مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك الله وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس وصف القاصرات في أحاديث نبينا خير البريات عليه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أن هذا المبحث ساقنا إليه بحث استطرادي ضمن مباحث النبوة ألا وهو: مقاصد النكاح، وتقدم معنا من مقاصد النكاح وحكمه: تذكر لذة الآخرة، وعند هذه الحكمة بحثت في أحوال الحوريات الحسان اللائي يكن في غرف الجنان، فذكرت ما وصفهن به ربنا الرحمن في آيات القرآن، وما ورد من وصفهن في أحاديث نبينا عليه الصلاة والسلام، وباختصار: أعطاهن الله الكمال في خلقهن وفي أخلاقهن، فهن مطهرات من كل آفة حسية أو معنوية.

إخوتي الكرام! وعند المبحث ذلك تقدم معنا أن الله يمن على عباده الموحدين في جنات النعيم بعدد كثير عظيم من الحور العين، وما ورد من أن الواحد يتزوج زوجتين أو سبعين أو ثنتين وسبعين، أو أن له خيمة من لؤلؤة مجوفة له فيها أهلون يطوف عليهن فلا يرى بعضهم بعضاً، أو أن السحابة تمر -كما تقدم معنا في كلام كثير بن مرة - فتقول: يا أهل الجنة! ماذا تريدون أن أمطركم؟ فما طلبوا شيئاً إلا أمطرتهم إياه، قال كثير بن مرة : لئن أشهدني الله ذلك لأقولن لها: أمطري علينا جواري مزينات.

وخلاصة ما قلته حول هذه الأحاديث الثابتة عن نبينا عليه الصلاة والسلام: أن ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير، والله يغدق على عباده ما شاءوا وما أرادوا وما أحبوا لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وقلت: هذا الجواب هو فيما يظهر أسد الأجوبة في هذا الموطن وفيما يشبهه عندما يرد معنا أعداد مختلفة، فالجمع بينها: أنه لا تعارض بينها؛ لدخول القليل في الكثير والعلم عند ربنا الجليل، وهذا الجواب هو الذي يميل إليه شيخ الإسلام الإمام النووي عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في مثل هذه المباحث.

أجوبة الحافظ ابن حجر في عدد أزواج المؤمن في الجنة والتعليق عليها

هذا الجواب أولى من جواب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في الفتح في الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة، فقد ذهب إلى أن الزوجتين يكونان للموحد المؤمن في الجنة من أهل الدنيا، فله زوجتان من أهل الدنيا، وما زاد على ذلك فهو من الحوريات، فله اثنتان وسبعون، وله أكثر من ذلك ما يشاء، هذا كله من الحوريات الحسان، لكن لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا، هذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في الفتح، ثم ذكر جوابين آخرين فقال: يمكن أن تكون التثنية من باب المشاكلة، كقول الله: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ثم قال: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48]، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:66]، يقول: فهذه التثنية مثل التثنية المذكورة أن لكل واحد منهم زوجتين، فلا يراد منها حقيقة العدد، إنما يراد المشاكلة بين هذه الصيغة وصيغة (عينان تجريان)، وهناك عيون كثيرة جارية، فجاءت التثنية من باب المشاكلة اللفظية، ثم استبعد الحافظ ابن حجر هذا.

ثم ذكر جوابا ثالثاً فقال: يمكن أن تكون التثنية للتكثير والتعظيم، ولا يراد منها حقيقة العدد الذي هو بين الواحد والثلاثة، قال: وهذا كقولهم: لبيك وسعديك، لا يريد أنني أطيعك مرة بعد مرة فقط، إنما لبيك وسعديك صيغة تثنية، والمراد طاعة لك بعد طاعة إلى ما لا نهاية له، وإسعاداً لك بعد إسعاد إلى ما لا نهاية له، من ألب بالمكان إذا أقام على ما يريد من الأمر، فأنا طوع أمرك أنفذ ما تريد، وأنا عبد لك، فأتى بصيغة التثنية ولا يراد من ذلك العدد المحصور بين الواحد والثلاثة، أي: طاعة لك بعد طاعة فقط، إنما طاعة بعد طاعة إلى ما لا نهاية له، فأنا مطيع لك في جميع أحوالي، فالصيغة صيغة تثنية، والمراد منها التكثير والتعظيم.

هذه ثلاثة أجوبة ذكرها الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا واختار الأول، وهو أن ما ورد من زوجتين فهذا من نساء أهل الدنيا، والزائد على ذلك من الحور العين. وسيأتينا -فيما يظهر لي والعلم عند ربي- أن هذا القول فيه بعد مع جلالة من قال به؛ لأنه ورد أن لكل واحد زوجتين من نساء أهل الدنيا، وورد أن له زوجتين من الحور العين، وورد ما هو أكثر من ذلك، فلابد إذن من أن نجمع؛ لأن هذا العدد لا مفهوم له، فلا يعني أنه إذا حصل له هذا العدد لا يحصل له ما زاد عليه.

أجوبة الإمام ابن القيم في عدد أزواج المؤمن في الجنة والتعليق عليها

وأما الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في صفحة ستين ومائة، فقد أبعد كثيراً في القول، فذكر ثلاثة احتمالات لهذه الأعداد المختلفة في عدد النساء اللائي يتزوج بهن المؤمن في جنات النعيم، فقال -وهو الاحتمال الأول الذي أورده-: الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل منهم زوجتين، وليس في الصحيح زيادة على ذلك، هذا الوارد في الصحيحين، مع أنه سيأتينا في آخر كلامه، وتقدم معنا خبر الصحيحين وهو آخر ما ذكرته، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، وهو في المسند وسنن الترمذي وغير ذلك، بأن للمؤمن لخيمة مجوفة من لؤلؤة، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضاً، إذن ليس زوجتان فقط، بل أهلون، فهو يقول: الأحاديث الصحيحة مصرحة بأن لكل منهم زوجتين، ثم قال: وأما الأحاديث الزائدة، فإن كانت محفوظة نجمع بينها وبين ما في الصحيح فنقول: ما في الصحيح لكل منهم زوجتان، أي: الزوجة التي هي زوجة حقيقة، سواء من نساء أهل الدنيا أو من الحوريات، وما زاد على ذلك فهو من السراري والإماء والخدم، ولسن من الزوجات، هذا الجواب الأول، يقول: إن ثبت هذا في الأحاديث وصحت فإن الزيادة على الزوجتين على الثنتين هن من باب السراري والإماء، والخدم، لا أنهن زوجات.

ثم أورد احتمالاً ثانياً أبعد من الأول بكثير فقال: لعل النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أن كل واحد له زوجتين، ويعطى قوة سبعين أو أكثر في الجماع، مع أنه ليس له إلا زوجتان، فتصرف بعض الرواة في حديث نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام، فبدل من أن يقول: إنه يعطى قوة سبعين، قال: يزوج بسبعين، فقال: هذا لعله من باب تصرف الرواة.

والاحتمال الثالث الذي ذكره، قال: لعل هذا التفاوت فيما بينهم إن ثبتت به الأحاديث -وهي ثابتة- لتفاوتهم في الدرجات، فبعضهم له زوجتان، وبعضهم له اثنتان وسبعون، وبعضهم له سبعون، وبعضهم أربعة آلاف، على حسب درجته ومنزلته عند ربه جل وعلا، وختم الكلام بقوله: ولا ريب أن للمؤمن أكثر من اثنتين؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه.

وأنا أقول معلقاً على كلام شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: أما الاحتمال الأول الذي ذكره وهو أن الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل واحد زوجتين، والزائد إن ثبت فنقول: هذا من باب السريات والإماء، فأقول: لا فارق بين أحاديث الصحيحين وغيرهما إذا صحت، فإذا صحت فالكل كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ينبغي أن نأخذ به، والأحاديث الصحيحة، سواء كانت في المسند أو في الصحيحين، إذا صحت فلا داعي بعد ذلك وأن نقول: ما في الصحيحين يحمل على أنه زوجة، وما في المسند يحمل على أنه سرية، وقد تقدم معنا أحاديث صحيحة متعددة بأن للمؤمن أكثر من زوجتين في جنات النعيم، فهذا الاحتمال بعيد.

وأبعد منه فتح باب توهيم الرواة وتخطئتهم بدون بينة ولا برهان لا يعول عليه، ولا يجوز أن نفتح هذا الباب قطعاً، ولا يحل لنا أن نقول به، يقول: لعل الرواة أخطئوا وتصرفوا، فبدلاً من أن يقولوا: يعطى الواحد قوة سبعين، قالوا: يعطى سبعين زوجة، وهذا كما قلت: فتح باب تخطئة الرواة بدون مبرر، وهو خطأ.

الأمر الثالث: قوله: يتفاوتون في المنزلة، نعم هم يتفاوتون، وإذا تفاوتوا فلكل واحد على حسب منزلته، لكن لا يعني أن بعضهم قد يقتصر على زوجتين فقط. فالجواب المعتمد أن نقول: ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير، ثم هم يتفاوتون في ذلك، فلا مانع أن يكون عند بعضهم عشرة آلاف، وعند بعضهم ألف، لكن ليس واحد منهم له زوجتان فقط، فإن الأحاديث صرحت بأن أدنى أهل الجنة له اثنتان وسبعون كما تقدم معنا، ويوجد أعداد زائدة، فلا يجوز إذن أن نقول: إنهم يتفاوتون، فبعضهم له زوجتان، وبعضهم له اثنتان وسبعون، وبعضهم مائة، وبعضهم ألف، بل نقول: ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير، ثم هم يتفاوتون حتماً فيما بينهم على حسب رغبتهم، فإذا كان الواحد منهم كـكثير بن مرة رضي الله عنه وأرضاه يريد أن تمطره السحاب جواري مزينات، يعطيه الله من الحوريات ما شاء، وإذا كان الواحد منهم لا يريد عدداً كثيراً على حسب ما يطلب، فلهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد.

هذا الجواب أولى من جواب الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في الفتح في الجزء السادس صفحة خمس وعشرين وثلاثمائة، فقد ذهب إلى أن الزوجتين يكونان للموحد المؤمن في الجنة من أهل الدنيا، فله زوجتان من أهل الدنيا، وما زاد على ذلك فهو من الحوريات، فله اثنتان وسبعون، وله أكثر من ذلك ما يشاء، هذا كله من الحوريات الحسان، لكن لكل واحد زوجتان من نساء الدنيا، هذا ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر في الفتح، ثم ذكر جوابين آخرين فقال: يمكن أن تكون التثنية من باب المشاكلة، كقول الله: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرحمن:46]، ثم قال: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48]، فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:66]، يقول: فهذه التثنية مثل التثنية المذكورة أن لكل واحد منهم زوجتين، فلا يراد منها حقيقة العدد، إنما يراد المشاكلة بين هذه الصيغة وصيغة (عينان تجريان)، وهناك عيون كثيرة جارية، فجاءت التثنية من باب المشاكلة اللفظية، ثم استبعد الحافظ ابن حجر هذا.

ثم ذكر جوابا ثالثاً فقال: يمكن أن تكون التثنية للتكثير والتعظيم، ولا يراد منها حقيقة العدد الذي هو بين الواحد والثلاثة، قال: وهذا كقولهم: لبيك وسعديك، لا يريد أنني أطيعك مرة بعد مرة فقط، إنما لبيك وسعديك صيغة تثنية، والمراد طاعة لك بعد طاعة إلى ما لا نهاية له، وإسعاداً لك بعد إسعاد إلى ما لا نهاية له، من ألب بالمكان إذا أقام على ما يريد من الأمر، فأنا طوع أمرك أنفذ ما تريد، وأنا عبد لك، فأتى بصيغة التثنية ولا يراد من ذلك العدد المحصور بين الواحد والثلاثة، أي: طاعة لك بعد طاعة فقط، إنما طاعة بعد طاعة إلى ما لا نهاية له، فأنا مطيع لك في جميع أحوالي، فالصيغة صيغة تثنية، والمراد منها التكثير والتعظيم.

هذه ثلاثة أجوبة ذكرها الحافظ ابن حجر عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا واختار الأول، وهو أن ما ورد من زوجتين فهذا من نساء أهل الدنيا، والزائد على ذلك من الحور العين. وسيأتينا -فيما يظهر لي والعلم عند ربي- أن هذا القول فيه بعد مع جلالة من قال به؛ لأنه ورد أن لكل واحد زوجتين من نساء أهل الدنيا، وورد أن له زوجتين من الحور العين، وورد ما هو أكثر من ذلك، فلابد إذن من أن نجمع؛ لأن هذا العدد لا مفهوم له، فلا يعني أنه إذا حصل له هذا العدد لا يحصل له ما زاد عليه.

وأما الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح في صفحة ستين ومائة، فقد أبعد كثيراً في القول، فذكر ثلاثة احتمالات لهذه الأعداد المختلفة في عدد النساء اللائي يتزوج بهن المؤمن في جنات النعيم، فقال -وهو الاحتمال الأول الذي أورده-: الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل منهم زوجتين، وليس في الصحيح زيادة على ذلك، هذا الوارد في الصحيحين، مع أنه سيأتينا في آخر كلامه، وتقدم معنا خبر الصحيحين وهو آخر ما ذكرته، حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه، وهو في المسند وسنن الترمذي وغير ذلك، بأن للمؤمن لخيمة مجوفة من لؤلؤة، للمؤمن فيها أهلون يطوف عليهم فلا يرى بعضهم بعضاً، إذن ليس زوجتان فقط، بل أهلون، فهو يقول: الأحاديث الصحيحة مصرحة بأن لكل منهم زوجتين، ثم قال: وأما الأحاديث الزائدة، فإن كانت محفوظة نجمع بينها وبين ما في الصحيح فنقول: ما في الصحيح لكل منهم زوجتان، أي: الزوجة التي هي زوجة حقيقة، سواء من نساء أهل الدنيا أو من الحوريات، وما زاد على ذلك فهو من السراري والإماء والخدم، ولسن من الزوجات، هذا الجواب الأول، يقول: إن ثبت هذا في الأحاديث وصحت فإن الزيادة على الزوجتين على الثنتين هن من باب السراري والإماء، والخدم، لا أنهن زوجات.

ثم أورد احتمالاً ثانياً أبعد من الأول بكثير فقال: لعل النبي عليه الصلاة والسلام ذكر أن كل واحد له زوجتين، ويعطى قوة سبعين أو أكثر في الجماع، مع أنه ليس له إلا زوجتان، فتصرف بعض الرواة في حديث نبينا خير البريات عليه الصلاة والسلام، فبدل من أن يقول: إنه يعطى قوة سبعين، قال: يزوج بسبعين، فقال: هذا لعله من باب تصرف الرواة.

والاحتمال الثالث الذي ذكره، قال: لعل هذا التفاوت فيما بينهم إن ثبتت به الأحاديث -وهي ثابتة- لتفاوتهم في الدرجات، فبعضهم له زوجتان، وبعضهم له اثنتان وسبعون، وبعضهم له سبعون، وبعضهم أربعة آلاف، على حسب درجته ومنزلته عند ربه جل وعلا، وختم الكلام بقوله: ولا ريب أن للمؤمن أكثر من اثنتين؛ لحديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وأرضاه.

وأنا أقول معلقاً على كلام شيخ الإسلام الإمام ابن القيم عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا: أما الاحتمال الأول الذي ذكره وهو أن الأحاديث الصحيحة صرحت بأن لكل واحد زوجتين، والزائد إن ثبت فنقول: هذا من باب السريات والإماء، فأقول: لا فارق بين أحاديث الصحيحين وغيرهما إذا صحت، فإذا صحت فالكل كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ينبغي أن نأخذ به، والأحاديث الصحيحة، سواء كانت في المسند أو في الصحيحين، إذا صحت فلا داعي بعد ذلك وأن نقول: ما في الصحيحين يحمل على أنه زوجة، وما في المسند يحمل على أنه سرية، وقد تقدم معنا أحاديث صحيحة متعددة بأن للمؤمن أكثر من زوجتين في جنات النعيم، فهذا الاحتمال بعيد.

وأبعد منه فتح باب توهيم الرواة وتخطئتهم بدون بينة ولا برهان لا يعول عليه، ولا يجوز أن نفتح هذا الباب قطعاً، ولا يحل لنا أن نقول به، يقول: لعل الرواة أخطئوا وتصرفوا، فبدلاً من أن يقولوا: يعطى الواحد قوة سبعين، قالوا: يعطى سبعين زوجة، وهذا كما قلت: فتح باب تخطئة الرواة بدون مبرر، وهو خطأ.

الأمر الثالث: قوله: يتفاوتون في المنزلة، نعم هم يتفاوتون، وإذا تفاوتوا فلكل واحد على حسب منزلته، لكن لا يعني أن بعضهم قد يقتصر على زوجتين فقط. فالجواب المعتمد أن نقول: ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير، ثم هم يتفاوتون في ذلك، فلا مانع أن يكون عند بعضهم عشرة آلاف، وعند بعضهم ألف، لكن ليس واحد منهم له زوجتان فقط، فإن الأحاديث صرحت بأن أدنى أهل الجنة له اثنتان وسبعون كما تقدم معنا، ويوجد أعداد زائدة، فلا يجوز إذن أن نقول: إنهم يتفاوتون، فبعضهم له زوجتان، وبعضهم له اثنتان وسبعون، وبعضهم مائة، وبعضهم ألف، بل نقول: ذكر القليل لا يتنافى مع الكثير، ثم هم يتفاوتون حتماً فيما بينهم على حسب رغبتهم، فإذا كان الواحد منهم كـكثير بن مرة رضي الله عنه وأرضاه يريد أن تمطره السحاب جواري مزينات، يعطيه الله من الحوريات ما شاء، وإذا كان الواحد منهم لا يريد عدداً كثيراً على حسب ما يطلب، فلهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل 3297 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] 3230 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] 3207 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3] 3166 استماع
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً 3152 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] 3121 استماع
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده 3095 استماع
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] 3005 استماع
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة 2950 استماع
مباحث النبوة - العدد المباح من الزوجات 2869 استماع