كلُّ علمٍ فهو اسمٌ من غير عكس، فاختصت الأسماء بالعلمية وتزيد عليها الصفات بكونها تثبُت بالفعل أو الوصف أو التصريح للصفة بعينها، إذًا باب الصفات أوسع من باب الأسماء، لأن كُل اسم متضمن لصفة، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعاله تعالى، وأفعاله تعالى لا نهاية لها فنصفه بهذه الصفات ولا نسميه بها، يعني: لا نشتق من هذه الصفات فنقول: النازل لأن الله تعالى أو النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ينزل ربنا» . فنشتق له علم نقول: هذا ممنوع، لأن الأعلام والأسماء توقيفية، ولذلك المسألة العاشرة التي تتعلق بهذه الجملة من كلام المصنف صفات الله تعالى توقيفية كما أن الأعلام والأسماء توقيفية أسماؤه تعالى توقيفية كذلك الصفات فلا مجال للعقل فيها لا يُثبت العَلم بالعقل لا نجتهد خلافًا لما قاله بعض المتأخرين، بل نقول: هي توقيفية فلا يجوز أن يُسمى الله تعالى إلا بما سمى به نفسه، ولا يجوز أن يوصفُ الله تعالى إلا بما وصف به نفسه جل وعلا في كتابه أو على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - لقوله تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ} [الإسراء: 36] . والله غيب كما سبق فلا علم لنا إلا بما أطلعنا عليه طريق الوحي فإذا لم يرد بقينا على الأصل وهو عدم العلم والجهل هُنا محَمدَة وليس بمذمة {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ ... بِهِ} ، {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة:169] . قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا يُوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - لا يتجاوز القرآن والحديث. وزاد بعضهم الإجماع، ولا إشكال في ذلك لأن الإجماع لا يكون إلا عن نص حينئذٍ لا يُثبت عَلم أو صفة إلا بدليل قول الرب جل وعلا أو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إجماع، وسيأتي الكلام لابن عبد البر رحمه الله تعالى شيء من ذلك، فالصفات حينئذٍ من الغيب والعقل لا مجال له في الغيبيات، العقل لا علاقة له بالغيبيات البتة ولا علاقة له في الشرعيات كذلك، يعني: لا يكون العقل مصدرًا من مصادر التشريع، فالوسطية عند أهل السنة والجماعة في قضية العقل أن يقال العقل ليس مصدرًا للتلقي وإنما يُستعان به في الفهم والاستنباط فقط، يعني: له مجال أعطاه الشرع مجال الاستنباط والفهم والتأمل والتفكر لذلك جاء {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44] ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ} [النساء: 82] إلى غير ذلك مما أُحيل فيه إلى العقل وهذا فيما جاء الشرع به، وأما ما لم يرد به الشرع حينئذٍ العقل لا يشرع فليس عندنا إلا الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح، والقياس يكونُ في الفرعيات لا في العقائد، وإذا كان كذلك حينئذٍ العقل ليس مصدرًا من مصادر التشريع وليس مقدمًا على النقل بل هو تابع للنقل ولا تعارض بين النقل الصحيح والعقل الصريح.