الثالث: التقدير الحولي، يعني: السنوي، وهو الذي يكون في ليلة القدر كما قال تعالى: {فِيهَا} [الدخان: 4] . أي: في تلك الليلة، {يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْراً مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ} [الدخان: 4، 5] وروى عبد الرزاق بن جرير عن قتادة في قوله: {تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ} [القدر: 4] . ... الآية قال: يقضى ما يكون في السنة إلى مثلها. يعني: هذه السنة ما الذي سيقدر؟ يكتب في تلك الليلة، قال ابن القيمة رحمه الله تعالى: وكل واحدٍ من هذه التقادير كالتفصيل من القدر السابق، يعني: لن يكتب في تقدير الحولي شيءٌ لم يكن في اللوح المحفوظ، ولم يكتب في التقدير العمري شيءٌ لم يكتب في اللوح المحفوظ، وإن أثبتنا التقدير اليومي، وقد قال به بعض أهل العلم وفيه حديث فيه شيءٌ من الضعف كذلك لا يُكتب فيه إلا ما كتب في اللوح المحفوظ، إذًا كل واحدٍ من هذه التقادير كالتفصيل من القدر السابق، وفي ذلك دليلٌ على كمال علمه سبحانه وقدرته وحكمته وزيادة تعريفه الملائكة وعباده المؤمنين بنفسه وأسمائه وكذلك صفاته.
قال: فاتفقت هذه الأحاديث ونظائرها على أن القدر السابق لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال، بل يوجب الجد والاجتهاد. يعني: إذا قيل معلومٌ لله ومكتوب، إذًا ففيما العمل؟ أو كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له» . لأنك تعمل ماذا؟ هل تعمل شيئًا تعلمه سابقًا أو شيئًا مجهولاً لك؟ شيء مجهول ما تدري أنت، أنت تقدم على شيءٍ تعلم بعقلك سواءٌ كان بواسطة الشرع أم التجربة أم العادة ونحو ذلك تعلم أنه سليم فتقبل عليه، وأما الاتكال على ما كتب في اللوح المحفوظ أو الكتابة العمرية نقول: هذا شيءٌ مجهولٌ لك، حينئذٍ كيف تدعي أنك تترك مثلاً الصلاة أو تقدم على المعصية لأنه مكتوبٌ عليك، ما الذي أخبرك بأنه كتب عليك؟ نحتاج أولاً إلى أن تثبت بأنه كتب في اللوح المحفوظ وهو غيب، وأنه كتب في الكتابة العمرية أو الحولية أو اليومية وهذا غيب، حينئذٍ أثبت أنك مكتوبٌ عليك في اللوح المحفوظ أنك تعصي أو تفعل كذا ثم بعد ذلك نسلم لك ولا نسلم، لأنه أمر غيبي، إذًا لا يمنع العمل ولا يوجب الاتكال بل يوجب الجد. دد