أرشيف المقالات

رائد الظلامية في مصر!! - ملفات متنوعة

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .


جابر عصفور بالأمس القريب، كان رائد دعاة "التنوير"*، يظن أنه امتلك زمام الأمور، وأنه سوف يصبح بوسعه أن ينشر أراجيفه حول مخالفيه بدعوى أنهم ظلاميون، وأنهم لا يفهمون حداثة العصر، ولا يستوعبون روح التطور.


وظن رائد دعاة التنوير أنه عندما يتولى حقيبة وزارة الثقافة المصرية فإنه سرعان ما يشيع في المبدعين وجموع الرأي العام روح الاستنارة الزائفة التي يتبناها، وظل طوال سنوات عمره يروج لها، وإذا به يفاجأ بهجوم واسع النطاق ليس من معارضيه، ولكن من أبناء مدرسته من العلمانيين ومن يسمون أنفسهم أيضا بالتنويريين لقبوله منصباً وزارياً في نظام يمارس القمع ضد شعبه، ويكيل لهم صنوفاً شتى من العذاب، وذلك تماشياً مع ثورة مصر الشعبية، فيما كان يوصف صمتهم قبل قيامها بأنه صمت يشبه صمت أصحاب القبور.


وأمام الهجوم الشرس الذي ظل يتعرض له رائد دعاة التنوير على مدى أسبوع من مريديه، إذا به يدرك نفسه أنه أمام قطار ربما يفوته إن لم يلحق به، ووقتها يمكن أن تفك عرى ترابطه مع ركابه، ولذلك توصل إلى أن اللحاق بالركب طواعية صار ضرورة، حتى لا يجبر على ذلك بفعل مصالحه مع المثقفين، ولذلك كان قراره بالاستقالة من منصبه، وهى الميزة الوحيدة التي ربما اتخذها خلال السنوات الأخيرة، لتكون الاستقالة الوحيدة من نوعها في عهد آخر حكومات الرئيس المخلوع.


اللافت أن داعي التنوير هذا ظل حتى بعد خروجه من منصبه الوزاري يصدح بالدفاع عن الحداثة والاستنارة، وأنه استقال من وزارته اعتراضاً منه على ممارسة النظام المخلوع لأعمال البطش ضد ثوار مصر الشعبية، وكأنه بذلك كما يقال بالمصطلح الدارج في مصر "يركب الموجة".


وبالعودة إلى أعوام قليلة مضت فإن هذا الوزير المستقيل كثيراً ما ساعد النظام المخلوع وأمده بكل السبل التي جعلته يخنق الصوت الآخر، والآخر هنا هو التيار المخالف له، وليس من يقف خارج الحدود يتربص بأمن مصر، وهو ما كان يعلن صراحة بأن أكثر أعداء التنوير والاستنارة في مصر هم التيار السلفي، ليسميه زوراً وبهتاناً بأنه التيار الظلامي، وفي أحيان أخرى كثيراً ما أطلق عليه التيار الرجعي.


رائد دعاة التنوير هذا كثيراً ما فتح قاعات المجلس الأعلى للثقافة في مصر أثناء توليه أمانته أمام مريديه من دعاة هذه الاستنارة الزائفة، وهم الذين قابلوا الأمر بمكافأة سخية له باستكتابه تارة في المجلات التي يسيطرون عليها، أو دعوته للمشاركة في مؤتمراتهم البالية، والتي تروج للهدف نفسه، وهو محاربة التيار "الظلامي" ومقاومة دعاة الحداثة، على حد تعبيرهم المضلل.


ومن هنا كان النظام المصري وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة حريصا على الاستعانة بكل من تصدى للإسلاميين وأفكارهم الوسطية، حتى استعان بكبير ورائد دعاة الاستنارة والتنوير وغيرها من النعوت التي دشنها لنفسه الوزير المستقيل ليس فقط على مدى سنوات عمله كأستاذ جامعي في كلية الآداب بجامعة القاهرة، ولكن على مدى سنوات عمله الرسمي بوزارة الثقافة كأمين عام للمجلس الأعلى للثقافة، ثم مديراً للمركز القومي للترجمة.


ومع الدور الكبير الذي قدمه الوزير المستقيل للنظام المصري البائد في محاربة كل من يحمل فكراً إسلامياً أو يتعاطف معه، كانت المكافأة لهذا الوزير المستقيل وعقب تقاعده من أمانة المجلس الأعلى للثقافة، بأن أغدق عليه الحكم وقتها عضوية المجلس، في مقابل الهجوم الشرس الذي تعرض له الشاعر الكبير فاروق جويدة، والذي كان مفترضاً أن يتولى هذه العضوية بدلاً من الوزير المستقيل، لولا رفض رئيس الوزراء السابق انضمام جويدة لعضوية المجلس، حتى تحقق له ما أراد.


والأخطر من ذلك أنه في ظل تغييب القانون، أعدت جهات قانونية تعرف في مصر باسم "ترزية القوانين" قانوناً خاصاً للوزير المستقيل سمح له بموجبه بالاستمرار في منصبه كأمين عام للمجلس بعد سن المعاش، وفاء من النظام للوزير المستقيل، ما دام أن الهدف تحق للنظام والوزير في آن وهو قمع الإسلاميين فكرياً، بعد قمعهم أمنياً، ليعود اليوم هذا الوزير المستقيل، ويسطو على ثورة الشباب بالحديث عن الحرية وهو الذي طاردهم في ردهات المجلس الأعلى للثقافة، وحتى بعد خروجه منه عندما أنشأ النظام له أيضاً مركزاً قومياً للترجمة، يتولى إدارته بإشراف وتوجيه مباشر من حرم الرئيس المخلوع، في الوقت الذي نسي فيه الوزير المستقيل أو تناسى أنه لا يمكن إبداء الأفكار والآراء بأثر رجعي.


ولم يكن هذا المستقيل وحده هو الذي كان يقمع الحريات الثقافية، والتي صار يتشدق بالحديث والذود عنها، بل إن سلفه كثيرا ما خاض معارك وصفها المطبلون له بأنها "بطولية"، ولم تكن هذه الحرب ضد دعاة الجهل الحقيقي والعفن الفكري والتسطيح الثقافي، ولكن ضد كل ما هو إسلامي.


هذه الحالة وغيرها تفسر بأن الحرب الثقافية من جانب أعداء الحرية ضد أصحاب الحرية الحقيقيين كانت حربا منظمة، والأخطر أنها كانت نابعة من نظام كان يملك أعتى وسائل التضليل والتشويش والتأثير، فضلا عما كان يمتلكه من بأس سياسي وبطش عسكري.
مما يؤكد أن أصحاب التنوير الحقيقيين كانوا أمام مجالس ووزارات وهيئات جعلها النظام المخلوع أشبه بالمتاجر الخاصة، التي يمارس فيها دعايته الزائفة ضد كل من يخالفه الرأي.


إلا أن هذه الدعاية الممجوجة ضد الإسلام وأهله لم تدم طويلاً، إذ انهارت أمام حناجر الثوار، وفوهات الأصوات الصادعة بالحق والبحث عن الحرية والعدل، على الرغم من عقود النظام الثلاثة، ومعه عمره وزير الثقافة الأسبق والذي وصل عمر وزارته نحو 23 عاما، أو عمر الوزير الذي خلفه، والمقدر بحوالي سبعة أيام.


إذاً هي قدرة الله عز وجل وسننه سبحانه في الإطاحة بكل من حاول أو يحاول الصد عن سبيله أو يحاد رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، مهما طال الأمد، وليست هذه من المواعظ الدعوية، كما يزعم دعاة التنوير الزائف، ولكنها السنن الإلهية التي لا تتخلف فالله تبارك وتعالى ينصر الحق على الظلم مهما بلغ بأسه، فإن الفجر حتما سيبزغ، وأن "فرعون" مهما تجبر فإن الغرق لابد أن يناله، وأن الظلم مهما بلغ مداه، فإن الحق لابد أن له أن يسود، وأن الظلام مهما طال فلابد له من أن ينجلي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* الشخص المعني بالمقالة هو جابر عصفور؛ لكن الكاتبة اختارت عدم ذكر اسمه لأسبابها الخاصة، ونحن نورده؛ لأنه ليست له حرمة فنستر عليه، بل إنه من عتاة المجاهرين بالعداء للإسلام جملة وتفصيلاً.(المحرر)


12/4/1432 هـ
 

شارك الخبر

روائع الشيخ عبدالكريم خضير