فهرس الكتاب
الصفحة 84 من 401

إذًا التصديق الجازم بالقلب، القبول المستلزم للعمل أي الإقرار والاعتراف المستلزم لقبول الأخبار والإذعان للأحكام، هذا هو الإيمان الشرعي الذي جاءت به النصوص، وليس المراد مجرد المعرفة فقط، إبليس يعرف ربه ... {قَالَ رَبِّ} نادى ربه اعترف بالربوبية أم لا؟ بل أقسم، وعرف الصفات {فَبِعِزَّتِكَ} . قيل: إبليس أعلم بربه في الصفات من الجهم بن صفوان. لأنه أثبت له صفة قال: فبعزتك، والجهم بن صفوان لا يثبت له الصفات، فإبليس أعلم.

{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ} [البقرة: 146] ، [الأنعام: 20] هذا قاله في اليهود. إذًا المعرفة القلبية التي لا تستلزم عملاً وإذعانًا وانقيادًا للحق لا فائدة فيها البتة.

إذًا (وجب الإيمان به) . هذا الأول، التصديق الجازم بالقلب والقبول المستلزم للعمل.

ثم قال المصنف: (وتلقيه بالتسليم والقبول) ، تلقيه بالتسليم والقبول عطف تفسير هذا: إذا قيل بأن الإيمان هو التصديق الجازم المستلزم للعمل والقبول، حينئذ صار قوله: (وتلقيه بالتسليم والقبول) هذا من عطف التفسير، عطف على قوله: (الإيمان) ، والتسليم مصدر سَلَّمَ أي انقاد ورَضِيَ بالحكم. والقبول بفتح القاف مصدر قَبِلَ الشيء قبولاً رضيه، حينئذ صار بمعنى واحد.

فالتسليم هنا الانقياد وضده الترك، والقبول وضده الرد. ومراد المصنف هنا بقوله: (وتلقيه) التلقي هنا تلقى الشيء لقيه واستقبله وصادفه، ... (تلقيه بالتسليم والقبول) أي لا يتعرض المسلم لتأويل ما يسمعه من صفات الرحمن.

وتلقيه يعني يستقبل تلك الصفات بالتسليم والانقياد والقبول بالرضا، حينئذ لا يتعرض لتأويله، لا يَدَّعِي أن ظاهر النصوص فيها تشبيه وتمثيل وتحتاج إلى صرف الظاهر عن ظاهره، وهذا منافي لتلقي القبول والتسليم. ففيه إشارة إلى الرد على المبتدعة ممن اشتغل بتحريف النصوص نصوص الصفات فإن هذا منافٍ للتسليم والقبول.

ولهذا قال المصنف: (وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل) . هذا كذلك تفصيل لقوله: (تلقيه بالتسليم والقبول) فإن التأويل منافٍ لهذا التلقي، وكذلك التشبيه والتمثيل والرد الذي هو التعطيل، مناٍي لتلقي هذه النصوص بالتسليم والقبول.

ولهذا قال المصنف: (وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه والتمثيل) . (وتركُ) بالرفع عطفٌ على (الإيمان به) ، أي وجب ترك التعرض له، حينئذ كل ما جاء في القرآن أو صح عن النبي صلى وجب فيه أمران:

الإيمان به.

وترك التعرض له بالرد والتأويل والتشبيه.

فهما أمران، أي وجب ترك التعرض له، يقال: اعترض الشيء صار عارضًا كما تكون الخشبة في النهر أو الطريق، ويقال اعترض دونه يعني حال، حال بينهما، واعترض له منعه، واعترض عليه أنكر قوله أو فعله.

والمراد أن لا يصادم هذه النصوص بظهره وعقله، أن لا يقول بأن هذه النصوص ليست على ظاهرها

، (وتعرض) بمعنى تصدَّى كأنه عرض نفسه في طريق النصوص بما سيأتي

فالتعرض هنا بالاعتراض عليه، فيجب حينئذ ترك الاعتراض.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام