تلك عاجل بشرى المؤمن
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
تلك عاجل بشرى المؤمنقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه: ((أرأيتَ الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه؟ قال: تلك عاجل بشرى المؤمن)).
والبشارة - كما هو معلوم - خبر سارٌّ، يتلقاه الإنسان من الآخرين بالغبطة والحبور، وتتفتح له أسارير قلبه، وتبتهج له ملامح وجهه، وترتاح له نفسه، وتطمئن له ذاته، حتى وإن لم يلمس بعدُ ما بُشِّر به.
وعادة ما يسبِق إخبارُ الإنسان بالبشارة - في الحياة العملية - العائدَ الذي ينتظره من عمل صالح ومفيد كان قد قام به؛ لتكون البشارة مقدمة استبشار، وفاتحة خير، يتطلع لها الإنسان الذي ستطوله البشرى بشغف؛ وهكذا يأتي ثناء الآخرين عليه وذكرهم الحسن له، سببًا لزيادة حب الناس له؛ تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾ [مريم: 96]، وواضح ما لهذه المكافأة المعنوية من أثر بالغ في النفس البشرية، والذي قد يفوق أحيانًا قيمة المردود المادي المجرد، مهما كان حجمه.
ولا ريب أن عاجل البشارة في الدنيا قبل الآخرة للمتقين بالفوز، يأتي مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [يونس: 63، 64]، إضافةً إلى بشارة المؤمنين بالعطاء الأخروي؛ كما قال عز وجل: ﴿ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ﴾ [يونس: 2]، وما ذلك التكريم المعجَّل إلا من فيض نعم الله تعالى على عباده الصالحين.
وهكذا يأتي عاجل البشارة في الدنيا؛ تعجيلًا مؤكدًا لفضل الله تعالى على المؤمنين، وغمره لهم بإحسانه؛ تحفيزًا لهم على العمل الصالح، ودفعهم لعمل الخير، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾ [الرحمن: 60].
وطالما أن العبد العامل يجد جزاء عمله متاحًا أمامه بعاجلِ البشرى، بما يحقق له السرور العاجل مقدمًا في الحياة الدنيا، فلا شك أن مثل هذا الحال سيجعل العبد المؤمن محبًّا لله تعالى؛ بما حباه الله من ود عاجل له بالبشرى؛ وبالتالي فإنه يرجو أن يكون من أهل ود الله تعالى في الآخرة تبعًا لذلك على قاعدة: ﴿ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ﴾ [المائدة: 54]، وذلك حقًّا هو الفوز العظيم.