نقول: وجوب عيني؛ لأن كل من قرأ هذه الصفة، وجب عليه الإيمان به، حينئذ صار الوجوب عينيًّا، فهو واجب معين لا يقوم غيره مقامه كالصلاة والصوم، قهو واجب على كل شخص بعينه، فهو مقصود الشارع فيه النظر إلى فاعله وصدق امتثاله، بخلاف الفرض الكفائي فالنظر إلى الفعل لا إلى الفاعل، فصلاة الجنازة المراد أن تحصل صلاة الجنازة ولا يشترط أن تكون من زيد أو عبيد، إنما المراد فعل الصلاة فحسب، ولذلك إذا فعلها البعض سقطت عن الآخرين، أما فرض العين لا المراد زيد من الناس يصلي، وعمرو، و .. إلى آخره.
نقول: هؤلاء المقصود به الذات نفسها، وأما فرض الكفاية فالمراد به الوصف دون الذات، هذا من الفوارق العظام بين النوعين، والواجب هنا من أعلى درجات الوجوب، (وجب الإيمان به) الواجبات تتفاضل، وهذا محل وفاق بين أهل العلم، فالتفاضل بين الواجب واقع في الشرع. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: (فليس الأمر بالإيمان بالله ورسوله كالأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد) . بينهما بون أو لا؟ نعم، الأمر بالإيمان بالله وبرسوله هذا أعلى درجات الإيمان، وكذلك أمر بإعفاء اللحية، وأمر بأخذ الزينة عند كل مسجد، وأمر بإزالة النجاسة، هذه الأوامر ليست في درجة واحدة، ولذلك بعضهم اصطلح على ما هو أعلى أن يسمى فرضًا، وإن كان المشهور عند الأصوليين أن الترادف بين الفرض والواجب، لكن ما كان آكد من حيث الدليل أو من حيث الدلالة، من حيث الثبوت أو من حيث الدلالة سُمِّيَ فَرْضًا، وهذا مأخوذ في مذهب أبي حنيفة.
والفرض والواجب ذو ترادف ... ومال النعمان إلى التخالف
وهذا يتضمن تفاضلها في الثواب وأن طلب الأفضل أكمل من طلب المفضول، وقيل بأن الواجبات تتفاضل، لا شك أن الذي يكون أعلى ثوابه أكثر، ثم النفس تتعلق بماذا؟ بما هو أعلى.
فإذا كان الإيمان بالله عز وجل وصفاته وأسمائه أعلى درجات الوجوب فالنفس حينئذ لا بد أن تتعلق بهذا الواجب.
(وجب الإيمان به) ، (به) الضمير يعود على ما جاء في القرآن وصح عن المصطفى ع من صفات الرحمن، ولو قال بها لصح. وسيأتي مبحث الإيمان في اللغة ومعناه في كلام أهل العلم لغة.
والمراد به هنا: (وجب الإيمان به) : المراد به التصديق الجازم بالقلب، يُصَدِّق بقلبه لا على وجه الشك، وإنما يكون جازماً لأنه لا يقبل الشك في المعتقد كما سبق بيانه.
التصديق الجازم بالقلب والقبول المستلزم للعمل، لا بد أن يكون الإيمان مثمراً للعمل، فلو لم يكن الإيمان مثمرًا للعمل، نقول: هذا الإيمان لا فائدة فيه. لا بد من أن يكون مستلزمًا للعمل، وذلك بإجماع السلف أن العمل ركن في الإيمان، لا خلاف بين السلف في ذلك. لماذا؟
لأن العمل القلبي والتصديق القلبي إذا لم يثمر عمل الجوارح، هذا وجوده وعدمه سواء. فلا بد أن يكون مثمرًا ومستلزم للعمل الظاهر.