فتاوى نور على الدرب [231]


الحلقة مفرغة

السؤال: خرجت ذات يوم أنا وبعض أصحابي في نزهة إلى البر، وكان المكان الذي ذهبنا إليه يبعد عن المدينة التي نسكن فيها بحوالي سبعين كيلو متر، ولما حان وقت صلاة رباعية اختلفنا حول جواز القصر في هذه المسافة لسببين:

أولهما: أننا لسنا مسافرين وإنما خرجنا للنزهة.

وثانيهما: أن المسافة التي بيننا وبين المدينة أقل من مسافة القصر، ولكن منا من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقصر الصلاة لمسافة ثلاثة فراسخ فهي تقارب المسافة التي قطعناها، وقصر بعده أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، فما رأيكم في هذا من ناحية جواز القصر لمن قطع مسافته وإن لم يكن مسافراً ومن ناحية ضبط المسافة بالكيلو المتر ومقارنته بالفراسخ؟

الجواب: أهل العلم اختلفوا في جواز القصر هل يحدد بمدة أو بمسافة أو لا يحدد، ويرجع في ذلك إلى العرف، فأكثر أهل العلم يرون أنه محدد بالمسافة ومقدارها: واحد وثمانون كيلاً وثلاثمائة وبضعة عشر متراً، فمن قطع هذه المسافة ولو في نصف يوم فإنه يحل له قصر الصلاة والفطر في رمضان، ويرى آخرون من أهل العلم: أنه لا يحدد بمسافة أعني: السفر الذي يبيح القصر والفطر، وإنما يرجع في ذلك إلى العرف، فما سماه الناس سفراً فهو سفر، وذلك بأن يكون الخروج مستعداً له وأن يكون الإنسان متأهباً له، ومن أهبة السفر أن يودع عند سفره، ويستقبل عند قدومه، وهذا القول هو ظاهر الأدلة، فإن الله تعالى يقول: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101] ، ولم يحدد الله تعالى مسافة هذا الضرب بل أطلقه، فمتى كان الإنسان ضارباً في الأرض مفارقاً لوطنه فإنه يحل له القصر، وكذلك في الصحيح من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( كان إذا خرج ثلاثة أميال أو فراسخ صلى ركعتين )، وهذا أقل بكثير مما ذكره السائل حيث ذكر أنهم بعدوا عن البلدة نحو سبعين كيلو، والمهم أن هذا القول هو الراجح؛ لأنه لا دليل يدل على تحديد المسافة، فمتى سمى الناس هذا ضرباً في الأرض وسفراً ثبتت له أحكام السفر، قد تكون المسافة القصيرة سفراً باعتبار طول مدة الإقامة وقد تكون المسافة البعيدة غير سفر باعتبار قصر مدة الإقامة، فهؤلاء الذين خرجوا إلى هذه النزهة إذا كان سيبقون يومين أو ثلاثة أو أكثر فمعنى ذلك: أنهم متأهبون أهبة السفر مستعدون لهذه الرحلة، فيجوز لهم القصر حتى وإن كانوا قد خرجوا للنزهة؛ لأن الآية والنصوص عامة.

وأما إذا كانوا سيخرجون في الصباح ويرجعون في المساء فالظاهر أن هذا ليس بسفر وأنه لا يحل لهم القصر، وليعلم أنه ينبغي أن نتخذ قاعدة مهمة وهي أننا إذا شككنا في وجود شروط الجواز فالأصل عدم الوجود، وعلى هذا فإذا شككنا هل هذا سفر أو ليس بسفر فإن الأصل عدم السفر فلا يستباح به القصر ولا الفطر؛ لأن الأصل وجوب الإتمام فلا نعدل عن هذا الأصل إلا بوجود شيء متيقن يبيح لنا القصر، وبناءً على هذه القاعدة أن نكون إذا شككنا في كون هذا سفراً أو غير سفر يكون الاحتياط ألا نقصر الصلاة.

مداخلة: بوجود أو توفر وسائل النقل الحالية وسرعة قطع هذه المسافة التي هي مثلاً ثمانين كيلو أو أكثر أيضاً هل هذا تنطبق عليه أحكام السفر بالنسبة لقصر الصلاة؟

الشيخ: نعم على القول بتحديد السفر بالمسافة لا فرق بين أن يقطعها في يوم.

مداخلة: يعني ليست العلة هي المشقة والتعب؟

الشيخ: لا فرق بين أن يقطعها في يوم أو يومين أو نصف ساعة أو أكثر وقد صرح بذلك أهل العلم، وليست العلة هي: المشقة في السفر؛ بل لأن السفر مظنة المشقة سواء وجدت أم لم توجد، ولهذا يباح للإنسان أن يقصر الصلاة ركعتين وهو مقيم في سفره كما أقام النبي عليه الصلاة والسلام في سفره في الحج، أقام أربعة أيام قبل خروجه إلى المشاعر وأقام ستة أيام في المشاعر وكان يقصر الصلاة عليه الصلاة والسلام.

السؤال: امرأة متزوجة من رجل من أقاربها يكبرها في السن وقد أنجبت منه الأبناء والبنات وهو يصلي ويصوم ولكنه أحياناً يرتكب بعض المحرمات التي تنسيه دينه وأهله فيترك كل شيء، إضافة إلى سوء عشرته معهم في البيت وسوء أخلاقه، فلا تعرف منه الكلمة الطيبة، ولا السلام عندما يدخل البيت ولو كان غائباً عنه مدة أسبوع، وقد جعلتها هذه الأمور تكرهه كثيراً وتتمنى أن يفارقها إلى الأبد أو يفارق الحياة، وقد أخذ ابنها الأكبر يقلد أباه في فعل بعض المحرمات، ولذلك فهي تكرهه أيضاً لتقليده أباه في فعل الحرام وعدم خوفه من الله فتدعو عليه بالموت، لذلك فهي تسأل أولاً: عن حكم الاستمرار في الحياة مع هذا الزوج.

وثانياً: عن حكم الدعاء على الولد وهل في ذلك تفريق بين الأولاد في المعاملة؛ لأن من أولادها من تحبهم وتعطف عليهم.

وثالثاً: تريد أن تعمل عملية منعها من أن تحمل من هذا الرجل الخبيث كما تصفه، فهي تكره أن تنجب منه أولاد آخرين خوفاً أن يسلكوا مسلكه.

ورابعاً: إن هي فارقته فمع من يكون الأولاد؟ فهي تخشى عليهم إن بقوا مع والدهم عليهم أن يؤثر عليهم ويفسد أخلاقهم؟

الجواب: قبل الجواب على هذا السؤال: نوجه نصيحة إلى هذا الرجل إن كان ما قالته زوجته فيه صدقاً أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يرجع عما وصفته به زوجته حتى تستقر له الحياة وتطيب له، فإن الله عز وجل وعد وعداً مؤكداً بأن من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن أن يحييه حياة طيبة، قال الله عز وجل: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وإذا رجع إلى الله عز وجل وتاب إليه وأناب، وحافظ على ما أوجب الله عليه، سيجد لذة وطعماً للإيمان، وانشراحاً لشعائر الإسلام، وتطيب له الحياة، ويكون كأنه ولد من حينه.

ثم إن ما سألت عنه هذه المرأة من محاولة فراق زوجها أرى ألا تفارقه مادام لم يخرج عن الإسلام بذنوبه، ولكن تصبر وتحتسب من أجل الأولاد وعدم تفرقهم، وعليها أن تكرر النصيحة لزوجها فلعل الله سبحانه وتعالى أن يهديه على يديها.

وأما الدعاء على ولدها بالموت فهذا خطأ ولا ينبغي للإنسان إذا رأى ضالاً أن يدعو عليه بالموتها بل الذي ينبغي أن يحاول النصيحة معه بقدر الإمكان ويسأل الله عز وجل له الهداية، فإن الأمور بيد الله سبحانه وتعالى، والقلوب بين أصبعين من أصابعه سبحانه وبحمده يقلبها كيف يشاء، وكم من شيء أيس الإنسان منه في تصوره فيسر الله تعالى حصوله، فلا تستبعدي أيتها المرأة أن يهدي الله سبحانه ولدك، ادعي له بالهداية وكرري له النصح والله على كل شي قدير.

وأما محاولتها أن تمتنع من الإنجاب منه فهذه نظرة خاطئة؛ وذلك لأن الإنجاب أمر محبوب في الشريعة وكلما كثرت الأمة كان ذلك أفضل وأكثر هيبة لها، ولهذا امتن الله عز وجل على بني إسرائيل بالكثرة، حيث قال سبحانه وتعالى: وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا [الإسراء:6] وقال شعيب لقومه: وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ [الأعراف:86] وأمر النبي عليه الصلاة والسلام بتزوج الودود الولود لتحقيق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم بأمته يوم القيامة، والأمة كلما كثرت قويت مادياً ومعنوياً كما هو ظاهر، وهو على العكس من تصور بعض الظانين بالله ظن السوء الذين يظنون أن الكثرة توجب ضيق المعيشة، وهؤلاء أساءوا الظن بالله عز وجل وخالفوا الواقع، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، وقال سبحانه وتعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6]، وأولئك الأمم الذين ضاقت عليهم العيشة بكثرتهم إنما أوتوا من حيث قلة اعتمادهم على الله عز وجل وتوكلهم عليه، ولو أنهم توكلوا على الله وصدقوا بوعده ما ضاقت عليه المعيشة.

وأما سؤالها الرابع عن أولادها ماذا يكونون لو فارقت زوجها، فهذا أمره إلى المحكمة هي التي تبت في هذا الأمر وتنظر في الحال والواقع أي الأمرين أصلح أن يكونوا عند أبيهم أو عند أمهم.

مداخلة: والمعتبر في هذا صلاح أمر الأولاد؟

الشيخ: نعم المعتبر في هذا صلاح الأولاد؛ لأن الحضانة إنما وجبت من أجل حماية الطفل وصيانته وإصلاحه، ولهذا قال أهل العلم: إن المحضون لا يقر بيد من لا يصونه ويصلحه ولو كان أحق من غيره من حيث الترتيب؛ لأن المدار كما قلت: على إصلاح الولد وصيانته عما يضره.

السؤال: ما هي حقيقة نجاسة المشرك والكافر؟ وهل معنى هذا أنه إذا مس أحد المسلمين أحد المشركين أو الكفار وهو على طهارة أن طهارته قد انتقضت؟ أم أن النجاسة معنوية وليست حسية؟

الجواب: نجاسة المشركين بل نجاسة جميع الكفار نجاسة معنوية، وليست نجاسة حسية؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن المؤمن لا ينجس )، ومعلوم أن المؤمن ينجس نجاسة حسية إذا أصابته النجاسة، فقوله: ( لا ينجس) علم أن المراد نفي النجاسة المعنوية، وقال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة:28]، فأخبر الله تعالى أنهم نجس، وإذا قارنا هذا بما ثبت في حديث أبي هريرة : ( إن المؤمن لا ينجس) علمنا أن المراد بنجاسة المشرك وكذلك غيره من الكفار نجاسة معنوية وليست حسية، ولهذا أباح الله لنا طعام الذين أتوا الكتاب مع أنهم يباشرونه بأيديهم، وأباح لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن مع أن الإنسان سيباشرهن، ولم يأمرنا بغسل ما أصابته أيديهن، ولا بغسلنا مس نسائهم بالزواج، وأما قول السائل: إنه إذا مس الكافر يكون انتقض وضوؤه فهذا وهم منه، فإن مس النجاسة لا ينقض الوضوء حتى لو كانت نجاسة حسية كالبول والعذرة والدم النجس وما أشبهه، فإن مسها لا ينقض الوضوء وإنما يوجب غسل ما تلوث بالنجاسة فقط.

السؤال: ماذا على من يتسبب في قطيعة الرحم من إثم بأن يمنع زوج زوجته من مواصلة أهلها وأقاربها، أو يمنع والد ابنه أو ابنته من مواصلة أقربائه أو أقربائها لأمها أو لأمه كأجداده وأخواله؟

الجواب: الذي يأمر بقطيعة الرحم مضاد لله ورسوله، فإن الله تعالى أمر بصلة الأرحام وأخبر وحث النبي عليه الصلاة والسلام على صلة الرحم، وأخبر الله تعالى في القرآن أن قطيعة الرحم من أسباب اللعنة، كما قال تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]، فالآمر بقطيعة الرحم مضاد لله ورسوله، وعليه أن يتوب من ذلك وأن يرجع إلى الله عز وجل وأن يأمر بما أمر الله به أن يوصل، وأما بالنسبة للمأمور بقطيعة الرحم فإنه لا يحل له أن يمتثل أمر من أمره بذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فلو أمر الرجل زوجته أن تقطع صلة رحمها أو أن تقطع رحمها فلا يلزمها أن توافقه على ذلك، اللهم إلا إذا كان هذا يضره في عيشها معه، مثل: أن يكون اتصالها بأرحامها أو بأقاربها يكون سبباً في إلقاء العداوة بينها وبين زوجها، أو إلقاء الوحشة بينها وبين زوجها، أو يكون ذهابها إليهم يستوجب أن تقع في أمر محرم مما يكون في بعض البيوت، فإن له الحق في منعها من ذلك لكن لا بقصد قطيعة الرحم بل بقصد توقي ما يحصل من المفاسد بذهابها إليهم، وبهذه النية يكون غير آمر بقطيعة الرحم التي أمر الله بها أن توصل، وكذلك نقول بالنسبة للأولاد الذين يمنعهم أبوهم من الذهاب إلى أقاربهم من أخوال وأعمام، إذا كان الغرض بذلك ألا يصلوا هؤلاء فلا شك أن هذا محرم وأنه مضاد لله ورسوله، وأما إذا كان قصده توقي ما عسى أن يكون من مخالطة هؤلاء، فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه إنما قصد بذلك الإصلاح.

السؤال: ما معنى قوله تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9] ؟

الجواب: معنى الآية ظاهر وهو أن الله حكم بالفلاح على من وقاه الله تعالى شح نفسه، أي: طمعها فيما ليس لها، أو طمعها بحيث تمنع ما يجب عليها؛ لأن الشح مداره على أمرين: إما طمع فيما ليس لك أو فيما ليس من حقك، وإما منع لما يجب عليك بذله، فمن وقاه الله شح نفسه بحيث لا يطمع فيما لا يستحق ولا يمنع ما يجب عليه فإن هذا من أسباب الفلاح، فمثلاً: إذا وقي الإنسان شح نفسه في الزكاة وصار يخرج جميع ما يجب عليه منها ويسره الله تعالى للبذل في الصدقات وما يقرب إلى الله عز وجل، فهذا قد وقي شح نفسه في بذل ما يحبه الله عز وجل وعدم منع ما يجب عليه، ومن وقاه الله تعالى أخذ أموال الناس بالباطل من سرقة أو خيانة أو ما أشبه ذلك، فقد وقاه الله شح نفسه، فيكون وقاية شح النفس بأن يحمي الله عز وجل المرء من الطمع فيما لا يستحق أو من منع ما يجب عليه بذله، فمن وقي ذلك كان من المفلحين والفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب وزوال المكروه.

السؤال: أين كان يسكن قوم ثمود وما هي قصة عقرهم الناقة؟

الجواب: كان قوم ثمود يسكنون بلاد الحجر، وهي معروفة مر بها النبي عليه الصلاة والسلام في طريقه إلى تبوك، وهذه الديار ديار قوم أهلكهم الله عز وجل بالصيحة فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ [هود:67]، وهم -أعني: ثمود قوم صالح- أعطاهم الله تعالى آية عظيمة وهي الناقة التي لها شرب ولهم شرب يوم معلوم، يشربون من لبنها وتشرب الماء هي في اليوم الثاني، ولكنهم والعياذ بالله كفروا هذه النعمة وعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وتحدوا نبيهم صالحاً بقولهم: ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ * فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [الأعراف:77-78]، وهذه البلاد لا يجوز لأحد دخولها إلا معتبراً خائفاً، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تدخلوا ديار هؤلاء إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها )، والمعنى: أنه لا يحل للإنسان أن يدخلها إلا معتبراً خائفاً وجلاً، أما أن يذهب إليها على سبيل الفرجة والتنزه فإن هذا قد نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( إن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها).

السؤال: يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصليها فهل هذا صحيح وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا؟

الجواب: هذا باطل قطعاً فإن سيد الأنبياء والمرسلين محمد صلى الله عليه وسلم لم يزره بلا ريب وكذلك الأنبياء قبله لا يمكن أن يكونوا قد زاروه؛ لأنه لو قصد بالأنبياء الأنبياء الذين لم يرسلوا فإنهم مائة وأربعة وعشرون ألفاً، وإن قصد الرسل فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولاً، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد زاروا هذا المسجد، وإنما هذا من التزوير الذي يقصد به أكل المال بالباطل وصد الناس عن سبيل الله، والذهاب إلى هذا المسجد بهذه النية محرم ولا يجوز، والواجب على المسلمين أن يتحققوا في هذه الأمور، وأن ينصحوا من مارس القيام بتعظيمها واحترامها، وليس هناك مساجد تشد الرحال إليها إلا ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، والمسجد الأقصى، وما عدا ذلك من المشاهد أو المساجد فإنه لا يجوز أن تشد إليها الرحال مطلقاً في أي حال من الأحوال، ثم إن غالب هذه الأمور تكون كذباً مزورة، والمؤمن العاقل يعرف أن هذا من التزوير بأول نظرة.

مداخلة: لكن ما حكم الصلاة فيه؟

الشيخ: قلت في الجواب: إنه لا يجوز قصده للصلاة فيه وأنه حرام، وأما الصلاة فيه كبقعة مثل أن يمر به الإنسان مروراً عابراً فيصلي فيه فإنه لا بأس به، دون أن يعتقد ما ذكره السائل لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )، إلا أن يخشى أن يفتتن أحد بصلاته فيه فإنه يتجنبه ويتقدم عنه ويصلي في مكان آخر.