فهرس الكتاب
الصفحة 316 من 401

النوع الثاني: أن يطلق الإيمان مقرونًا بالإسلام كما في حديث جبريل: ما الإسلام؟ فقال له بعد ذلك: ما الإيمان؟ إذًا جاء في سياقٍ واحد ... {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14] جمع بينهما في آية واحدة، حينئذٍ نقول ثَمَّ فرق بين الإيمان والإسلام، فحينئذٍ يراد بالإيمان الاعتقاد الأعمال القلبية، ولا يدخل فيها أعمال الظاهر إلا ما يصححها، وسبق أن تارك الصلاة يعتبر كافرًا مرتدًا عن الإسلام وعلى قول جماهير السلف أنه لو ترك فرضًا واحدًا متعمدًا، يعني: بغير عذرٍ شرعي، فحينئذٍ يطلق الإيمان ويراد به الاعتقاد العمل الباطن لكن لا بد من شيءٍ ظاهر، من عمل ظاهر يصححه، وأما وجود الاعتقاد فقط دون الظاهر نقول: هذا لا وجود له في الشرع، وهو الذي عناه المرجئة والأشاعرة فيما ذكرناه سابقًا، إذًا يطلق مقرونًا بالإسلام فحينئذٍ يراد به الاعتقادات الباطنة، كما في حديث جبريل، فالأول معنًى عام، يعني: إذا أطلق على الإفراد، والثاني معنًى خاص لأنه يفسر بالاعتقاد، فإذا انفرد عن الإسلام فسر بالمعنى العام والخاص والتصديق والاعتقاد بما جاء من شرع الله تعالى، فالإيمان يطلق على العمل الباطن، والإسلام على العمل الظاهر، إذًا إذا أطلق لفظ الإيمان شمل العمل الباطن والظاهر، وإذا اجتمعا حينئذٍ فسر الإيمان بالأعمال الباطنة ولا بد من ظاهر يصححه كالصلاة وهو شرط، وفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة الصلاة والصيام ونحوها، لكن لا بد من عملٍ باطن يصححه، يعني: لا بد من إخلاص، لا تقبل العبادة إلا بإخلاص، ولا تقبل العبادة إلا مع تحقق الخوف من الله عز وجل والتوكل والإنابة ونحو ذلك.

وأصول الإيمان ستة، الاعتقادات الباطنية كما في حديث جبريل «وهي أن تؤمن بالله وملائكته ومكتبه ورسله وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره» . وفي الحديث المذكور حديث جبريل عليه السلام جعل فيه مراتب الدين ثلاثة: الإيمان، والإسلام، والإحسان. حينئذٍ يراد بالإيمان الأعمال الباطنة، ويراد بالإسلام الأعمال الظاهرة، ويراد بالإحسان هو الكمال، ولذلك ذكر بعضهم أن المراد بالإحسان هو كمال تحقيق شرطي صحة العبادة، لأن كل عبادة لا تصح إلا بالإخلاص والمتابعة، كمال الإخلاص في العبادة وكمال المتابعة هو الإحسان، فأعلاها حينئذٍ الإحسان، ثم يليها في المرتبة الإيمان، ثم يليها في المرتبة الإسلام، ولذلك يقال: كل محسن مؤمن مسلم. لأنه لا يأتي بالإحسان الذي هو كمال الإخلاص وكمال المتابعة إلا إذا كان مؤمنًا مسلمًا ولا ينعكس، وكل مؤمنٍ مسلم، وليس كل مسلم يعتبر مؤمنًا، كل مؤمن لا بد أن يكون مسلمًا، وليس كل مسلم يعتبر مؤمنًا، دليل ذلك آية الحجرات {قَالَتِ الْأَعْرَابُ} ماذا؟ قالت آمنا، أدعت الإيمان، قال الله عز وجل ماذا؟ {قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا} نفي عنهم الإيمان، خرجوا من الدين؟ لا، {وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا} فيدخل المرء هي دوائر يدخل مثلاً كافر يسلم يدخل أولاً في دائرة الإسلام، ثم ينتقل منها إلى دائرة أخص وهي الإيمان، ثم يرتقي إلى دائرة أخص وهي الإحسان، والله أعلم.

وصلَّ الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. دد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام