فهرس الكتاب
الصفحة 238 من 401

أولاً: كونه عيانًا لقوله: {وُجُوهٌ} . والوجوه محلٌ للعين، ثم قال: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} . فالوجوه تنظر إلى ربها، ومحل النظر هو العين، ولذلك جاء في النص عِيانًا، وكونه في يوم القيامة لا في الدنيا لقوله: ... {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ} . يعني: يوم القيامة، فالتنوين هنا عوضًا عن المضاف إليه المحذوف، إذًا دلت الآية على أن الله تعالى يرى عيانًا بالأبصار يوم القيامة، ودلت أيضًا على أن هذه الرؤية خاصةٌ بالمؤمنين، لقوله: ( {وُجُوهٌ} ) . أي: وجوه المؤمنين، حينئذٍ الكفار لا يرون ربهم يوم القيامة، وأما المنافقون فيرونه في العرصات وليس لهم حظ في الجنة، وأما المؤمنون حينئذٍ إذا دخلوا الجنة خَلُصَت الجنة لهم ويرون ربهم، حينئذٍ تكون الرؤية في الجنة خاصةً بالمؤمنين لأن الجنة محلٌ للمؤمنين دون غيرهم، وأما في العرصات فثَمَّ خلافٌ هل الكفار يرون ربهم أم لا؟ الظاهر أنه لا لعموم النصوص الواردة في ذلك كما في الآية التي سيذكرها المصنف رحمه الله تعالى: ( {كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين: 15] ) . والآية فيها عموم، وأما المنافقون فقد ورد نصٌ أنهم يرون ربهم لكن في العرصة، إذًا دلت الآية على أن هذه الرؤية خاصةٌ بالمؤمنين دون غيرهم، ودلت أيضًا هذه الآية على أن هذه الرؤية إنما تحصل للمؤمنين يوم القيامة دون الدنيا لِمَ ذكرناه، ولم يثبت أن أحدًا رآه سبحانه في الدنيا، قال الله تعالى في حق موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] . أي: في الدنيا، وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا» . «إنكم لن تروا ربكم» يعني: في الدنيا، بدليل ماذا؟ «حتى تموتوا» ، إذًا قبل الموت هو في الدنيا وبعد الموت هو داخلٌ في شأن الآخرة، وهذا الحكم مُغَيَّ، يعني: بـ حتى فما بعد حتى مخالفٌ لما قبلها، حينئذٍ أثبت الرؤية بعد الممات لأن قوله: «إنكم لن تروا ربكم» . هذا نفيٌ للرؤية في الدنيا لأنه قابله بالموت، «حتى تموتوا» حينئذٍ ترون ربكم ففيه نفي للرؤية في الدنيا وفيه إثباتٌ للرؤية في الآخرة، هذا واضحٌ بين واختلف هل حصلت الرؤية لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا أم لا؟ ثَمَّ خلافٌ عند المتأخرين فالأكثرون على أنه لم يره سبحانه، وحكاه عثمان بن سعيد الدارمي بإجماع الصحابة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يرى ربه، وهذا هو الصحيح أنه لم يره، وحكاه الدارمي بإجماع الصحابة، وقد جاء في حديث أبي ذر في صحيح مسلم أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - هل رأى ربه؟ فقال النبي: «نورٌ أنى أراه» . يعني: النور حجبني، فكان مانعًا بين أن أرى ربي، «نورٌ أنى أراه» . أي: حالت بيني وبينه، يعني: بين رؤيته الأنوار، وقالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (من حدثك أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد كذب) . من حدثك أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه فقد كذب. قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: أهل السنة متفقون على أن الله سبحانه لا يراه أحدٌ بعينه في الدنيا لا نبيٌ ولا غيره.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام