المعاملات المالية المعاصرة [2]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

تقدم لنا في الدرس السابق شيء من تعريف المعاملات، وذكرنا المراد بالمعاملات المالية، وأن بعض الفقهاء أدخل قسم الأنكحة في قسم المعاملات.

وأيضاً تطرقنا لشيء من الضوابط التي تدور عليها المعاملات المالية، فذكرنا سبعة ضوابط، ومن هذه الضوابط: أن الأصل في المعاملات الحل، وذكرنا أن هذا ما عليه جماهير أهل العلم، وهو ما اتفق عليه الأئمة الأربعة رحمهم الله، خلافاً لما ذهب إليه الظاهرية.

الضابط الثاني: أن الأصل في الشروط في العقود الحل والصحة، والخلاف في هذا الضابط كالخلاف في الضابط السابق.

وذكرنا أيضاً من الضوابط: منع الغرر، ومنع الظلم، ومنع الربا... إلى آخر ما ذكرناه.

منع الميسر

الضابط السادس: منع الميسر.

الميسر في اللغة يُطلق على معانٍ، منها: السهولة، وعلى معنى الغنى إذا كان مأخوذاً من اليسار، ويُطلق أيضاً على الوجوب، يقال: يسر لي شيء إذا وجب.

وأما في الاصطلاح فهو: كل معاملة يدخل فيها الإنسان وهو إما غانم أو غارم.

والعلماء رحمهم الله يتفقون على تحريم الميسر، والأدلة عليه ظاهرة من القرآن ومن السنة ومن الإجماع.

أما القرآن: فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90].

ومن السنة: ما ثبت في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق ).

فكون النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق كفّارة لقوله هذا، هذا يدل على أنه دعا إلى محرّم.

والإجماع قائمٌ على تحريم الميسر.

ومن الأمثلة الداخلة في الميسر: بيع المجهول، وأيضاً داخل في الغرر.

فمثلاً: إذا بعت سيارة مجهولة بكذا وكذا، المشتري داخل، وهو إما غانم أو غارم، فإذا دفع في قيمة هذه السيارة مثلاً عشرة آلاف ريال، فإن كانت هذه القيمة التي دفعها مساوية لقيمة السيارة أو أقل فهو غانم، وإن كانت القيمة التي دفع أكثر من قيمة السيارة فهو غارم.

وكذلك أيضاً من الأمثلة الداخلة تحت الميسر: إذا كان الثمن مجهولاً، يعني: باع هذه السلعة بثمن مجهول، فالبائع يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم.

الفرق بين الميسر والغرر:

الميسر أخص من الغرر، فكل ميسر غرر وليس كل غرر ميسراً، وبينهما عموم وخصوص.. الغرر أعم من الميسر، والميسر أخص من الغرر.

فقد تكون المعاملة غرراً لكن ليس فيها شيء من الميسر، وإذا كانت ميسراً فإنها غرر.

فمثلاً: ما يتعلق بجهالة أثاثات الحيطان، أو جهالة ما في باطن الجبة من الحشو، أو جهالة الثمر الذي لم يخلق... إلى آخره، هذه الأشياء من الغرر، لكنها ليست من الميسر؛ فالغرر أعم من الميسر، والميسر أخص.

كذلك جهالة الثمن ميسر وغرر، وجهالة المثمن ميسر وغرر، وبيع المعجوز عن تسليمه ميسر وغرر؛ لأن المشتري يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم، إما أن يحصّله وإما ألا يحصّله.

الصدق والأمانة

الضابط السابع: الصدق والأمانة.

الصدق في اللغة يدل على قوة في الشيء، فهو: مطابقة الحكم للواقع.

والأمانة في اللغة: سكون القلب، والوفاء والتصديق.

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالصدق في المعاملات هو أن يطابق قول العاقد الواقع ولا يخالفه.

والأمانة: إتمام العهد والعقد في المعاملة وعدم مخالفته.

والأدلة على هذا الضابط من القرآن ومن السنة والإجماع.

أما القرآن: فقول الله عز وجل: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85]، وأيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وأيضاً قول الله عز وجل: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283]، وأيضاً قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

وأما السنة: فمثل حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار... ) إلى أن قال: ( فإن بيّنا وصدقا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ).

وفي حديث أبي ذر في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ) وذكر منهم: ( الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب ) فدل ذلك على وجوب الصدق، ووجوب الأمانة عند إجراء العقود.

وقد ذكر الغزالي رحمه الله تعالى الضابط في ذلك، فقال: ألا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، فكل ما عومل به شق عليه وثقل على قلبه فلا يعامل به أخاه.

وفي الصحيح من حديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).

سد الذرائع

الضابط الثامن والأخير: سد الذرائع.

السد في اللغة: إغلاق الخلل، والذرائع: جمع ذريعة وهي الوسيلة.

وفي الاصطلاح: منع الوسائل التي ظاهرها مباح وتؤدي إلى محرّم.

واعلم أن ما يتعلق بسد الذرائع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ذرائع أجمع العلماء رحمهم الله على سدها، وهي الذرائع المؤدية إلى الفساد والخلل في أمور الدين والدنيا، مثل: شرب الخمر، هذا ذريعة إلى السكر المؤدي إلى اختلال العقل، فهذا أجمع العلماء على سده، ومثل: الزنا، هذا ذريعة إلى اختلاط الأنساب وضياعها، وقد أجمع العلماء رحمهم الله على سده.

فهذه الذرائع المؤدية إلى الفساد في الدين والدنيا، هذه أجمع العلماء رحمهم الله على سدها.

القسم الثاني: ذرائع أجمع العلماء رحمهم الله على عدم سدها، وذلك مثل زراعة العنب؛ لئلا يتخذ خمراً، فالعلماء مجمعون على أن زراعة العنب جائز، وإن كان شيءٌ من هذا العنب قد يشترى ويتخذ ويعصر لكي يكون خمراً، ومع ذلك أجمع العلماء رحمهم الله على أن هذه الذريعة لا تسد، وسيتبين هذا بذكر ضوابط سد الذرائع كما سنذكرها إن شاء الله على سبيل الإجمال.

القسم الثالث: الوسائل المباحة إذا أفضت إلى محرم غالباً فهل تسد أو لا تسد؟ هذا فيه خلاف بين الأئمة رحمهم الله.

فالمشهور عند المالكية وكذلك الحنابلة أن هذه الذرائع تسد.

ومذهب المالكية هو أحسن المذاهب فيما يتعلق بسد الذرائع، ثم بعدهم مذهب الحنابلة رحمهم الله تعالى.

وعند الحنفية والشافعية فيما يتعلق بسد الذرائع المباحة التي توصل إلى محرّم يقولون: لا يجب سدها، وهذا في الجملة، وإن كانوا في بعض التفاريع يلتزمون بمنع هذه التفاريع، لكنهم لا يدخلونها تحت أصل سد الذرائع؛ لأن هذا الأصل لا يقولون به وإنما يدخلونها تحت أصول أخرى تكون لهم.

والراجح في ذلك ما ذهب إليه المالكية والحنابلة، وابن القيم رحمه الله في كتابه إعلام الموقعين ذكر تسعة وتسعين دليلاً على وجوب سد الذرائع المباحة إذا كانت تؤدي إلى محرم.

أما ضوابط سد الذرائع:

الضابط الأول: أن يكون الفعل المأذون فيه مؤدياً إلى مفسدة غالباً.

فإن كانت المفسدة المترتبة عليه نادرة فإنه لا يقال بذلك ولا عبرة به، فالنادر لا تترتب عليه الأحكام ولا تتعلق به.

الضابط الثاني: أن تكون المفسدة الناتجة عن فعل المأذون مساوية لمصلحته أو أكثر من مصلحته.

فإن كان فعل المأذون مصلحته أكثر من المفسدة المترتبة على الفعل فإنه لا تسد الذريعة، فتكون الأقسام ثلاثة:

القسم الأول: أن تكون المفسدة المترتبة على فعل المأذون مساوية لمصلحته، فيسد هذا الفعل ويُمنع.

القسم الثاني: أن تكون المفسدة المترتبة على فعل المأذون أكثر من المصلحة المترتبة على سده، فإنه تسد ويُمنع هذا الفعل.

القسم الثالث: أن تكون المفسدة المترتبة على فعله أقل والمصلحة المترتبة على فعله أكثر، فإنه حينئذ لا يُسد.

ومن المسائل المتعلقة بسد الذرائع: ما مُنع سداً لأجل الذريعة أباحته الحاجة، فمثلاً: النظر، قال العلماء رحمهم الله: تحريم النظر من باب تحريم الوسائل، وعلى هذا تبيحه الحاجة؛ فيجوز للخاطب أن ينظر إلى المخطوبة للحاجة إلى ذلك، ويجوز للطبيب أن ينظر إلى موضع العورة أو المرأة الأجنبية... إلى آخره؛ للحاجة المترتبة على ذلك.

هذا ما يتعلق بالضوابط التي تدور عليها هذه المعاملات، وقد استخلصها العلماء رحمهم الله من نصوص الكتاب والسنة.

الضابط السادس: منع الميسر.

الميسر في اللغة يُطلق على معانٍ، منها: السهولة، وعلى معنى الغنى إذا كان مأخوذاً من اليسار، ويُطلق أيضاً على الوجوب، يقال: يسر لي شيء إذا وجب.

وأما في الاصطلاح فهو: كل معاملة يدخل فيها الإنسان وهو إما غانم أو غارم.

والعلماء رحمهم الله يتفقون على تحريم الميسر، والأدلة عليه ظاهرة من القرآن ومن السنة ومن الإجماع.

أما القرآن: فقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ [المائدة:90].

ومن السنة: ما ثبت في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق ).

فكون النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتصدق كفّارة لقوله هذا، هذا يدل على أنه دعا إلى محرّم.

والإجماع قائمٌ على تحريم الميسر.

ومن الأمثلة الداخلة في الميسر: بيع المجهول، وأيضاً داخل في الغرر.

فمثلاً: إذا بعت سيارة مجهولة بكذا وكذا، المشتري داخل، وهو إما غانم أو غارم، فإذا دفع في قيمة هذه السيارة مثلاً عشرة آلاف ريال، فإن كانت هذه القيمة التي دفعها مساوية لقيمة السيارة أو أقل فهو غانم، وإن كانت القيمة التي دفع أكثر من قيمة السيارة فهو غارم.

وكذلك أيضاً من الأمثلة الداخلة تحت الميسر: إذا كان الثمن مجهولاً، يعني: باع هذه السلعة بثمن مجهول، فالبائع يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم.

الفرق بين الميسر والغرر:

الميسر أخص من الغرر، فكل ميسر غرر وليس كل غرر ميسراً، وبينهما عموم وخصوص.. الغرر أعم من الميسر، والميسر أخص من الغرر.

فقد تكون المعاملة غرراً لكن ليس فيها شيء من الميسر، وإذا كانت ميسراً فإنها غرر.

فمثلاً: ما يتعلق بجهالة أثاثات الحيطان، أو جهالة ما في باطن الجبة من الحشو، أو جهالة الثمر الذي لم يخلق... إلى آخره، هذه الأشياء من الغرر، لكنها ليست من الميسر؛ فالغرر أعم من الميسر، والميسر أخص.

كذلك جهالة الثمن ميسر وغرر، وجهالة المثمن ميسر وغرر، وبيع المعجوز عن تسليمه ميسر وغرر؛ لأن المشتري يدخل في هذه المعاملة وهو إما غانم أو غارم، إما أن يحصّله وإما ألا يحصّله.

الضابط السابع: الصدق والأمانة.

الصدق في اللغة يدل على قوة في الشيء، فهو: مطابقة الحكم للواقع.

والأمانة في اللغة: سكون القلب، والوفاء والتصديق.

والمعنى الاصطلاحي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فالصدق في المعاملات هو أن يطابق قول العاقد الواقع ولا يخالفه.

والأمانة: إتمام العهد والعقد في المعاملة وعدم مخالفته.

والأدلة على هذا الضابط من القرآن ومن السنة والإجماع.

أما القرآن: فقول الله عز وجل: وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ [الأعراف:85]، وأيضاً قول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1]، وأيضاً قول الله عز وجل: فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ [البقرة:283]، وأيضاً قول الله عز وجل: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا [النساء:58].

وأما السنة: فمثل حديث حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه، وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار... ) إلى أن قال: ( فإن بيّنا وصدقا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما مُحقت بركة بيعهما ).

وفي حديث أبي ذر في الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ) وذكر منهم: ( الذي ينفق سلعته بالحلف الكاذب ) فدل ذلك على وجوب الصدق، ووجوب الأمانة عند إجراء العقود.

وقد ذكر الغزالي رحمه الله تعالى الضابط في ذلك، فقال: ألا يحب لأخيه إلا ما يحب لنفسه، فكل ما عومل به شق عليه وثقل على قلبه فلا يعامل به أخاه.

وفي الصحيح من حديث أنس : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ).


استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة اسٌتمع
المعاملات المالية المعاصرة [1] 2094 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [10] 1518 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [11] 1422 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [8] 1382 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [4] 1336 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [5] 1244 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [9] 1126 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [7] 963 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [6] 937 استماع
المعاملات المالية المعاصرة [3] 885 استماع