً من المسك، وهو حي في لحده حياة مثله في البرزخ، يعني: حياة الأنبياء الذين هم يحيون في البرزخ حياةً أكمل من حياة الشهداء، التي هي أكمل من حياة سائر النبيين، وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، وهؤلاء حياتهم الآن التي في عالم البرزخ حق، ولكن ليست هي حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، يعني: ليست حياة الأنبياء في البرزخ كحياة أهل الدنيا فلا يأكلون ولا يشربون، وليست كحياة أهل الجنة من كل وجه، إن هناك أيضاً أكلاً وشرباً واتصالاً بما أحل الله، هذا يمنع منه الأنبياء، لكن كما قلت: أبدانهم تبقى ويعبدون الله، وهذه أشرف حياة تكون للإنسان، ولهم شبه بحال أهل الكهف، ومن ذلك اجتماع آدم وموسى لما احتج عليه السلام وحجه آدم بالعلم السابق، كان اجتماعهما حقاً، وهما في عالم البرزخ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في السموات آدم وموسى وإبراهيم وإدريس وعيسى وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى، هذا كله حق في حديث الإسراء الطويل، والذي منهم من لم يذق الموت بعد هو عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد تبرهن لك أن نبينا عليه الصلاة والسلام ما زال طيباً مطيباً، وأن الأرض محرم عليها أكل أجساد الأنبياء، وهذا شيء سبيله التوقيف، وما عنف النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لما قالوا له بلا علم: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني بليت-؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وتقدم معنا سابقاً.
موقف والي مكة من قول وكيع في تغير جسد النبي ودفاع سفيان بن عيينة عنه
يقول: ففيها عبرة حتى قال الحافظ يعقوب الفسوي في تاريخه: وفي هذه السنة حدث وكيع بمكة عن ابن أبي خالد عن البهي فذكر الحديث ثم قال: فرفع ذلك إلى العثماني -يعني: إلى أمير مكة الحاكم- فحبسه، وعزم على قتله، ونصبت خشبة خارج الحرم، وبلغ وكيعاً وهو محبوس، قال الحارث بن صديق : فدخلت عليه لما بلغني الخبر، وقد سبق إليه الخبر، قال: وكان بينه وبين ابن عيينة يومئذ متباعد -يعني: يوجد شيء من الافتراق والبعد- فقال لي: ما أرانا إلا قد اضطررنا إلى هذا الرجل، يقول وكيع: نحن الآن بحاجة إليه، وهذا شيخ الحرم المكي واحتجنا إليه، فقلت: دع هذا عنك، فإن لم يدرك قتلت، يعني: ليس الآن تقول: نحن ما أرانا إلا محتاجين، دعك الآن من هذا الكلام، ويعني: التسويف، أسرع بالإرسال إلى ابن عيينة ليتدارك الأمر، فأرسل إلى سفيان ، وفزع إليه، فدخل سفيان على العثماني ، يعني: متولي مكة فكلمه فيه، والعثماني يأبى عليه، فقال له سفيان : إني لك ناصح، هذا رجل من أهل العلم، وله عشيرة، وولده بباب أمير المؤمنين، يعني: الخليفة في بغداد، فتشخص لمناظرتهم، يعني: اذهب إلى هناك وتفاهم معهم، أو إذا قتلته سيذهب بك إلى هناك، قال: فعمل فيه كلام سفيان ، أي: أثر في الأمير، فأمر بإطلاقه، فرجعت إلى وكيع فأخبرته، فركب حماراً وحملنا متاعه وسافر، فدخلت على العثماني من الغد فقلت: الحمد لله الذي لم تبتل بهذا الرجل، وسلمك الله، فقال: يا حارث ! ما ندمت على شيء ندامتي على تخليته.
الاستدلال بحفظ أجساد الشهداء على عدم تغير أجساد الأنبياء بعد موتهم
إخوتي الكرام! قصة عبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر رضي الله عنهم أجمعين ثابتة في صحيح البخاري، وهذا في التغيير الأول ونقلهم في المرة الأولى، وقد أشار إليه البخاري في كتاب الجنائز باب: هل يخرج الميت من القبر واللحد لعلة؟
وفي الحديث أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين أخرج والده بعد دفنه بستة أشهر، لكن السبب في الإخراج هنا أنه دفن مع عمرو بن الجموح ، وكان صاحباً لـعبد الله والد جابر، وكان عمرو بن الجموح أيضاً زوجاً لأخت عبد الله والد جابر، فهو زوج عمة جابر بن عبد الله، دفنا في قبر واحد، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: ( كانا متآخيين متصاحبين في الحياة، فدفنوهما في قبر واحد )، عمرو بن الجموح وعبد الله والد جابر، بعد ستة أشهر يقول جابر: ما طابت نفسي أن يكون والدي مع آخر في قبر واحد، فأردت أن أكرم والدي ليكون كل واحد في قبر، كما أن الإنسان في الحياة يستريح إذا كان في بيت بمفرده وما يضايقه أحد في حجرته، يريد أن يجعل والده بعد الممات كذلك، فجاء وفتح عن القبر، فأخرج والده ودفنه بجوار قبر عمرو بن الجموح رضي الله عنهم أجمعين، هذا بعد ستة أشهر، والأثر في صحيح البخاري، يقول: فاستخرجته بعد ستة أشهر كيوم دفنته، ما تغير منه شيء رضي الله عنه وأرضاه.
والاستخراج الثاني كان بعد ست وأربعين سنة، جاء السيل فخرق القبرين على بعضهما وهدم القبرين، فصار كأنهما قبر واحد، فجاء الصحابة إلى جابر وقالوا: أدرك والدك فقد جرفه السيل.
والأثر في الموطأ، ورواه الحاكم في المستدرك والطبراني في معجمه الكبير، ورواه ابن سعد في الطبقات، وإسناد الأثر كما قال الحافظ : صحيح رجاله ثقات، يقول: وبوب عليه البخاري في كتاب الجهاد: باب الدفن في قبر واحد للضرورة، وفيه يقول جابر بعد ست وأربعين سنة: فأخرجتهما يعني: والده وعمرو بن الجموح لم يتغيرا كأنهما ماتا بالأمس. وفي رواية ابن إسحاق في المغازي: فأخرجناهما يتثنيان تثني كأنهما دفنا بالأمس.
إذاً: هذا حديث في حق الصحابة الكرام، ما تغيرت أبدانهم بعد ست وأربعين سنة في حر الحجاز، فكيف إذاً حال النبي عليه الصلاة والسلام؟ إذاً: وكيع كأنه بهذه الرواية عمل جناية لا بد من ضرب الرقبة، لا إله إلا الله.
ووالد جابر وهو عبد الله رضي الله عنه وأرضاه له منزلة عالية عند الله جل وعلا، كما أخبر عن ذلك رسول الله عليه الصلاة والسلام، ففي المسند والصحيحين وسنن النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ( لما قتل والدي يوم أُحد ومثل المشركون به، جئت فكشفت عن وجهه وقبلته وبدأت أبكي، فجعل الصحابة ينهوني عن البكاء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينهاني، ثم جاءت عمتي وهي زوجة
ثبت الحديث بذلك في سنن الترمذي وقال: حسن غريب، ورواه الإمام ابن ماجه في سننه، والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه عليه الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـجابر بن عبد الله رضي الله عنهم أجمعين: ( ألا أبشرك بما لقي الله به أباك؟ قلت: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: إن الله لم يكلم أحداً إلا من وراء حجاب، وكلم أباك كفاحاً، فقال: عبدي تمن علي أعطك، ماذا تريد؟ تمن علي أعطك، فقلت: ربي أريد أن تعيدني إلى الحياة الدنيا لأقتل فيك ثانيةً، قال: قد سبق القول مني بأنهم إليها لا يرجعون، قلت: فأخبر من ورائي، فأنزل الله: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169] ).
وكان هذا العبد الصالح -أعني عبد الله والد جابر- هو أول مقتول في موقعة أحد، وهو الذي تفرس بذلك كما في مسند الإمام أحمد وغيره قال لولده: لولا أنني سأخلف تسع بنات بعدي لقدمتك بين يدي لتقتل، وما أحد أخلفه أعز علي منك بعد رسول الله عليه الصلاة والسلام، أي: أنت بعد الرسول عليه الصلاة والسلام، أما هو أعز الخلق عليه صلوات الله وسلامه، فأريد أن تبقى من أجل البنات، من أجل أخواتك. ثم قال: وما أراني إلا أول مقتول، أي: أنا أتوقع أن أول من سيقتل في هذه الموقعة هو أنا، وكان كذلك رضي الله عنه وأرضاه.
موقف المسلمين من قول وكيع في تغير جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ونقل الحافظ ابن عدي في ترجمة عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد أنه هو الذي أفتى بمكة بقتل وكيع ، وقال ابن عدي : أخبرنا محمد بن عيسى المروزي فيما كتب إلي قال: حدثنا أبي عيسى بن محمد قال: حدثنا العباس بن مصعب ، قال: حدثنا قتيبة ، قال: حدثنا وكيع ، قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد ، فساق الحديث ثم قال: قال قتيبة : حدث وكيع بمكة بهذا سنة حج الرشيد ، هارون الرشيد فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد بن أبي رواد ، فأما عبد المجيد فإنه قال: يجب أن يقتل، فإنه لم يرو هذا إلا من في قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم. وقال سفيان : لا قتل عليه، رجل سمع حديثاً فأرواه -يعني: فنقله ورواه- والمدينة شديدة الحر توفي النبي صلى الله عليه وسلم، فترك ليلتين؛ لأن القوم في إصلاح أمر الأمة، واختلفت قريش والأنصار، فمن ذلك تغير، أي: التغير الطبيعي الذي هو انثناء الخنصرين، قال قتيبة : فكان وكيع إذا ذكر فعل عبد المجيد ، يعني: أنه أفتى بقتله وضرب رقبته، قال: ذاك جاهل سمع حديثاً لم يعرف وجهه فتكلم بما تكلم، يقول: أنا ما أردت انتقاص النبي عليه الصلاة والسلام، وليس في قلبي غش إنما هذه كالمرض الذي يصاب به الإنسان، فصار في بطنه شيء من الانتفاخ من حر الحجاز وخنصراه انثنتا، لا أقول: تعفن ولا تغير ولا بلي.
انتبه لكلام الذهبي ، بعد أن حكى كلام وكيع في عبد المجيد وأن عبد المجيد جاهل كيف يقول: من يقول هذا في قلبه غش على النبي عليه الصلاة والسلام؟ قلت: فرضنا أنه ما فهم توجيه الحديث على ما تزعم، ما فهم أن مرادك مما ذكرته من أثر أن هذا تغير طبيعي كالمرض، أفما لك عقل وورع أنت؟ افرض أن عبد المجيد ما فهم مرادك أفما لك عقل وورع أنت؟ أما سمعت قول الإمام علي : (حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله عليه الصلاة والسلام؟) والأثر ثابت عن علي في صحيح البخاري : أما سمعت في الأثر: ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنةً لبعضهم؟
ثم إن وكيعاً بعدها تجاسر وحج وأدركه الأجل في نصف طريق مكة من الكوفة، لكن لو دخل مكة هل سيترك أم لا؟ العلم عند الله، ولعل الله أراد به خيراً؛ لئلا يقال: قتل من أجل غش في قلبه نحو النبي عليه الصلاة والسلام وهو بريء من ذلك.
الموقف الشرعي مما نقل عن وكيع ومحنته
الإمام الذهبي تعرض إلى هذا أيضاً في ميزان الاعتدال عند ترجمة عبد المجيد بن أبي رواد ، يقول هنا: ونقم على عبد المجيد أنه أفتى الرشيد بقتل وكيع ، والحديث حدثناه قتيبة ، قال: حدثنا وكيع عن إسماعيل بن أبي خالد عن عبد الله البهي ، وتقدم معنا.
قال قتيبة : حدث به وكيع بمكة، وكان سنة حج فيها الرشيد ، فقدموه إليه، فدعا الرشيد سفيان بن عيينة وعبد المجيد فقال: عبد المجيد : يجب أن يقتل، فإنه لم يرو هذا إلا وفي قلبه غش للنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل الرشيد سفيان فقال: لا يجب عليه قتل رجل سمع شيئاً فرواه، والمدينة شديدة الحر، توفي النبي عليه الصلاة والسلام يوم الإثنين فترك إلى ليلة الأربعاء، قلت: النبي صلى الله عليه وسلم سيد البشر، وهو بشر يأكل ويشرب وينام ويقضي حاجته ويمرض ويتداوى، فهو في هذا كسائر المؤمنين -يعني: هذه أعراض بشرية تعتريه كما يعتري غيره من أكل من شرب من قضاء حاجة من نوم، فلما مات بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم عمل به ما يعمل بالبشر من الغسل والتنظيف والكفن واللحد والدفن، انتبه لكن ما زال طيباً مطيباً حياً وميتاً، وارتخاء أصابعه المقدسة وانثناؤها وربو بطنه ليس معنا نص على انتفائه، والحي قد يحصل له ريح وينتفخ منه جوفه، يعني: غازات، فلا يعد هذا إن كان قد وقع عيبا
استمع إلى ما يقوله الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء في الجزء التاسع صفحة تسع وخمسين ومائة فما بعدها في محنة وكيع، يقول: تورط فيها ولم يرد إلا خيراً، ولكن فاتته سكتة -يعنى: ليته سكت- وليس كل ما ينقل يروى، إذا لم يكن ثابتاً وفيه غض ومنقصة من منصب النبي عليه الصلاة والسلام فاسكت عنه، سبحان الله! نحن الآن نرد ما هو ثابت -كما تقدم معنا- حديث (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم)، ماذا أقول؟ جاء بعض المخرفين في هذا الوقت وقال: إنه حديث موضوع، أما تتقي الله منقول أنه موضوع؟ أما تتقي الله؟!
فاستمع هنا، يقول: ولم يرد إلا خيراً، ولكن فاتته سكتة -أي: ما لزم الصمت والسكوت- وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع )، وهذا أثر مروي عن نبينا عليه الصلاة والسلام في مقدمة صحيح مسلم، ورواه أبو داود في سننه، فليتق كل عبد ربه، ولا يخافن إلا ربه.
قال علي بن خشرم: حدثنا وكيع ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن عبد الله البهي : ( أن
ثم قال البهي: وكان ترك يوماً وليلة، بل ترك يومين وليلتين عليه صلوات الله وسلامه لانشغال الأمة بأمر الخلافة ومن سيلي أمر المسلمين، حتى ربى بطنه وانثنت خنصراه، أي: صار في بطنه انتفاخ وخنصراه مالتا نحو الأرض، قال ابن خشرم : فلما حدث وكيع بهذا بمكة اجتمعت قريش، وأرادوا صلب وكيع ، ونصبوا خشبةً لصلبه، فجاء سفيان بن عيينة فقال لهم: الله الله، هذا فقيه أهل العراق وابن فقيههم، وهذا حديث معروف، قال سفيان : ولم أكن سمعته إلا أني أردت تخليص وكيع ، كأنه يقول: هذا منقول، وهذا إذا لم يثبت فالجناية على من رواه، يعني: لا دخل لـوكيع فيه، قال علي بن خشرم : سمعت الحديث من وكيع بعدما أرادوا صلبه فتعجبت من جسارته، وأخبرت أن وكيعاً احتج فقال: إن عدةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عمر قالوا: لم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد الله أن يريهم آية الموت، يعني وكيع ما كفى أنه روى الأثر وليس بصحيح كما سيأتينا كلام الذهبي، عندما جاءوا وقالوا: كيف تروي هذا؟ قال: لا إشكال فالنبي عليه الصلاة والسلام مات، لكن بعض الصحابة عندما شكوا في موته منهم عمر رضي الله عنهم أجمعين لهول المصيبة وشدة الواقع، أراد الله أن يريهم آية في بدن النبي عليه الصلاة والسلام بأنه مات، فانثنت خنصراه -يعنى: ذبل وظهر عليه علامة الموت- رواه أحمد بن محمد بن على بن رزين ، قال: حدثنا علي بن خشرم ، وروى الحديث عن وكيع قتيبة بن سعيد .
يقول الإمام الذهبي : فهذه زلة عالم، فما لـوكيع ولرواية هذا الخبر المنكر المنقطع الإسناد؟ كادت نفسه أن تذهب غلطاً، والقائمون عليه معذورون بل مأجورون، فإنهم تخيلوا من إشاعة هذا الخبر المردود غضاً لمنصب النبوة، وهو في بادئ الرأي يوهم ذلك، لكن إذا تأملته فلا بأس إن شاء الله بذلك، فإن الحي قد يربو جوفه، يعني: ينتفخ، كأن يصاب بمرض، والنبي عليه الصلاة والسلام كان يصاب بالأعراض البشرية التي تزيد في أجره ورفعة قدره عند الله جل وعلا من مرض، وهذا لرفع درجاته، وليس في ذلك منقصة، وليس هذا من الشيطان، فإن الحي قد يربو جوفه، وتسترخي مفاصله، وذلك تفرع من الأمراض، يعني: نوع من المرض، وأشد الناس بلاءً الأنبياء، وهذا قطعة من حديث صحيح ( أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة )، رواه الإمام الترمذي ، وابن ماجه ، وأحمد في المسند، والدارمي ، وابن حبان، وصححه ابن حبان وعدد من أئمتنا الكرام، وهكذا الإمام الترمذي.
وإنما من المحظور أن تجوز على النبي عليه الصلاة والسلام تغير سائر موتى الآدميين ورائحتهم، -يعني تقول: يتغير كما يتغير الآدميون، وينتن كما ينتنون، هذا هو المحظور- والمحظور أن تجوز أكل الأرض لأجسادهم، ولو قلت: نضرب رقبتك، فهذه منقصة في حق النبي عليه الصلاة والسلام، وأنت تنتقصه بذلك، والنبي عليه الصلاة والسلام مفارق لسائر أمته في ذلك، فلا تأكل الأرض بدنه، ولا يتغير، ولا ينتن عليه صلوات الله وسلامه.
قال الذهبي: فلا يبلى، ولا تأكل الأرض جسده، ولا يتغير ريحه، بل هو الآن وما زال أطيب ريحاً من المسك، وهو حي في لحده حياة مثله في البرزخ، يعني: حياة الأنبياء الذين هم يحيون في البرزخ حياةً أكمل من حياة الشهداء، التي هي أكمل من حياة سائر النبيين، وحياتهم بلا ريب أتم وأشرف من حياة الشهداء الذين هم بنص الكتاب: أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169]، وهؤلاء حياتهم الآن التي في عالم البرزخ حق، ولكن ليست هي حياة الدنيا من كل وجه، ولا حياة أهل الجنة من كل وجه، يعني: ليست حياة الأنبياء في البرزخ كحياة أهل الدنيا فلا يأكلون ولا يشربون، وليست كحياة أهل الجنة من كل وجه، إن هناك أيضاً أكلاً وشرباً واتصالاً بما أحل الله، هذا يمنع منه الأنبياء، لكن كما قلت: أبدانهم تبقى ويعبدون الله، وهذه أشرف حياة تكون للإنسان، ولهم شبه بحال أهل الكهف، ومن ذلك اجتماع آدم وموسى لما احتج عليه السلام وحجه آدم بالعلم السابق، كان اجتماعهما حقاً، وهما في عالم البرزخ، وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلم أخبر أنه رأى في السموات آدم وموسى وإبراهيم وإدريس وعيسى وسلم عليهم، وطالت محاورته مع موسى، هذا كله حق في حديث الإسراء الطويل، والذي منهم من لم يذق الموت بعد هو عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام، فقد تبرهن لك أن نبينا عليه الصلاة والسلام ما زال طيباً مطيباً، وأن الأرض محرم عليها أكل أجساد الأنبياء، وهذا شيء سبيله التوقيف، وما عنف النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم لما قالوا له بلا علم: (وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت -يعني بليت-؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء)، وتقدم معنا سابقاً.