أنت المخاطب بهذه الآيات
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
أنتَ المخاطَبُ بهذهِ الآياتأَنْتَ المُخَاطَبُ بِالْقُرْآنِ الكريمِ بوعده ووعيد، بأمره ونهيه، بما فيه من حكم وأمثال، بما فيه من ترغيب وترهيب، فالواجب عليك أن تحسن استقبال ما يأتيك من الله تعالى، فتستبشر بوعده، وتفرح بترغيبه، وتهفو نفسك للجنة إذا ذكرت، وتشتاق لما فيها من نعيم، وتكون أسرع الناس امتثالا للأمر إذا أُمِرتَ.
وترتعد فرائصك لوعيده، ويرتجف فؤادك لترهيبه، وتسيل عبراتك خوفًا من عذاب الله إذا ذكر، ويلهج لسانك بدعاء الله أن ينجيك منه: ﴿ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾.[1]
وتكون أسرع الناس اجتنابًا للنهي إذا نهيت، لسان حالك: ﴿ وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾.[2]
إذا ذُكِرَ الصالحون كنتَ أحرصَ الناسِ على أن تتحقق فيك صِفَاتُهُم، وإذا ذُكِرَ المنافقون كنت أحرصَ الناس على ألا يكون فيك شيء من صفاتهم، إذا تحقق فيك ذلك كنت في رياض القرآن النضرة ، تتفيء ظلاله الوارفة، وتشرب من ينابيعه الصافيه، وتشتنشق عبيره العطر، حتى يخالط لحمك ودمك، فتستغني به عما سواه، ولا تجد لذتك إلا في حديثه ونجواه.
أَتَى رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: اعْهَدْ إِلَيَّ، فَقَالَ: "إِذَا سَمِعْتَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فَأَرْعِهَا سَمْعَكَ؛ فَإِنَّهُ خَيْرٌ يَأْمُرُ بِهِ، أَوْ شَرٌّ يَنْهَى عَنْهُ".[3]
فإن العبد إذا استشعر أنه المخاطب بكلام الله تعالى، سيتأثر به حتمًا، فتفيض له عينه، ويطمئن له قلبه، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.[4]
وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ نزلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾.[5]
فإذا قرأت مثلًا قول الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾.[6]
إذا كنت تعلم أنك مخاطب بهذه الآية، أفستغلق عليك بابك لتعصي الله عز وجل، هل ستستترُ لتذنب؟
والجواب لا.
لأنك تعلم أن الله تعالى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ.
لا شك أن المجاهرة بالذنب من أعظم أسباب الهلاك، ولكن المقصود من الكلام ألا تجعل الله تعالى أهون الناظرين إليك.
فإذا استحييت من الخلق فالله تعالى أولى أن تستحيي منه، والله عز وجل أحق بالمراقبة.
[1] سورة الفرقان: الآية/ 65، 66.
[2] سورة طه: الآية/ 84.
[3] رواه أحمد في الزهد- فِي فَضْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، حديث رقم: 866.
[4] سورة الرَّعْدِ: الآية/ 28.
[5] سورة الزُّمَرِ: الآية/ 23.
[6] سورة آل عمران: الآية/ 5.