مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

إخوتي الكرام! لا زلنا نتدارس مباحث النبوة، وقد طالت وستطول معنا، وتستمر على يقين بضعة أيام، ونسأل الله أن يمدنا بعونه وتوفيقه، وأن يتقبل منا إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

وكما رأيتم -إخوتي الكرام- في مباحثنا نرتع ونجول في رياض شريعة العزيز الغفور سبحانه وتعالى، وقد كنا نتدارس الأمر الأول من المبحث الثالث من المباحث العشرة في مبحث النبوة، وتقدم معنا أن المبحث الثالث يدور حول بيان الأمور التي يعرف بها صدق النبي والرسول على نبينا وأنبياء الله ورسله جميعاً صلوات الله وسلامه، وقلت: إن الأمور مهما كثرت وتعددت وتنوعت يمكن أن تجمع في أربعة أمور:

أولها: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه في خلْقه وخلقه.

وثانيها: النظر إلى دعوة النبي عليه الصلاة والسلام، والنظر في دعوته ورسالته.

وثالثها: النظر في المعجزات التي أيد الله بها رسله على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

ورابع الأمور: النظر إلى حال أصحاب النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فهم صورة لمعلمهم لنبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ومن تأمل أصحاب النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه, علم حقاً وصدقاً أن نبينا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إخوتي الكرام! كنا نتدارس المبحث الأول من المبحث الثالث من مباحث النبوة ألا وهو: النظر إلى النبي عليه الصلاة والسلام في نفسه في خلْقه وخُلُقه, وقد انتهينا من بيان الشق الأول ألا وهو: النظر إلى خلق النبي عليه الصلاة والسلام، وما في خلْقه الحسي من براهين تدل على أنه رسول رب العالمين، على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وانتقلنا بعد ذلك إلى بيان خُلقه الكريم عليه صلوات الله وسلامه، وقلت: إن خُلقه ينقسم إلى قسمين اثنين: خلقه مع الخلق، وخلقه مع الحق جل وعلا.

أما خُلُقه مع الخلق فقلت: يدور على سبعة أمور كنا نتدارس الأمر الأول منها، وهذه الأمور السبعة هي:

أولها: خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع أهله أسرته وقرابته, على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وثانيها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة.

وثالثها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الملائكة الكرام، على نبينا وعليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السلام.

ورابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الإنس.

وخامسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع أعدائه من شياطين الجن.

وسادسها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الحيوانات العجماوات.

وسابعها: خلقه عليه الصلاة والسلام مع الجمادات الصامتات، وقلت: إذا انتهينا من بيان هذه الأمور السبعة ننتقل إلى الشق الثاني من خلقه الشريف عليه الصلاة والسلام ألا وهو: خلقه مع ربه جل وعلا.

إخوتي الكرام! انتهينا بصورة موجزة من بيان خلق نبينا عليه الصلاة والسلام مع أهله الكرام على نبينا وأهل بيته جميعاً صلوات الله وسلامه، وقلت: قبل أن ننتقل إلى الأمر الثاني ألا وهو خلقه عليه الصلاة والسلام مع أصحابه وأتباعه رضي الله عنهم أجمعين، يحسن بنا أن نقف وقفةً عند آل نبينا عليه الصلاة والسلام، عند أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، أمهاتنا أزواج نبينا الأمين أمهات المؤمنين, على نبينا وعلى آل بيته صلوات الله وسلامه, وقلت: هذه الوقفة تحتاج إلى تمهيد.

أولها: ينبغي أن نبين مقاصد النكاح العامة، ثم حكم التعدد في حق الأمة، ثم حكم التعدد في حق النبي عليه الصلاة والسلام، وأن الله زاده على ما أحل لأمته، ثم تراجم موجزاً لأمهاتنا أزواج نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وهذه الأمور الأربعة كنا نتدارس الأمر الأول منها، ونحن على وشك الانتهاء منه لننتقل إلى الأمر الثاني، وقلت: الأمر الأول: مقاصد النكاح العامة، والحكمة من مشروعيته، وقلت: إنها كثيرة وفيرة يمكن أن نجمعها أيضاً في خمس حكم:

أولها: تحصين النفس البشرية من كل آفة ردية حسية كانت أو معنوية.

وثانيها: إيجاد الذرية التي تعبد وتوحد رب البرية.

وثالثها: تحصيل الأجر للزوجين عن طريقين اثنين: عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه، وعن طريق مساعدته في نفقته.

ورابع هذه الأمور والمقاصد والحكم: تذكر لذة الآخرة.

وخامسها: ارتفاق كل من الزوجين بصاحبه وبأهل زوجه وعشيرته وقرابته.

وهذا الأمر هو ما كنا نتدارسه، وقد قررته بالأدلة، ووصلنا إلى قضية مسلّمة أشار إليها ربنا ألا وهي: أن النكاح مفتاح للغنى. وقلت: سأختم به الكلام على هذه المقاصد, أن النكاح مفتاح للغنى وسبب لحصول الرزق كما قال الله جل وعلا: وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [النور:32].

إخوتي الكرام: تقدم معنا أنه يوجد أسباب متعددة لغنى المتزوج، قلت: سأجملها في عشرة أمور، تدارسنا سبعةً منها.

وهي: أن النكاح سبب عادي لحصول الرزق، وذلك أن الإنسان يهتم بتحصيل الرزق، ويهتم بالسعي؛ لأنه صار يشعر بالمسئولية، كما تقدم معنا تقرير هذا، ثم انتفاعه بزوجته عندما تساعده في أمور أعماله، وتحصيل عرض الدنيا، ثم إرثه من زوجته إذا ورثت من أهلها وكانت ثريةً غنية، هذا كله يرتفق بها، وهي ترتفق به أيضاً، ثم يأتيه الأولاد عن طريق النكاح ويساعدونه، ثم يرتفق بأهل زوجته ويساعدونه، فقد يكون فقيراً فيغتني بسبب زواجه من أسرة غنية، ثم مساعدة أهله له؛ لأنهم يشعرون بعظم الثقل الذي بدأ يتحمله عندما يتزوج، فتزداد مساعدة الأهل له، هذه ستة أسباب، وسابعها هو ما ذكرته وقلت: سأعلق عليه في الموعظة الآتية إن شاء الله، وهو مساعدة أهل الخير له، وضربت مثالاً على هذا بقصة زواج خادم نبينا على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه ربيعة بن كعب الأسلمي ، وتقدم معنا حديثه في معجم الطبراني ومسند أبي داود الطيالسي ، وتقدم معنا أنه في مسند الإمام أحمد أيضاً، ورواه الحاكم في المستدرك، وقلت: إنه صحيح والقصة طويلة كنت ذكرتها.

وخلاصتها: أن النبي عليه الصلاة والسلام, عندما عرض عليه أن يتزوج مرةً ومرتين، ثم في الثالثة استجاب ربيعة , ولم يكن عنده مهر، فجمع له الصحابة مهراً، ثم جمعوا له وليمةً وكبشاً، ثم بعد ذلك فتح الله عليه، وقلت: سأعلق على ما جرى بينه وبين سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، وهذا التعليق في الحقيقة خارج عن هذه الأمور العشرة التي هي سبب تحصيل الغنى للمتزوج، لكن لا بد من هذا التعليق، فهو أدب رفيع ينبغي أن نحرص عليه.

إخوتي الكرام! تقدم معنا في حديث ربيعة رضي الله عنه وأرضاه, أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطاه أرضاً, وأعطى أبا بكر رضي الله عنهم أجمعين أرضاً، ثم اختصم مع سيدنا أبي بكر رضي الله عنه في نخلة عذقها مدلى في أرض ربيعة، هل هي لـربيعة أو لسيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين؟ فكان أن صدر من سيدنا أبي بكر رضي الله عنه كلام نحو ربيعة فيه شيء من الغلظة والخشونة، وهو والد من حقه أن يطأ على رقبة ربيعة فمن دونه فضلاً عن إغلاظ القول عليه، هذا والد رضي الله عنه وأرضاه، وهو ذو شيبة المسلمين، وله حق على هذه الأمة بعد نبيها على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، ولا يتقدم حقه إلا حق النبي عليه الصلاة والسلام، فهو والد، فلما قال لـربيعة ما قال، ندم أبو بكر رضي الله عنه، فقال لـربيعة : رد علي مثل ما قلت لك من كلام فيه خشونة، وفيه شيء من الزجر والشدة، ولو فعل ربيعة لأساء الأدب إساءةً عظيمة، فلكل إنسان مقام، وإذا أغلظ الكبير على الصغير في القول فلا يجوز للصغير أن يرد عليه بالمثل، بل يقف عند حده, فذاك له دالة الكبر في السن والمنزلة والقدر، فكلامه لك من باب التوجيه مع ما فيه من غلظة وشدة، وأما كلامك فلا ثم لا, فأنت في الأصل مأمور بتبجيل من هو أكبر منك في المقام وفي السن، فإذا تطاولت عليه في الكلام فهذا كما قلت: إساءة أدب؛ فلذلك وقف ربيعة رضي الله عنه وأرضاه عند حده وقال: والله لا أرد عليك مثل ما قلت لي؛ بل أقول: غفر الله لك يا أبا بكر ! فأنت والدي فكيف أرد عليك؟ يعني: لو أن الوالد أخطأ في حق الولد, فهل من حق الولد أن يخطئ في حق الوالد؟ حتى لو أن الأمر أدى إلى ضرب الوالد ولده خطئاً، فهل من حق الولد أن يضرب والده قصاصاً؟ لا، وهكذا إذا أخطأ الزوج مع الزوجة، وهكذا إذا أخطأ الشيخ مع التلميذ، إلا في موازين الناس في هذه الأيام، فأعان الله الأستاذ إذا أخطأ مع الطالب! فإن الموازين قد اختلت.

فلما رفض ربيعة رضي الله عنه وأرضاه أن يرد على سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم ما قاله له أبو بكر ؛ غضب أبو بكر رضي الله عنه؛ لأنه ربيعة الآن كأنه صار له فضل عليه عندما عفا عنه، وهو الآن كأنه أخطأ في حق ربيعة ، فقال: لتردن عليه مثل ما قلت لك أو لأستعدين رسول الله صلى الله عليه وسلم، أذهب وأشكوك إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فقال: والله لا أرد عليك مثلما قلت لي، بل يغفر الله لك يا أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه، فغضب أبو بكر وضرب الأرض برجله، ثم ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام يشكو إليه ما وقع له مع ربيعة رضي الله عنهم أجمعين، فقال قوم ربيعة لـربيعة : علام يستعدي عليك أبو بكر رسول الله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وهو الذي قال لك ما قال؟ فانظر لحكمة ربيعة وفقهه وبصيرته، قال: ويحكم! أتدرون من هذا؟ هذا ذو شيبة المسلمين، هذا الذي قال الله في حقه: ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]، إياكم أن يسمعكم فيغضب من كلامكم، فيغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم لغضبه، فيغضب الله لغضب رسوله فنهلك، لا أحد منكم يتدخل في هذه القضية، وأنا أتابع الأمر مع النبي عليه الصلاة والسلام لينتهي هذا الموقف، فذهب أبو بكر رضي الله عنه وعرض على النبي عليه الصلاة والسلام ما حصل، فجاء ربيعة وقال: يا ربيعة ! ما لك وللصديق رضي الله عنه وأرضاه؟ فحكى له ما وقع كما قال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه، ثم قال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! بعد أن عنفني بما عنفني به, وهو والدي وقلبي لا يتأثر ولا يتكدر أنا أرد عليه مثلها, كيف أرد على أبي بكر رضي الله عنه؟ لئن ابتلعتني الأرض أيسر علي من أن أعرض به بكلمة واحدة, فضلاً من التصريح ورد الكلام الذي به العنف، فقال: (نعم يا ربيعة ! لا ترد عليه مثلها، بل قل: يغفر الله لك يا أبا بكر !)، فولى سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي.

إخوتي الكرام! هذه القصة كما قلت: ينبغي أن نأخذ منها هذا الأدب ألا وهو: أن لكل واحد منا مقاماً، وإذا عنف الكبير الصغير وأغلظ له في القول, فلا يجوز للصغير أن يرد على الكبير بالمثل، إنما يقول: غفر الله لك أنت والدي لك دالة علي، فإذا عتبت وإذا عنّفت فلك حق، أمّا أنا فلا يمكن أن أرد عليك كلمة خشنة، أنت والدي، هذا في الحقيقة ينبغي أن نأخذه من هذه القصة.

ومثل هذه القصة وقعت مع صديق هذه الأمة وفاروقها، وإذا ذكر الصديق فكل رتبة تتأخر عن رتبته، من رتبة عمر فمن دونه رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين، فقد جرى مع سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وعمر رضي الله عنهم أجمعين ما جرى، فطلب أبو بكر رضي الله عنه من عمر أن يسمح وأن يعفو, فغضب عمر وأغلق الباب في وجه أبي بكر رضي الله عنه، فغضب نبينا عليه الصلاة والسلام, وانظروا لحالة عمر بعد ذلك عندما غضب النبي عليه الصلاة والسلام، ولتعليق نبينا عليه الصلاة والسلام على هذه الحادثة.

والقصة رواها البخاري في صحيحه، كما رواها أبو نعيم في الحلية من رواية سيدنا أبي الدرداء رضي الله عنه وأرضاه، وسيأتي ما رواه أبو يعلى أيضاً من رواية أبي أمامة ، ورواها الإمام الطبراني في معجمه الكبير, من رواية عبد الله بن عمر ، إذاً: وردت من رواية أبي الدرداء وأبي أمامة وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم أجمعين، وهذه رواية أبي الدرداء في صحيح البخاري وحلية الأولياء.

بيان حكم إبداء الرجل ركبته وفخذه

قال أبو الدرداء رضي الله عنه:(كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه, آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته المباركة الشريفة رضي الله عنه وأرضاه)، والركبة عند الجمهور والأئمة الثلاثة ليست من العورة, عند المالكية والشافعية والحنابلة، إنما العورة تبدأ مما بعد الركبة وفوقها من السرة إلى الركبة، وأما السرة فليست من العورة باتفاق المذاهب الأربعة، ما بين السرة والركبة هو العورة، أما عند الحنفية فالركبة تدخل في العورة، وعلى هذا بعض أصحاب الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، وأما الفخذ: فهي عورة باتفاق المذاهب الأربعة.

وقد أجاب الحنفية عن هذا الحديث: (حتى أبدى عن ركبته), بمثل ما قالوه في الآثار التي ورد فيها إبداء الفخذ من قبل النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، قالوا: تلك في حالات اضطرار، إما أن الإنسان غفل عن حاله فبدت ركبته أو فخذه دون شعور في غفلة، أو أنه في حالة شدة في حالة حرب وبأس، فالإنسان لا ينتبه لحاله، أو أنه راكب على دابة أو ما شاكل هذا.

وأما الفخذ فكما قلت: إنه عورة باتفاق المذاهب الأربعة، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه ، والحديث رواه الدارقطني والحاكم وصححه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، والإمام الطحاوي في مشكل الآثار، والحديث صحيح بشواهده، من رواية سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه, أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له:(يا علي ! لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت).

وفي رواية عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه قال:(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشف فخذي، وقال: لا تنظر إلى فخذ حي أو ميت)، والأحاديث في ذلك كثيرة:

منها: ما في سنن أبي داود والترمذي ، والحديث حسن من رواية جرهد رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه وقد انحسر الإزار عن فخذه فقال: يا جرهد ! غط فخذك )، وفي رواية: ( خمر فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة؟).

وقد بوب الإمام البخاري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتاب الصلاة باباً أشار به إلى هذه المسألة فقال: باب ما يذكر في الفخذ، وانظروا هذا الباب في الجزء الأول, صفحة ثمان وسبعين وأربعمائة في شرح الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله.

ثم قال: ويروى عن ابن عباس ، ومحمد بن جحش ، وجرهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفخذ عورة)، ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه في إبداء فخذ النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المناسبات، قال: حديث أنس أسند، وحديث جرهد وابن عباس ومحمد بن جحش أحوط، وأنا أقول: ذاك أسند وأثبت كما قال الإمام البخاري , لكن في حالة الاضطرار، وفي موقعة خيبر كون الإزار انكشف عن فخذ النبي عليه الصلاة والسلام, ورئي فخذه مع حالة اضطراب، أما في حالة الاختيار فلا بد من إسبال الإزار وتغطية الفخذ.

قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار في الجزء الأول صفحة خمس وسبعين وأربعمائة: جاءت الآثار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام, وهي متواترة صحاح فيها أن الفخذ عورة، ثم بعد أن رواها قال: هذه الآثار المروية تخبر أن الفخذ عورة، ولم يضادها أثر صحيح. وانظروا الكلام على هذه المسألة في نصب الراية للإمام الزيلعي, في الجزء الأول صفحة خمس وتسعين ومائتين، وهكذا في تلخيصه في الدراية للحافظ ابن حجر, في الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين ومائتين.

الشاهد: قوله: (حتى أبدى عن ركبته)، يقول الحافظ في الفتح: فيه دلالة على أن الركبة ليست عورة، وقلت لكم: على هذا المذاهب الثلاثة، وانظروا كلام الحافظ في الفتح في الجزء السابع صفحة ست وعشرين، قال فيه: الركبة ليست عورة، وعند الحنفية وبعض الشافعية: أن الركبة من العورة، وأما السرة فليست من العورة عند المذاهب الأربعة، والعلم عند الله جل وعلا.

ندم عمر على ما جرى منه تجاه أبي بكر وبيان النبي لمنزلة أبي بكر

قال: فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أما صاحبكم فقد غامر)، غامر أي: خاصم رضي الله عنه وأرضاه، ولذلك سيأتينا بيان ما حصل منه من مغامرة وخصومة، فعندما أمسك طرف ثوبه بيده حتى بدت ركبته وعليه أثر الغضب, قال: صاحبكم قد جرى بينه وبين غيره خصومة، فقال سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: ( إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي )، أسرعت إليه يعني: بالكلام، لما كان بيني وبينه شيء، وجرى مني نحوه ما جرى على حسب ذهول البشر، ومن عدا النبي عليه الصلاة والسلام يخطئون ويصيبون، والنبي عليه الصلاة والسلام هو الذي يصيب ولا يخطئ عليه صلوات الله وسلامه.

قال: ( فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: يغفر الله لك يا أبا بكر ! ثلاثاً )، هو ينوب عن الأمة عليه الصلاة والسلام، ثم إن عمر ندم، حتماً لأنه قصر في حق سيدنا أبي بكر رضي الله عنه، أغلظ سيدنا أبو بكر رضي الله عنه له في القول ثم ندم، فسأله أن يغفر له فامتنع عمر ، في الحقيقة ينبغي أن يقول له رضي الله عنهم أجمعين: لا يحتاج الأمر إلى مغفرة، وأنت لك دالّة الوالد، فقل لنا ما شئت، وليس لنا إلا أن نستقبل ما تقول بصدر رحب، قال: ( فندم سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، فأتى منزل أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فقال: أثم أبو بكر ؟ فقالوا: لا. فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر ويتغير من شدة الغضب ), عليه صلوات الله وسلامه، وفي بعض الروايات بالغين المعجمة: (يتمغر), أي: كأنه دهن بالمَغر وهو الدهان الأحمر، من شدة انفعاله وتأثره عليه الصلاة والسلام، ( حتى أشفق أبو بكر رضي الله عنه ), خاف على سيدنا عمر من غضب نبينا عليه الصلاة والسلام، ( فجثا على ركبتيه، وقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم! والله أنا كنت أظلم مرتين )، أنا المعتدي، وأنت تغضب على سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر : صدقت، وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟), هذا له منزلة خاصة في هذه الأمة، لا أحد يتعرض له مهما جرى من هذا الصديق والصاحب معاً, لا يتعرض له أحد، لقد أرسلني الله إليكم فقلتم:كذبت -في أول الأمر- إلا هذا الصديق , فهو الذي صدق وواساني بنفسه وماله, ( فهل أنتم تاركون لي صاحبي؟ مرتين، فما أوذي بعد).

وفي رواية أخرى:(كانت بين أبي بكر وعمر محاورة، فأغضب أبو بكر عمر ، فانصرف عمر مغضباً، فاتبعه أبو بكر يسأله أن يستغفر له فلم يفعل، حتى أغلق بابه في وجهه)، حقيقة هذه كبيرة، لكن هذا حال البشر أنه يخطئ، وكما أخطأ أبو بكر رضي الله عنه وندم أخطأ عمر وندم، لكن كما قلت: خطأ الصغير مع الكبير في الحقيقة لا بد له من معاتبة شديدة؛ لئلا يعود عمر ومن دونه إلى مثل هذا الفعل مع صديق هذه الأمة وخيرها بعد نبيها, على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه،(حتى أغلق بابه في وجهه، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ونحن عنده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أما صاحبكم هذا فقد غامر، قال: وندم عمر على ما كان منه, فأقبل حتى سلم وجلس إلى النبي عليه الصلاة والسلام, فقص على رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر، فقال أبو الدرداء : وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل أبو بكر يقول: والله يا رسول الله لأنا كنت أظلم، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ هل أنتم تاركون لي صاحبي؟ إني قلت:(يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً), فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر : صدقت).

والروايتان كما قلت: في صحيح البخاري، والحديث في كتاب حلية الأولياء لـأبي نعيم، وهذه رواية أبي الدرداء رضي الله عنه، وأما رواية أبي أمامة التي هي في مسند أبي يعلى، وانظروها في المطالب العالية في الجزء الرابع صفحة أربع وثلاثين للحافظ ابن حجر، ففيها: أن عمر رضي الله عنه بعد أن جرى منه ما جرى نحو سيدنا أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين لما لم يجد أبا بكر في بيته جاء إلى النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فجلس بقرب النبي عليه الصلاة والسلام، فأعرض النبي عليه الصلاة والسلام عنه، فذهب إلى الجانب الآخر, فأعرض النبي عليه الصلاة والسلام عنه، فجلس بين يديه فأعرض النبي عليه الصلاة والسلام عنه، فقال سيدنا عمر : ( يا رسول الله! -عليه الصلاة والسلام- ما أرى إعراضك إلا لشيء بلغك عني، فما خير حياتي وأنت معرض عني؟ ) أي خير أحصله في هذه الحياة إذا أعرضت عني، آتيك من جهة اليمين فتعرض عني، من جهة الشمال تعرض عني، أجلس بين يديك تعرض عني، فما خير حياتي إذا أعرضت عني وأنت معرض عني؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام:(أنت الذي اعتذر إليك أبو بكر رضي الله عنه فلم تقبل منه؟ ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام: يا أيها الناس! إني جئتكم جميعاً فقلتم:كذبت، وقال أبو بكر رضي الله عنه: صدقت. فهل أنتم تاركيّ وصاحبي؟)، هذا له منزلة خاصة رضي الله عنه.

وقال عمر رضي الله عنه كما في رواية أبي يعلى :(يا رسول الله! -عليه الصلاة والسلام- والله ما أبالي ألا أعيش في الدنيا ساعةً وأنت معرض عني, فطاب خاطر النبي عليه الصلاة والسلام ورضي عنه)، وكما قلت: هذا في رواية مسند أبي يعلى من رواية أبي أمامة رضي الله عنه وأرضاه.

وأما رواية الطبراني في معجمه الكبير, وانظروا الحديث في المجمع في الجزء التاسع في صفحة أربع وأربعين، ورجال الحديث رجال الصحيح, كما قال الإمام الهيثمي، عن ابن عمر رضي الله عنهم أجمعين:(أن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه قال لسيدنا عمر شيئاً، ثم قال: استغفر لي يا أخي، فغضب عمر ، فقال ذلك مرات فغضب عمر، ومن غضبه لم يستغفر له، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم, وانتهوا إليه وجلسوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يسألك أخوك أن تستغفر له فلم تفعل! فقال: والذي بعثك بالحق نبياً ما من مرة يسألني إلا وأنا أستغفر له، ولا من خلق الله أحد أحب إلي بعدك منه، لكن كنت أستغفر له في قلبي )، كلما يقول لي: استغفر لي, أقول: الله يغفر لك، ويجزيك عنا وعن دينه خير الجزاء، لكن أنا بشر منفعل لساني ما تحرك بهذا، وما يوجد أحد من خلق الله أحب إلي بعدك منه، فهو أحب الخلق إلي بعدك، وعمر رضي الله عنه كان يقول -كما في سنن الترمذي وإسناد الحديث صحيح-: أبو بكر سيدنا، وخيرنا، وأحبنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفي صحيح البخاري , عن عمر رضي الله عنه قال: أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا: يعني بلالاً رضي الله عنهم وأرضاهم، هذا سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يتقدم حبه أحد إلا حبك، فاطمئن يا رسول الله! -عليه الصلاة والسلام- فهو غضب ظاهر, لكن ما من مرة إلا وأنا أستغفر له، فقال أبو بكر : ( والذي بعثك بالحق ما من أحد بعدك أحد أحب إلي منه )، أيضاً أنا أحب عمر رضي الله عنه بعد النبي عليه الصلاة والسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا تؤذوني في صاحبي، فإن الله عز وجل بعثني بالهدى ودين الحق فقلتم: كذبت، وقال أبو بكر : صدقت، رضي الله عنهم وأرضاهم، ولولا أن الله عز وجل سماه صاحباً لاتخذته خليلاً)، وصحبة أبي بكر رضي الله عنه منصوص عليها في القرآن، وهذه مزية خاصة له على سائر الصحابة الكرام، ومن شك فيها أو طعن فيها فهو كافر ملعون عند الرحمن، قال تعالى: إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] .

قال:(ولولا أن الله عز وجل سماه صاحباً لاتخذته خليلاً، ولكن إخوة لله, ألا فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة )، والخوخة: هي الباب الصغير الذي يدخل الإنسان من بيته إلى المسجد، وكان الصحابة رضي الله عنهم بيوتهم تشرف على المسجد ولهم خوخات, أبواب صغيرة يقتربون منها ويدخلون منها إلى المسجد, مسجد النبي عليه الصلاة والسلام، فكلها سدت إلا خوخة أبي بكر ، وأيضاً خوخة النبي عليه الصلاة والسلام, كان له باب من بيوته المباركة يدخل منه إلى المسجد، وهكذا سيدنا أبو بكر رضي الله عنه كان له باب من بيته يدخل منه إلى المسجد، وأما بقية الأبواب فكلها تغلق، والحديث رواه الطبراني ، ورجاله رجال الصحيح.

هذا الأدب إخوتي الكرام! كما قلت: ينبغي أن نحرص عليه، وأن نتأدب به، وقلت: هذا من باب التعليق على القصة التي جرت بين سيدنا أبي بكر رضي الله عنه, وسيدنا ربيعة رضي الله عنهم وأرضاهم.

إخوتي الكرام! وهذا الحديث يستنبط منه فوائد جمة، أشار إليها الإمام ابن حجر في فتح الباري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا, في الجزء السابع صفحة ست وعشرين، سأقتصر على ثلاث فوائد منها:

الفائدة الأولى: في الحديث دلالة على فضل سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه على جميع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.

الفائدة الثانية: الفاضل لا ينبغي أن يغاضب من هو أفضل منه، فسيدنا عمر وهكذا سيدنا ربيعة رضي الله عنهم وأرضاهم, لا شك في فضلهم وهم أصحاب نبينا, على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، لكن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه أفضل منهم، فالفاضل لا ينبغي أن يغاضب من هو أفضل منه.

الفائدة الثالثة: في الحديث دلالة على ما طبع عليه الإنسان من البشرية, حتى يحمله الغضب على ارتكاب خلاف الأولى، لكن الفاضل في الدين يسرع الرجوع إلى الأولى.

وبقية الفوائد انظروها في فتح الباري. والعلم عند الله جل وعلا.

قال أبو الدرداء رضي الله عنه:(كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ أقبل أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه, آخذاً بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته المباركة الشريفة رضي الله عنه وأرضاه)، والركبة عند الجمهور والأئمة الثلاثة ليست من العورة, عند المالكية والشافعية والحنابلة، إنما العورة تبدأ مما بعد الركبة وفوقها من السرة إلى الركبة، وأما السرة فليست من العورة باتفاق المذاهب الأربعة، ما بين السرة والركبة هو العورة، أما عند الحنفية فالركبة تدخل في العورة، وعلى هذا بعض أصحاب الشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، وأما الفخذ: فهي عورة باتفاق المذاهب الأربعة.

وقد أجاب الحنفية عن هذا الحديث: (حتى أبدى عن ركبته), بمثل ما قالوه في الآثار التي ورد فيها إبداء الفخذ من قبل النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام، قالوا: تلك في حالات اضطرار، إما أن الإنسان غفل عن حاله فبدت ركبته أو فخذه دون شعور في غفلة، أو أنه في حالة شدة في حالة حرب وبأس، فالإنسان لا ينتبه لحاله، أو أنه راكب على دابة أو ما شاكل هذا.

وأما الفخذ فكما قلت: إنه عورة باتفاق المذاهب الأربعة، وقد ثبت في مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود وابن ماجه ، والحديث رواه الدارقطني والحاكم وصححه، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، والإمام الطحاوي في مشكل الآثار، والحديث صحيح بشواهده، من رواية سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه, أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له:(يا علي ! لا تبرز فخذك، ولا تنظر إلى فخذ حي أو ميت).

وفي رواية عن سيدنا علي رضي الله عنه وأرضاه قال:(نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كشف فخذي، وقال: لا تنظر إلى فخذ حي أو ميت)، والأحاديث في ذلك كثيرة:

منها: ما في سنن أبي داود والترمذي ، والحديث حسن من رواية جرهد رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه وقد انحسر الإزار عن فخذه فقال: يا جرهد ! غط فخذك )، وفي رواية: ( خمر فخذك، أما علمت أن الفخذ عورة؟).

وقد بوب الإمام البخاري عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا في كتاب الصلاة باباً أشار به إلى هذه المسألة فقال: باب ما يذكر في الفخذ، وانظروا هذا الباب في الجزء الأول, صفحة ثمان وسبعين وأربعمائة في شرح الحافظ ابن حجر عليهم جميعاً رحمة الله.

ثم قال: ويروى عن ابن عباس ، ومحمد بن جحش ، وجرهد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الفخذ عورة)، ثم ذكر حديث أنس رضي الله عنه في إبداء فخذ النبي عليه الصلاة والسلام في بعض المناسبات، قال: حديث أنس أسند، وحديث جرهد وابن عباس ومحمد بن جحش أحوط، وأنا أقول: ذاك أسند وأثبت كما قال الإمام البخاري , لكن في حالة الاضطرار، وفي موقعة خيبر كون الإزار انكشف عن فخذ النبي عليه الصلاة والسلام, ورئي فخذه مع حالة اضطراب، أما في حالة الاختيار فلا بد من إسبال الإزار وتغطية الفخذ.

قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار في الجزء الأول صفحة خمس وسبعين وأربعمائة: جاءت الآثار عن نبينا المختار عليه الصلاة والسلام, وهي متواترة صحاح فيها أن الفخذ عورة، ثم بعد أن رواها قال: هذه الآثار المروية تخبر أن الفخذ عورة، ولم يضادها أثر صحيح. وانظروا الكلام على هذه المسألة في نصب الراية للإمام الزيلعي, في الجزء الأول صفحة خمس وتسعين ومائتين، وهكذا في تلخيصه في الدراية للحافظ ابن حجر, في الجزء الأول صفحة اثنتين وعشرين ومائتين.

الشاهد: قوله: (حتى أبدى عن ركبته)، يقول الحافظ في الفتح: فيه دلالة على أن الركبة ليست عورة، وقلت لكم: على هذا المذاهب الثلاثة، وانظروا كلام الحافظ في الفتح في الجزء السابع صفحة ست وعشرين، قال فيه: الركبة ليست عورة، وعند الحنفية وبعض الشافعية: أن الركبة من العورة، وأما السرة فليست من العورة عند المذاهب الأربعة، والعلم عند الله جل وعلا.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
مباحث النبوة - الرضاعة حق للطفل 3297 استماع
مباحث النبوة - أزواج المؤمنين في جنات النعيم 3251 استماع
مباحث النبوة - النكاح مفتاح الغنى [1] 3230 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [1] 3207 استماع
مباحث النبوة - صفات النبي صلى الله عليه وسلم خلقاً وخلُقاً 3152 استماع
مباحث النبوة - الآفات الردية في الشهوة الجنسية [2] 3121 استماع
مباحث النبوة - كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده 3095 استماع
مباحث النبوة - قوت النبي صلى الله عليه وسلم [1] 3005 استماع
مباحث النبوة - ضرب المرأة بين المنع والإباحة 2950 استماع
مباحث النبوة - العدد المباح من الزوجات 2869 استماع