ديوان الإفتاء [443]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين, حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد, البشير النذير والسراج المنير, وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ[البقرة:32].

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته, وفقني الله وإياكم لكل خير, ووقانا جميعًا كل سوء وضير, وأعاننا على فعل الخيرات وترك المنكرات, ويسر لنا أمورنا كلها.

بعدما انقضت تلك الأيام المباركة, ووفق الله عز وجل من وفق من عباده لحج بيته الحرام, ووفق آخرين لإعمار تلك الأيام بصالح الأعمال: من الصيام والقيام والصدقات، والإكثار من ذكر الله عز وجل وفعل الخيرات, لا بد من كلمة تقال، وهي أنه لا بد للمسلم أن يستصحب طاعة الله عز وجل في شأنه كله, ويواظب عليها في عمره كله, كما قال سبحانه: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ[الحجر:99].

ولا بد أن نذكر بأن المسلم يعود بعد هذه الشعيرة المباركة التي هي الحج وقد استفاد فوائد جمة:

من ذلك: أنه يجدد علاقته بربه جل جلاله في الإخلاص له, والحرص على مرضاته، فحين قال: لبيك اللهم لبيك، إنما أخلص العمل لله عز وجل, وهو متشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (اللهم اجعله حجًا مبرورًا لا رياء ولا سمعة).

ثم إنه اعتاد في حجه أن يكثر من الدعاء والثناء على الله عز وجل, كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام: (خير الدعاء دعاء يوم عرفة, وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير), كما أنه في حجه حقق توحيد الله عز وجل؛ حين جرد نفسه من كل شائبة، وأخلص عمله لله ابتداءً, ثم إنه أثناء المناسك توجه إلى الله عز وجل بكليته بعدما طاف بالبيت العتيق, فصلى خلف المقام ركعتين قرأ فيهما بسورتي الكافرون والإخلاص, ثم إنه خلال المناسك حقق المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فطاف كما طاف, وسعى كما سعى, وبات حيث بات, وأقام حيث أقام, وقصر الصلاة حيث قصر, وتذكر أحواله صلوات ربي وسلامه عليه, وهو يرمي يوم العيد جمرة العقبة وهو على بعيره, ويقول للناس: ( لتأخذوا عني مناسككم، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).

وكذلك في الحج اعتاد المسلم تعظيم شعائر الله عز وجل, فها هو يطوف بالكعبة المشرفة معظماً لها, ويقبل الحجر الأسود، ويتذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استلمه وقبله, ثم إنه يضطبع ويرمل في طواف القدوم متابعة للنبي صلوات ربي وسلامه عليه, ثم يقيم بمنى يوم الثامن ثم ينتقل إلى عرفة يوم التاسع, ويبيت بالمزدلفة ليلة العاشر.

ثم في يوم العيد يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو في هذا كله محقق للمتابعة, يشهد يقيناً أن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله: فهو الذي أخرج الناس من الظلمات إلى النور, وبصرهم من العمى, وهداهم من الضلالة, وعلمهم من الجهالة إلى غير ذلك.

ثم من الفوائد كذلك في الحج: أن المسلم يعتاد الخلق الكريم مع المسلمين, حين يتعارف معهم على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم, فيرفق بهم ويعطف عليهم, ويمد يد العون للمحتاج منهم, وهذا كله تعويد على حسن الخلق مع المسلمين، صغيرهم وكبيرهم, فحين يتحمل ما يصدر من بعضهم من أذى فإنه يتشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أصبر الناس على الأذى, وقد شرح الله صدره حتى وسع الناس جميعاً, وهو الذي قال لنا: ( إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم, فسعوهم بأخلاقكم ).

كذلك المسلم في الحج أظهر عداوته للشيطان الرجيم الذي أمرنا الله عز وجل بأن نتخذه عدواً فقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[يس:60], وقال: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ[فاطر:6], والمسلم يوم عرفة أظهر عداوته للشيطان حين جأر بالدعاء إلى الله عز وجل, وتاب إليه توبة نصوحاً فما رئي الشيطان في يوم أحقر ولا أدحر ولا أغيظ منه في يوم عرفة؛ من كثرة ما يعتق الله عباده من النار, ثم بعد ذلك على صعيد مزدلفة أيضاً ذكر الله عند المشعر الحرام, ثم في يوم العيد كانت العداوة الحسية برمي جمرة العقبة بسبع حصيات, ثم حلق الشعر افتتاحاً لعهد جديد فيه الطاعة والإنابة والإخبات، ثم تتالت عداوة الشيطان وبيان مظاهرها في أيام التشريق برمي الجمار واحدة بعد الأخرى.

هذا كله قد ظهر في الحج, وحري بمن وفق لأداء هذا النسك أن يتقي الله عز وجل فيما بقي من عمره, وأن يتقرب إلى الله عز وجل بصالح عمله, وأن يقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم ما استطاع إلى ذلك سبيلًا.

فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات, والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, اللهم اجعلنا شاكرين لنعمك, مثنين بها عليك قابليها منك, وأتمها علينا يا أرحم الراحمين.

نقف الآن مع الإجابة على بعض هذه الأسئلة التي وردت كتابة:

عدة المرأة المتوفى عنها زوجها

السؤال: توفي زوجي في اليوم الخامس عشر من شعبان, فمتى تنقضي عدتي؟

الجواب: المرأة التي توفي عنها زوجها لا تخلو من حالين: إما أن تكون حاملًا, وإما أن تكون حائلًا, فإذا كانت حاملًا: فعدتها وضع الحمل، قال الله عز وجل: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[الطلاق:4], أما إذا كانت حائلًا بمعنى أنها غير حامل, فعليها أن تحصي أربعة أشهر وعشرة أيام.

وعليه فإن هذه المرأة التي توفي زوجها في الخامس عشر من شعبان تنقضي عدتها بمغيب شمس الخامس والعشرين من ذي الحجة؛ لأن من الخامس عشر من شعبان إلى الخامس عشر من ذي الحجة هذه أربعة شهور, من الخامس عشر من شعبان إلى الخامس عشر من رمضان شهر، إلى الخامس عشر من شوال شهران, إلى الخامس عشر من ذي القعدة ثلاثة أشهر, إلى الخامس عشر من ذي الحجة أربعة أشهر, ثم تضيف عليه أيامًا عشرة, فإذا غربت شمس الخامس والعشرين من شعبان, فقد انقضت عدتها.

الفرق بين الفرح بالعمل الصالح وتزكية النفس

السؤال: تنتابني تزكية للنفس مع فرح بعد كل عمل صالح أعمله, فهل هي تزكية أم وسوسة؟

الجواب: يا أختاه! سؤالك عن أمرين: عن الفرح بالعمل الصالح, وعن تزكية النفس.

أما الفرح بالعمل الصالح فمشروع: قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ[يونس:58], والمسلم تسره حسنته, وتسوءه سيئته, وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم بمثل هذا فقال: ( للصائم فرحتان: فرحة عند فطره, وفرحة عند لقاء ربه ), فالصائم يفرح إذا أفطر, ومن أدى فريضة الله أيضًا كالصلاة يفرح, ومن أدى الحج يفرح, ومن قرأ شيئاً من القرآن يفرح، فهذا شيء مشروع ومطلوب، وهو من علامات الإيمان إن شاء الله.

أما تزكية النفس فممنوعة، قال الله عز وجل: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[النجم:32], وقال الله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا * انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا[النساء:49-50], فلا ينبغي للمؤمن أبدًا أن يزكي نفسه فيقول: أنا صالح, أنا تقي، أنا عالم, أنا بر, أنا أخاف الله, ونحو ذلك، بل الواجب على المسلم أن يتهم نفسه دائمًا بالتقصير, وأن يرى نفسه في محل القصور, فهكذا كان عهد الصالحين.

حمل الإمام لجهاز (المايك) في يده أثناء الصلاة

السؤال: ما حكم صلاة إمام يصلي وفي يده المايك؟

الجواب: لا مانع يا أخي! من أن يحمل في يده المايك من أجل أن يسمع الناس, وإلا فقد أغنانا الله بهذه المكبرات الصغيرة التي تعلق على الصدر ولا تحتاج إلى حمل, ولا تحتاج إلى مئونة, لكن على كل حال فإن الصلاة صحيحة؛ لأن هذه حركة تدعو إليها مصلحة الصلاة، وليست هي من العبث بحال.

اعتبار الغيبة والنميمة من كبائر الذنوب

السؤال: صارت المجالس لا تخلو من الغيبة والنميمة, هل هي من الكبائر؟

الجواب: نعم, الغيبة والنميمة كلاهما من الكبائر, والنميمة أشد؛ لأنها تفسد ذات بين المسلمين, (وفساد ذات البين هي الحالقة, لا أقول: تحلق الشعر ولكن تحلق الدين), وقد قال النبي الكريم عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم: ( لا يدخل الجنة نمام ), ولما مر على قبرين قال: ( إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير: بلى إنه لكبير, أما أحدهما فكان لا يستتر من بوله, وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة بين الناس ).

فكذلك الغيبة وهي: ذكرك أخاك بما يكره، فقد نفرنا منها ربنا جل جلاله بثلاثة أساليب.

أولاً: قال سبحانه: أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ[الحجرات:12], فبين أن المغتاب يأكل لحم الإنسان, وكفى به شناعة.

ثانيًا: أن من وقعت عليه الغيبة ليس إنسانًا كسائر الناس، وإنما هو أخو المغتاب.

ثالثًا: مثّل الله الغائب بالميت، فهو لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

ووجه الشبه أن الذي تذكره بالسوء غائب لا يستطيع الدفاع عن نفسه, ولذلك قال بعض الصالحين: لو كنت مغتابًا أحدًا لاغتبت والدي؛ لأنهما أحق الناس بحسناتي, فلذلك نسأل الله أن يتوب علينا أجمعين, وأن يعفو عنا, وأن يصون ألسنتنا عن أعراض المسلمين والمسلمات.

منزلة الكذب بين الذنوب

السؤال: هل الكذب من الكبائر أم من الصغائر؟

الجواب: منزلة الكذب تكون بحسب ما يترتب عليه, إذا كان ترتب على هذا الكذب ضياع حق أو أكل مال بالباطل، أو إيقاع لمسلم في مصيبة من المصائب فهو من الكبائر, يعني: أن منزلة الكذب تكون باعتبار ما يترتب عليه, أما إذا كان أمرًا يسيرًا كمن قالت لولدها: تعال أعطك فلم تعطه شيئًا، فهذه تكون من الصغائر، شريطة عدم الإصرار عليها, والله تعالى أعلم.

أقف مع بعض المكالمات ثم أرجع إلى الأسئلة المكتوبة إن شاء الله.

المتصل: أنا أسأل يا شيخنا عن صلاة قيام الليل, إذا صلى الإنسان بعد العشاء مباشرة ركعتين, فهل تعتبر هاتان الركعتان من قيام الليل؟ وهل لصلاة الليل زمن محدد أم أن الإنسان يصلي في أي وقت من بعد صلاة العشاء؟

الشيخ: طيب, شكر الله لك يا عباس. وسأجيبك لاحقاً إن شاء الله.

المتصل: أنا أم علي ولدي سؤالان:

السؤال الأول: وضعت حملي في شهر رمضان، فسألت عما بقي علي من أيام الشهر أحد المشايخ فأفتاني بأن علي فدية، فأنا أسأل الآن عن واحد وعشرين يوماً بقيت من الشهر هل علي صيامها أم الفدية؟

السؤال الثاني: التسبيح بالسبحة بعد الصبح لأجل ضبط العدد ما حكمه؟

الشيخ: طيب شكرًا.

المتصل: يا شيخ! هناك أناس يقولون: إن الرجل إذا طلق امرأته وهي حامل ثم وضعت ولداً فإنها ترجع إليه من غير مراجعة، ولو وضعت بنتاً فلا ترجع إليه، فما صحة هذا الكلام؟

الشيخ: طيب، شكرًا بارك الله فيك.

المتصل: أنا محمد أحمد عباس لدي سؤالان:

السؤال الأول: أسأل عن آية تتكرر في سورة النساء وهي قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء:12]؟

السؤال الثاني: لو أن للإنسان من أهله من يقيم في السعودية، وأرسلوا له كرت دعوة زيارة وقت أيام الحج فذهب لزيارتهم، ثم ذهب للحج، فهل حجه صحيح أم غير صحيح؟

الشيخ: طيب شكرًا.

وقت صلاة الليل وعدد ركعاتها

السؤال: أخونا عباس من شندي يسأل عن وقت صلاة قيام الليل وعدد ركعاتها.

الجواب: قيام الليل يا عباس! يبدأ وقته من بعد صلاة العشاء, ولا ينتهي إلا بطلوع الفجر الصادق, فلو أنك بعد صلاة العشاء صليت ركعتين أو أربعًا أو ستًا أو أكثر فهذا كله يعتبر من قيام الليل، ومن كل الليل أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أوله ووسطه وآخره, حتى استقر أمره عليه الصلاة والسلام أنه يوتر من آخر الليل, يعني: أحيانًا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي أول الليل ثم يوتر وينام, وأحيانًا كان ينام ثم يقوم في نصف الليل فيصلي ويوتر وينام, وأحيانًا كان ينام عليه الصلاة والسلام ثم يقوم آخر الليل فيصلي ويوتر, وأي ذلك فعلت فهو سنة ومجزئ بإذن الله.

ولا بد أن أذكر هنا بأن قيام الليل مرضاة لربنا، ومطردة للداء عن أجسادنا، وهو دأب الصالحين من قبلنا, وقد أثنى ربنا جل جلاله على هؤلاء فقال: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[السجدة:16-17], وأخبر أنهم هم أهل الجنة, أسأل الله أن يجعلنا منهم: إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ[الذاريات:15-17].

القول بالفدية على النفساء التي أفطرت من رمضان

السؤال: أم علي من شندي ذكرت أنها وضعت في اليوم التاسع من رمضان, بمعنى أنها كانت نفساء فيما بقي من الشهر, فسألت بعض الشيوخ فأفتاها بأنها تفدي.

الجواب: إذا كان هذا الشيخ الذي سألتيه من أهل العلم، وهذا الذي ترجح عنده، وأنتِ سألته فأجابك بهذا الجواب فقد برئت ذمتك إن شاء الله، ولا شيء عليك.

التسبيح بالسبحة لضبط العدد

الشيخ: وأما التسبيح بالسبحة أو بالمسبحة، فلا حرج أن الإنسان يستعمل المسبحة من أجل أن يحصي بها ويعد التسبيحات، ويضبط العدد, فهي وسيلة ليست إلا, وللوسائل حكم المقاصد, وقد ثبت عن جمع من الصحابة رضوان الله عليهم بأنهم كانوا يستعملون المسبحة, فليس في استعمالها حرج, ولو استطاع الإنسان أن يحصي بأصابعه فهو أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اعقدوهن بالأنامل فإنهن مسئولات مستنطقات ).

القول بأن المرأة المطلقة إذا أنجبت ولداً رجعت لزوجها بدون مراجعة وإن أنجبت أنثى فلا

السؤال: عبد المحسن غفر الله لي وله وللمسلمين من المناقل, ذكر أن بعض الناس يفتري على الله الكذب فيقول: لو أن رجلًا طلق امرأته وهي حامل، فإن أنجبت ولداً رجعت عليه من غير شيء, يعني أنها لا تحتاج إلى مراجعة بل ترجع إليه تلقائيًا, أو كما يقول الناس: أوتوماتيكيًا ترجع إليه, وأما إذا أنجبت أنثى فلا ترجع إليه؟

الجواب: هذه شريعة الشيطان: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ[الأنعام:121], والقائلون بهذا أذكرهم بقول ربنا: وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ[النحل:116], مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ[يونس:70], فالإنسان لا ينبغي له أن يقول: هذا حلال وهذا حرام بمجرد التشهي والهوى، أو أن الناس قد قالوا بقوله، فما كل الناس يقبل قوله في أي فرع من الفروع, وليس في الشريعة أو في الحلال والحرام فقط, بل حتى في الأمراض العضوية، فلا نقبل إلا قول الطبيب الحاذق المشهود له بالعلم والتبصر, وكذلك لو أن الإنسان أراد أن يبني دارًا فإنه يختار المهندس الحاذق والمقاول الأمين, وكذلك لو أن الإنسان مرض حماره أو مرضت بقرته فإنه يبحث عن البيطار الحاذق الماهر الذي يحسن الصنعة ويتقنها, وقل مثل ذلك في سائر الأمور.

سبب تكرار قول الله تعالى: (من بعد وصية يوصى بها أو دين)

السؤال: أخونا أبو بكر محمد أحمد عباس من أم درمان, سأل عن تكرار قول ربنا جل جلاله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء:12]؟

الجواب: هذه الجملة ذكرت في الآية الحادية عشرة والثانية عشرة من سورة النساء وتكررت مرارًا, لما بين ربنا جل جلاله أن قسمة الميراث تكون للذكر مثل حظ الأنثيين, ختم الآية بقوله: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء:12], وهناك قال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ[النساء:12], قال: وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ[النساء:12], بمعنى أننا قبل قسمة التركة لا بد أن نخرج من مال الميت حقوقًا أربعة:

أولها: نفقة التجهيز, وهي ما يتعلق بالكفن والحنوط والسرير الذي يحمل عليه، والقبر الذي يحفر له أو يشترى, فهذه تخرج من تركته.

ثانيها: لا بد أن نخرج الديون التي لله عز وجل: كالزكوات والكفارات والنذور, والديون التي للآدميين كذلك.

ثالثها: الوصية, فلا بد أن ننفذ وصيته إذا كانت في حدود المشروع.

رابعها: أن تقسم التركة على المستحقين, ويبدأ بالدين قبل الوصية, وسبب تقديم الوصية هو ما قاله المفسرون: قدم الله الوصية على الدين من باب الاهتمام, فكما أنكم تهتمون بقضاء الديون فاهتموا بإنفاذ الوصايا.

الذهاب إلى الحج بكرت دعوة زيارة من الأقارب

الشيخ: أما السؤال عن كرت الدعوة الذي جاءك من أبيك أو أخيك أو خالك أو عمك يا أبا بكر! فذهبت به وحججت فحجك صحيح إن شاء الله، وليس فيه شيء, ونسأل الله أن يتقبل منا أجمعين.

المتصل: يا شيخ! لدي سؤالان:

السؤال الأول: لدي بقالة في شندي، أبيع فيها السكر نقداً بألف وأربعمائة، وإذا كان بالدين فإني أبيعه بألف وخمسمائة، فهل هذه الزيادة حلال أم حرام؟ مع العلم بأن هذه الزيادة لا يعلم بها المشتري، فإذا كان يعلم بها فهل تكون حراماً أم غير حرام؟

السؤال الثاني: لدي دكان أعمل فيه وأصلي المغرب والعشاء في البيت؛ بسبب ازدحام الناس الذين يقفون بجانب الشباك، فلا أستطيع الذهاب للجامع فهل يجوز أن أصلي في البيت؟

الشيخ: طيب أجيبك إن شاء الله.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: بالنسبة لحديث الرسول عليه الصلاة والسلام: ( أيام التشريق أيام أكل وشرب )، أي أنه لا يجوز صيامها. فلو أن إنساناً متعود أنه يصوم الأيام البيض فهل الأولى له الصيام، أم امتثال قول الرسول عليه الصلاة والسلام بالأكل والشرب؟

السؤال الثاني: هناك قريب لنا توفي في رمضان بسبب حادث وقع له، وكان عليه سبعة أيام من رمضان الماضي، وقبل أن يموت بيوم قال لأخته: لو مت فصوموا عني هذه الأيام, فهل الأولى أن تصوم هي أم الأولى أن يشترك جميع الإخوة والوالدين، علماً بأن الأب والأم لا زالا أحياء؟

الشيخ: طيب إن شاء الله سأجيبك لاحقاً.

المتصل: عندنا في المسجد يكبر الإمام بالميكرفون، وهناك آخر يبلغ التكبير, وصوت المبلغ في الميكرفون أقل من صوت الإمام، فنرجو من فضيلتكم توضيح حكم هذا الفعل.

الشيخ: أبشر، إن شاء الله. سأجيبك.

المتصل: أنا لدي سؤال وهو أنه تمر علينا بعض الآيات يا شيخ عبد الحي مفادها التحدث عن تعجيل الثواب في الحياة الدنيا مثل قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ[الإسراء:18], وقوله: وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا[آل عمران:145], وقوله: مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ[البقرة:102], ومنها ذكره سبحانه لإرادة الآخرة بالعمل كقوله: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ[الشورى:20], وقوله: وَمَنْ أَرَدَ الآخِرة وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا[الإسراء:19], فقد ذكر إرادة الآخرة وإرادة الدنيا, فنرجو توضيح هذا الأمر.

الشيخ: أبشر. بارك الله فيك؟

المتصل: بنت خالتي عندها بنت متزوجة على رجل وقد أنجب منها أربعة أطفال, فأراد أن يتزوج بامرأة ثانية, فاختارني لأكون زوجة له، فماذا أفعل؟ مع أنه قد يحصل قطع صلة الأرحام، وستأتي المشاكل وغير ذلك، فبماذا تنصحني؟

الشيخ: طيب, شكرًا لك وسأجيبك إن شاء الله.

المتصل: يا شيخ! لدي سؤالان:

السؤال الأول: بالنسبة للسنن الرواتب لا نعرف كيف نصليها، فمثلاً ركعتا الفجر هل هي الرغيبة، أم أن الرغيبة غيرها وتجزئ عنها, والأربع التي بعد الظهر هل تصلى أربع ركعات بتسليمة واحدة، أم تصلى ركعتان ركعتان، وصلاة العشاء هل يصلى قبلها ركعتان وبعدها ركعتان، وإذا فات الوتر فهل نقضيه وتراً أم شفعاً؟

السؤال الثاني: بالنسبة لما يذبح في الأضحية, فقد ذكر الله الأضحية والأمر بالتصدق منها مرتين في سورة الحج فقال: وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ[الحج:28], وجاء في نفس السورة بلفظ: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ[الحج:36]. فما تفسير هاتين الآيتين؟

البيع إلى أجل بزيادة

السؤال: أخونا قسم السيد من شندي, صاحب دكان وقد طرح سؤالين: كلاهما يتعلق بحانوته أو بدكانه, قال بأنه يبيع السكر, فإذا كان نقدًا فبألف وأربعمائة, وإذا كان نسيئةً -يعني: بالدين- فبألف وخمسمائة؟

الجواب: لا مانع شريطة أن تعلم المشتري بحقيقة الأمر, تقول له: لو دفعت الآن فأنا أعطيك بألف وأربعمائة, أما إذا كنت تريد أن أسجل لك في الدفتر فسأعطيك بألف وخمسمائة, فإذا رضي بذلك فالبيع صحيح، قال الله عز وجل: إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ[النساء:29], والبيع بالتقسيط داخل في عموم قول الله عز وجل: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا[البقرة:275], وداخل في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ), ولا حرج في زيادة الثمن في مقابل التأخير في الزمن, وكلاهما مستفيد: البائع والمشتري, أو صاحب البضاعة ومن يدفع الثمن.

ترك التاجر لصلاة الجماعة بسبب كثرة زبائنه وعدم تمكنه من الخروج

الشيخ: أما صلاة الرجال يا قسم السيد فلا بد أن تكون في المسجد؛ لأن الله تعالى قال: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ[النور:36-37], والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر ), ولما جاءه الأعمى وطلب منه أن يأذن له أن يصلي في بيته قال له: ( أتسمع النداء؟, قال: نعم, قال: فأجب ), فمطلوب منك أن تذهب إلى المسجد، وتأمر هؤلاء المتزاحمين على باب دكانك الراغبين في سلعك بأن يذهبوا إلى المسجد وتصلون جميعًا، ثم ترجع إن شاء الله.

أما إذا كان يشق عليك إغلاق الدكان لكثرة البضائع, كأن تكون متناثرة خارجه, وفي الوقت نفسه لا تجد من يقوم عليها, وأنت تخشى عليها من الضياع أو أن يعبث بها الصبيان أو يسرقها اللصوص أو غير ذلك من الأعذار, فصلوا جماعة أمام الحانوت والعذر هنا موجود.

المراد بالآيات التي تتحدث عن إرادة الدنيا والآخرة بالعمل

الشيخ: أخونا كمال من سنجة يسأل عن الآيات القرآنية التي تتحدث عن إرادة الدنيا والآخرة, كقول الله عز وجل: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا[الإسراء:18-19], كذلك قوله تعالى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[هود:15-16], وكقوله سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ[الشورى:20], وكقوله سبحانه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[النساء:134] .

هذه الآيات كلها تبين أنه لا ينبغي للإنسان أن يريد بعمل الآخرة جزاء الدنيا, يعني: لا ينبغي للإنسان أن يطلب علمًا ولا أن يباشر عملًا مما يراد به وجه الله وقصده من ذلك أن يصيب عرضًا من الدنيا؛ فإن هذا مسبب للمقت, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه, وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة, ومن كانت الدنيا همه شتت الله عليه شمله, وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له ), ولذلك فإن الإنسان إذا صلى فلا بد أن يصلي لله, وإذا صام يصوم لله, وإذا جاهد يجاهد لله, وإذا دعا إلى الله فلله, وإذا أمر بمعروف ونهى عن منكر فلله وهكذا.

الجمع بين المرأة وبنت بنت خالتها في الزواج

السؤال: شادية من كسلا, ذكرت أن أحد الناس متزوج ببنت بنت خالتها, ثم أراد أن يحدث نكاحاً آخر وطلبها هي تحديدًا؟

الجواب: الله عز وجل قال: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ[النساء:24], فطالما أنك لست محرمة عليه بسبب ولا نسب ففي هذه الحالة لا مانع من قبول الزواج به, والناس يتقون الله أصلًا, يعني لا يوجد شيء يخلو من مصلحة ومفسدة في هذه الدنيا, فلو أن الإنسان تزوج بثانية فربما يحصل بعض الشغب, وربما يحصل بعض الخصام, إما بينه وبين إحدى زوجتيه أو كلتيهما, أو يحصل بين الزوجتين نوع من الشغب أو من الخصام أحيانًا, فهذه كلها مفاسد مغتفرة في جانب المصالح العظيمة التي تتحقق من وراء التعدد.

فإن في التعدد سترًا للأعراض وقضاءً للوطر, وتكثيرًا لسواد المسلمين, وفي التعدد كذلك إتاحة الفرصة للأرامل والمطلقات ومن لم تجد زوجًا وغير ذلك, وكثيرات ممن يعترضن إما يعترضن بفطرتهن, بأن الإنسان مجبول على حب التملك وكراهية المشاركة, فلا يحب أن يشاركه في الشيء غيره, لكن هذه مصلحة خاصة للمرأة, وفي سبيل هذه المصلحة الخاصة تضيع المصلحة العامة, ويحصل من الشر والفساد ما الله به عليم, لكن هذا التعدد مشروط بالعدل, ونقصد بالعدل هنا: العدل المحسوس في النفقة والمبيت, أما العدل في المحبة القلبية فهذا أمر غير مستطاع ولا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا[البقرة:286].

عدد السنن الرواتب وكيفية صلاتها

السؤال: فاطمة من الصحافة, تسأل عن السنن الرواتب وكيفية صلاتها؟

الجواب: يا فاطمة السنن الرواتب ثنتا عشرة ركعة, أربع قبل الظهر واثنتان بعدها, واثنتان بعد المغرب, واثنتان بعد العشاء, واثنتان قبل الصبح, وهي التي تسمى: الرغيبة, والأربع التي قبل الظهر: ركعتان وتسلمين ثم ركعتان وتسلمين, وهذه هي سنة نبينا الأمين عليه من الله أفضل الصلاة وأتم التسليم, ولا بأس كذلك أن تصلي قبل العصر أربعًا, وأن تصلي قبل المغرب اثنتين، فهذا كله ثابت عن نبينا خير الناس عليه الصلاة والسلام.

المتصل: يا شيخ! لدي سؤال وهو: بالنسبة للصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم هل هناك صفة معينة؟

الشيخ: طيب, أجيبك إن شاء الله.

المتصل: يا شيخ! أنا لدي سؤال في الآية التي تقول: رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ[الرحمن:17] ما تفسير هذه الآية؟

الشيخ: أبشر إن شاء الله.

المراد بالقانع والمعتر في قوله تعالى: (وأطعموا القانع والمعتر)

السؤال: فاطمة تسأل عن قول ربنا جل جلاله في سورة الحج: فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ[الحج:28], وقوله سبحانه وتعالى: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ[الحج:36].

الجواب: كأن المعنى واضح بالنسبة لها, لكنها تسأل عن معنى: الْقَانِعَ وَالمُعْتَرَّ[الحج:36], قيل القانع: هو الذي لا يتعرض للناس ولا يسألهم, وإنما قد تدثر بالقناعة, وجبله الله عليها, وعض عليها والتزم بها، فهو داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( قد أفلح من أسلم ورزقه الله كفافًا، وقنعه بما رزقه ).

وأما المعتر: فهو الذي يتعرض للناس, ويسألهم ويطلب منهم, فهذا يعطى وهذا يعطى، مثلما يعطى البائس الفقير والله أعلم.

المتصل: يا شيخ! أنا أشتغل بالراتب فهل علي فيه زكاة؟

الشيخ: طيب أجيبك أيها الصادق شكرًا لك.

المتصل: يا شيخ! أنا أسأل عن الصدقة الجارية للميت هل تجوز بعد وفاته إذا قام بها أبناؤه أو بناته؟

الشيخ: طيب شكرًا بارك الله فيك.

المتصل: يا شيخ عبد الحي! أنا رجل مقيم بالسودان منذ فترة، وأكرمني الله سبحانه وتعالى في هذه البلد، وفتحت محلاً لبيع الأحذية, لكن المشكلة عندي هنا في طريقة البيع مع الإخوة السودانيين، فإنهم يساومون كثيراً، أما في بلدي مصر فمعظم محلات الأحذية مكتوب على الأحذية سعرها، فإذا دخل شخص فإنه يقول: أعطني الحذاء الذي برقم كذا، لكن هنا لا توجد كتابة للسعر على الحذاء، فأبيع لهذا بسعر وهذا بسعر أكثر منه، فأنا أريد أن أعرف حكم الشرع في هذا البيع، هل هو حلال أم حرام, وهل أنا غاش للناس بهذا التصرف؟ وقد حاولت أن أجعل البضاعة بسعر واحد ولكن لا أحد يوافقني، ويقولون لي: افعل مثلما يفعل الناس.

الشيخ: طيب يا سيد شكر الله لك.

المتصل: يا شيخ! لدي سؤالان:

السؤال الأول: أسأل عن طريقة الجمع بين الصلاتين, مثلًا: في الظهر والعصر كيف أجمع, هل أصلي الفريضتين أربع ركعات معاً، أم أصلي ركعتين وأسلم ثم ركعتين وأسلم؟

السؤال الثاني: نحن كنا في الحرم نصلي، فقام الإمام وصلى صلاة الجنازة على الميت، فهل صلاة الجنازة للنساء جائزة أم لا؟ وهذا يتكرر بعد كل صلاة فإنهم يصلون صلاة الميت؟

الشيخ: أبشري إن شاء الله.

المتصل: أسأل يا شيخ! عن قول الله سبحانه وتعالى: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ[البقرة:136], لماذا الله سبحانه وتعالى قال: وَالأَسْبَاطِ[البقرة:136], بالكسر ولم يجعلها بالفتح مع أنها معطوفة على مفتوح؟

الشيخ: طيب، هي أصلاً معطوفة على المجرور: آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ[البقرة:136], وإبراهيم مجرور, والأسباط كذلك مجرور بالفتحة؛ لأنه ممنوع من الصرف.

المتصل: أسأل عن حكم قص الشعر للنساء خاصة من أطرافه؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

صفة الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم

السؤال: أخونا عبد الله من بحري يسأل عن الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم بأي صيغة تكون؟

الجواب: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم تكون بكل صيغة تحصل بها الصلاة عليه, وألفاظها واضحة معلومة, ولكن أفضلها الصلاة الإبراهيمية الثابتة من رواية عدد من الأصحاب عليهم من الله الرضوان, منها: ما رواه الشيخان البخاري و مسلم من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه: أنهم قالوا: (يا رسول الله! كيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم , وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).

ومنها: ما ورد في صحيح البخاري من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله قال: (لقيني كعب بن عجرة فقال: ألا أهدي إليك هديةً سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى فأهدها لي، فقال: قلنا: يا رسول الله! قد علمنا الله كيف نسلم عليكم أهل البيت, فكيف نصلي عليكم؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ).

ومنها: ما ورد في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: ( كنا جلوسًا عند سعد بن عبادة فجاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رجل منا: يا رسول الله ! كيف نصلي عليك؟ فسكت ساعةً حتى قلنا: ليته ما سأله, ثم أقبل عليه فقال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد, اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد), وهناك صيغ أخرى ثابتة، وكلها مجزئة إن شاء الله.

المراد بالمشرقين والمغربين في قوله تعالى: (رب المشرقين ورب المغربين)

الشيخ: أما محمد من أم درمان فقد سأل عن قول ربنا الرحمن: رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ[الرحمن:17-18]، وكأنه اشتبه عليه هذا مع قوله سبحانه: فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ[المعارج:40-41], ومع قوله تعالى: رَبُّ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا[المزمل:9], فالله عز وجل رب المشرق والمغرب, أي: مشرق الشمس ومغربها وهو: رَبُّ المَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ المَغْرِبَيْنِ[الرحمن:17], أي: مشرقي الشمس والقمر, ومغربي الشمس والقمر, وقوله: بِرَبِّ المَشَارِقِ وَالمَغَارِبِ[المعارج:40], على اعتبار اختلاف المنازل, فإن للشمس ثلاثمائة وستين منزلًا خلال العام, وكذلك القمر, فالله عز وجل رب المشارق ورب المغارب جل جلاله.

الزكاة على الراتب الشهري

السؤال: أخونا الصادق من السعودية سأل عن زكاة الراتب.

الجواب: ليس على الراتب زكاة, وإنما الزكاة تكون في المال الذي بلغ نصابًا وحال عليه الحول.

وصول ثواب الصدقة الجارية للميت

السؤال: آمال من أم درمان تسأل عن الصدقة الجارية للميت التي يقوم بها أبناؤه بعد وفاته, هل يذهب ثوابها إليه؟

الجواب: نعم, الميت ينال ثواب ما تسبب به في حياته من صدقة فعلها: كمصحف ورثه أو بئر حفره، أو مسجد بناه، أو بيت لابن السبيل بناه، أو علم نشره ونحو ذلك, فهذا كله يلحقه ثوابه, وكذلك ما فعل له بعد موته, يعني: لو أن أولاده اشتروا مصاحف فجعلوها في بيت من بيوت الله, أو أنهم بنوا مسجدًا لهذا الميت, والدًا كان أو والدة، فإن من رحمة الله عز وجل أن الميت ينتفع بما عمله في حياته، وبما عمل له بعد وفاته.

المساومة في البيع وبيع السلع من جنس واحد بأسعار متفاوتة

الشيخ: أما أخونا سيد الذي قال أنه يملك دكانًا للأحذية, ويشكو من أن الناس يساومونه كثيراً فنقول: هذا أمر ليس بطيب؛ -يعني: المساومة والمفاصلة- لما فيها من كثرة الأيمان، وإلجاء البائع أحيانًا إلى الكذب، وإثارة اللجاج والخصومة وارتفاع الأصوات وغير ذلك مما يجعل الأسواق أبغض البقاع إلى الله, فحبذا وضع تسعير للبضاعة، فلو أن الإنسان دخل مكانًا وقد وضعت الأسعار على السلع, بحيث يأخذ الإنسان ما يريد, ثم بعد ذلك يحاسب عليها, ففي هذا راحة للبائع والمشتري جميعًا, أما إذا كان هذا غير حاصل ولا توجد أسعار محددة للسلعة، سواء كانت أحذية أو غيرها, فعلى البائع والمشتري جميعًا أن يتقيا الله, فيتجنبا الغش فإن: ( من غش فليس منا ), ويجتنبا الأيمان, فإن ( الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب ), ويجتنبا اللجاج والخصومة, فإنها مؤدية إلى العداوة والبغضاء, أما أنت يا