لكن {لِمَن يَشَاءُ} علقه بالمشيئة، فقد يشاء أن يغفر له فيغفر له، وقد لا يشاء أن يغفر له فلا يغفر له، لكنه لا بد إن دخل النار أنه أن يُخرج منها وبعد ذلك يدخل الجنة، فالآية صريحة في أن من مات غير مشركٍ فهو تحت مشيئة الله تعالى، ولهذا أورد المصنف حديث ( «يُخْرَجُ من النار» ) أو ( «يَخْرُجُ من النار من قال لا إله إلا الله» ) وفيه دليلٌ على زيادة الإيمان ونقصانه كما سبق، وعلى دخول طائفةٍ من الموحدين النار أليس كذلك؟ لأنه قد يخرج من النار يخرج لماذا؟ لأن في قلبه شيئًا أو مقدارًا من الإيمان من التوحيد، إذًا دخل النار مع وجود التوحيد معه وعلى دخول طائفةٍ من الموحدين النار وأن الكبائر لا يكفر فاعلها ولا يخلد في النار سيذكره المصنف فيما يأتي، بل الإخوة الإيمانية ثابتة مع العاصي ولو كان عاصيًا، كما قال سبحانه في آية القصاص: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] . سماه أخًا {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ} {أَخِيهِ} فسماه أخًا مع وجود القتل منه، فدل على أن العاصي لا يخرج من الإيمان بمجرد الذنوب والمعصية، وقال تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] . إلى أن قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] أي: إخوةٌ في الدين، فسماهم مؤمنين مع وجود الاقتتال بينهم، ولاشك أن الاقتتال هذا كبيرة من الكبائر، وقد فعلوا الكبيرة وقعوا فيها {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ، إذًا فعلوا ما هو كبيرة، قد يكون منهم ما هو محق والآخر ظالم ومع ذلك قال: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} . سماهم إخوة مع وجود الاقتتال وجعلهم إخوة في الدين مع وجود الاقتتال بينهم، فدل على أنهم لا يخرجون من الإيمان بالمعصية، فالفاسق حينئذٍ نقول: مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته. أو نقول: هو مؤمن ناقص الإيمان. فلا يعطى الاسم المطلق نقول: هو مؤمن. هكذا ولا ننفي عنه مطلق الاسم، إذا تقر هذا فاعلم أن الإيمان في الشرع له إطلاقان، بمعنى أنه يستعمل بحالٍ دون حال وكذلك في حالٍ أخرى.
الأول: أن يطلق على الإفراد، يعني: يستعمل مفردًا فيأتي في الشرع في القرآن أو في السنة لفظ الإيمان ولا يذكر معه لفظ الإسلام ولا لفظ الإحسان، يستعمل هكذا مفردًا غير مقترنٍ بذكر الإسلام، فحينئذٍ يراد به الدين كله، فدخل في الإيمان الإسلام، ودخل في الإيمان الإحسان، حينئذٍ لفظ الإيمان يشمل الأعمال الباطنة كلها، ويشمل الأعمال الظاهرة كلها، فلا فرق بين الإيمان والإسلام والإحسان إذا أفرد الإيمان، حينئذٍ يكون مراد به الدين كله القول والعمل وهو الذي سبق تعريفه في كلام المصنف، فإذا عرف أهل العلم الإيمان بأنه قول باللسان، وعمل بالأركان، واعتقاد بالجنان، مرادهم الإيمان إذا أطلق، والخلاف في خروج الأعمال أعمال الجوارح عن مسمى الإيمان في الإيمان المطلق ليس في المقيد. دد