فالسابق إلى الخيرات هو الذي عمل الواجبات والمستحبات واجتنب المحرمات والمكروهات، الله المستعان، يعني: لم يترك لا واجبًا ولا مستحبًا، والمراد بالترك هنا ترك المستحب المواظبة على ترك المستحب، يعني: لا يصلي الوتر مثلاً، غالبه لا يصلي، وأما لو كان الغالب الأصل أنه يصلي ثم ترك هذا لا يصدق عليه هذا التعريف، وإنما يكون الترك أو الوصف بالترك إذا كان لازمًا له، وأما إذا لم يكن لا، حينئذٍ هذا لازم ماذا؟ فعل الواجبات والمستحبات، ولازَم اجتناب المحرمات والمكروهات، فالذي يفعل المستحبات من باب أولى أن يفعل الواجبات، والذي يترك المكروهات من باب أولى أن يترك المحرمات، ولذلك ينبغي لطلاب العلم ولمن كان من أهل الاستقامة ولو لم يكن طالب علم أن يكون اهتمامه بالواجبات أشد وحرصه على علم أو العلم المتعلق بالواجبات أشد، لأنه أهم، بتركه يكون فاسقًا، ولا ينصب الاهتمام إلى فعل المستحبات ويكون عنده خلل في الواجبات، ولا يكون سؤاله وبحثه وعلمه ومدارسته للمستحبات ويكون عنده خلل كبير في الواجبات، لا شك أن ذاك من الشرع، لكن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادةَ أن لا إله إلا الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم» . ... إلى آخره، فبدأ بالتوحيد ثم ثنى بالصلاة ثم ثلث بالزكاة، وكلها من الدين وكلها من أركان الإسلام وكلها مما يجب العمل به، ومنها ما تركه يعتبر ناقضًا للإسلام، لكنه لم يسوي بينها، ولذلك الواجبات منها ما هو متفق عليه بين أهل العلم مجمع عليه، هذا يجب على المكلف أن تتعلق همته بمعرفة هذا النوع، وأن يعرف كيف يقع هذا النوع، وأن يهتم به اهتمامًا كبيرًا من حيث الإيجاد ومن حيث ما يكون خللاً في وجوده، ثم من الواجبات ما هو مختلف فيه، يكون الاهتمام به أقل مما سبق إلا على جهة الترجيح إن كان طالب علم ثم تأتي المستحبات، وأما أن يكون القلب متعلقًا بالمستحبات ثم خلل كبير في فعل الواجبات هذا لا يكون على الجادة، وليست هذه بطريقة السلف، وليست بطريقة الصحابة لفهمهم للدين، كذلك المكروهات قد يتحرز البعض عن فعل بعض المختلف فيه من المحرمات أو المكروهات، وقد يقع فيما هو متفق عليه من المحرمات، وهذا خلاف المشروع، وإنما يكون العكس هو الذي ينبغي الحرص عليه، إذًا أن يفعل الواجبات والمستحبات واجتنب أو يجتنب المحرمات والمكروهات، والمقتصد من هو؟ هو الذي اقتصد اقتصر على فعل والواجبات وترك المحرمات، اقتصر على ما يأثم بتركه أو فعله، والمقتصد هو من اقتصر على فعل الواجبات واجتناب المحرمات، والظالم لنفسه هو من أخل ببعض الواجبات، ترك شيئًا من الواجبات وانتهك بعض المحرمات وقع في شيء من المحرمات، فكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة يطلق عليه أنه مؤمن، كل واحد من هؤلاء يسمى مؤمنًا لأنه تعالى قال: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: 32] .دد