ديوان الإفتاء [519]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته.

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار، أما بعد:

إخوتي وأخواتي! سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في هذه الحلقة الجديدة، والتي أبدؤها بسؤال طرح في الحلقة الماضية، وقد أرجأت السائل إلى أن أراجع هذا الحديث.

سأل عن الحديث الذي يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء )، يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكان يسأل: ما هي هذه الخصال الخمس عشرة؟

فالحديث رواه الإمام الترمذي ، أن علياً رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء: إذا كان المغنم دولاً، والأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وأكرم صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وأكرم الرجل مخافة شره، وكان زعيم القوم أرذلهم، وشربت الخمور، واتخذت القينات والمعازف، ولبس الحرير، ولعن آخر هذه الأمة أولها؛ فليرتقبوا حينئذٍ ريحاً حمراء أو خسفاً أو مسخاً )، وهذا الحديث عند أهل العلم المحققين لا تصح نسبته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الإمام أبا عيسى الترمذي رحمه الله الذي روى هذا الحدث في جامعه قال: هذا حديث غريب لا نعرفه عن علي بن أبي طالب إلا من هذا الوجه، ولا نعرفه يروى عن يحيى بن سعيد الأنصاري إلا من طريق الفرج بن فضالة ، و الفرج بن فضالة تكلم فيه غير واحد من أهل العلم، وضعفوه من قبل حفظه. هذا كلام الإمام الترمذي رحمه الله.

وكذلك الإمام العراقي والإمام المنذري ضعفا هذا الحديث، وقال الإمام الذهبي : هو حديث منكر، وقال الدارقطني : حديث باطل، وقال ابن الجوزي : مقطوع واه، وكذلك من المعاصرين ضعفه الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي .

خلاصة القول: بأن هذا الحديث غير صحيح.

أما الخصال التي وردت فيه فكلها خصال مذمومة ينبغي للناس أن يجتنبوها.

فقوله: (إذا كان المغنم دولاً) بمعنى: أن الغنيمة يتداولها الأغنياء والشرفاء فيما بينهم، وعامة الناس لا يحصلون منها على شيء، وهذا المعنى هو الذي نفاه ربنا جل جلاله حين شرع تقسيم الفيء فقال: مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ [الحشر:7].

وقوله: (والأمانة مغنماً) بمعنى: لو أن الإنسان استودع إنساناً شيئاً فهذا الذي استودع يعتبرها غنيمة، فيخون تلك الأمانة ولا يردها إلى صاحبها، وهذا واقع أيضاً من كثير من الناس.

وقوله: (والزكاة مغرماً) أي: الزكاة التي هي فرض الله عز وجل للفقراء في مال الأغنياء، يبذلها الغني وهو يعدها غرامة، لا يعدها ادخاراً عند الله عز وجل يزكو بها ماله، وتحصل بها البركة، ويطهر الله بها عمله، وإنما يعدها غرامة.

وقوله: (وأطاع الرجل زوجته وعق أمه) بمعنى: أنه إن تعارض أمر الزوجة وأمر الأم فإنه يقدم أمر الزوجة على أمر الأم، ويكون مطيعاً لزوجته متبعاً لها، عاقاً لأمه مباعداً إياها.

وقوله: (وأكرم الرجل صديقه وجفا أباه) أي أن اهتمامه بأصدقائه وأترابه، أما أبوه فلا يجد إلا الشيء اليسير من إقباله، أو من ماله، أو من اهتمامه ونحو ذلك.

وقوله: (وكان زعيم القوم أرذلهم) يعني: تصدر لقيادة الناس الأراذل الذين لا قيمة لهم ولا وزن، لا كفاءة ولا أخلاق، وإنما تصدروا هكذا لقيادة الناس وزعامتهم.

وقوله: (وأكرم الرجل مخافة شره)، بمعنى: أن الإنسان يبذل له الإكرام لا لأنه مستحق له، وإنما لأن لسانه بذيء لا يتقي الله في الناس، فيكرم مخافة شره.

ثم ذكر صلى الله عليه وسلم علامات أخرى كشرب الخمور، وكذلك لبس الحرير للرجال وإلا فهو للنساء حلال.

وكذلك (اتخاذ القينات) أي: الإماء اللاتي يغنين والمعازف.

وقوله: (ولعن آخر هذه الأمة أولها) بمعنى: أن يتصدر في هذه الأمة ويتولى كبر اللعن جماعة يسبون الفضلاء الأتقياء الصالحين الأولياء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم بإحسان، وهذا أيضاً حاصل من قبل بعض الطوائف التي لا ترجو لله وقاراً.

وقوله: (وارتفعت الأصوات في المساجد)، أي: ارتفعت بغير ذكر الله، ارتفعت بالخصومات والبيع والشراء ونحو ذلك.

بعض هذه العلامات وارد في أحاديث صحيحة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن بين يدي الساعة أن يقل العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، ويفشو الزنا، ويكتفي الرجال بالرجال، والنساء بالنساء )، وكذلك ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة: كثرة العقوق حين قال: ( أن تلد الأمة ربتها )، في حديث جبريل المعروف.

لكن الحديث بهذه الرواية التي أوردها الإمام أبو عيسى الترمذي رحمه الله لا تصح نسبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرت؛ لأن الذي يرويه عن يحيى بن سعيد هو الفرج بن فضالة ، وقد تكلم فيه غير واحد من أهل العلم وضعفوه من قبل حفظه، وإذا ضعف هذا الحديث الترمذي و العراقي و المنذري و الدارقطني و الذهبي و الألباني فبعد ذلك لم يبق لتصحيحه مجال، والعلم عند الله تعالى.

السؤال: عندي وسواس شديد في كافة أنواع العبادة، وخوف شديد من الموت، ماذا أفعل؟

الجواب: أما خوفك من الموت فهي علامة صحة الإيمان إن شاء الله؛ فإن نبينا عليه الصلاة والسلام لما سئل عن أكيس المؤمنين قال: ( أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم لما بعده استعداداً )؛ فالخوف من الموت وتذكره دائماً هذه سمة الطيبين، وأما الوسواس يا أخي! فينبغي لك أن تدافعه بأمور خمسة:

أولاً: الدعاء، تدعو الله أن يصرف عنك همزات الشياطين.

ثانياً: التهليل مائة مرة، ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، من قالها مائة مرة كتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة سيئة، وكانت له عدل عشر رقاب، وكان في حرز من الشيطان يومه ذاك حتى يمسي )، تقولها مائة إذا أصبحت ومائة إذا أمسيت.

ثالثاً: الإكثار من قراءة آية الكرسي؛ لأنها أشد شيء على الشيطان.

رابعاً: حضور مجالس العلم؛ لأن عالماً واحداً أشد على الشيطان من ألف عابد.

خامساً: إهماله وتركه.

السؤال: صديقي عنده مكتب يبيع فيه بضائع دون أن يمتلكها، هل ماله حرام؟ وإذا أكلت معه أو عزمني لوجبة في منزله هل أكون أكلت حراماً؟

الجواب: أما كونه يبيع ما لا يملك فهذا حرام، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( لا تبع ما لا تملك )، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تبع ما ليس عندك )، وإذا كان كل ماله كذلك فما ينبغي أن يؤكل طعامه، ولا أن تقبل هديته.

السؤال: زوجي غضبان مني بسبب ذهابي بالأطفال للدكتور، ماذا أفعل؟

الجواب: والله هذه مسألة ليست محل فتوى، وإنما المطلوب من الوالدين أن يتفقا على الطريقة المثلى والسبيل الأرشد لتربية الأولاد، ما يصطرعان ويختلفان في الدقيق والجليل والصغير والكبير، إذا شرق غربت، وإذا شرقت غرب، لا. وإنما يتفقان ويصطلحان على طريقة لا تؤثر على الأولاد.

السؤال: شخص لا يصلي، وغير مقتنع بها ويصنع الطعام؛ فهل نأكل معه؟

الجواب: إذا كان غير مقتنع بالصلاة فليس بمسلم، يعني: فرق بين إنسان لا يصلي، وإذا قيل له: صل، قال: إن شاء الله، وأكثروا من الدعاء لي، وأنا شيطان كبير، ونحو ذلك من الأعذار التي يقولها الناس، فهذا حكم الإسلام في حقه باق.

وبين من إذا قيل له: صل؛ قال: أنا غير مقتنع بالصلاة، أو أن الصلاة لا فائدة منها، أو أنتم تصلون من مائة سنة ماذا صنعتم؟ ونحو ذلك من الكلام، فهذا كفر بالله العظيم، ومثل هذا ينبغي أن يبين له خطورة أمره، وما هو عليه من الشر الوبيل، وإذا أصر على مثل هذه الحال فإنه لا يخالط؛ لأنه سم ناقع.

السؤال: أود أن أعرف الأوقات التي يستجاب فيها الاستخارة؟

الجواب: يا أخي! أو يا أخيتي! دعاء الاستخارة كسائر الدعاء يستجاب في الأوقات التي هي مظنة الإجابة، كثلث الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات؛ تصلي ركعتين للاستخارة ثم تدعو، وكذلك عند نزول الغيث، وعند التقاء الصفين، وعند خشوع القلب، وعند الاضطرار، وحال الصيام، ويوم الجمعة، ويوم عرفة، ونحو ذلك من الأيام والليالي كليلة القدر التي يستجاب فيها الدعاء، والمعول عليه في هذا كله هو حضور القلب، وإخلاص الدعاء لله عز وجل، وإظهار الفاقة بين يديه جل جلاله.

المتصل: تابعت برنامجاً في قناة الشروق يقول: إن الهبوط لأبينا آدم وأمنا حواء من الجنة لم يكن لأبينا آدم و حواء فقط، وإنما كانوا ثلاثين نفراً؛ فكيف ترد؟

وكذلك قال: الشجرة التي أكلوا منها ليست شجرة يأكلونها، وإنما هو الاتصال بين الرجل وزوجته، وأما قوله: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف:21] لم يقل لأبينا آدم و حواء إنما قال للثلاثين نفراً، فجماعة أطاعوه وجماعة ما أطاعوه، فالذين أطاعوه أنزلهم الله من الجنة، والذين ما أطاعوا نزلوا في مكة، يعني: أتى بكلام غير مفهوم؟

الشيخ: طيب شكراً.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: نحن في الجزيرة مزارعون نزرع الخضار، وبما أننا في طريق عام تأتي بهائم وترعى في الخضار، عدة مرات؛ فنأخذها ونتركها في زريبة خاصة بالبهائم التي ترعى في الخضار فهل في هذا شيء؟

السؤال الثاني: في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، وبعض الناس يقول: لا يوجد في الدين تشدد، إنما الدين يسر وليس عسراً؛ فهل من يتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم يعتبر متشدداً، نريد شرح هذا الحديث؟

الشيخ: طيب أبشر إن شاء الله، شكراً لك.

المتصل: لدي ثلاثة أسئلة:

السؤال الأول: القراءات الشاذة لا يجوز أن يصلى بها ولا يتعبد بها، فماذا نستفيد منها إذاً؟

السؤال الثاني: في صلاة الجماعة الصلاة السرية، يقرأ الواحد سورة الفاتحة، هل يجوز لي مثلاً أن أقرأ بعد الفاتحة في الركعة الأولى والثانية، أم أكتفي بقراءة الإمام؟

السؤال الثالث: نريد منك أن تحدثنا عن الناس الذين يمرون أمام المصلين ويقطعون الصلاة، يعني: الواحد يقوم يصلي بعد صلاة الفرض صلاة النافلة مثلاً، وبينما هو يقف للصلاة تجد شخصاً يمر من أمامه في الصلاة، وقد يكونون كباراً وأئمة وصغاراً؛ فلو كان المار طفلاً قد نعذره؛ لكنهم أناس كبار؟

الشيخ: نجيبك إن شاء الله.

المتصل: لدي سؤالان:

السؤال الأول: ما معنى قوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]؟

السؤال الثاني: حدثنا عن طاعة الزوجة لزوجها؟

الشيخ: خيراً إن شاء الله.

المتصل: ما حكم التنكيس في الصلاة، سواء في ترتيب السور أم في ترتيب الآيات؟

السؤال: بالنسبة لأخينا التيجاني تكلم عن موضوع طويل تابعه في قناة الشروق، وأنا ما عندي به علم، ما تابعته ولا رأيته ولا سمعت ما قيل فيه؛ لكن أنا أعيد ما ذكرته بأن الإنسان ينبغي أن يعتني بما ينفعه، وأن يسأل عما ينفعه؛ ولذلك ابن عباس رضي الله عنهما بعدما تعلم منه تلميذه عكرمة رحمه الله، قال له ابن عباس : انطلق فأفتِ الناس؛ فمن سألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما لا يعنيه فلا تفته، فإنك ترتاح من ثلثي الناس، يعني: لو أن الإنسان تكلم أو أفتى الناس فيما يعنيهم وأعرض عما سوى ذلك فإنه يرتاح من الثلثين.

يا أخي الكريم! قصص القرآن ساقها ربنا جل جلاله للعظة والاعتبار فقال سبحانه: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى [يوسف:111]، والقرآن الكريم يفسر بما تعرفه العرب من لغتها، فمثلاً: قصة آدم وحواء ذكرها الله عز وجل في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف، وفي سورة الحجر، وفي سورة طه، وفي سورة ص، وفي مواضع من القرآن الكريم؛ فلا يمكن أن نأتي فنقول بأنه حين هبوط آدم وحواء ما كانا وحدهما؛ بل كان معهما ثلاثون، بل نقول كما قال الله: اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف:4] ، وكما قال: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [النمل:64].

وإلا لو أطلق القول لقال من شاء ما شاء، فالله عز وجل قال: اهْبِطَا [طه:123]، الكلام لاثنين، وفي موضع آخر قال: اهْبِطُوا [البقرة:38]، الكلام لآدم و حواء وإبليس.

أما القول بأن الشجرة التي منعا منها هي الاتصال الجنسي، أولاً: ما عرف في كلام العرب بأن الاتصال الجنسي يقال له شجرة، الشجرة في لغة العرب الشجرة المعروفة، الآن لو استوقفت أي طفل يتكلم بلغة العرب فقلت له: ما هي الشجرة؟ سيقول: هي الشجرة، والمعرف لا يعرف.

أما الاتصال فالله عز وجل لما خلق حواء بعدما خلق آدم خلقهما للاتصال، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى [الحجرات:13]، وقال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ [الأعراف:189]؛ فالزعم بأن الله عز وجل منع آدم من الاتصال بـحواء يبقى مجرد زعم ومجرد كلام، وقائله يطالب بالبرهان، ويطالب بالدليل؛ لأن هذه أمور غيبية، هي من الغيب الماضي، والغيب الماضي لا حضرناه ولا سمعناه، ولا سبيل إلى العلم به إلا عن طريق الوحي المعصوم.

كما أن الغيب المستقبل لا سبيل للعلم به إلا عن طريق الوحي المعصوم؛ ولذلك بدلاً من أن يشتغل الإنسان بمثل هذا عليه أن يشتغل بما ينفعه من أمر دنياه أو آخرته، ولا ينبغي أن ندور حول القصص عن ما هي الشجرة التي منع آدم و حواء من الأكل منها، أهي شجرة الحنطة، أم هي شجرة الزقوم، أم هي شجرة كذا، لأن هذه يسميها علماؤنا مبهمات القرآن، وكل ما أبهم في القرآن فلا فائدة في تعيينه، ولو كان هناك فائدة لفصل القرآن تفصيلاً؛ لكن المقصود الاتعاظ والاعتبار كما بين ربنا الرحمن جل جلاله.

السؤال: أخونا عوض من الجزيرة يسأل: هل المتمسك بالسنة يعتبر متشدداً؟

الجواب: لا والله! بل السنة هي عين اليسر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( بعثت بالحنيفية السمحة )، يعني: حنيفية في العقيدة، وسماحة في الشريعة؛ فليس في ديننا عسر قط لا في القرآن ولا في السنة قال تعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وقال: مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [المائدة:6]، وقال: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:286]، وقال: لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا [البقرة:233]، وقال: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، وقال: لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا [الأنعام:152].

وقال صلى الله عليه وسلم: ( يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا )، وقال: ( إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه )، وقال: ( فسددوا وقاربوا وأبشروا، واستعينوا بالروحة والغدوة وشيء من الدلجة )، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن أحب الدين إلى الله أيسره )، هذه كلها نصوص تدل على اليسر؛ ولذلك يخطئ بعض الناس حين يرون شاباً يتردد على المسجد في الصلوات الخمس يقولون له: يا فلان! لا تتشدد، وكأن الصلوات الخمس في المسجد صارت علامة التشدد، ولربما بعض العجائز الشمطاوات إذا رأين فتاة شابة قد تحفظت في ملبسها، والتزمت شرع الله في هيئتها يقلن لها: يا بنية! ما زلت صغيرة لا تتشددي، وكأن الحجاب تشدد، والحجاب هو فرض الله في القرآن، وقل مثل ذلك في ناس لو رأوا شاباً يصوم الإثنين والخميس أو يصوم الثلاثة البيض فإنهم يقولون له: لا تتشدد ونحو ذلك، فهذا خطأ في فهم التشدد.

التشدد: أن يلزم الإنسان نفسه بما لم يلزمه الله به، التشدد أن يتنطع الإنسان في الدين، وكما ( قال بعضهم: لا آكل اللحم، وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر، وقال الثالث: أصلي ولا أرقد، وقال الرابع: لا أتزوج النساء)، فالنبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الغلو والتنطع ( هلك المتنطعون ثلاثاً )، وفي القرآن الكريم: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ [المائدة:77].

فالتشدد أن يعبد الإنسان ربه بما لم يشرعه؛ لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قائماً في الشمس قال: ( ما شأنه؟ قالوا: أبو إسرائيل نذر أن يصوم ولا يتكلم، ولا يستظل، ولا يجلس )، ما تعبدنا الله بأن نقوم في الشمس، ولا تعبدنا الله بأن نكون واقفين، ولا تعبدنا الله بالإمساك عن الكلام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مروه فليتكلم وليجلس وليستظل وليتم صومه ).

فالمقصود يا إخوتاه! بأننا ما ينبغي أن نطلق لفظة المتشدد أو المتنطع أو المتطرف أو الغالي إلا على من يستحقها.

الشيخ: أما سؤاله عن زريبة البهائم؛ حقيقة أنا ما تبينت، لكن يا أخي! خلاصة القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن على أهل البهائم حفظها بالليل، وعلى أهل الزرع حفظه بالنهار، وهذا يذكر دائماً في تفسير قول ربنا الرحمن: وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:78-79].

السؤال: أما أختنا أم سليمان من حي الأندلس وقد سألت عن القراءات الشاذة، إذا كان لا يتعبد بتلاوتها ولا يصلى بها فماذا نستفيد منها؟

الجواب: القراءات الشاذة يستفاد منها في التفسير، فمثلاً: قراءة ابن مسعود : (ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات)، فقوله: (متتابعات) هذه ليست متواترة؛ لكن يفهم منها أن التتابع في صيام كفارة اليمين أفضل من التفريق.

وكذلك قراءة ابن عباس : ( ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم في مواسم الحج ) هذه قراءات تفسيرية، يستفاد منها في تفسير القرآن الكريم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف - عنوان الحلقة اسٌتمع
ديوان الإفتاء [485] 2824 استماع
ديوان الإفتاء [377] 2651 استماع
ديوان الإفتاء [263] 2536 استماع
ديوان الإفتاء [277] 2536 استماع
ديوان الإفتاء [767] 2509 استماع
ديوان الإفتاء [242] 2477 استماع
ديوان الإفتاء [332] 2445 استماع
ديوان الإفتاء [550] 2408 استماع
ديوان الإفتاء [303] 2407 استماع
ديوان الإفتاء [284] 2368 استماع