خطب ومحاضرات
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس مقاصد النكاح، ونحن في آخر شيء من مقاصده وهو المقصد الخامس، وتقدم معنا أن مقاصد النكاح الأساسية خمسة:
أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية، سواء كانت حسيةً أو معنوية.
ثانيها: إيجاد الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية.
ثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه ومساعدته في نفقته.
رابع المقاصد: تذكر لذة الآخرة.
وكل هذا تقدم معنا الكلام عليه مفصلاً، وكنا نتدارس آخر المقاصد والثمرات ألا وهو ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وقراباته، وقلنا: إننا سنتدارس في هذا المقصد خمس آيات كريمات، وقد تدارسنا أربعاً منها وشرعنا في مدارسة الخامسة، وهي آخر شيء معنا في هذا المبحث، وهي قول العزيز الغفور في سورة النور: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32] .
وقلت: إن الآية تدل على أن النكاح باب للغنى ومفتاح للرزق عن طريق عدة أمور، منها: عن طريق انتفاع كل من الزوجين بصاحبه، هذا عدا عن تيسير الله وتوفيقه للمتزوج بأن يفتح عليه أبواب الرزق.
وذكرت أن هذه الدلالة التي تشير إليها الآية هو ما وضحته آيات القرآن الكريم، وهو الذي ورد في أحاديث نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام: أن معونة الله تكون للمتزوجين، وأن من تزوج امرأةً فستأتيه بالمال بفضل ذي العزة والجلال كما في الحديث: (تزوجوا النساء يأتين بالأموال).
وآخر شيء كنا نتدارسه حديث جابر بن عبد الله الذي رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد في الجزء الأول صفحة خمس وستين وثلاثمائة، وقلت: إن إسناده حسن لولا وجود سعيد بن محمد مولى بني هاشم في الإسناد، فهو الذي كدر حسن الإسناد وأنزله إلى الضعف، ولفظه: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشكو الفاقة فقال له: تزوج)، وقلت: هذا اللفظ هو الذي روي في الأثر في تاريخ بغداد، وأما يرويه الأئمة الفقهاء من أنه تزوج ولم يحصل الغنى، فعاد إلى النبي عليه الصلاة والسلام فأمره أن يتزوج ثانيةً ثم ثالثةً، ثم عند زواجه الرابعة فتح الله عليه أبواب الرزق من حيث لا يحتسب، فهذه الرواية ما وقفت عليها وإن ذكرها الفقهاء وإنما الرواية الواردة في تاريخ بغداد أنه: أمره بالزواج وليس فيه ذكر العودة.
ترجمة محمد بن الحسن القطان
ترجمة عبد الباقي بن قانع
وقال الإمام أبو بكر البرقاني : البغداديون يوثقونه، وهو عندي ضعيف، البغداديون أئمة بغداد وشيوخ الحديث في بغداد يوثقونه، وهو عندي ضعيف، وقال الدارقطني -وهذا كله في السير-: كان يحفظ لكنه يخطئ ويصر، يعني: إذا أخطأ يصر على خطئه ولا يتراجع عنه، قال الإمام الذهبي : حصل به اختلاط قبل موته بسنتين.
وقد نعته الإمام الذهبي في السير بأنه الإمام الحافظ البارع الصدوق إن شاء الله، هذا كلام الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ومثله لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، وأما الذي قبله فالحديث في أعلى درجات الصحة مجمع على ثقته وإمامته.
ترجمة محمد بن أحمد بن نصر الترمذي
وقيل: إنه طرأ عليه الاختلاط بآخره، وتقدم معنا الاختلاط ضمن مباحث الترمذي ، وقلت: من اختلط قبل موته بيسير بشهر أو شهرين لا يعد هذا اختلاطاً، إنما الذي اختلط هو تلميذه ابن قانع اختلط قبل موته بسنتين وهذا اختلاط لا شك، أما قبل موته بقليل فقلت: كل إنسان يصاب بذهول، وفي آخر أيامه تضعف قواه، ونسأل الله حسن الخاتمة عند الممات.
إخوتي الكرام! ترجمه الإمام الذهبي في السير في الجزء الثالث عشر صفحة خمس وأربعين وخمسمائة، ونقل عنه أنه جزم بطهارة شعر النبي عليه الصلاة والسلام، ولا إشكال في ذلك، ووجه ذلك: أنه عند الشافعية: أن شعر الإنسان إذا انفصل عنه فهو جسمه، فهنا يقول: بالنسبة لشعر النبي عليه الصلاة والسلام أجزم بطهارته، ولو انفصل عن جسمه الشريف عليه الصلاة والسلام، قال الذهبي معلقاً على ذلك: قلت: يتعين على المسلم القطع بطهارة ذلك. أي: شعر النبي عليه الصلاة والسلام، ثم قال الإمام الذهبي : فوالهفي على تقبيل شعرة منها، وتقدم معنا ضمن مباحث النبوة أن نبينا عليه الصلاة والسلام وزع شعره في حجة الوداع على الصحابة الأتقياء رضوان الله عليهم أجمعين، والحديث ثابت كما تقدم معنا في صحيح مسلم وغيره.
إذاً: الإمام أبو جعفر الترمذي محمد بن أحمد بن نصر هذا ثقة مأمون، ومن كلامه الذي يكتب بماء العينين لا بماء الذهب: أنه سئل عن حديث النزول، ونقل عنه هذا الإمام الذهبي في السير في المكان الذي ذكرته، ونقله عنه أيضاً في كتاب العلو للعلي الغفار في صفحة ست وخمسين ومائة، سئل عن حديث النزول، وهو حديث متواتر روي عن أكثر من عشرة من الصحابة الكرام: (ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له حتى يطلع الفجر)، وقلت: إنه حديث متواتر ثابت في الصحيحين وغيرهما، أقطع بذلك وأسأل أمام الله عز وجل.
سئل هذا الإمام المبارك عن حديث النزول، وعن معنى نزول ربنا الغفور سبحانه وتعالى، فقال كما في هذين الكتابين وغيرهما في السير وفي كتاب العلو للعلي الغفار: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. النزول معقول يعني معناه معروف، وهذا كما أثر عن الإمام مالك وعن شيخه ربيعة : الاستواء معلوم، وهنا النزول معقول أي: معناه معلوم ثابت معروف عند كل ذي عقل، لكن حقيقة استواء العزيز الغفور لا يعلمها إلا هو، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، والإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتاب العلو للعلي الغفار نقل هذه الجملة وما يشبهها عن إمامين: عن ربيعة شيخ الإمام مالك ، وعن الإمام مالك ، وذكر قبل ذلك أنها رويت عن أمنا أم سلمة زوج نبينا على نبينا وآله وأزواجه وصحبه صلوات الله وسلامه، لكن إسنادها لا يثبت عن أمنا أم سلمة ، وأما رواية ذلك عن ربيعة وعن تلميذه مالك وعن أبي جعفر محمد بن أحمد بن نصر الترمذي فهي ثابتة ثابتة. وانظروا -إخوتي الكرام- إن شئتم رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها في كتاب العلو للعلي الغفار، من رواية محمد بن أشرف وهو الآفة في الإسناد، قال: حدثنا أبو عمير الحنفي ، وأبو عمير قال الذهبي : لا أعرفه عن قرة بن خالد ، عن الحسن البصري ، عن أمه، عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ، قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول. أي: أنه معلوم معقول، فالاستواء معلوم، وغير مجهول، ومعقول، كل هذا بمعنى واحد، لكن الكيف غير معقول، بل هو مجهول، كل هذا أيضاً بمعنىً واحد، قالت: الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به إيمان، والجحود به كفر. قال الإمام الذهبي : هذا القول محفوظ عن جماعة كـربيعة الرأي ومالك الإمام، وأبي جعفر الترمذي ، فأما عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها فلا يصح؛ لأن أبا كنانة ليس بثقة، وأبو كنانة هو محمد بن أشرس ، وأبو عمير لا أعرفه. أبو كنانة محمد بن أشرس بالسين، يقول: ليس بثقة، وقد ترجمه في المغني في الضعفاء في الجزء الثاني صفحة سبع وخمسين وخمسمائة فقال: ضعيف بمرة، واتهمه بعضهم، وتركه محمد بن يعقوب وهو الإمام أبو عبد الله بن الأخرم شيخ حافظ زمانه الإمام أبي عبد الله الحاكم عليهم جميعاً رحمة الله، وتقدم معنا -إخوتي الكرام- ما يتعلق بترجمة الإمام الأخرم ضمن حديث من أحاديث سنن الترمذي في مباحث الترمذي ، وقلت: توفي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقلت: إنه أنكر على اختصار الصحيح المتفق عليه، وقال: نحن بحاجة إلى أن نجتهد في زيادة الصحيح لا أن نقلله وأن نختصره.
وقد تقدم معنا عند حديث بروع بنت واشق أنه قال: لو كان الشافعي حياً لقمت على رأسه وصحت بأعلى صوتي: يا إمام! يا أبا عبد الله ! قد صح الحديث فقل به، وذلك لأن الإمام الشافعي قال: ما بلغني من وجه يثبت، وإن ثبت حديث بروع بنت واشق قلت به، فيقول أبو عبد الله بن الأخرم محمد بن يعقوب وهو من الشافعية، يقول: لو أدركت الشافعي لقمت على رأسه وقلت: يا أبا عبد الله ! قد صح الحديث، فقل به، وتقدم معنا أن هذا القول قال به المتأخرون من الشافعية كما تقدم معنا كلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا.
وقال الذهبي في الميزان كما في اللسان مع الميزان في الجزء الخامس صفحة أربع وثمانين: محمد بن أشرس أبو كنانة متهم في الحديث، وتركه أبو عبد الله بن الأخرم ، هذا كلام الإمام الذهبي ، زاد عليه الإمام ابن حجر في اللسان، قال: وضعفه الدارقطني ، ثم قال: وخفي على الضياء -يعني المقدسي - حاله فروى عنه في الأحاديث الجياد المختارة، وصحح الحديث من طريقه. هذا من زيادة كلام الحافظ ابن حجر على الميزان، والعلم عند ذي الجلال والإكرام.
إذاً: هذا الكلام مروي عن جماعة. عن ربيعة ومالك وأبي جعفر الترمذي ، أما روايته عن ربيعة فانظروه في صفحة ثمان وتسعين من كتاب العلو للعلي الغفار صفحة ثمان وتسعين، يقول: عن سفيان : كنت عند ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، فسأله رجل فقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ فقال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، ومن الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التصديق. وانظروا أثر مالك في صفحة أربع ومائة من كتاب العلو للعلي الغفار.
وقد أورد روايات متعددة عن الإمام مالك عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا منها: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كما وصف نفسه، ولا يقال: كيف؟ وكيف عنه مرفوع، وأنت صاحب بدعة أخرجوه، يقول: ساق البيهقي بإسناد صحيح، ثم روى أيضاً ما يشبه هذا عن الإمام مالك وهو: الكيف غير معقول، والاستواء منه غير مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وإني أخاف أن تكون ضالاً، وأمر به فأخرج. قال الإمام الذهبي : هذا ثابت عن مالك ، وتقدم نحوه عن ربيعة شيخ مالك ، وهو قول أهل السنة قاطبةً أن كيفية الاستواء لا نعقلها، بل نجهلها، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه، وأنه كما يليق به لا نتعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوازم ذلك نفياً ولا إثباتاً، بل نسكت ونقف كما وقف السلف رضي الله عنهم أجمعين، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين، ولما وسعهم إقراره وإمراره. وقد قلت لكم مراراً: إيماننا بصفات ربنا يقوم على هاتين الدعامين: إقرار وإمرار، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] هذا إمرار، وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] إقرار، من لم يقر فهو معطل، ومن لم يمر فهو ممثل، فلا تعطيل ولا تمثيل، قال: ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه، ونعلم يقيناً مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته، ولا في استوائه، ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وانظروه في صفحة ست وخمسين ومائة في ترجمة أبي جعفر الترمذي ، يقول: سمعت أبا الطيب أحمد والد أبي حفص بن شاهين يقول: حضرت عند أبي جعفر الترمذي فسأله سائل عن حديث نزول الرب، كيف هو؟ فقال: النزول معقول، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، قال الذهبي : قلت: صدق فقيه بغداد وعالمها في زمانه، إذ السؤال عن النزول ما هو عي؛ لأنه إنما يكون السؤال عن كلمة غريبة في اللغة، وإلا فالنزول والكلام والسمع والبصر والعلم والاستواء عبارات جلية واضحة للسامع، فإذا اتصف بها من ليس كمثله شيء فالصفة تابعة للموصوف، وكيفية ذلك مجهولة عند البشر، وكان هذا -يعني الترمذي - من بحور العلم، ومن العباد الورعين، مات سنة خمس وتسعين ومائتين عليه وعلى أئمتنا رحمة رب العالمين.
ترجمة إبراهيم بن المنذر
وانظروا -إخوتي الكرام- البحث في هذه المسألة في كتاب السنة لـعبد الله ابن سيدنا الإمام أحمد عليه وعلى أئمتنا جميعاً رحمة الله في الجزء الأول صفحة ثلاث وستين ومائتين، وانظروا أيضاً سير أعلام النبلاء في الجزء الرابع عشر صفحة أربع وأربعين ومائة في ترجمة العبد الصالح ابن الأخرم ، وهو الإمام الكبير الحافظ الأثري أبو جعفر محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم الأصبهاني الفقيه، يقول الإمام الذهبي في آخر ترجمته: له وصية أكثرها على قواعد السلف يقول فيها: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر، فكأنه عنى باللفظ الملفوظ لا التلفظ، وقد توفي ابن الأخرم سنة إحدى وثلاثمائة للهجرة، وعلق الإمام الذهبي على كلام ابن الأخرم في ترجمته أيضاً في تذكرة الحفاظ في الجزء الثاني صفحة سبع وأربعين وسبعمائة، فقال: رأيت له وصيةً يقول فيها: الله تعالى على العرش، وعلمه محيط بالدنيا والآخرة، ويقول فيها: من زعم أن لفظه بالقرآن مخلوق فهو كافر. فالظاهر أنه أراد باللفظ الملفوظ وهو القرآن المجيد المتلو المقروء المكتوب المسموع المحفوظ في الصدور، ولم يرد اللفظ الذي هو فعل القارئ، فإن التلفظ والتلاوة والكتابة والحفظ أمور من صفات العبد وفعله، وأفعال العباد مخلوقة، ولذلك كان أئمتنا يقولون: الصوت صوت التالي، والكلام كلام الباري سبحانه وتعالى.
قال الإمام الذهبي : لكن السلف كانوا لا يسوغون إطلاق ذلك؛ لأنهم خافوا أن يتذرع بذلك إلى القول بخلق القرآن، ورأوا إطلاق الخلقية على اللفظ بدعة، وقد ورد عن الإمام أحمد بن حنبل ما يوضح ذلك فإنه قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن فهو جهمي، انظروا هذا الكلام في تذكرة الحفاظ، وانظروه في غير ذلك من كتب أئمتنا الكرام، وقد وضحه أيضاً الإمام ابن تيمية في كتابه درء تعارض العقل والنقل، في الجزء الأول صفحة إحدى وستين ومائتين، والعلم عند الله جل وعلا.
فهذا العبد الصالح الذي هو من شيوخ البخاري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا توسع بعض الشيء، فالإمام أحمد حمل عليه وتكلم فيه لأجل القرآن، وعلى كل حال: هذا الكلام من هذا الإمام حتماً معتبر، وهو مجتهد فيما قال، لكن لا يعتبر جرحاً في هذا العبد الصالح إبراهيم القرشي الأسدي ، والعلم عند الله جل وعلا.
قال الإمام الذهبي في ترجمته في السير في الجزء العاشر صفحة تسع وثمانين وستمائة: هو الإمام الحافظ الثقة، حدث عنه البخاري وابن ماجه بلا واسطة، فهو من شيوخ البخاري وابن ماجه ، وأخرج له الترمذي والنسائي بواسطة، كما قلت: أخرج له أهل السنن الأربعة إلا أبا داود ، فـالترمذي والنسائي بواسطة ، وابن ماجه بلا واسطة، والبخاري بلا واسطة، فهو شيخ للبخاري ولـابن ماجه عليهم جميعاً رحمة الله.
وكما قلت: هو الإمام الحافظ الثقة، ولو لم يوجد في الإسناد آفة لكان الحديث صحيحاً أو على أقل تقدير في درجة الحسن، هذا الراوي الرابع.
ترجمة سعيد بن محمد وبيان أن ضعفه سبب تضعيف الحديث
وفي الميزان يقول الإمام الذهبي في الجزء الثاني صفحة ست وخمسين ومائة: قلت: حديثه من رواية إبراهيم -يعني إبراهيم بن المنذر - عنه عن ابن المنكدر ، عن جابر رضي الله عنهم أجمعين: (جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشكو إليه الفاقة فقال له: تزوج)، فهذا الراوي فيه هذه الآفة، ومن طريقه روي هذا الحديث، وقلت لكم: لو أن هذا الحديث أفرد وتكلم عليه لما كنا في حاجة إلى دراسة الإسناد، فعند البحث عن أحوال الإسناد مر معي أن الذهبي يتكلم على هذا الحديث ضمن ميزان الاعتدال، والإمام ابن حجر في اللسان في الجزء الثالث صفحة إحدى وأربعين نقل كلام الحافظ الذهبي وما زاد عليه حرفاً، وافقه على ذلك.
وقال ابن الجوزي في كتابه الضعفاء والمتروكين في الجزء الأول صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة: قال ابن حبان : له أحاديث لا تشبه أحاديث الثقات، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد، إذاً لا يحتج به، وقد وهاه أبو حاتم ، ولم يوثقه أحد من أئمتنا، وعليه فحديثه ضعيف بل شديد الضعف، ولذلك قلت: لولا هذا لكان الإسناد في درجة الحسن إن شاء الله، وكما قلت لكم في آخر الموعظة الماضية عندما بحثت في إسناد الحديث: ظننت أن الآفة ستكون في الغالب من الطرف الأخير بدءاً من شيوخ الخطيب فمن بعده، إلا أنها كانت في الطرف الأول من الإسناد بعد الصحابي رضي الله عنهم أجمعين، فما بين هذا الراوي وبين جابر بن عبد الله إلا الراوي التابعي وهو محمد بن المنكدر ، عن جابر بن عبد الله ، فقبله أربعة: محمد بن الحسين القطان ، وعبد الباقي بن قانع ، ومحمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الترمذي ، وإبراهيم أبو إسحاق القرشي الأسدي المدني ، وهذا الخامس.
ترجمة محمد بن المنكدر
وتقدم معنا أن الخطيب البغدادي أورد هذا الحديث في ترجمة محمد بن أحمد الشافعي الترمذي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، وكنا نتدارس رجال الإسناد: والشيخ الأول وهو شيخ الخطيب البغدادي يقول: أخبرنا محمد بن الحسين القطان ، وهو مجمع على ثقته وإمامته، وقد حدث عنه الخطيب وهكذا الإمام البيهقي ، والإمام اللالكائي ، فهؤلاء كلهم من تلاميذه: الخطيب البغدادي والبيهقي واللالكائي عليهم جميعاً رحمة الله، وثقته وإمامته مجمع عليها كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام الذهبي في السير في الجزء الثاني عشر صفحة واحدة وثلاثين وثلاثمائة.
وأما الراوي الثاني وهو شيخ محمد بن الحسين القطان فهو عبد الباقي بن قانع ، صاحب كتاب معجم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، توفي سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة، وأما تلميذه وهو محمد بن الحسين القطان فقد توفي سنة خمس عشرة وأربعمائة كما تقدم معنا، قال الإمام الذهبي في ترجمته في السير في الجزء الخامس عشر صفحة سبع وعشرين وخمسمائة: كان واسع الرحلة، كثير الحديث بصيراً به.
وقال الإمام أبو بكر البرقاني : البغداديون يوثقونه، وهو عندي ضعيف، البغداديون أئمة بغداد وشيوخ الحديث في بغداد يوثقونه، وهو عندي ضعيف، وقال الدارقطني -وهذا كله في السير-: كان يحفظ لكنه يخطئ ويصر، يعني: إذا أخطأ يصر على خطئه ولا يتراجع عنه، قال الإمام الذهبي : حصل به اختلاط قبل موته بسنتين.
وقد نعته الإمام الذهبي في السير بأنه الإمام الحافظ البارع الصدوق إن شاء الله، هذا كلام الإمام الذهبي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا، ومثله لا ينزل حديثه عن درجة الحسن، وأما الذي قبله فالحديث في أعلى درجات الصحة مجمع على ثقته وإمامته.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل | 3297 استماع |
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم | 3251 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] | 3206 استماع |
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] | 3165 استماع |
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً | 3151 استماع |
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] | 3120 استماع |
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده | 3095 استماع |
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] | 3004 استماع |
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة | 2949 استماع |
مباحث النبوة - العدد المباح من الزوجات | 2869 استماع |