نسبه ومولده عليه الصلاة والسلام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والسراج المنير، والبشير النذير، وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين.

ونحن في هذه الدروس نتناول طرفاً من خيرة السير، سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا ريب بأننا مأمورون معشر المسلمين بأن نتعرف على سيرة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام؛ من أجل أن يتحقق الاقتداء والائتساء به، يقول الله عز وجل: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21]، وهذه الأسوة لا تكون إلا إذا عرفنا من هو نبينا الرسول عليه الصلاة والسلام.

وتلاحظون بأن القرآن الكريم قد اهتم بالسيرة، فقد نزلت سور في شأن مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك نزلت آيات في ذكر ما تعرض له صلوات ربي وسلامه عليه هو وأصحابه مع المشركين، ومع أهل الكتاب من اليهود وغيرهم، وكذلك مع المنافقين.

وتجدون في القرآن الكريم كذلك ثناء على نبينا صلى الله عليه وسلم بما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، كل ذلك للدلالة على أن سيرته أمر ينبغي الاهتمام به، والالتفات إليه، والحرص عليه.

شرف نسب النبي صلى الله عليه وسلم

وأول ما يتعلق به الكلام في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام الحديث عن نسبه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه، وقد ثبت في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله تعالى قد اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار ).

والمجمع عليه: أن نبينا عليه الصلاة والسلام من ولد إسماعيل ومن نسل إبراهيم، وأما اسمه -صلوات ربي وسلامه عليه- فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهو عربي عدناني من ولد إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

وذكر بعض المفسرين في قول ربنا جل جلاله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:217-219].

فقالوا: إن المراد بقوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: تقلبك في أصلاب الآباء الموحدين الساجدين من لدن آدم مروراً بنوح وإبراهيم ثم إسماعيل عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

لكن كما يقول صاحب أضواء البيان رحمه الله: من أنواع البيان في القرآن أن يقول بعض المفسرين في الآية قولاً تدل الآية نفسها على خطأ هذا القول؛ لأننا نعلم بأن القرآن يفسر بسياقه وسباقه ولحاقه. يعني: لا يمكن تنتزع أن آية من سياقها وتضع لها تفسيراً خاصاً، بل لا بد أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها. قال: ويدل على خطأ هذا القول أن الله عز وجل قال قبلها: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، قال: وليس المعنى: تقوم في أصلاب آبائك إجماعاً، يعني: لا يمكن أن يكون معنى قوله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء:218] أي: في أصلاب آبائك، ثم قال: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:219] أي: في أصلاب آبائك الموحدين.

فمعنى الآية والعلم عند الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، أي: يراك في صلاتك متقلباً قائماً وراكعاً وساجداً وجالساً، يعني: تقلبك في أحوال الصلاة.

وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تصرفك كتصرف الأنبياء من قبلك صلوات الله وسلامه عليهم، مثلما كان يتصرف الأنبياء في رعيتهم، كذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تقليبك النظر فيمن يصلي من ورائك، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام من خصائصه أنه كان يرى من خلفه مثلما يرى من بين يديه، ولذلك يوماً من الأيام أراد أن يصلي بالناس فقال: ( استو يا فلان )، خاطب واحداً من الصحابة باسمه وهو صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، فسأله الصحابة: ( يا رسول الله! كيف رأيته؟ قال: إن هيئتي ليست كهيئة أحدكم، إني أراكم من وراء ظهري مثلما أراكم من بين يدي )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرى من خلفه مثلما يرى من أمامه.

فنسبه عليه الصلاة والسلام أشرف الأنساب وأفضلها وأعلاها.

الحكمة في كون الأنبياء من أفضل الناس نسباً

والحكمة من كون الأنبياء من أعلى الناس نسباً، وأوسطهم داراً:

أولاً: ليقطع ألسنة المعاندين، فإن بعض المفلسين إذا أعوزته الحجة فإنه لا يجد إلا أن يطعن في نسب خصمه يقول: هو ابن فلان، أو لا يعرف له أب، أو يقول: هذا من بيت وضيع، أو من نسب دنيء، ونحو ذلك من الكلمات؛ لأن الناس مجبولون على التفاخر بالأنساب، والانتساب إلى الآباء والأجداد، فلا بد أن يكون النبي من أوسط الناس داراً ومن أعلاهم نسباً.

ثانياً: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء وهم ذو نسب عال؛ لئلا يطعن طاعن بأنهم ادعوا النبوة من أجل أن يبحثوا عن مجد فاتهم من حيث النسب.

اعتراف الأعداء بشرف نسب النبي

ونسب نبينا صلى الله عليه وسلم اعترف به حتى أعداؤه، ولذلك لما كتب إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام قال فيه: ( من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] )، وكان هرقل لا يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا سمع به؛ ولذلك قال لعماله وحاشيته: انظروا هل هاهنا أحد من العرب؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عربي، وأعرف الناس بالرجل قومه وأهله، قال لهم: فتشوا هل هاهنا أحد من العرب؟ فوجدوا أبا سفيان بن حرب في جماعة من التجار، و أبو سفيان في ذلك الوقت هو زعيم المشركين، فلما جيء به، وجه إليه هرقل عشرة أسئلة، وقال له: لا تكذب، فإن كذبت أخبرني من وراءك أنك كاذب، يعني : التجار الذين معك، وكان الكذب عند العرب عيباً، حتى الكفار لا يكذبون، فسأله قائلاً: (هذا الرجل أهو ذو نسب فيكم؟ وهل كان في آبائه من ملك؟ وهل قال هذا القول أحد قبله؟ وهل عهدتم عليه كذباً قبل أن يقول مقالته التي قال؟ وهل يدخل في دينه الضعفاء أم الأقوياء؟ وهل يزيدون أو ينقصون؟ وهل يرتد عن دينه أحد سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ وهل يغدر؟ وهل حاربتموه؟ وكيف الحرب بينكم وبينه؟).

وبدأ أبو سفيان يجيب عن هذه الأسئلة، قال: وما منعني من الكذب إلا مخافة أن تُعهد علي كذبة، يعني: يراها عاراً.

ومحل الشاهد السؤال الأول: ( هل هو ذو نسب فيكم؟ فقال أبو سفيان : نعم. هو فينا ذو نسب )، فأقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه عال وشرفه معلوم صلوات ربي وسلامه عليه.

وأيضاً: فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم ) يفيدنا أنه ينبغي أن يحب العرب كجنس؛ لأن منهم خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا يعني ذلك لزوم أن نحبهم كأفراد، فإن الأفراد فيهم المؤمن والكافر، والمؤمنون فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك؛ ولذلك الحكم لا يسري على الأفراد، لكن كجنس نحب الجنس العربي من باب محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو سيد العرب والعجم عليه الصلاة والسلام، فقد قال: ( إن الله عز وجل يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نسباً وخيرهم بيتاً )، عليه الصلاة والسلام، هذا نسبه من ناحية الأب.

نسب النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أمه

أما من ناحية الأم فأخواله من بني زهرة؛ لأن أمه آمنة بنت وهب هي من بني زهرة، ويلتقي والد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع والدته في كلاب بن مرة ، يعني: أن جدهما واحد؛ لكن والد النبي عليه الصلاة والسلام من بني هاشم بن عبد مناف، ووالدته من بني زهرة.

وأول ما يتعلق به الكلام في سيرة نبينا عليه الصلاة والسلام الحديث عن نسبه الشريف صلوات ربي وسلامه عليه، وقد ثبت في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال: ( إن الله تعالى قد اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم، فأنا خيار من خيار من خيار ).

والمجمع عليه: أن نبينا عليه الصلاة والسلام من ولد إسماعيل ومن نسل إبراهيم، وأما اسمه -صلوات ربي وسلامه عليه- فهو: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، فهو عربي عدناني من ولد إسماعيل على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

وذكر بعض المفسرين في قول ربنا جل جلاله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:217-219].

فقالوا: إن المراد بقوله تعالى: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ أي: تقلبك في أصلاب الآباء الموحدين الساجدين من لدن آدم مروراً بنوح وإبراهيم ثم إسماعيل عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

لكن كما يقول صاحب أضواء البيان رحمه الله: من أنواع البيان في القرآن أن يقول بعض المفسرين في الآية قولاً تدل الآية نفسها على خطأ هذا القول؛ لأننا نعلم بأن القرآن يفسر بسياقه وسباقه ولحاقه. يعني: لا يمكن تنتزع أن آية من سياقها وتضع لها تفسيراً خاصاً، بل لا بد أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها. قال: ويدل على خطأ هذا القول أن الله عز وجل قال قبلها: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، قال: وليس المعنى: تقوم في أصلاب آبائك إجماعاً، يعني: لا يمكن أن يكون معنى قوله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ [الشعراء:218] أي: في أصلاب آبائك، ثم قال: وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:219] أي: في أصلاب آبائك الموحدين.

فمعنى الآية والعلم عند الله تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219]، أي: يراك في صلاتك متقلباً قائماً وراكعاً وساجداً وجالساً، يعني: تقلبك في أحوال الصلاة.

وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تصرفك كتصرف الأنبياء من قبلك صلوات الله وسلامه عليهم، مثلما كان يتصرف الأنبياء في رعيتهم، كذلك نبينا عليه الصلاة والسلام.

وقال بعضهم: (وتقلبك في الساجدين) أي: تقليبك النظر فيمن يصلي من ورائك، يعني: أن النبي عليه الصلاة والسلام من خصائصه أنه كان يرى من خلفه مثلما يرى من بين يديه، ولذلك يوماً من الأيام أراد أن يصلي بالناس فقال: ( استو يا فلان )، خاطب واحداً من الصحابة باسمه وهو صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة، فسأله الصحابة: ( يا رسول الله! كيف رأيته؟ قال: إن هيئتي ليست كهيئة أحدكم، إني أراكم من وراء ظهري مثلما أراكم من بين يدي )، يعني: أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يرى من خلفه مثلما يرى من أمامه.

فنسبه عليه الصلاة والسلام أشرف الأنساب وأفضلها وأعلاها.

والحكمة من كون الأنبياء من أعلى الناس نسباً، وأوسطهم داراً:

أولاً: ليقطع ألسنة المعاندين، فإن بعض المفلسين إذا أعوزته الحجة فإنه لا يجد إلا أن يطعن في نسب خصمه يقول: هو ابن فلان، أو لا يعرف له أب، أو يقول: هذا من بيت وضيع، أو من نسب دنيء، ونحو ذلك من الكلمات؛ لأن الناس مجبولون على التفاخر بالأنساب، والانتساب إلى الآباء والأجداد، فلا بد أن يكون النبي من أوسط الناس داراً ومن أعلاهم نسباً.

ثانياً: بعث النبي صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء وهم ذو نسب عال؛ لئلا يطعن طاعن بأنهم ادعوا النبوة من أجل أن يبحثوا عن مجد فاتهم من حيث النسب.

ونسب نبينا صلى الله عليه وسلم اعترف به حتى أعداؤه، ولذلك لما كتب إلى هرقل كتاباً يدعوه فيه إلى الإسلام قال فيه: ( من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فأسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإنما عليك إثم الأريسيين، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ [آل عمران:64] )، وكان هرقل لا يعرف الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا سمع به؛ ولذلك قال لعماله وحاشيته: انظروا هل هاهنا أحد من العرب؟ لأن النبي عليه الصلاة والسلام عربي، وأعرف الناس بالرجل قومه وأهله، قال لهم: فتشوا هل هاهنا أحد من العرب؟ فوجدوا أبا سفيان بن حرب في جماعة من التجار، و أبو سفيان في ذلك الوقت هو زعيم المشركين، فلما جيء به، وجه إليه هرقل عشرة أسئلة، وقال له: لا تكذب، فإن كذبت أخبرني من وراءك أنك كاذب، يعني : التجار الذين معك، وكان الكذب عند العرب عيباً، حتى الكفار لا يكذبون، فسأله قائلاً: (هذا الرجل أهو ذو نسب فيكم؟ وهل كان في آبائه من ملك؟ وهل قال هذا القول أحد قبله؟ وهل عهدتم عليه كذباً قبل أن يقول مقالته التي قال؟ وهل يدخل في دينه الضعفاء أم الأقوياء؟ وهل يزيدون أو ينقصون؟ وهل يرتد عن دينه أحد سخطة له بعد أن يدخل فيه؟ وهل يغدر؟ وهل حاربتموه؟ وكيف الحرب بينكم وبينه؟).

وبدأ أبو سفيان يجيب عن هذه الأسئلة، قال: وما منعني من الكذب إلا مخافة أن تُعهد علي كذبة، يعني: يراها عاراً.

ومحل الشاهد السؤال الأول: ( هل هو ذو نسب فيكم؟ فقال أبو سفيان : نعم. هو فينا ذو نسب )، فأقر بأن النبي صلى الله عليه وسلم نسبه عال وشرفه معلوم صلوات ربي وسلامه عليه.

وأيضاً: فقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم ) يفيدنا أنه ينبغي أن يحب العرب كجنس؛ لأن منهم خير البشر محمداً صلى الله عليه وسلم، ولا يعني ذلك لزوم أن نحبهم كأفراد، فإن الأفراد فيهم المؤمن والكافر، والمؤمنون فيهم الصالحون وفيهم دون ذلك؛ ولذلك الحكم لا يسري على الأفراد، لكن كجنس نحب الجنس العربي من باب محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو سيد العرب والعجم عليه الصلاة والسلام، فقد قال: ( إن الله عز وجل يوم خلق الخلق جعلني في خيرهم، ثم حين فرقهم جعلني في خير الفريقين، ثم حين جعل القبائل جعلني في خير قبيلة، ثم حين جعل البيوت جعلني في خير بيوتهم، فأنا خيرهم نسباً وخيرهم بيتاً )، عليه الصلاة والسلام، هذا نسبه من ناحية الأب.

أما من ناحية الأم فأخواله من بني زهرة؛ لأن أمه آمنة بنت وهب هي من بني زهرة، ويلتقي والد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع والدته في كلاب بن مرة ، يعني: أن جدهما واحد؛ لكن والد النبي عليه الصلاة والسلام من بني هاشم بن عبد مناف، ووالدته من بني زهرة.

أكثر العلماء على أن نبينا عليه الصلاة والسلام ولد مختوناً مسروراً؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أخبر بذلك عن نفسه: ( أن الله قد أخرجه مختوناً، وأكرمه فلم ير سوأته أحد )، يعني: ما تعرض لختان عليه الصلاة والسلام من إنسان، وإنما ولد مختوناً مسروراً، أي: مقطوعة سرته.

حمل آمنة بالنبي صلى الله عليه وسلم

وأمه آمنة لما حملت به عليه الصلاة والسلام ما عانت شيئاً مما تعانيه الأمهات، قالت: ما حملت حملاً قط أخف علي منه. وهي ما حملت بغيره عليه الصلاة والسلام، لكنها كانت ترى ما يصيب النساء إذا حملن، ومن المعلوم بأن المرأة إذا كانت حاملاً ربما عافت الطعام والشراب، وربما كثر قيئها، وربما صعب عليها النوم، وربما كرهت أشياء وأحبت أشياء أخرى، تتقلب أحوالها، أما حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان خفيفاً على أمه.

وقد رأت في منامها رؤىً، من ذلك ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم: ( لما قيل له: حدثنا عن نفسك، قال: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأن نوراً خرج منها أضاءت له قصور الشام )، رأت هذه الرؤيا، ومما رأته آمنة أنها سمعت من يهتف بها: (إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعته فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد).

ولما خرج عليه الصلاة والسلام من بطن أمه كان جافياً بركبتيه واضعاً يديه على الأرض، رافعاً نظره إلى السماء، قالوا: أما جثوه على ركبتيه صلى الله عليه وسلم فدليل على تواضعه وخفض جناحه، وأما رفعه نظره إلى السماء فدليل على تعلقه بالله عز وجل لا بأحد من الناس.

يوم مولده وفرح جده به وموت أبيه

ولد صلوات ربي وسلامه عليه يوم الإثنين يقيناً، ثبت ذلك في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يكثر من صيام يوم الإثنين، فلما سئل قال: ( ذاك يوم ولدت فيه، وأنزل علي فيه )، معنى ذلك أن مولده كان في يوم الإثنين.

ولما ولد صلوات ربي وسلامه عليه احتفى به جده عبد المطلب ونحرت الذبائح، ودخل على الناس فرح عظيم؛ لأنه ذكرهم بأبيه الغائب الذي مات وهو لا يزال في بطن أمه ولما يكتمل على الحمل شهران، يعني: لما كان عليه الصلاة والسلام دون الشهرين في بطن أمه خرج أبوه عبد الله مع رفقاء له في تجارة إلى الشام، فلما كانوا في طريق العودة مر على أخواله من بني النجار في المدينة يزورهم، وهناك أصابته علة، فسافر رفقاؤه، ورجعوا إلى مكة، وبقي عبد الله مريضاً، فمات ودفن في دار النابغة من بني النجار، ولما رجع أولئك الرفقاء إلى مكة وأخبروا عبد المطلب بأن ولده عبد الله مريض، فبعث بأكبر أولاده وهو الحارث ؛ من أجل أن يأتي به، فلما وصل الحارث إلى المدينة عند بني النجار أخبروه بأن عبد الله قد مات.

خروج النبي إلى الدنيا يتيماً

النبي عليه الصلاة والسلام خرج إلى الدنيا يتيماً؛ ولذلك امتن الله عليه، وقال جل من قائل: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى [الضحى:6]، خرج إلى الدنيا وهو لم ير أباه، وقد سئل جعفر بن محمد بن علي المعروف بـجعفر الصادق رحمه الله، قيل له: لم خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يتيماً؟ قال: (لئلا تبقى لمخلوق عليه منة)، كما أن جده عبد المطلب مات لما كان عمره عليه الصلاة والسلام ست سنوات.

قال أهل العلم: والحكمة في ذلك -والعلم عند الله تعالى-: لئلا يطعن طاعن، أو يقول قائل بأنه قد تلقى النبوة وأخبارها وأسبابها وأساليبها من جهة أبيه أو جده محافظة على المجد الذي كان لهما، فإن جده عبد المطلب كان سيد مكة، وكانت له الرفادة والسقاية، يعني: هو الذي كان يتولى سقاية الحجيج، وهو الذي كان يتولى إطعام الحجيج، فيصنع الجفان الكبيرة فيطعم الحجيج، ومن قبله هاشم وكان اسمه عمراً ، وفيه يقول القائل:

عمرو العلى هشم الثريد لقومه ورجال مكة مسنتون عجاف

يعني: كان يصنع الطعام فيطعم لمن كان جائعاً.

فالنبي عليه الصلاة والسلام خرج يتيماً لم ير أباه، وتوفي جده وهو ابن ست سنين لئلا يقول قائل: بأن أباه وجده لقناه بأن تدعي النبوة يا محمد! من أجل أن تحافظ على مجدنا، وتستبقي شرفنا.

وأمه آمنة لما حملت به عليه الصلاة والسلام ما عانت شيئاً مما تعانيه الأمهات، قالت: ما حملت حملاً قط أخف علي منه. وهي ما حملت بغيره عليه الصلاة والسلام، لكنها كانت ترى ما يصيب النساء إذا حملن، ومن المعلوم بأن المرأة إذا كانت حاملاً ربما عافت الطعام والشراب، وربما كثر قيئها، وربما صعب عليها النوم، وربما كرهت أشياء وأحبت أشياء أخرى، تتقلب أحوالها، أما حمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان خفيفاً على أمه.

وقد رأت في منامها رؤىً، من ذلك ما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم: ( لما قيل له: حدثنا عن نفسك، قال: أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى أخي عيسى، ورأت أمي حين حملت بي كأن نوراً خرج منها أضاءت له قصور الشام )، رأت هذه الرؤيا، ومما رأته آمنة أنها سمعت من يهتف بها: (إنك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وضعته فقولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد).

ولما خرج عليه الصلاة والسلام من بطن أمه كان جافياً بركبتيه واضعاً يديه على الأرض، رافعاً نظره إلى السماء، قالوا: أما جثوه على ركبتيه صلى الله عليه وسلم فدليل على تواضعه وخفض جناحه، وأما رفعه نظره إلى السماء فدليل على تعلقه بالله عز وجل لا بأحد من الناس.