المعاملات المالية المعاصرة [3]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وبعد:

تقدم لنا في الدرس السابق بقية الضوابط المتعلقة بأحكام المعاملات، وذكرنا من هذه الضوابط: منع الغرر، ومنع الميسر، والصدق والأمانة، وسد الذرائع.

ثم شرعنا في مسألة: المرابحة للآمر بالشراء، وذكرنا أن هذه المرابحة لها ثلاث صور، وذكرنا الصورة الأولى وهي: ما تبنى على المواعدة الملزمة.. أن يكون هناك مواعدة ملزمة بين العميل وبين المصرف، فيتفق العميل مع المصرف على أنه ملتزم بشراء هذه السلعة إذا اشتراها المصرف له، فيقوم المصرف بشراء السيارة أو غير ذلك من السلع للعميل، والعميل ملتزم بشرائها مع قدر من الربح.

وذكرنا أن أهل العلم رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة على رأيين:

الرأي الأول وهو قول جمهور أهل العلم المتأخرين: أن هذه المعاملة محرمة ولا تجوز.

واستدلوا على ذلك بأدلة، ومن هذه الأدلة العمومات التي تنهى عن بيع الإنسان ما لا يملك.

وأيضاً من هذه الأدلة العمومات على نهي الإنسان أن يبيع شيئاً قبل أن يقبضه.

وكذلك أيضاً من أدلتهم: أن حقيقة هذه المعاملة هي بيع نقد بنقد أكثر منه مؤجلاً، فهي تشتمل على ربا الفضل وربا النسيئة، فربا الفضل لوجود الزيادة بين الجنسين الربويين، وربا النسيئة لوجود التأجيل بين النقدين.

وذكرنا أن بعض المتأخرين ذهب إلى جواز هذه المعاملة، وقال بأن الحاجة داعية إلى ذلك لاتساع رقعة التعامل، وتضخم رؤوس الأموال، كما أجاز الشارع عقد السلَم وعقد الاستصناع.

وأجبنا عن ذلك بأن هذا لا يسلَّم في أن الحاجة داعية لمثل هذا التعامل؛ إذ بالإمكان أن يصار إلى الصورة الثانية كما سيأتي إن شاء الله.

الصورة الثانية من صور بيع المرابحة للآمر بالشراء

الصورة الثانية من صور بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهي: ما يُبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين.

وهذه الصورة يقسمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون هناك ذكر مقدمٌ للربح.

القسم الثاني: أن لا يكون هناك ذكر مقدمٌ للربح.

فبعض العلماء يجعلها صورتين، وبعض العلماء يجعلها ثلاث صور، فيقول:

الصورة الأولى: المواعدة بين الطرفين غير الملزمة مع عدم ذكر مقدار للربح.

الصورة الثانية: المواعدة بين الطرفين: بين العميل والمصرف مع ذكر قدر للربح.

الصورة الثالثة: وهي ما تُبنى على المواعدة غير الملزمة بين العميل وبين المصرف.

مثالها: أن يأتي العميل إلى المصرف -البنك- والغالب أن العميل الذي يأتي إلى البنك إنما يريد قرضاً لا يريد السلعة وإنما يريد الدراهم، فيأتي إلى المصرف ويتفق معه على أن يبحث العميل عن سلعة، والغالب أن هذه السلعة تكون سيارة، فيقوم المصرف بشراء هذه السلعة، والمصرف دائماً يكون واجداً، فيشتري هذه السلعة بدراهم حاضرة، ثم بعد ذلك يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل، فالمصرف يشتري هذه السيارة مثلاً بخمسين ألف ريال ثم بعد ذلك يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل بستين ألف ريال، أو بثمانين ألف ريال.. حسب ما يتفقان عليه.

هذه هي الصورة الثانية، وهي ما يُبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين: العميل والمصرف.

فالعميل يأتي ويأمر المصرف بأن يشتري له هذه السلعة، ويقوم المصرف بشراء هذه السلعة بثمن حاضر، ثم يقوم ببيعها للعميل بثمن مؤجل، دون أن يكون هناك إلزام من المصرف للعميل بشراء هذه السلعة.

هذه الصورة تكلم عليها العلماء في القديم، والشافعي رحمه الله تكلم عليها في كتاب الأم، ونقلت نص الشافعي من الأم، يقول الشافعي رحمه الله في كتاب الأم: إذا أرى الرجل السلعة، فقال: اشترها وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز.

والذي قال: أربّحك -يعني: الآمر بالشراء وهو العميل كما في صورتنا- هو بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركه.

ثم قال: وهكذا إن قال: اشتر لي متاعاً. ووصفه له، فكل هذا سواء.

فـالشافعي رحمه الله يرى جواز مثل هذه الصورة لو قال: اذهب واشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها، أي: أشتريها منك بربح، هو ما معه دراهم، لكن يريد أن يشتريها بثمن مؤجل، وأنه لو كان معه دراهم ما قال: اشتر لي هذه السلعة، ولشتراها هو بنفسه، فهو يأمر هذا الشخص أن يشتري له هذه السلعة، أو يصف له سلعة ليشتريها له، ثم بعد ذلك يقوم بشرائها منه بثمن مؤجل ويربحه في ذلك.

وهذه أيضاً نص عليها الحنفية كـابن عابدين رحمه الله في حاشيته على رد المحتار، وأنها جائزة.

وكذلك أيضاً المالكية نص ابن رشد رحمه الله على جوازها، ويذكرها المالكية رحمهم الله تحت مباحث بيع العينة.

وكذلك أيضاً نص ابن القيم رحمه الله تعالى عليها في إعلام الموقعين.

إذاً: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر المتأخرين الجواز، حتى إني قرأت كلاماً لـرفيق المصري وهو ممن بحث في هذه المسألة، فقال: ليس فيها خلاف معتبر. يعني: أن أكثر المجامع الفقهية ذهبت إلى جواز مثل هذه المعاملة، ما دام أنه لم يكن هناك إلزام.

الأحاديث التي ذكرها الجمهور في الصورة الأولى، إذا كان هناك إلزام، يعني: لم يكن هناك بيع للسلعة قبل قبضها، ولم يكن هناك بيع للسلعة قبل أن يملكها المصرف، وما دام أنه ليس هناك إلزام، فالآن المصرف اشترى السلعة ثم بعد ذلك يعقد للعميل، فمسألة بيع السلعة قبل قبضها انتفت، وما دام أنه لم تكن هناك إلزام فإن المحاذير التي توجد في الصورة الأولى انتفت.

فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه، ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها اشتراها، وإن أراد أن يتركها تركها، وكون الإنسان يشتري السلعة لنفسه ويخاطر في ذلك.. إن اشتراها هذا العميل فله ذلك، وإن لم يشترها فليس له ذلك؛ وقالوا بأن الأصل في ذلك هو الجواز، والأصل في العقود الحل، وأن المحاذير التي توجد في صورة الإلزام قد انتفت الآن، فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه، ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها عقد معه عقداً جديداً، وإن لم يرد أن يشتريها فله ذلك.. وإذا كان كذلك فالأصل الجواز والحل.

وكذلك أكثر المتأخرين على جواز مثل هذه المعاملة، وممن أفتى بجوازها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ بكر أبو زيد ، والشيخ عبد الله المنيع وغيرهم، فأكثر المتأخرين والمجامع الفقهية على جواز مثل هذه المعاملة.

والشيخ بكر أبو زيد لما مال إلى جواز مثل هذه المعاملة ذكر لها ثلاثة ضوابط:

الضابط الأول: خلوها من الالتزام الذي يكون في الصورة الأولى، فإذا لم يكن هناك التزام لا من قبيل المكاتبة ولا من قبيل المشافهة، فإن هذا جائز.

الضابط الثاني: خلوها من ضمان العميل للسلعة، وإنما يكون ضمان السلعة على المصرف؛ لأن المصرف هو الذي يقوم بشراء هذه السلعة وتملكها، فيكون ضمانها على المصرف، لو حصل عليها تلف، أو حصل عليها عيب أو نقص قبل أن يشتريها العميل منه، فضمانها يكون على المصرف.

ولو اشترط المصرف على العميل أن يكون ضامناً لها فإن هذا محرم ولا يجوز.

الضابط الثالث: أن يقوم المصرف ببيعها على العميل بعد أن يقبضها، فإذا اشترى المصرف هذه السلعة وقبضها ثم بعد ذلك باعها على العميل كان جائزاً ولا بأس به.

هذه ثلاثة شروط ذكرها الشيخ بكر أبو زيد. وهذه الشروط يقول بها الجمهور أيضاً، ومن قال بجواز هذه المعاملة يشترط ألا يكون هناك إلزام، فإذا كان هناك إلزام للعميل بشرائها فإنها داخلة في الصورة الأولى، والصورة الأولى يحرمها الجمهور.

وأيضاً لا يكون هناك ضمان، فلو كان هناك ضمان على العميل لكان العميل ملزماً بها، وكذلك أيضاً القبض... إلى آخره، فالضوابط التي ذكرها الشيخ بكر أبو زيد يقول بها من قال بجواز هذه المعاملة.

الرأي الثاني في هذه المسألة: تحريم هذه المعاملة حتى وإن لم يكن هناك إلزام، وهذا قال به الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، فالشيخ محمد رحمه الله يرى أن هذه المعاملة محرمة ولا تجوز، وعلته في ذلك بأنها حيلة على الربا.

فالأصل أن المصرف يقرض ستين ألفاً بثمانين ألفاً، فبدلاً من أن يقرض ستين ألفاً بثمانين ألف ريال يصار إلى هذه السلعة أو هذه السيارة، فيقول المصرف للعميل: اذهب وابحث عن سيارة وأنا أشتريها، ثم بعد ذلك أبيعها عليك، فالعميل لا يريد السيارة وإنما يريد النقود، فيشتريها المصرف بستين حاضرة ويأخذها العميل ويشتريها من المصرف بثمانين مؤجلة، ثم بعد ذلك يقوم العميل مرة أخرى ببيعها والإفادة من ثمنها، فأصبحت دراهم بدراهم بينهما سلعة.

فالشيخ رحمه الله يقول: هذه محرمة ولا تجوز، حتى وإن لم يكن هناك إلزام.

ويقول: لا بد أن يكون المصرف مالكاً للسلع، فقبل أن يأتيه الناس يشتري سلعاً فإذا اشترى السلعة لا بأس أن يبيع على الناس بثمن مؤجل، أما كونه ينسق مع العميل على أن المصرف يذهب ويشتري له السلعة، ثم بعد ذلك يبيعه إياها يقول الشيخ: هذه حيلة على الربا.

وكذلك أيضاً أشار إلى الاستدلال، كما أنه في فتواه استدل بأن هذا تحيل على الربا، وأيضاً استدل بالنهي عن بيع العينة.

والأئمة الأربعة كلهم يجيزون بيع التورق، وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، فيشتري السيارة من زيد بثمانين ألف ريال مؤجلة، ثم يذهب ويبيعها على عمرو بستين ألف ريال نقداً، وهذا التورق يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تحريمه، وأنه داخل في بيع العينة.

ويقول الشيخ رحمه الله: إذا كان الشارع نهى عن بيع العينة وجعله محرماً؛ لأن بيع العينة مفاده دراهم بدراهم بينهما سلعة، ومنه هذه المعاملة دراهم بدراهم بينهما سلعة.

هذا ما يتعلق ببيع المرابحة وللآمر بالشراء، وتلخص لنا أنها تشتمل على صورتين، وبعض العلماء يجعلها ثلاث صور:

الصورة الأولى: المبنية على المواعدة الملزمة للطرفين، مع ذكر مقدار الربح. فهذه محرمة لا إشكال في ذلك.

والصورة الثانية: المواعدة المبنية على عدم الإلزام، وهذه كما أشرت أن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

الرأي الأول: الجواز. وهو قول الجماهير، والرأي الثاني: التحريم. وهو رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

وذكرنا ما احتج به كل قائل.

الصورة الثانية من صور بيع المرابحة للآمر بالشراء، وهي: ما يُبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين.

وهذه الصورة يقسمها العلماء رحمهم الله إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكون هناك ذكر مقدمٌ للربح.

القسم الثاني: أن لا يكون هناك ذكر مقدمٌ للربح.

فبعض العلماء يجعلها صورتين، وبعض العلماء يجعلها ثلاث صور، فيقول:

الصورة الأولى: المواعدة بين الطرفين غير الملزمة مع عدم ذكر مقدار للربح.

الصورة الثانية: المواعدة بين الطرفين: بين العميل والمصرف مع ذكر قدر للربح.

الصورة الثالثة: وهي ما تُبنى على المواعدة غير الملزمة بين العميل وبين المصرف.

مثالها: أن يأتي العميل إلى المصرف -البنك- والغالب أن العميل الذي يأتي إلى البنك إنما يريد قرضاً لا يريد السلعة وإنما يريد الدراهم، فيأتي إلى المصرف ويتفق معه على أن يبحث العميل عن سلعة، والغالب أن هذه السلعة تكون سيارة، فيقوم المصرف بشراء هذه السلعة، والمصرف دائماً يكون واجداً، فيشتري هذه السلعة بدراهم حاضرة، ثم بعد ذلك يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل، فالمصرف يشتري هذه السيارة مثلاً بخمسين ألف ريال ثم بعد ذلك يقوم ببيعها على العميل بثمن مؤجل بستين ألف ريال، أو بثمانين ألف ريال.. حسب ما يتفقان عليه.

هذه هي الصورة الثانية، وهي ما يُبنى على المواعدة غير الملزمة بين الطرفين: العميل والمصرف.

فالعميل يأتي ويأمر المصرف بأن يشتري له هذه السلعة، ويقوم المصرف بشراء هذه السلعة بثمن حاضر، ثم يقوم ببيعها للعميل بثمن مؤجل، دون أن يكون هناك إلزام من المصرف للعميل بشراء هذه السلعة.

هذه الصورة تكلم عليها العلماء في القديم، والشافعي رحمه الله تكلم عليها في كتاب الأم، ونقلت نص الشافعي من الأم، يقول الشافعي رحمه الله في كتاب الأم: إذا أرى الرجل السلعة، فقال: اشترها وأربحك فيها كذا، فاشتراها الرجل فالشراء جائز.

والذي قال: أربّحك -يعني: الآمر بالشراء وهو العميل كما في صورتنا- هو بالخيار، إن شاء أحدث فيها بيعاً وإن شاء تركه.

ثم قال: وهكذا إن قال: اشتر لي متاعاً. ووصفه له، فكل هذا سواء.

فـالشافعي رحمه الله يرى جواز مثل هذه الصورة لو قال: اذهب واشتر لي هذه السلعة وأنا أربحك فيها، أي: أشتريها منك بربح، هو ما معه دراهم، لكن يريد أن يشتريها بثمن مؤجل، وأنه لو كان معه دراهم ما قال: اشتر لي هذه السلعة، ولشتراها هو بنفسه، فهو يأمر هذا الشخص أن يشتري له هذه السلعة، أو يصف له سلعة ليشتريها له، ثم بعد ذلك يقوم بشرائها منه بثمن مؤجل ويربحه في ذلك.

وهذه أيضاً نص عليها الحنفية كـابن عابدين رحمه الله في حاشيته على رد المحتار، وأنها جائزة.

وكذلك أيضاً المالكية نص ابن رشد رحمه الله على جوازها، ويذكرها المالكية رحمهم الله تحت مباحث بيع العينة.

وكذلك أيضاً نص ابن القيم رحمه الله تعالى عليها في إعلام الموقعين.

إذاً: مذهب الحنفية والمالكية والشافعية وأكثر المتأخرين الجواز، حتى إني قرأت كلاماً لـرفيق المصري وهو ممن بحث في هذه المسألة، فقال: ليس فيها خلاف معتبر. يعني: أن أكثر المجامع الفقهية ذهبت إلى جواز مثل هذه المعاملة، ما دام أنه لم يكن هناك إلزام.

الأحاديث التي ذكرها الجمهور في الصورة الأولى، إذا كان هناك إلزام، يعني: لم يكن هناك بيع للسلعة قبل قبضها، ولم يكن هناك بيع للسلعة قبل أن يملكها المصرف، وما دام أنه ليس هناك إلزام، فالآن المصرف اشترى السلعة ثم بعد ذلك يعقد للعميل، فمسألة بيع السلعة قبل قبضها انتفت، وما دام أنه لم تكن هناك إلزام فإن المحاذير التي توجد في الصورة الأولى انتفت.

فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه، ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها اشتراها، وإن أراد أن يتركها تركها، وكون الإنسان يشتري السلعة لنفسه ويخاطر في ذلك.. إن اشتراها هذا العميل فله ذلك، وإن لم يشترها فليس له ذلك؛ وقالوا بأن الأصل في ذلك هو الجواز، والأصل في العقود الحل، وأن المحاذير التي توجد في صورة الإلزام قد انتفت الآن، فالمصرف يخاطر بشراء هذه السلعة لنفسه، ثم بعد ذلك إن أراد العميل أن يشتريها عقد معه عقداً جديداً، وإن لم يرد أن يشتريها فله ذلك.. وإذا كان كذلك فالأصل الجواز والحل.

وكذلك أكثر المتأخرين على جواز مثل هذه المعاملة، وممن أفتى بجوازها الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، والشيخ بكر أبو زيد ، والشيخ عبد الله المنيع وغيرهم، فأكثر المتأخرين والمجامع الفقهية على جواز مثل هذه المعاملة.

والشيخ بكر أبو زيد لما مال إلى جواز مثل هذه المعاملة ذكر لها ثلاثة ضوابط:

الضابط الأول: خلوها من الالتزام الذي يكون في الصورة الأولى، فإذا لم يكن هناك التزام لا من قبيل المكاتبة ولا من قبيل المشافهة، فإن هذا جائز.

الضابط الثاني: خلوها من ضمان العميل للسلعة، وإنما يكون ضمان السلعة على المصرف؛ لأن المصرف هو الذي يقوم بشراء هذه السلعة وتملكها، فيكون ضمانها على المصرف، لو حصل عليها تلف، أو حصل عليها عيب أو نقص قبل أن يشتريها العميل منه، فضمانها يكون على المصرف.

ولو اشترط المصرف على العميل أن يكون ضامناً لها فإن هذا محرم ولا يجوز.

الضابط الثالث: أن يقوم المصرف ببيعها على العميل بعد أن يقبضها، فإذا اشترى المصرف هذه السلعة وقبضها ثم بعد ذلك باعها على العميل كان جائزاً ولا بأس به.

هذه ثلاثة شروط ذكرها الشيخ بكر أبو زيد. وهذه الشروط يقول بها الجمهور أيضاً، ومن قال بجواز هذه المعاملة يشترط ألا يكون هناك إلزام، فإذا كان هناك إلزام للعميل بشرائها فإنها داخلة في الصورة الأولى، والصورة الأولى يحرمها الجمهور.

وأيضاً لا يكون هناك ضمان، فلو كان هناك ضمان على العميل لكان العميل ملزماً بها، وكذلك أيضاً القبض... إلى آخره، فالضوابط التي ذكرها الشيخ بكر أبو زيد يقول بها من قال بجواز هذه المعاملة.

الرأي الثاني في هذه المسألة: تحريم هذه المعاملة حتى وإن لم يكن هناك إلزام، وهذا قال به الشيخ محمد العثيمين رحمه الله، فالشيخ محمد رحمه الله يرى أن هذه المعاملة محرمة ولا تجوز، وعلته في ذلك بأنها حيلة على الربا.

فالأصل أن المصرف يقرض ستين ألفاً بثمانين ألفاً، فبدلاً من أن يقرض ستين ألفاً بثمانين ألف ريال يصار إلى هذه السلعة أو هذه السيارة، فيقول المصرف للعميل: اذهب وابحث عن سيارة وأنا أشتريها، ثم بعد ذلك أبيعها عليك، فالعميل لا يريد السيارة وإنما يريد النقود، فيشتريها المصرف بستين حاضرة ويأخذها العميل ويشتريها من المصرف بثمانين مؤجلة، ثم بعد ذلك يقوم العميل مرة أخرى ببيعها والإفادة من ثمنها، فأصبحت دراهم بدراهم بينهما سلعة.

فالشيخ رحمه الله يقول: هذه محرمة ولا تجوز، حتى وإن لم يكن هناك إلزام.

ويقول: لا بد أن يكون المصرف مالكاً للسلع، فقبل أن يأتيه الناس يشتري سلعاً فإذا اشترى السلعة لا بأس أن يبيع على الناس بثمن مؤجل، أما كونه ينسق مع العميل على أن المصرف يذهب ويشتري له السلعة، ثم بعد ذلك يبيعه إياها يقول الشيخ: هذه حيلة على الربا.

وكذلك أيضاً أشار إلى الاستدلال، كما أنه في فتواه استدل بأن هذا تحيل على الربا، وأيضاً استدل بالنهي عن بيع العينة.

والأئمة الأربعة كلهم يجيزون بيع التورق، وهو أن يشتري سلعة بثمن مؤجل ثم يبيعها على غير من اشتراها منه بأقل من ثمنها نقداً، فيشتري السيارة من زيد بثمانين ألف ريال مؤجلة، ثم يذهب ويبيعها على عمرو بستين ألف ريال نقداً، وهذا التورق يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تحريمه، وأنه داخل في بيع العينة.

ويقول الشيخ رحمه الله: إذا كان الشارع نهى عن بيع العينة وجعله محرماً؛ لأن بيع العينة مفاده دراهم بدراهم بينهما سلعة، ومنه هذه المعاملة دراهم بدراهم بينهما سلعة.

هذا ما يتعلق ببيع المرابحة وللآمر بالشراء، وتلخص لنا أنها تشتمل على صورتين، وبعض العلماء يجعلها ثلاث صور:

الصورة الأولى: المبنية على المواعدة الملزمة للطرفين، مع ذكر مقدار الربح. فهذه محرمة لا إشكال في ذلك.

والصورة الثانية: المواعدة المبنية على عدم الإلزام، وهذه كما أشرت أن العلماء رحمهم الله لهم في ذلك رأيان:

الرأي الأول: الجواز. وهو قول الجماهير، والرأي الثاني: التحريم. وهو رأي الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.

وذكرنا ما احتج به كل قائل.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
المعاملات المالية المعاصرة [1] 2093 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [2] 1999 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [10] 1516 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [11] 1422 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [8] 1381 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [4] 1337 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [5] 1242 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [9] 1127 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [7] 964 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [6] 938 استماع