المرتبة الثالثة من مراتب الإيمان بالقدر هي: المشيئة، المشيئة علم فكتب ثم شاء، وهي: إثبات المشيئة النافذة، أي: الماضية التي لا راد لها من نفذ السهم نفوذًا إذا خرق الرمية فهي نافذة، ونفذ الأمر مضى فهذه المرتبة هي إثبات نفوذ قدرته ومشيئته وشمول قدرته وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان، كل شيء شاءه الله وأراده لا بد أن يقع، إذًا مشيئةٌ نافذة، يعني: تنفذ لا بد أن تقع قدرةٌ شاملة لا يعجز عن شيءٍ البتة، هذه المرتبة تضمنت المشيئة النافذة الماضية التي لا يقف في وجهها شيءٌ البتة، وكذلك قدرته الشاملة لكل شيء لا يعجزه شيءٌ البتة جل وعلا، وهي الإيمان بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما في السماوات وما في الأرض من حركةٍ ولا سكون إلا بمشيئة الله، ولا يكون في ملكه ما لا يريد البتة، وهذه المرتبة ثابتةٌ بالكتاب والسنة وأجمع عليها سلف الأمة، قال الله تعالى: {وَلَوْ شَاء اللهُ مَا اقْتَتَلُواْ} [البقرة: 253] . {اقْتَتَلُواْ} ، {وَلَوْ شَاء اللهُ} أراد الله عز وجل أن لا يقتتلوا لما اقتتلوا، {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149] ولم يشأ، أليس كذلك؟ {فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} ، أي: كل الناس، ولم يشأ بدليل ماذا؟ وقوع الكفر، هذا كافر وهذا مؤمن، إذًا شاء أن يكون البعض مؤمنًا فوقع وحصل، وشاء أن يكون البعض كافرًا جاحدًا معاندًا فقد وقع، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً} ... [هود: 118] هذه الآيات تدل على أن أفعال العباد متعلقةٌ بمشيئة الله وأن مشيئته نافذة، وقال تعالى: {وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] . إذا كان الله عز وجل لا يقع شيءٌ في الأرض إلا بمشيئته، هل يلزم من ذلك أن يكون العبد ليست له مشيئة بل هو مهجور؟ نقول: لا، له مشيئة وجعل الله عز وجل له اختيارًا وله قدرة بها يستطيع إنفاذ الأعمال والأفعال، ولكن هذه المشيئة تابعةٌ لمشيئة الله ليست مستقلة، يعني: يشاء كما يشاء الله عز وجل؟ لا، وإنما لك مشيئة، وهذا من رحمة الله عز وجل بالعباد أن جعل لهم مشيئة لكنها تابعةٌ لمشيئة الخالق جل وعلا، ولذلك قال: {وَمَا تَشَاؤُونَ} . هنا أثبت المشيئة بمعنى أنه أسند الفعل إلى الواو، ولا يسند الشيء إلى الفاعل إلا إذا اتصف به، إذا قيل: صام زيدٌ. هل يصح أن تقول: صائم. دون أن يتصف بالصيام؟ الجواب: لا، صلى القوم كذلك، فحينئذٍ {مَا تَشَاؤُونَ} أفاد أن المشيئة ثابتة لهم، لكن قال: {إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} .دد