فهرس الكتاب
الصفحة 239 من 401

لا نبي ولا غير نبي، وهذا يوافق ما حكاه الدارمي من الإجماع إجماع الصحابة على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرى ربه في الدنيا، إذًا ما يحكيه المتأخرون من الخلاف نقول: هذا خلافٌ حادث، وإذا نقل الإجماع عن الصحابة ونقل قول أبي ذر وهو نصٌ في المسألة هل رأيت ربك؟ قال: «نورٌ أنى أراه» . «أنى» هذا استبعاد، يعني: لا يُرَى، حينئذٍ حجبت الأنوار بينه وبين ربه، وكذلك ما حكاه ابن تيمية رحمه الله تعالى من اتفاق أهل السنة، وابن تيمية رحمه الله تعالى يعتبر حجةً فيما يحكيه في مقام العقائد من إجماعات عن أهل السنة دل ذلك على أن الخلاف المتأخر الموجود عند المتأخرين خلافٌ حادث، وإنما المسألة محل إجماع، إذًا هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه؟ نقول بإجماع الصحابة: لا لعموم قوله: {لَن تَرَانِي} . لأن الخطاب لموسى عليه السلام ولغيره، لأن مقام العقيدة ليس خاصًا بنبيٍ دون غيره من الأنبياء، فكما أن موسى لن يرى ربه في الدنيا مع كونه من أولي العزم من الرسل كذلك غيره من الأنبياء فمن دون الأنبياء من بابٍ أولى وأحرى، حينئذٍ خرافات الصوفية التي يذكرونها في كتبهم، تراجمهم من أن ذاك قد رأى ربه .. إلى آخره فإنما رأوا الشياطين ولم يروا ربهم، وإثبات الرؤية عند أهل السنة والجماعة إنما هو نظرٌ بالبصر حقيقةً، البصر الذي هو محل العين، العين محلٌ لإصدار البصر، ولا يلزم منه الإدراك، أليس كذلك؟ لأن الإدراك هو الإحاطة فهو ينظر إلى وجه ربه جل وعلا ولا يلزم من ذلك أنه يحيط، يعني: يرى ذات الرب جل وعلا كلها لقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ} [الأنعام: 103] . إذًا لا يلزم من إثبات الرؤية وهي رؤيةٌ ثابتةٌ بالبصر حقيقةً لا يلزم من ذلك الإدراك لقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} . فالرؤية أخص من الإدراك، لا يلزم من إثبات الرؤية إثبات الإدراك، لماذا؟ لأن الرؤية أخص، وهنا قد نفي ماذا؟ {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} ، يعني لا تحيط به الأبصار لعظمة الرب جل وعلا، إذًا الرؤية أخص من الإدراك، فالمعنى لا تحيط به إذا رأته لعجزها عن إدراك كنهه، ففي الآية إثبات الرؤية يعني {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} نفي للإدراك لا نفيٌ للرؤية، لَمَّا نفى الإدراك أثبت الرؤية، وهذا النص حجةٌ على المخالفين الذين استندوا إليها في نفي الرؤية، نقول: هي عليكم لا لكم، لأنه نفى الأعم ولا يلزم منه نفي الأخص، كما أن العلم بالقلب أيضًا لا يلزم منه الإدراك لقوله تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 110] . مع كون المرء يعلم ربه بقلبه، يعلم أن له ذاتًا لا تشبه الذوات، ويعلم أن له صفة العلم، وأن له صفة الحلم، وصفة الكرم، إلى آخره من الصفات، لكن لا يلزم من هذا العلم الإحاطة بالرب جل وعلا من كل وجهٍ، ولذلك قال: {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام