خطب ومحاضرات
المعاملات المالية المعاصرة [4]
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، أحمده وأستعينه وأستغفره، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فسنكمل إن شاء الله ما يتعلق بمسألة جمعية الموظفين، ثم بعد ذلك سنتعرض لأحكام الجوائز والمسابقات.. الجوائز التي يعطيها أصحاب السلع من المحلات التجارية وغيرها، وكذلك ما يتعلق بالمسابقات والألعاب وأقسامها، وحكم أخذ العوض على كل قسم من هذه الأقسام... إلى آخره.
تقدم أن ذكرنا طرفاً من كلام العلماء رحمهم الله في حكم جمعية الموظفين، وذكرنا أن جمعية الموظفين لها ثلاث صور:
الصورة الأولى: أن يتفق عدد من الأشخاص على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً متساوياً، يأخذه أحدهم عند نهاية كل شهر أو شهرين أو نصف سنة... ونحو ذلك، حسب ما يتفقون عليه.
والصورة الثانية كالصورة الأولى، إلا أن الصورة الثانية يشترط فيها ألا ينسحب أحدهم حتى تكتمل الدورة.
والصورة الثالثة كالصورة الثانية أيضاً، إلا أنه يُشترط فيها أن يكون هناك دورتان أو ثلاث أو أكثر.
ثم بعد ذلك تكلمنا عن خلاف أهل العلم رحمهم الله في الصورة الأولى، وأن أكثر العلماء على جواز مثل هذه الصورة، وذكرنا طرفاً من أدلتهم، وشرعنا في دليل القول الثاني الذي يمنع هذه الصورة، وذكرنا أبرز أدلتهم: وهو أن هذا من قبيل القرض الذي جر نفعاً، وأن القرض الذي جر نفعاً ربا، كما ورد ذلك عن جماهير الصحابة رضي الله تعالى عنهم.
وأجبنا عن ذلك بأجوبة، ومن أهم هذه الأجوبة: بيان الضابط في المنفعة التي تحرم بعقد القرض، وأن المنفعة التي تحرم بعقد القرض هي ما اشتملت على أمرين:
الأمر الأول: أن يشرط المقرض على المقترض منفعة لا يقابلها سوى القرض.
الأمر الثاني: ما يقدمه المقترض للدائن بسبب القرض.
أما بالنسبة للدليل الثاني لمن قال بالتحريم، فقالوا: هذا من قبيل بيعتين في بيعة الذي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
والبيعتان في بيعة اختلف شرّاح الحديث كثيراً في بيان ما المراد بالبيعتين في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم على أقوال، وذكر بعض شرّاح الحديث ما يقرب من ثمانية أقوال، وأبرز هذه الأقوال: أن المراد بالبيعتين في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم لنا في بيوع التقسيط: الحلول والأجل، يعني: أن يقول: بعتك السلعة حالّة بكذا وكذا، أو مؤجلة بكذا وكذا. قالوا: هذا هو المراد ببيعتين في بيعة.
الرأي الثاني: قالوا: إن المراد ببيعتين في بيعة الأجلان، بأن يقول: بعتك السلعة بكذا مؤجلة أو بكذا مؤجلة.. يعني يقول مثلاً: بعتك السيارة بعشرة آلاف إلى شهر، أو بعشرين ألفاً إلى شهرين، وثلاثة أشهر... إلى آخره.
الرأي الثالث: أن المراد ببيعتين في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو اشتراط عقد في عقد، وهذا هو المشهور عن الإمام أحمد في مذهبه: أن يقول: بعتك السيارة بشرط أن تؤجرني بيتك، أو تبيعني بيتك... ونحو ذلك، قالوا: هذا هو المراد ببيعتين في بيعة.
وهذا سيأتي بيانه عند بحث مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك.
الرأي الرابع: هو ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله، وهو أن المراد ببيعتين في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم هو بيع العينة، وأن السنة يفسّر بعضها بعضاً.
فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع ) المراد بذلك بيع العينة، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة : ( أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيعتين في بيعة ) المراد بذلك بيع العينة، وهو أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ثم يشتريها بأقل من ثمنها نقداً، فيبيع السيارة مثلاً بمائة ألف ريال مؤجلة، ثم بعد ذلك يشتري هذه السيارة بأقل من ثمنها نقداً، فقالوا: هذا هو بيعتان في بيعة الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أطال ابن القيم رحمه الله في تقريره، وقال: السنة يفسر بعضها بعضاً، فهذه هي التي يوجد فيها المحظور، وأنها دراهم بدراهم بينهما سلعة أو حريرة كما قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
فالشرطان اللذان نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم هما الشرطان اللذان في بيع العينة، والبيعتان اللتان نهى عنهما النبي صلى الله عليه وسلم هما البيعتان في بيع العينة، وأنه في بيع العينة يبيع السيارة مؤجلة ثم يشتريها نقداً، فهاتان بيعتان: بيعة التأجيل، وبيعة النقد أو الثمن الحاضر. وهذا القول هو الأقرب.
وعلى هذا؛ فإن التفاسير السابقة لا تكون داخلة تحت حديث: ( ولا شرطان في بيع )، ولا تكون أيضاً داخلة تحت حديث النهي عن بيعتين في بيعة.
كذلك قالوا أيضاً من أدلة التحريم: أن هذه الجمعية فيها شيءٌ من المخاطر، فقد يموت أحد أعضاء هذه الجمعية، وقد يفصل من عمله، وقد يُنقل إلى بلد آخر فتضيع على أصحاب الحقوق حقوقهم؛ فيُنهى عنها من أجل هذه المخاطر.
والجواب عن هذا أن يقال: المصالح المترتبة على هذه الجمعية أكثر من المخاطر المترتبة على هذه الجمعية، قد تقدم لنا بيان شيء من ذلك في ضابط سد الذرائع.
وكذلك أيضاً: أن مثل هذه المخاطر توجد حتى في المعاملات المباحة، فما من معاملة من المعاملات المباحة إلا وفيها شيءٌ من المخاطر، فحتى القرض المعتاد فيه شيء من المخاطر، فكون زيد يقرض عمراً هذا أيضاً فيه شيء من المخاطرة، فعمرو المقترض قد يموت ولا يتمكن زيد من حقه، فالمخاطر المنغمرة في المصالح الأخرى المرتبة على المعاملة هذه لا تعلق عليها الأحكام، ولا ينظر إليها الشارع.
حكم الصورة الثانية
والصورة الثانية كما تقدم هي: أن يُشرط ألا ينسحب أحد حتى تنتهي الدورة. فالذين يجوزونها مثل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله والشيخ عبد الله بن جبرين يجوزون أيضاً الصورة الثانية؛ لأن المحذور منتف، فكما أنه منتف في الصورة الأولى فهو أيضاً منتف في الصورة الثانية، فالمنفعة التي يستفيدها المقرض أيضاً يستفيدها المقترض في هذه الدورة، فهي منفعة متبادلة كما سلف أن أشرنا إليه.
حكم الصورة الثالثة
أيضاً الشيخ محمد رحمه الله يرى جواز مثل هذه الصورة، وذهب بعض الباحثين إلى التفريق بين الصورة الأولى والثانية، ففي الصورة الأولى والثانية تجوز، وأما الصورة الثالثة إذا اشترط أن يكون هناك دورة ثانية ودورة ثالثة فإنها محرمة ولا تجوز، مع أنه أجاز الصورة الأولى والصورة الثانية؛ لما في ذلك من المنفعة التي تكون داخلة في نفع المقرض الذي نهي عنه.
وتقدم أن أشرنا إلى المنفعة التي تكون محرمة في باب القرض، وأنها تشتمل على أمرين:
الأمر الأول: ما يشترطه المقرض على المقترض، وليس له مقابل سوى القرض، قالوا: هذا داخل في هذا الضابط، فكونه يشترط عليه أن يكون هناك دورة ثانية أو ثالثة داخل في هذا الضابط.
والذين أجازوها مثل الشيخ رحمه الله يقول: حتى لو شرط دورتين أو ثلاثاً، يعني: اتفق الموظفون على دورتين أو ثلاث ونحو ذلك، فهذا جائز ولا بأس به.
زكاة جمعية الموظفين
نقول: الداخل في هذه الجمعية لا يخلو من ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يكون في أول القائمة.
الحالة الثانية: أن يكون في آخر القائمة.
الحالة الثالثة: أن يكون في وسط القائمة.
أما الذي يأخذ الجمعية في أول القائمة فهذا لا زكاة عليه، اللهم إلا إذا ترك هذه الدراهم حتى حال عليها الحول، فلو فرضنا أن زيداً هو الأول ثم أخذ هذه الدراهم وتركها عنده حتى حال عليها الحول فيجب عليه أن يخرج الزكاة عند حولان الحول، لكن لو استهلكها، والغالب فيمن يلجأ لمثل هذه الجمعية أنه يستهلكها سواء في بناء البيت، أو في الزواج، أو في شراء سيارة... أو نحو ذلك، فإذا استهلكها فإنه لا شيء عليه.
الثاني: أن يكون في آخر الجمعية. وهذا لا يخلو من أمرين:
الأمر الأول: أن يأخذ الجمعية بعد تمام الحول، بحيث يكون عددهم اثني عشر، فأخذ الجمعية بعد تمام الحول، فهذا يجب عليه أن يخرج عن الشهر الأول الذي دفعه، فإذا كانت الجمعية من ألفين ريال يجب عليه أن يخرج عن ألفين إذا قبض الجمعية، وبعد اثني عشر شهراً يجب عليه أن يخرج زكاة الشهر الأول وهما ألفا ريال.
ثم بعد ذلك إن استهلكها فلا شيء عليه، لكن لو بقيت عنده يخرج عن زكاة الشهر الثاني؛ لأن الشهر الثاني أيضاً حال عليه الحول، فإذا مر شهر ثانٍ يخرج عن زكاة الشهر الثاني، فإذا مر عليه شهر ثالث يخرج عن زكاة الشهر الثالث... وهكذا.
أما من كان في وسط الجمعية مثل لو كان ترتيبه السابع وقبض هذه الجمعية، فنقول أيضاً: هذا لا زكاة عليه إذا استهلكها، لكن لو بقيت عنده حتى مضى حول من الشهر الذي دفعه، يعني: إذا مضت خمسة أشهر بعد السبعة أشهر والدراهم عنده أخرج عن الشهر الأول، فإذا مضت ستة أشهر أخرج عن الشهر الثاني، وإذا مضت سبعة يزكي الثالث... وهكذا.
أيضاً الذين يجوزون الصورة الأولى يجوزون الصورة الثانية لعدم المحذور الشرعي.
والصورة الثانية كما تقدم هي: أن يُشرط ألا ينسحب أحد حتى تنتهي الدورة. فالذين يجوزونها مثل الشيخ محمد العثيمين رحمه الله والشيخ عبد الله بن جبرين يجوزون أيضاً الصورة الثانية؛ لأن المحذور منتف، فكما أنه منتف في الصورة الأولى فهو أيضاً منتف في الصورة الثانية، فالمنفعة التي يستفيدها المقرض أيضاً يستفيدها المقترض في هذه الدورة، فهي منفعة متبادلة كما سلف أن أشرنا إليه.
استمع المزيد من الشيخ الدكتور خالد بن علي المشيقح - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
المعاملات المالية المعاصرة [1] | 2092 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [2] | 1998 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [10] | 1517 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [11] | 1419 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [8] | 1380 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [5] | 1242 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [9] | 1124 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [7] | 961 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [6] | 935 استماع |
المعاملات المالية المعاصرة [3] | 883 استماع |