ثم قال المصنف رحمه الله تعالى: ( {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه: 5 - 7] ) ( {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} ) سيأتي ذِكرُ صفة الاستواء في محله إن شاء الله تعالى، وإنما ذكر المصنف هنا هذه الآية في سياق الثناء على الله تعالى لأنه ما زال في المقدمة، في سياق الثناء على الله تعالى وحمده، لأن السياق يدل ذلك ففيها إثبات صفة الاستواء لله تعالى على ما يليق به جل وعلا، ( {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} ) في الآية ... بيان لكمال صفاته جل وعلا، ومن ذلك عموم ملكه للسماوات والأرض ( {لَهُ} ) ، ( {لَهُ} ) اللام هذه لِلْمِلْك، ( {مَا فِي} ) ما اسم موصول بمعنى الذي وهي من صيغ العموم، فكل شيء في السماوات وكل شيء في الأرض وكل شيء بين السماوات والأرض فهو ملك لله عز وجل هذا ما بقي شيء، حينئذٍ أقول: عموم ملك الرب جل وعلا هو ما نص عليه في هذه الآية. إذًا عموم ملكه للسماوات والأرض ( {وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} ) ، و ( {الثَّرَى} ) هو التراب الندي، واللام للملك، فجميع ... ما في السماوات وما في الأرض ملك لله تعالى كما أنهم خلقه وعبيده، ... ( {وَمَا بَيْنَهُمَا} ) أي الجن، والإنس، والملائكة، والحيوانات، والجمادات، وسائر الموجودات، ثم قال: ( {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ) . يعني أخفى من السر، وهذا فيه بيان سعة علمه جل وعلا، ( {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ) فيه بيان لسعة علمه جل وعلا وإطلاعه على عباده، فالجهر بالقول والعلانية عنده سواء، الجهر بالقول ( {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} ) فيعلمه الله عز وجل، ( {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ) أخفى من السر، إذًا جهرك بالقول من باب أولى وأحرى، ( {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ} ) تعليل الفاء هذه للتعليل فإنه جل وعلا ( {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ) ، إذًا الجهر من بابٍ أولى وأحرى، فالجهر بالقول والعلانية عنده سواء، والسر حديث النفس وما يخفيه الضمير، وأخفى منه ما عُلم أو ما عَلم الله عز وجل أنه سيخطر بالبال أو يدور في الخيال، قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} يعني: الهواء بين السماوات والأرض. والأولى أن يعمم بما سبق من الجن الإنس والملائكة والجمادات، ( {وَمَا تَحْتَ الثَّرَى} ) و ( {الثَّرَى} ) هو التراب الندي. قال الضحاك: يعني ما وراء الثرى من شيء. ( {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ} ) أي تُعلم به ( {فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} ) . قال الحسن: السر هو ما أسر الرجل إلى غيره، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه.